حتى نستطيع أن نفهم حقيقة ما يدور من صراعات دموية في منطقتنا ، فإن علينا ألا نغرق في التفاصيل ، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل .
لو تدبرنا وتفكرنا فيما يجرى من أحداث في منطقتنا فسوف نجد ثلاثة كيانات مولودة ولادة غير شرعية تتجمع معاَ لتشكل تحالفاَ شيطانياَ ضد مجموعة من الدول والشعوب يَجمع أغلب سكانها مذهب واحد هو المذهب الشيعى !
هذه الكيانات الثلاثة التي تم صناعتها بيد الشيطان هي :
الكيان الأول أمريكا :
فعمرها يمكن أن يُحسب بعشرات السنين فلقد تم تأسيسها بتاريخ 4 يوليو عام 1776، فهي دولة ظهرت فجأة ، وليس لها تاريخ ، وليس معقولاَ أن يتم صناعة هذه الدولة العظمى بعيدا عن أيدى حكومة العالم الخفية التي يديرها الشيطان ، سواء شياطين الجن أو الإنس .
يقول الله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) الأنعام
فلا يمكن أن نعتبر هكذا دولة عظمى مثل أمريكا قد ولدت بالصدفة ، وليس عن طريق خطة كبرى شيطانية تهدف للسيطرة على العالم ، وصرف الناس عن معرفة الله والإيمان به ، وبخليفته في الأرض سواء من الأنبياء أو الرسل أو الأئمة الطاهرين .
وبالنسبة للأئمة فهو مصطلح قرآني أهملته معظم الأمة ، يقول الله تعاالى :
( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) السجدة
ويمكن اعتبار أمريكا نموذجا للمسيح الدجال ، لمن يعتبر المسيح الدجال هو حالة معينة تعيشها البشرية تحت تسلط قوى كبرى ، حيث إنها تَدعي أنها تتحدث باسم المسيح والمسيحية ، ويسيطر على الحكم فيها ما يسمى بالمسيحية الصهيونية التي تُعد لحرب عالمية يتم فيها تدمير العالم الإسلامي فيما يُسمى بمعركة هرمجدون وذلك كمقدمة لظهور المسيح المخلص .
وتسعى أمريكا دائماَ للسيطرة على العالم ، وتحارب من لا يدور في فلكها ، فشعارها هو : من لم يكن معنا فهو ضدنا ، وهي لا تتورع في سبيل ذلك عن تدمير الدول والشعوب والجيوش كما حدث مع فيتنام ، ولا تتورع عن استخدام القنابل الذرية كما حدث مع هيروشيما ونجازاكى في اليابان .. ولا تتورع عن إبادة السكان كما حدث مع الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين .
ولو رجعنا للصفات التي ذكرتها الروايات للمسيح الدجال نجد أنه يمكن تأويلها بأمريكا كدولة استكبارية شيطانية ، بل إن الإمام الخميني أطلق عليها ( الشيطان الأكبر ) وهو تعبير قريب من مفهوم الدجال :
فالدجال أعور العين : أو يرى بعين واحدة وهي إسرائيل
والدجال خطوة دابته مد البصر : وهو عبارة عن التقدم العلمي والتكنولوجي في زمن الدجال ، وهذه الصفة لم يكن من الممكن ذكرها للعرب في زمن الرسالة إلا بهذا الوصف ..
كذلك ورد أن الدجال يمتلك نهرا من الطعام أو الجنة لمن أطاعه ، ونهرا من النار لمن عصاه .. أليست هذه هي المعونات الأمريكية لمن أطاعها ، والعقوبات لمن عصاها ..!
وهكذا نجد أنه من الصعب تصور الدجال شخصاَ طبيعياَ له هذه الصفات المذكورة ..
كذلك ورد أن الدجال أكثر أتباعه من اليهود ، وهذا مما لا تخطئه العين ..
الدولة الثانية وهي إسرائيل :
وهي أيضاَ مثل أمريكا ، دولة لقيطة عمرها لا يتجاوز سبعة عقود ، فتم إعلانها كدولة عام 1948 م … وبالطبع هذا التغيير الكبير في خريطة المنطقة أو العالم لا يمكن أن يتم بعيداَ عن عيون وأيدى حكومة العالم الخفية من أصحاب المليارات وتجار الأسلحة ، والمفسدين في الأرض ، وكان الهدف من إنشائها إعادة تجربة أمريكا مع الهنود الحمر مع العالم العربى ، وشعارها المرفوع والمثبت على خريطة في الكنيست الصهيونى هو من النيل إلى الفرات .. وهي أيضاَ لا تتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم في سبيل تحقيق هدفها في هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه .. وهذا لا يتم إلا بعد تدمير الدول العربية وتدمير جيوشها وبنيتها التحتية عن طريق إثارة النزعات العرقية والطائفية والمذهبية لتقسيم الدول العربية إلا كانتونات صغيرة متنازعة ووحشية ، وتتولى إسرائيل اليهودية السيطرة عليهم بسهولة .
ولقد أقيمت هذه الدولة اللقيطة عن طريق جمع شذاذ الآفاق من اليهود الصهاينة لتكوين عصابات مسلحة تعمل على طرد وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه عن طريق التخويف والرعب والقتل .. لاحظ كما يحدث الآن تماماَ مع عصابات داعش .
ثالثاَ : داعش أو ما يسمى بالدولة الإسلامية :
أو ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية ، فهي أيضاَ دولة لقيطة ولدت سفاحاَ منذ عدة سنوات قليلة فقط ، وهي أيضاَ مجموعة من العصابات وشذاذ الآفاق الذين جاءت بهم أمريكا من كل دول العالم (وهذا ما اعترفت به كلينتون الوزيرة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي (أوباما)، وأكده (ترامب) في حملته الانتخابية ولقد أقامت أمريكا هذه الدولة الشيطانية مستغلة سلاح الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة لتدمير العالم الإسلامي دولا وشعوبا وحكومات وجيوشا ، مستغلة بعض أوهام عودة الخلافة عند تركيا وتنظيم الإخوان المسلمين ، ومستغلة أيضاَ دولة المذهب الوهابى وأرصدتها الملياراتية وتعصبها المقيت ، ولتكشف النقاب عن أحد وجوه الشر في العالم باسم الإسلام .
فهل يمكن اعتبار قيام دولة خلافة داعش هو محض صدفة وليس من تدبير قوى الشر العالمية !
ولعل تشابه إنشاء العدو الصهيوني مع داعش يتمثل في اعتمادهما على جلب المرتزقة وشذاذ الآفاق من كل الأرض وبنفس الأسلوب لدليل على أنهما وجهان لعملة واحدة ، وربما هما المقصودان في القرآن الكريم بقوله تعالى : (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا” (الإسراء، الآية 104) )
ورغم أن الآية تنزيلا تتحدث عن بني إسرائيل فإنها تأويلا تتحدث عن بني أمية والتي داعش ليست سوى فرع من شجرتها الخبيثة … حيث حارب أبو سفيان الرسول صلوات الله عليه وآله ، وحارب معاوية ابنه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وحارب يزيد ابنهما الحسين وذرية الرسول صلوات الله عليهم وقتلهم ، وحاربت داعش شيعة علي عليه السلام ، وإن كانت داعش حرباَ على السنة والشيعة وكل مخالف لها .
والحرب النهائية كما ورد في الروايات الشريفة بين دولة السفيانى وبين دولة المهدي حفيد الرسول صلوات الله عليه وآله ، والتي بدأ أطراف الصراع فيها في الظهور على الساحة .
والخلاصة
أن هذه الكيانات الثلاثة تشترك في الآتى :
1 ـ أنها دول لقيطة ليس لها تاريخ
2 ـ أنها قامت على القتل والذبح والخوف
3 ـ أنها دول متوحشة قامت على تهجير شعوب الأرض الأصليين وإحلال شذاذ الآفاق من البلاد المختلفة مكانهم
وهنا نلاحظ أن اليد التي صنعتهم هي يد واحدة ، ولا يعنى ذلك أنها يد عبقري ، بل هي يد الغباء فهو لا يستطيع التجديد ، ولكن المشكلة في غباء الشعوب والحكام الذين لم يستطيعوا أن يفهموا أو يقرؤوا الأحداث قراءة صحيحة .
وماذا عن المستقبل ؟
المستقبل بدأت ملامحة تتضح برجل ثائر من مدينة قم الإيرانية وهو الإمام الخميني قائد الثورة منذ هبوط طائرته في مطار مهرباد في العاصمة طهران ليعلن قيام جمهورية إسلامية ، وليدشن لأول مرة في تاريخ مدرسة أهل البيت عليهم السلام مدرسة الولي الفقيه التي تحكم بالشريعة الإسلامية .
ثم نستكمل ما تقدم ذكره ونقول :
لقد أسفر الشيطان عن وجهه الخبيث عندما صنع داعش ، وجعل هدفها هو الحرب مع الشيعة في كل مكان ، ليس الشيعة كأفراد ولكن كدول ومنظمات تمتلك رؤية حضارية ، وفكرا مقاوما يرفض الذلة والخضوع للاستكبار العالمي ، وهي حرب وجود وليست حرب حدود ، فالشيطان الأكبر ـ أمريكا ـ التي تعتبر التجلي الأكبر لإبليس على الأرض ـ هذه الدولة ـ أي أمريكا ـ قد عَرفت بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران وبعد فشلها في هزيمة الثورة بعد ثماني سنوات من الحرب الظالمة الذي شنها صدام على إيران، وبعد التقدم العلمي والتكنولوجي والتسليحي والطبي والفضائي لإيران الإسلامية ، وبعد أن أدركوا أنها دولة محفوظة ، والأهم والأخطر أنهم أدركوا أنها تُعد وتمهد للمهدي المنتظر ، الذي سيملأ الأرض ـ كل الأرض ـ عدلاَ بعد أن ملئت ظلماَ وجوراّ .. عرفت أمريكا وإسرائيل أن إيران هي الممهدة لدولة المخلص الموعود ، عرفت كما كان أهل الكتاب يعرفون الرسول صلوات الله عليه وآله كما يعرفون أبناءهم .
يقول الله تعالى : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) البقرة
هم يعرفون ذلك جيدا ، يعرفون أنها دولة محفوظة بعد كل المؤامرات التي حاكوها ضدها ، ابتداء من مساعدة تنظيم مجاهدي خلق المنافق لإحداث تدميرات خطيرة في بداية الثورة ومنها تفجيرات أدت إلى مقتل العشرات من العلماء والمفكرين ، ثم مؤامرة صحراء طبس بهجوم من الطائرات الأمريكية والتي تم هزيمتها بمعجزة إلهية رأتها أمريكا بعينها عندما هبت عاصفة غير متوقعة للقيادة الأمريكية ، ثم حرب السنوات الثمانية الصدامية على إيران التي أدت إلى استشهاد مئات الآلاف من الشعبين العراقي والإيراني ، وإلى إسقاط طائرات مدنية إيرانية ، وإلى الحصار الاقتصادي العالمي .. فلو كانت أمريكا تستطيع ضرب الثورة الإيرانية والقضاء عليها ما تأخرت ساعة واحدة .
ما الذي يمنعها ؟
وحيث إن الصراع في الارض طبقا للأية الكريمة : ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ)
هو في الأصل صراع بين :
الخليفة الإلهي الذي يحكم العالم باسم الله ،واسم مشروع الخلافة الإسلامية الإلهية , والذي بدأ بآدم عليه السلام ، وينتهي بالمهدي عليه السلام .
وبين الشيطان ومشروعه في العداوة للخليفة الإلهي ومحاولة انتزاع الحكم منه وتسليمه إلى شياطين الإنس الذين يقودهم بلجامه كما يقاد الحصان والبهائم ..كما في حالات أمريكا وإسرائيل وداعش ، ومن يسير في فلكهم .
وهذا الصراع بين آدم بصفته الخليفة الذي اختاره الله ، وأمر الملائكة بالسجود له ، والملائكة التي هي المدبرات أمراَ كما وصفها القرآن الكريم ، فهو في الحقيقة أو من يخلفه من الأنبياء والرسل والأئمة المعصومين هم من يجب أن يخضع العالم لإدارتهم وليس أمثال أمريكا وإسرائيل وداعش … فهم خلفاء الله في أرضه ..
وللذين تقشعر جلودهم من ذكر اسم الخلافة الإسلامية بسبب ما عانته البشرية من هذا الاسم على مدار التاريخ وبخاصة ما نعيشه ونراه اليوم بأم أعيننا من داعش وأخواتها .
لكل هؤلاء أقول إن المقصود بالحكم الإلهي هو حكم الله عن طريق خليفة لله معصوم ، وهذا الخليفة قد يكون نبيا أو رسولا أو إماما ، فإذا ظهر مثل هكذا إمام هل نرفض حكمه ؟
السؤال بطريقة أخري :
هل ترفض أن يحكمك الله بالشريعة الإسلامية عن طريق رسول الله صلوات الله عليه وآله ، أو عن طريق إمام من أهل بيته صلوات الله عليهم ؟
أهذا خير أم حكم داعش الجاهلي ..؟ فلماذا إذا يستهدفون وجود الشيعة ؟
ونعود إلى السؤال عنوان المقال :
لماذا يستهدفون وجود الشيعة ؟
لأن الشيعة تتبنى نظرية الخلافة الإلهية ، والإمامة المعصومة ( وهي قضية الصراع الأول منذ بدء الخليقة بين إبليس وآدم الخليفة الإلهي ) وخصوصا بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية زاد الخوف من تجسد هذا الصراع على الأرض وهو ما تجلى بعد نجاح إيران في الخروج من الدوران في الفلك الأمريكي ، وبعد استقلال قرارها السياسي ، ورفعها شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل ، وبعد هزيمة المشروع الأمريكى في العراق وسوريا وحزب الله لبنان وفي اليمن بعد ارتفاع راية الموت لأمريكا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود ..وفي حالة اليأس التي يمرون بها ، أصبح مطلوب أمريكيا وصهيونيا وأعرابياَ قتل الشيعة في كل مكان رعباَ وخوفاَ من قدر وموعد هو قادم لا محالة من رحم الغيب يطرق بشدة أبواب السماء ليعلن عن قرب الظهور المقدس ، وانتهاء دولة الشيطان ودولة الظلم ودولة الفساد في الأرض ودولة سفك الدماء ..
ولذلك أقول :
فالصراع أصبح واضحاَ وليختار كلٌ مصيره :
إما مع محور المستضعفين ودولة العدل الإلهي القادمة لا محالة فقد جاء أشراطها ، وإما مع محور المستكبرين الذي يضم أمريكا وإسرائيل وداعش ومن يسير في فلكهم .
وهو ليس صراعاَ مذهبيا ،
ولا صراعاَ طائفياَ ،
ولا صراعاَ قومياَ ،
ولا صراعاَ عرقيا ..
فالإمام المنتظر ليس إماما للشيعة فقط ، ولا للمسلمين فقط ، بل هو منقذ إلهي للبشرية كلها من الدمار والفناء الذي يوشك أن يحل بها من فعل المستكبرين .
ولذلك كانت الثورة الإسلامية منذ قيامها حتى الآن تدعو للإسلام المحمدي الأصيل القائم على المبادئ الآتية :
نصرة المستضعفين
الموت لأمريكا الشيطان الأكبر
الموت لإسرائيل الغدة السرطانية
الوحدة الإسلامية