الرئيسية / زاد الاخرة / وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين

وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين

ابني العزيز:

رجوتني  مرات عديدة أن لا أتحدث عنك بما يدلُّ على تبرئتك من التهم المنسوبة إليك، وقلت أن ذلك لأجل الإسلام ومصلحة الجمهورية الإسلامية. ولكن إذا رأيت في هذه الوريقات أني خالفت قولك هذا وقلت عنك شيئاً غير ما طلبت مني، فاعلم أن ذلك عمل بالتكليف الإلهي، والتصدي للدفاع عن شخص مسلم، أو عن أحد عباد الله ممن تحمّلوا في سبيلي كل هذه التهم والأذى، دون أن أقول أنا كل ما أعرف عنه.

أشهد الله القاهر الحاضر المنتقم بأن (أحمد) ومنذ اليوم الذي تصدى فيه لمساعدتي، وأصبح مسؤولاً عن علاقاتي الخارجية وإلى الآن -حيث أكتب هذه الكلمات- لم يخطُ خطوةً، أو يكتب حرفاً واحداً خلافا لقولي، أو لما أكتبه، وقد سعى بحرصٍ شديد على عدم تغيير كلمة واحدة، بل حتى حرف واحد أحيانا مما قلته أو كتبته مما يرى هو حاجة إلى إصلاحه دون إذنٍ مني، رغم أني أجزته هو وبعض أعضاء مكتبي الخاص ممن تكفلوا مسؤولية العلاقات الخارجية -حفظهم الله- أن يلفتوا نظري إلى أي شيء يرون فيه خلاف الصلاح، وقد كان ابني (أحمد) دوما في مجريات هذه الأمور وما زال، إلاّ أنه إلى الآن لم يعمل على إضافة أو إنقاص كلمة دون الرجوع إليّ -والله على كل ذلك شهيد.

إلهي ‍ رغم عدم رغبتي في كتابة أو قول أي شيء حول أقربائي مما يُشمّ منه رائحة المديح، إلا أنك تعلم ياإلهي بإنّ السكوت إزاء التهم الباطلة جرمٌ وذنب، وإنّي لم ألمس من إخواني ممن يعملون في مكتبي أية مخالفة تستوجب عدم رضاي. هؤلاء كان لهم ماضٍ طويل معي، وقد تعرض من بينهم الشيخ الصانعي(7- هو الشيخ حسن الصانعي من العلماء الملتزمين والمجاهدين، ويتولى حاليا رئاسة مؤسسة  الخامس عشر من خرداد.) إلى مختلف الصدمات -على مدي حياتي- بسبب ارتباطه بي وإني أدعو لهم جميعا بالأجر الجزيل والصبر الجميل.

لا يفوتني أن أقول في الختام بأن (أحمد) لم يستلم إلى الآن ديناراً واحداً من بيت المال، وإني أنفق من أموالي الخاصة لأمور معاشه.

اللهم اغفر لنا -نحن عبيدك الغارقون في الذنوب- ولا تحجب عنا رحمتك الواسعة، وإن كنا لسنا أهلاً لذلك، ولكنّا مخلوقاتك.

اللهم! احفظ هذه الجمهورية الإسلامية والمسؤولين فيها، ومقاتلينا الأعزاء، وارعهم بعين رعايتك، وارحم الشهداء والمفقودين الإعزاء وعوائلهم برحمتك، ورُدّ الأسرى والمفقودين إلى أوطانهم بحق محمد وآله الأطهارعليهم السلام.

بتاريخ 27 -ربيع الثاني 1408هـ- 19/12/1987م

روح الله الموسوي الخميني

وقود الحب

إلى السيدة فاطمة الطباطبائي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

” فاطمة التي طلبت مني رسالة عرفانية، طلبت من نملة عرش سليمان كأنها لم تسمع “ما عرفناك” ممن طلب منه جبريل نفحة رحمانية”(1- إشارة  إلى رواية  عن رسول الله صلى  الله عليه وآله وسلم: “ما عبدناك حق عبادتك وما عرفناك حق معرفتك” مرآة العقول8/146.) 

أخيراً بعد الإصرار، حملتني على أن أكتب وبشكل ببغاوي، عدة أسطر عما قلبي غير مطلع عليه، وأنا أجنبي عنه. وهذا في الوقت الذي رمى ضعف الشيخوخة ما كان في كنانتي -رغم أنه لم يكن شيئا يذكر- في دائرة النسيان.. وأضيفت إلى ذلك الابتلاءات التي لا تُحكي ولا تُكتب.. ويكفي أن أذكر تاريخ هذا الكتاب ليُعلم في أي زمان بدأت (الكتابة) حتى لا أرد طلبك السبت 24 شعبان المعظم 1404/5 خرداد 1363، وليلاحظ القراء أوضاع العالم وإيران في هذا التاريخ.

من أين أبدأ، الأفضل أن يكون ذلك من الفطرة{..فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ..}(الروم/30). هنا أكتفي بالفطرة الإنسانية رغم أن هذه خاصية الخلقة {..وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..}(الإسراء/44).، “الكل يقولون:” نحن سميعون وبصيرون

ومدركون إلاّ أننا معكم أيها الأجانب ساكتون”(2-مضمون بيتين لمولوي، الدفتر الثالث.)، نحن أيضا نلقي نظرةً على العرفان الفطري للناس ونقول:  بمقتضى الفطرة والخلقه لا يمكن أن يتوجه الإنسان إلى غير الكمال المطلق أو يتعلق قلبه به.

كل الأرواح والقلوب متوجهةٌ إليه، ولا ولن تبحث عن غيره، وتمدحه هو ولا تستطيع أن تمدح غيره. . مدح كل شيء مدح له رغم أنّ المادح ما دام في الحجاب يظن أنه يمدح غيره.. وفي التحليل العقلي الذي هو أيضاً حجاب، الأمر كذلك أيضا.

ذلك الذي يطلب الكمال كيفما كان يعشق الكمال المطلق لا الكمال الناقص.. كل كمال ناقص محدود بالعدم، والفطرة تنفر من العدم.

طالب العلم يطلب العلم المطلق ويعشق العلم المطلق وكذلك طالب القدرة وطالب كل كمال.

الإنسان -بالفطرة- عاشق الكمال المطلق، وما يريده في الكمال الناقص هو كماله لا نقصه، لأن الفطرة منزجرةٌ منه. والحجب الظلمانية والنورانية هي التي توقع الإنسان في الخطأ.

الشعراء والمداحون يظنون أنهم يمدحون الأمير الفلاني أو المقتدر الفلاني أو الفقيه الفلاني..

أنهم يمدحون القدرة والعلم لا بشكلهما المحدود وإن ظنوا أنها محدودة. وهذه الفطرة لا يمكن تبديلها وتغييرها{..لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ..}(الروم/30). وما دام الإنسان في حجاب نفسه ومشغولا بنفسه ولم يخرق

الحجب حتى الحجب النورانية ففطرته محجوبة والخروج من هذا المنزل يحتاج -بالإضافة إلى المجاهدات- إلى هداية الحق تعال. تقرأين في المناجات الشعبانية المباركة:”إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقةً بعزّ قدسك، إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سراً(3- بحار الأنوار 91/97)…”، كمال الإنقطاع هذا هو الخروج من منزل الأنا والإنية ومن كل شيء وكل شخص، والالتحاق به والانقطاع عن الغير. وهو هبةٌ إلهية إلى الأولياء الخلّص بعد الصعق الحاصل من الجلال الذي يقع إثر اللحظ (ولاحظته) الخ….

وما لم تُنوّر أبصار القلوب بضياء نظرته لا تُخرق حجب النور ومادامت هذه الحجب باقية فلا سبيل إلى معدن العظمة، ولا تحصل الأرواح على التعلّق بعزّ القدس ولا تحصل مرتبة التدلي”ثم دنا فتدلى” وأدنى من ذلك الفناء المطلق والوصول المطلق.

“أيها الصوفي يجب الحصول على الصفاء من طريق العشق”

“العهد الذي عاهدته يجب الوفاء به”

“ما لم يتحقق لك وصال المحبوب فيجب أن تفني نسك في الطريق إليه”(4-* مضمون بيتين).

ولا تتحقق النجوى السرية للحق مع عبده الخاص إلا بعد الصعق واندكاك جبل الوجود(5-إشارة إلى  مضمون قوله تعالى: {..فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}(الأعراف/143).) رزقنا الله وإياك.

شاهد أيضاً

قراءة القرآن وآداب تلاوته ومقاصده

الدرس السابع عشر: تفسير سورة الجمعة     أهداف الدرس على المتعلّم مع نهاية هذا ...