القرآن في الاسلام – الأستاذ العلامة السيد الطباطبائي
18 نوفمبر,2023
القرآن الكريم
163 زيارة
كان منهج هؤلاء في التفسير أنهم ينقلون ما يسمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في معاني الآيات بشكل أحاديث مسندة ( 1 ) وبلغت هذه الأحاديث كلها إلى نيف وأربعين
ومائتي حديث أسانيد كثير منها ضعيفة ومتون بعضها منكرة لا يمكن الركون إليها .
وربما ذكر هؤلاء تفسير بعض الآيات على أنه تفسير منهم بدون اسناده إلى الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم ، فعد المفسرون من متأخري أهل السنة هذا القسم أيضا من جملة
الأحاديث
بحجة أن الصحابة أخذوا علم القرآن من النبي ويبعد أن يفسروا من عند أنفسهم .
ولكن لا دليل قاطع على كلامهم هذا ، بالإضافة إلى أن كمية كبيرة من الأحاديث المذكورة
واردة في أسباب نزول الآيات وقصصها التاريخية ، كما أن فيها أحاديث غير مسندة منقولة
عن بعض علماء اليهود الذين أسلموا ككعب الأحبار وغيره .
وكان ابن عباس في أكثر الأوقات يستشهد بأبيات شعرية في فهم معاني الآيات ، كما نرى
ذلك جليا في مسائل نافع بن الأرزق ، فان ابن عباس عند الإجابة عليها استشهد بالشعر
في أكثر من مائتي مورد من الآيات ، وقد نقل السيوطي مائة وتسعين جوابا منها في كتابه
الاتقان ( 1 ) .
ومن هنا لا يمكن اعتبار الأحاديث المنقولة عن الصحابة أحاديث نبوية كما لا يمكن القول
بأنهم لم يفسروا مطلقا برأيهم .
ومفسرو الصحابة هم الطبقة الأولى من مفسري الصحابة .
( الطبقة الثانية ) هم التابعون ، وهم تلامذة مفسري الصحابة ، وهم مجاهد وسعيد بن جبير
وعكرمة وضحاك . ومن هذه الطبقة أيضا الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وعطاء بن أبي
مسلم وأبي العالية ومحمد بن كعب القرطي وقتادة
وعطية وزيد بن أسلم وطاوس اليماني ( 1 ) .
( الطبقة الثالثة ) تلامذة الطبقة الثانية ، كربيع بن انس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم
وأبو صالح الكلبي ونظرائهم ( 2 ) .
كان من منهج التابعين في التفسير أنهم ينقلونه أحيانا بصورة أحاديث عن الرسول
الكريم أو الصحابة ، وأحيانا ينقلونه بشكل نظريات خاصة بلا اسنادها إلى أحد ، فعامل
متأخر والمفسرين مع هذه الأقوال معاملة الأحاديث النبوية واعتبروها أحاديث
موقوفة ( 1 ) .
ويطلق على الطبقتين الأخيرتين لفظة قدماء المفسرين .
( الطبقة الرابعة ) أوائل المؤلفين في علم التفسير ، كسفيان ابن عيينة ووكيع بن الجراح
وشعبة بن الحجاج وعبد بن حميد وغيرهم . ومن هذه الطبقة أيضا ابن جرير الطبري صاحب
التفسير المشهور ( 2 ) .
ومنهج هذه الطبقة من المفسرين كان نقل أقوال الصحابة
والتابعين بشكل أحاديث في مؤلفاتهم التفسيرية بدون ذكر آرائهم الخاصة . إلا أن ابن
جرير في تفسيره قد يبدي رأيه في ترجيح بعض الأحاديث على بعضها وكيفية الجمع بينها .
ومن هذه الطبقة تبدأ طبقات المفسرين المتأخرين .
( الطبقة الخامسة ) المفسرون الذين نقلوا الأحاديث في تفاسيرهم بحذف الأسانيد
واكتفوا بنقل الأقوال والآراء .
قال السيوطي : فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ( 1 ) .
إلا أن المتدبر في الأحاديث المسندة يرى أيضا كثيرا من الوضع والدس ، ويشاهد الأقوال
المتناقضة تنسب إلى صحابي واحد ، ويقرأ قصصا وحكايات يقطع بعدم صحتها ، ويمر على
أحاديث في أسباب النزول والناسخ والمنسوخ لا تتفق مع سياق الآيات . ومن هنا نقل ان
الإمام أحمد بن حنبل قال : ثلاثة لا أصل لها المغازي والملاحم وأحاديث التفسير . ونقل
عن الإمام الشافعي أن الثابت من الأحاديث المروية عن ابن عباس مائة حديث فقط .
( الطبقة السادسة ) المفسرون الذين كتبوا التفسير بعد ظهور العلوم المختلفة ونضجها ،
فكتب كل منهم حسب اختصاصه وفي العلم الذي أتقنه : فالنحوي أدرج المباحث
النحوية كالزجاج والواحدي وأبي حيان ( 1 ) ، والأديب أورد المباحث البلاغية كالزمخشري
في كشافه ( 2 ) ، والمتكلم اهتم بالمباحث الكلامية كالفخر الرازي في تفسيره الكبير ( 3 )
والصوفي غاص في المباحث الصوفية كابن العربي وعبد الرزاق الكاشاني في تفسيريهما ( 4 ) ،
والأخباري ملأ كتابه بالأحاديث كالثعلبي في تفسيره ( 5 ) ، والفقيه جاء بالمسائل
الفقهية كالقرطبي في تفسيره ( 6 ) . وقد خلط جماعة آخرون في تفسيرهم بين العلوم
المختلفة كما نشاهده في تفسير روح المعاني ( 7 ) وروح البيان ( 8 )
وتفسير النيسابوري ( 1 ) .
والخدمة التي قدمتها هذه الطبقة إلى علم التفسير هي اخراجه من جموده واخضاعه للدرس
والبحث ، ولكن الانصاف يقتضي القول بأن كثيرا من المباحث التي كتبها هؤلاء حملت على
القرآن حملا ولا تدل عليها الآيات .
2023-11-18