الرئيسية / القرآن الكريم / القرآن في الاسلام – الأستاذ العلامة السيد الطباطبائي

القرآن في الاسلام – الأستاذ العلامة السيد الطباطبائي

كان منهج هؤلاء في التفسير أنهم ينقلون ما يسمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في معاني الآيات بشكل أحاديث مسندة ( 1 ) وبلغت هذه الأحاديث كلها إلى نيف وأربعين
ومائتي حديث أسانيد كثير منها ضعيفة ومتون بعضها منكرة لا يمكن الركون إليها .
وربما ذكر هؤلاء تفسير بعض الآيات على أنه تفسير منهم بدون اسناده إلى الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم ، فعد المفسرون من متأخري أهل السنة هذا القسم أيضا من جملة
الأحاديث
بحجة أن الصحابة أخذوا علم القرآن من النبي ويبعد أن يفسروا من عند أنفسهم .
ولكن لا دليل قاطع على كلامهم هذا ، بالإضافة إلى أن كمية كبيرة من الأحاديث المذكورة
واردة في أسباب نزول الآيات وقصصها التاريخية ، كما أن فيها أحاديث غير مسندة منقولة
عن بعض علماء اليهود الذين أسلموا ككعب الأحبار وغيره .
وكان ابن عباس في أكثر الأوقات يستشهد بأبيات شعرية في فهم معاني الآيات ، كما نرى
ذلك جليا في مسائل نافع بن الأرزق ، فان ابن عباس عند الإجابة عليها استشهد بالشعر
في أكثر من مائتي مورد من الآيات ، وقد نقل السيوطي مائة وتسعين جوابا منها في كتابه
الاتقان ( 1 ) .
ومن هنا لا يمكن اعتبار الأحاديث المنقولة عن الصحابة أحاديث نبوية كما لا يمكن القول
بأنهم لم يفسروا مطلقا برأيهم .
ومفسرو الصحابة هم الطبقة الأولى من مفسري الصحابة .
( الطبقة الثانية ) هم التابعون ، وهم تلامذة مفسري الصحابة ، وهم مجاهد وسعيد بن جبير
وعكرمة وضحاك . ومن هذه الطبقة أيضا الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وعطاء بن أبي
مسلم وأبي العالية ومحمد بن كعب القرطي وقتادة
وعطية وزيد بن أسلم وطاوس اليماني ( 1 ) .
( الطبقة الثالثة ) تلامذة الطبقة الثانية ، كربيع بن انس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم
وأبو صالح الكلبي ونظرائهم ( 2 ) .
كان من منهج التابعين في التفسير أنهم ينقلونه أحيانا بصورة أحاديث عن الرسول
الكريم أو الصحابة ، وأحيانا ينقلونه بشكل نظريات خاصة بلا اسنادها إلى أحد ، فعامل
متأخر والمفسرين مع هذه الأقوال معاملة الأحاديث النبوية واعتبروها أحاديث
موقوفة ( 1 ) .
ويطلق على الطبقتين الأخيرتين لفظة قدماء المفسرين .
( الطبقة الرابعة ) أوائل المؤلفين في علم التفسير ، كسفيان ابن عيينة ووكيع بن الجراح
وشعبة بن الحجاج وعبد بن حميد وغيرهم . ومن هذه الطبقة أيضا ابن جرير الطبري صاحب
التفسير المشهور ( 2 ) .
ومنهج هذه الطبقة من المفسرين كان نقل أقوال الصحابة
والتابعين بشكل أحاديث في مؤلفاتهم التفسيرية بدون ذكر آرائهم الخاصة . إلا أن ابن
جرير في تفسيره قد يبدي رأيه في ترجيح بعض الأحاديث على بعضها وكيفية الجمع بينها .
ومن هذه الطبقة تبدأ طبقات المفسرين المتأخرين .
( الطبقة الخامسة ) المفسرون الذين نقلوا الأحاديث في تفاسيرهم بحذف الأسانيد
واكتفوا بنقل الأقوال والآراء .
قال السيوطي : فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ( 1 ) .
إلا أن المتدبر في الأحاديث المسندة يرى أيضا كثيرا من الوضع والدس ، ويشاهد الأقوال
المتناقضة تنسب إلى صحابي واحد ، ويقرأ قصصا وحكايات يقطع بعدم صحتها ، ويمر على
أحاديث في أسباب النزول والناسخ والمنسوخ لا تتفق مع سياق الآيات . ومن هنا نقل ان
الإمام أحمد بن حنبل قال : ثلاثة لا أصل لها المغازي والملاحم وأحاديث التفسير . ونقل
عن الإمام الشافعي أن الثابت من الأحاديث المروية عن ابن عباس مائة حديث فقط .
( الطبقة السادسة ) المفسرون الذين كتبوا التفسير بعد ظهور العلوم المختلفة ونضجها ،
فكتب كل منهم حسب اختصاصه وفي العلم الذي أتقنه : فالنحوي أدرج المباحث
النحوية كالزجاج والواحدي وأبي حيان ( 1 ) ، والأديب أورد المباحث البلاغية كالزمخشري
في كشافه ( 2 ) ، والمتكلم اهتم بالمباحث الكلامية كالفخر الرازي في تفسيره الكبير ( 3 )
والصوفي غاص في المباحث الصوفية كابن العربي وعبد الرزاق الكاشاني في تفسيريهما ( 4 ) ،
والأخباري ملأ كتابه بالأحاديث كالثعلبي في تفسيره ( 5 ) ، والفقيه جاء بالمسائل
الفقهية كالقرطبي في تفسيره ( 6 ) . وقد خلط جماعة آخرون في تفسيرهم بين العلوم
المختلفة كما نشاهده في تفسير روح المعاني ( 7 ) وروح البيان ( 8 )
وتفسير النيسابوري ( 1 ) .
والخدمة التي قدمتها هذه الطبقة إلى علم التفسير هي اخراجه من جموده واخضاعه للدرس
والبحث ، ولكن الانصاف يقتضي القول بأن كثيرا من المباحث التي كتبها هؤلاء حملت على
القرآن حملا ولا تدل عليها الآيات .

شاهد أيضاً

أوائل المقالات في المذاهب والمختارات – للشيخ المفيد

أوائل المقالات في المذاهب والمختارات / الصفحات: ٣٦١ – ٣٨٠ إمكان الفصل بين الإرادة والمراد ...