الرئيسية / زاد الاخرة / تذكرة المتقين للشيخ مجمد البهاري

تذكرة المتقين للشيخ مجمد البهاري

المراسلة السابعة للشيخ البهاري

اخواني !.. كأني أراكم وأنتم على ما كنتم عليه .. إذ لا علم ولا عمل ولا ورع ولا تقوى .
ما هذا التواني في أمر الآخرة ، والتكاسل في طاعة الذوات الطاهرة؟.. أنسيتم الموت الذي لا بد منه ، وهو الهادم لأركان اللذات ، والمخرب لبنيان الغرائز ؟.. أليس ذكره يزهّدكم في الدنيا ويرغّبكم في الآخرة ؟..

أمَا قال أصدق الصادقين : إنّ مَن تَذّكره في اليوم والليلة عشرين مرة يحشر مع شهداء أُحد . المستدرك 2/104..

أما وجدتم ذكره في غاية النفع والتأثير؟.. ولعل الذي منعكم من ذلك هو اشتغال القلب بما سواه ، وعدم التهيؤ لسفر الآخرة ، وإلا لا ريب في أن المسافر لا همّ له إلا الاستعداد له ، فمن تفكر في حال الفراعنة لا بد وأن يقلّ سروره بالدنيا وشهواتها ، وينكسر قلبه عن لذاتها ، فالعاقل من جرّد نفسه للمنية وهيأها للتنعم والتحية ، وإن شئت ذلك فتفكر في حال نظرائك الذين كانوا منهمكين في الشهوات بطول آمالهم ، كيف انتقلوا من أنس العشرة إلى وحشة الهجرة ، ومن فسح القصور إلى ضيق القبور ، ومن النظافة وحسن الصورة إلى قبح المنظر والسيرة ، واسأل عن قبره بلسان فصيح وقل :
بالله يا قبر هل زالت محاسنه —– وهل تغير ذاك المنظر النضر

وكيف كان ، فاغتنم يا حبيبي ما أقول لك : إن حالة الناس في ذكر الموت وحالاته على أقسام .. فهم بين منهمكٍ في الدنيا وشهواتها ، وخائضٍ في غمرات لذاتها ، وبين سالك مبتدئ ، وعارف واصل .

والاول: لا يذكر الموت إلا بذمّ ، لصده إياه عن محبوبه ، وكونه حاجباً له عن مطـلوبه ، بل يفرّ منه ويعاديه وإن كان لزاماً أن يلاقيه ، فلا يستفيد من ذكره إلا بُعداً .

والثاني: يستعد بذكره لاقتناء الخيرات ، والمسارعة إلى تحصيل فضائل الملكات ، ويكرهه خوفاً من أن يلقاه قبل الوصول إلى هذه الكمالات ، وهو في هذا الحال معذور ، ولا يُعد من كلاب دار الغرور ، بل لا يُحسب من الذين كرهوا لقاء الله عزّ وجلّ فكره لقاءهم ، وعلامته الاشتغال بما يعده للممات ، والتهيؤ للزاد قبل الفوات .

واما الثالث: – وإن كان لا فائدة في ذكره – فهو إنما يذكره ويشتاق إليه حباً له وشوقاً منه إليه ، إذ فيه لقاء الحبيب ، ولذا قال سـلام الله عليه : والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه . البحار 28/ص233 .. لما فيه من الخلاص من سجن الطبيعة ، والوصول إلى الدرجات العالية الرفيعة ، وإلى ذلك أشار بقوله سلام الله عليه :
فزت ورب الكعبة . البحار 42/239..

وهناك قسم آخر أعلى : وأرفع مما ذكر ، إلا أنه لا مجال لذكره.

(محمد البهاري الهمداني )

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...