المراسلة السادسة للشيخ البهاري |
رأيتك في ليلة من الليالي كسلاً فاترا ، ولم أعرف الحكمة في ذلك ؟.. فلو كان فتورك للدنيا ، فاعلم أن العبد لا يأخذ أكثر من قوته المقدر له.. وإن كان للآخرة فاعلم أن الله تعالى يستقبل العبد الهارب بأول سعي منه إليه ، إذ أن الراحل إليه قريب المسافة .. أو ما سمعت قوله : لو علم المدبرون كيف اشتياقي إليهم لماتوا شوقاً .. فعجّل قبل فوات الأوان. وإذا رأيت نفسك لا تُقبل على العبادة ، فالتجأ إليه بالتضرع والمسكنة ، فإن العطاء _ بلا حساب واستحقاق – إنما هو ديدنه وعادته .. فلا تلتفت إلى وسوسة الشيطان في أنه لا مجال للتوبة بعد تكرر المعصية ، فإنه جلّت عظمته توّاب غفور ، وأولياؤه أيضاً مأمورون بذلك . وأما لو كان فتورك وضيقك لأجل فراق الاخوان ، نظراً إلى أن مودة سنة رحم ماسة ، وفرقتها نار موقدة ، وقد قال الشاعر:
وقال آخر :
فأقول لك : إن للكلام تفصيلاً وفروعاً.. والحق أنه لو كانت صداقة الانس هذه من موجبات الالتذاذ بالدنيا ، فلا معنى للضيق والفتور أبداً ، بل لا بد من الفرح والسرور لتخلّصك من هذه البلية ، وفقنا الله تعالى لنيل هذه المرتبة الجليلة . وأما لو كانت أخوتك في الله تعالى فإن مفارقة الأنيس – وإن كانت موجبة للوحشة – إلا أن علاج الأمر ليس بالضيق والتبرم ، بل عليك بالإحسان إليه والقيام بحقوق اخوته ولو في غيابه ، فإن الاخوة عقد يجب الوفاء به.. وليس القصد هنا التفصيل في بيان حقوق الاخوة ، بل على المؤمن أن يعين اخوانه على الثبات على لوازم الاخوة ليقطفوا جميعاً ثمارها ، وإن من ثمارها الخلاص مما يقع فيه كل واحد منهما من البلاء في أهوال الآخرة . (محمد البهاري الهمداني ) |
