4ـ أحاديث خسف البيداء في صحيح مسلم : أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عبيد الله بن القبطية انه قال : «دخل الحارث بن أبي ربيعة ، وعبدالله بن صفوان ، وانا معهما على أُم سلمة أُم المؤمنين ، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به ـ وكان ذلك في أيام ابن الزبير ـ فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعوذ عائذ في البيت ، فيبعث اليه بعث ، فاذا كانوا ببيداء من الارض خسف بهم»(3).
وقد يظن بعض الجهلاء ان هذا الحديث من وضع الزبيريين أبّان ما كان من أزمة عبدالله بن الزبير مع الامويين التي انتهت بقتله . ولكن الواقع ليس كذلك اذ روي الحديث من طرق شتى عن ابن عباس ، وابن مسعود، وحذيفة ، وأبي هريرة ، وجد عمرو بن شعيب ، وأُم سلمة ، وصفية، وعائشه، وحفصة، ونفيرة امرأة القعقاع وغيرهم من كبار الصحابة، مع تصحيح الحاكم لبعض طرقه على شرط الشيخين(4).
____________
(1) سنن الترمذي 4 : 506 | 2232.
(2) المصنف لابن أبي شيبة 15 : 196 | 19485 و 19486 ، ومسند أحمد 3 : 80 ، والمصنف لعبد الرزاق 11 : 371 | 20770، ومستدرك الحاكم 4 : 454، ودلائل النبوة للبيهقي 6 : 514، وتاريخ بغداد 10 : 48، وعقد الدرر للمقدسي الشافعي : 61 باب | 4 ، والبيان للكنجي الشافعي : 506 باب | 11، والبداية والنهاية 6 : 247 ، ومجمع الزوائد 7 : 314 ، والدر المنثور 6 : 58 ، والحاوي للفتاوى 2 : 59 و 62 و 63 و 64 .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 18 : 4 و5 و6 و7.
(4) مسند أحمد 3 : 37، سنن الترمذي 4 : 506 | 2232، ومستدرك الحاكم 4 : 520 وتلخيص المستدرك للذهبي 4 : 520، وأخرجه أبو داود في سننه بسند صحيح كما نص على ذلك في عون المعبود شرح سنن أبي داود 11 : 380 شرح الحديث 4268.
وقد جمع السيوطي الكثير من طرق الحديث ومن رواه من الصحابة في الدر المنثور 6: 712 ـ 714 في تفسير الآية 51 من سورة سبأ.
وبالجملة فإنّ خسف البيداء يكون بالجيش الذي يقاتل الاِمام المهدي في لسان جميع الاحاديث الواردة في هذا الشأن وهي تكفي لتوضيح المراد بحديث مسلم ، قال في غاية المأمول : «وما سمعنا بجيش خسف به للآن ، ولو وقع لاشتهر أمره كاصحاب الفيل»(1).
اذن ، لابدّ من وقوع الخسف بأعداء المهدي ان عاجلاً أو آجلاً وهنالك سيخسر المبطلون.
التذرع بتضعيفات ابن خلدون لأحاديث المهدي
تذرع منكرو عقيدة ظهور الاِمام المهدي عليه السلام بتضعيفات ابن خلدون لبعض أحاديث المهدي، وللاَسف إنهم لم يلتفتوا إلى ردود علماء الدراية من أهل السنة على ابن خلدون، وتناسوا أيضاً تصريح ابن خلدون نفسه أثناء تضعيفه لبعض الاَحاديث الواردة في الاِمام المهدي بصحة بعضها الآخر.
قال الاستاذ الازهري سعد محمد حسن ـ تلميذ الاستاذ أحمد أمين ـ عن أحاديث المهدي : «ولقد أوسع علماء الحديث ونَقَدَتِه هذه المجموعة نقداً وتفنيداً، ورفضها بشدة العلاّمة ابن خلدون»(2).
ومثل هذا الزعم نجده عند اُستاذه أحمد أمين(3)، وكذلك عند أبي
____________
(1) غاية المأمول شرح التاج الجامع للاصول 5 : 341.
(2) المهدية في الاِسلام : 69.
(3) المهدي والمهدوية : 108.
زهرة(1)، ومحمد فريد وجدي(2)، وآخرين كالجبهان(3)، والسائح الليبي الذي قال : «وقد تتبع ابن خلدون هذه الاَحاديث بالنقد، وضعفها حديثاً حديثاً»(4).
حقيقة تضعيفات ابن خلدون:
مما لاشكَّ فيه، أنَّ ابن خلدون نفسه من القائلين بصحة بعض أحاديث المهدي وضعف بعضها الآخر، وهذا لم يكن اجتهاداً منا في تفسير كلام ابن خلدون بل الرجل صرّح بهذا في تاريخه كما سنوافيك بنقل نص كلامه. ويبدو لنا أن الاُستاذ أحمد أمين لم يرَ تصريح ابن خلدون بصحة بعض الاَحاديث، فأشار إلى تضعيفاته فقط، ثم نقل هؤلاء عنه ذلك مع صياغة جديدة في التعبير من دون مراجعة تاريخ ابن خلدون!
ثم لو فرضنا أن ابن خلدون لم يصرّح بصحة شيء من أحاديث المهدي، أفلا يكفي تصريح غيره من علماء الحديث والدراية بصحة أحاديث المهدي وتواترها ؟ مع أن اختصاص ابن خلدون هو التاريخ والاجتماع !! ثم ما هو المقدار الذي ضعّفه ابن خلدون حتى يُضخّم عمله بهذه الصورة ؟
إنه لم يضعّف سوى تسعة عشر حديثاً فقط من مجموع ثلاثة وعشرين حديثاً فقط، وهو المجموع الكلّي الذي تناوله ابن خلدون بالدراسة والنقد، لا أكثر ، وهو لم يذكر من الذين أخرجوا أحاديث المهدي غير
____________
(1) الاِمام الصادق : 239.
(2) دائرة معارف القرن العشرين 10 : 481.
(3) تبديد الظلام للجبهان : 479 ـ 480.
(4) تراثنا وموازين النقد | علي حسين السائح الليبي : 185. مقال منشور في مجلة كلية الدعوة الاسلامية في ليبيا، عدد | 10 لسنة 1993 م ـ طبع بيروت.
سبعة فقط وهم :
«الترمذي ، وأبو داود ، والبزّار ، وابن ماجة ، والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي»(1)، تاركاً بذلك ثمانية وأربعين عالماً ممن أخرج أحاديث المهدي أولهم ابن سعد صاحب الطبقات (ت|230 هـ) وآخرهم نور الدين الهيثمي (ت| 807 هـ) .
كما لم يذكر من الصحابة الذين اُسندت إليهم أحاديث المهدي إلاّ أربعة عشر صحابياً(2)، تاركاً بذلك تسعة وثلاثين صحابياً آخر كما فصّلنا ذلك في الفصل الاَول.
علماً بأنه لم يذكر من أحاديث الصحابة الاَربعة عشر إلاّ اليسير جداً، في حين تتبعنا مرويات أبي سعيد الخدري وحده ـ وهو من جملة الاربعة عشر ـ فوجدناها أكثر من العدد الكلي الذي تناوله ابن خلدون. بل وحتى الذي اختاره من أحاديث أبي سعيد الخدري لم يذكر سائر طرقه بل اكتفى باليسير منها لعدم علمه ببقية طرق الحديث الاَُخرى، ومن راجع ما ذكرناه من طرق أحاديث المهدي وقارنه بما في تاريخ ابن خلدون ـ الفصل 52 من المجلد الاَول ـ عَلِمَ علم اليقين بصحة ما نقول .
ومن هنا تعرض ابن خلدون إلى مؤاخذات عنيفة ، وردود مطوّلة ومختصره، وفي هذا الصدد يقول أبو الفيض الشافعي في (ابراز الوهم) في الرد على من تذرع بتضعيفات ابن خلدون : «في الناس اليوم ممن يخفى عليه هذا التواتر ويجهله ويبعده عن صراط العلم جهله ، ويصدّه من ينكر ظهور المهدي وينفيه ، ويقطع بضعف الاَحاديث الواردة فيه ، مع جهله بأسباب التضعيف ، وعدم إدراكه معنى الحديث الضعيف ، وتصوره
____________
(1) تاريخ ابن خلدون 1 : 555 الفصل ـ 52.
(2) تاريخ ابن خلدون : 556 .
مبادئ هذا العلم الشريف ، وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنية ـ بتواترها ـ عن البيان لحالها والتعريف ، وإنما استناده في إنكاره مجرد ما ذكره ابن خلدون في بعض أحاديثه من العلل المزوّرة المكذوبة ، ولَمَزَ به ثقات رواتها من التجريحات الملفقة المقلوبة ، مع أنّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان ، ولا ضرب له بنصيب ولاسهم في هذا الشأن، ولا استوفى منه بمكيال ولاميزان . فكيف يعتمد فيه عليه ، ويرجع في تحقيق مسائله اليه ؟! فالواجب : دخول البيت من بابه ، والحق: الرجوع في كل فن إلى أربابه ، فلا يقبل تصحيح أو تضعيف إلاّ من حفّاظ الحديث ونقّاده»(1).
ثم نقل بعد ذلك عن جملة من حفّاظ الحديث ونقّاده قولهم بصحة أحاديث المهدي وتواترها.
وقال الشيخ أحمد شاكر : «ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحماً لم يكن من رجالها ، انه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته تهافتاً عجيباً ، وغلط أغلاطاً واضحة . إنّ ابن خلدون لم يحسن فهم قول المحدّثين ، ولو اطّلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال»(2).
وقال الشيخ العباد : «ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف، وإنما الاعتماد بذلك بمثل البيهقي، والعقيلي، والخطابي، والذهبي، وابن تيمية، وابن القيّم، وغيرهم من
____________
(1) إبراز الوهم المكنون : 443.
(2) الرد على من كذب بالاحاديث الصحيحة الواردة في المهدي : مقال للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد ، منشور في مجلة الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة العدد | 1 السنة | 12 برقم (46) سنة 1400 هـ .
أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي»(1).
وعلى أية حال فإنّ حجة المتمسكين بتضعيفات ابن خلدون حجة داحضة لاعتراف ابن خلدون نفسه بصحة أربعة أحاديث من مجموع ما ذكره وهي :
1 ـ ما رواه الحاكم من طريق عون الاعرابي عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري . فقد سكت عنه ابن خلدون ولم ينقده بحرف واحد لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنة قاطبة. وهو وإن لم يصرح بصحته إلاّ ان سكوته دليل على اعترافه بصحة الحديث(2).
2 ـ ما رواه الحاكم أيضاً من طريق سليمان بن عبيد ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري. قال عنه ابن خلدون : «صحيح الاسناد»(3).
3 ـ ما رواه الحاكم عن علي عليه السلام حول ظهور المهدي وصححه الحاكم على شرط الشيخين . قال ابن خلدون : «وهو إسناد صحيح كما ذكر»(4).
4 ـ ما رواه أبو داود السجستاني في سننه من رواية صالح بن الخليل، عن أُم سلمة . قال ابن خلدون عن سنده : «ورجاله رجال الصحيح لامطعن فيهم ولا مغمز»(5).
تضعيفات ابن خلدون بلغة الاَرقام :
إنَّ لغة الارقام الحسابية لاتقبل نقاشاً ولاجدلاً، وسوف نُخضع نتائج
____________
(1) مقال الشيخ عبد المحسن العباد الآنف الذكر.
(2) تاريخ ابن خلدون 1 : 564 من الفصل ـ 52.
(3) تاريخ ابن خلدون 1 : 564 .
(4) تاريخ ابن خلدون 1 : 565 .
(5) تاريخ ابن خلدون 1 : 568 .
البحث في تضعيفات ابن خلدون إلى تلك اللغة لنرى القيمة العلمية لعمله على جميع الافتراضات المحتملة ، وذلك بعد تصنيف أحاديث المهدي عليه السلام واستقرائها من ألف مجلد كما في (معجم أحاديث المهدي) ويقع في خمسة مجلدات اشتملت على مايأتي :
1 ـ المجلدان الاول والثاني: اشتملا على (560) حديثاً من الاحاديث المروية بطرق الفريقين والمسندة جميعها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
2 ـ المجلدان الثالث والرابع : اشتملا على (876) حديثاً ، اسندت إلى الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام ، واشترك أهل السنة برواية الكثير جداً منها مع الشيعة الامامية.
3 ـ المجلد الخامس: اشتمل على (505) أحاديث ، وكلها من الاحاديث المفسِّرة للآيات القرآنية، وفي هذا المجلد تغطية وافية لجميع ما أورده المفسرون ـ من أهل السنة والشيعة ـ من أحاديث تفسيرية في الاِمام المهدي عليه السلام .
وبهذا يكون مجموع الاحاديث غير المفسرة للآيات (1436) حديثاً ومع المفسِّرة سيكون المجموع (1941) حديثاً.
اما عن طرقها جميعاً فلعلها تقرب من أربعة الاف طريق.
فاذا علمت هذا ، فاعلم أخي المسلم ان :
1 ـ مجموع أحاديث المهدي عليه السلام التي تناولها ابن خلدون بالنقد هي (23) حديثاً فقط .
2 ـ اسانيد هذه الاحاديث (28) اسناداً فقط .
3 ـ الصحيح منها باعتراف ابن خلدون كما مر أربعة أحاديث .
4 ـ الضعيف منها (19) حديثاً فقط .
اذن : فأحاديث المهدي عليه السلام التي لم تتناولها دراسة ابن خلدون هي
(1918) حديثاً منها (537) حديثاً مسنداً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم و(876) حديثاً مسنداً إلى أهل البيت عليهم السلام و(505) حديثاً مفسِّراً للآيات الكريمة في المهدي عليه السلام .
وبهذا يعلم ان العدد (23) لايشكل في الواقع إلاّ النسب التالية :
1 ـ 107،4 % من مجموع الاحاديث المسندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
2 ـ 601،1 % من مجموع الاحاديث المسندة إلى النبي وأهل البيت عليهم السلام .
3 ـ 184،1 % من مجموع سائر الاحاديث .
أما لو كان ابن خلدون قد تناول بالنقد جميع أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام لارتفع عدد الاحاديث الصحيحة (وهو أربعة عنده من مجموع 23) إلى الارقام التالية طبقاً للغة التناسب :
1 ـ (98) حديثاً صحيحاً، لو كان تناول بالنقد جميع ما أُسند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
2 ـ (250) حديثاً صحيحاً ، لو كان تناوله لما أُسند إلى النبي وأهل بيته عليهم السلام .
3 ـ (338) حديثاً صحيحاً ، لو كان تناوله لسائر الاحاديث .
ولايخفى بأنّ العدد الاول منها يكفي للحكم بتواتر احاديث المهدي عليه السلام .
وأما عن الاحاديث المردودة عند ابن خلدون ، فلو قيست بما لم يتناوله منها، لكانت بالقياس إلى مجموعها تمثل النسب التالية :
1 ـ 392،3 % من مجموع الاحاديث المسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
2 ـ 320،1 % من مجموع ما أُسند إلى النبي وأهل بيته عليهم السلام .
3 ـ 978،0 % من مجموع سائر الاحاديث .
وبعد.. فكيف يدّعى بأنّ ابن خلدون قد ضعف جميع أحاديث المهدي عليه السلام ؟ هذا مع ما تقدم عنه بأنّه من المصرحين بصحة بعض الاَحاديث على الرغم من قلة ما تناوله منها.