الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٢٤١ – ٢٦٠

٢٤١

الفصل الأول
تملك منصب الخلافة

منصب الرئاسة العامة في الإسلام هو السلطة الحقيقية فالإمام أو الرئيس العام هو الذي يعين الولاة والأمراء والعمال وقادة الجيش وكبار الموظفين، وحتى صغارهم وهو يتمتع بصلاحيات هائلة، لذلك اشترط الإسلام أن يكون هذا الرئيس هو الأعلم وهو الأفضل وهو الأتقى وهو الأقرب لله ولرسوله، وهذه صفات لا تتوفر إلا في نبي أو ولي، ولا يعرفها إلا الله تعالى لذلك اختص جلت قدرته بتعيين الرؤساء أو الأئمة، بعد تأهيلهم وإعدادهم لهذه المهمة، فالله تعالى هو الذي اختار نبيه، وهو الذي اختار الإمام عليا وهو الذي اختار الأئمة الشرعيين الأحد عشر الذين سيتولون الرئاسة العامة بالتعاقب بعد موت الإمام علي ودور الرسول كان مقتصرا على اتباع ما يوحى إليه من ربه، فوجود الإمام المعصوم هو الضمانة الوحيدة ضد الاستبداد وإساءة استعمال هذه الصلاحيات الهائلة التي يتمتع بها الرئيس العام أو الخليفة.

وكان ما كان من تجاهل ذلك النفر لكافة الترتيبات الإلهية التي وضعها الله وأعلن نبيه، ومن استيلائهم على منصب الرئاسة العامة أو الخلافة بالقوة والتغلب، ومن إصرارهم على أنهم خلفاء ” فعليون ” للنبي ومن حقهم أن يتمتعوا بكافة صلاحيات واختصاصات النبي، مع أن شروط الرئاسة العامة لا تتوفر بهم، وليسوا مؤهلين لها، ومؤهلهم الوحيد هو الغلبة!!

 

٢٤٢
لما نجحوا بعزل الإمام الشرعي وأهل بيت النبوة والفئة القليلة المؤمنة، وبإذلالهم، وتجريدهم من حقوقهم المدنية والسياسية والمالية، قبضوا على السلطة بيد من حديد، وأخذوا يتصرفون فيها تصرف المالك بملكه صارت الخلافة كأنها شاة أو بعير أو ثوب للغالب، فله الحق أن يقلدها لمن يشاء، لقد عهد أبو بكر بالخلافة لعمر، وقال لعثمان الذي كتب له عهده: ” لو كتبت اسمك لكنت أهلا لها ” (١)!! ولما طعن عمر وقعد علي فراش الموت جائته رسالة من عائشة مفادها أن ” استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، فتساءل عمر ومن تأمرني أن استخلف؟ ” (٢) ألا ترى أن صلاحياته باختيار ولي عهده صلاحيات مطلقة، وأنه يمكنه أن يتصرف بمنصب الخلافة تصرف المالك للشئ بملكه الخاص، فلو أمرته أم المؤمنين أن يستخلف أي شخص لفعل لسبب ظاهري بسيط هو أنه وأم المؤمنين يكرهان أن تبقى أمة محمد هملا، ورأفة بهذه الأمة!!!!!ويتوجه عمر وهو على فراش الموت، ويبحث عن صاحب الحظ السعيد الذي سيقوم مقامه، ويلتزم بسياسة ذلك النفر، فيقول: ” لو كان أبو عبيدة حيا لوليته واستخلفته، ولو أدركت معاذ بن جبل لوليته واستخلفته، ولو أدركت خالد بن وليد لوليته واستخلفته، ولو رأيت سالم مولى أبي حذيفة لوليته واستخلفته ” (٣).

يمكنه أن يعطي الخلافة لمهاجر كأبي عبيدة، أو لواحد من الطبقة الحادية عشر من طبقات الصحابة، كخالد بن الوليد، أو لا حد الموالي كسالم مولى أبي حذيفة الذي لا يعرف له نسب في العرب!!

 

 

(١) راجع تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٢٩، وسيرة عمر لابن الجوزي ص ٣٧، وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٨٥.(٢) الإمامة والسياسة لابن قطيبة ج ١ ص ٢٣.

(٣) راجع مرض عمر وموته في تاريخ الطبري، وطبقات ابن سعد ص ١٥ وما فوق من الإمامة والسياسة لابن قطيبة.

 

٢٤٣
كتاب أين سنة الرسول ؟!! للمحامي أحمد حسين يعقوب (ص ٢٤٤ – ص ٢٦٩)

٢٤٤
وبكافة المناصب المتفرقة عنها تصرف المالك بملكه، فالخليفة يولي منصب الخلافة لمن يشاء، ويحرم منه من يشاء، حتى قال ابن خلدون: ” إن الخليفة ينظر للناس حال حياته، وتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته فيقيم لهم من يتولى أمورهم بعد وفاته ” (١) فابن خلدون يصور هذه الحرية المطلقة بالتصرف بمنصب الخلافة كأنها حق مطلق للخليفة الغالب القائم!! فمنصب الخلافة وكافة المناصب المتفرعة عنها أمتعة أو ممتلكات خاصة بتصرف بها الخليفة على الوجه الذي يريد!! ولكن ابن خلدون وأمثاله لا يعطون هذا الحق لرسول الله!! فالخلفاء أصروا على التصرف بمنصب الخلافة وكافة المناصب المتفرعة عنها، دفعا للفتنة، وحتى لا تترك الأمة من بعدهم هملا ولا راعي لها على حد تعبير السيدة عائشة (٢) وتجنبا للتفريط وضياع الأمانة على حد تعبير عبد الله بن عمر بن الخطاب، وتلك أمور لحظها الخلفاء، وهم يقولون ضمنا بأن الرسول لم يلحظها!!!.هذا على مستوى منصب الخلافة، أما على مستوى المناصب المتفرعة عن منصب الخلافة كالإمارات والولايات، وقيادات الجيش والأعمال، وكبار الوظائف فقد كانت مملوكة للخليفة أيضا يتصرف بها تصرف المالك بملكه، فيحرم منها عباد الله المخلصين كسعد بن عبادة وعمار بن ياسر وأبي ذر والمقداد والحباب بن المنذر وغيرهم يحرمها عليهم حرمة دائمة، ويعطيها لأعداء الله السابقين الذين لعنهم الله على لسان رسوله، وحذر منهم رسول الله كمعاوية والحكم بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الله بن أبي سرح وأمثالهم والأعور السلمي الذي شهد حنينا مشركا وقد لعنه رسول الله، ومؤهله الوحيد أنه كان من أشد المبغضين للإمام علي، لقد استعان به عمر وجعله على مقدمة جيش (٣) واستعان أيضا

 

(١) مقدمة ابن خلدون ص ١٢٧.(٢) الإمامة والسياسة ج ١ ص ٢٣، وأعلام النساء ج ٣ ص ٧٨٦.

(٣) الإصابة لابن حجر ج ٢ ص ٥٤١.

 

٢٤٥
بيعلى بن منبه وولاه على بعض بلاد اليمن، ومؤهله أنه كان من الحاقدين على علي بن أبي طالب (١) واستعان ببشر بن أرطأة وإياس بن صبيح وهما من أصحاب مسيلمة النبي الكذاب ومع هذا فقد ولاه عمر القضاء على البصرة (٢) واستعان عمر أيضا بطليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة بعد وفاة النبي فأعجب به عمر وكتب إلى أمرائه أن يشاوروا طليحة (٣) واستعان بمعاوية بن أبي سفيان وأمه آكلة الأكباد، وأبوه رأس الأحزاب، وقد قاد هو وأبوه وأخوته جبهة الشرك أثناء حربها لرسول الله، وألب هو وأبوه وأخوته العرب على رسول الله وجندهم ضده، وحاربوا الله ورسوله بكل وسائل الحرب، حتى أحيط بهم فاضطروا للاستسلام والتلفظ بكلمة الإسلام، ومع هذا ولى عمر أخاه يزيد على الشام ولما مات يزيد ورثه بالولاية أخوه معاوية وأطلق عمر يده في بلاد الشام يتصرف تصرف المالك بملكه حيث قال له: ” لا آمرك ولا أنهاك ” (٤) وكان عمر يمدح معاوية ويوطد له ويقول عنه: ” إنه فتى قريش وابن سيدها ” (٥) وكان يعلم أن معاوية يعد العدة للاستيلاء على منصب الخلافة ومع هذا تركه يكمل استعداده قال عمر لأهل الشورى: ” إن اختلفتم دخل عليكم معاوية من الشام ” (٦) وكان يعلم أن معاوية يستعد لحرب داخلية ومع هذا تركه وشجعه بقوله: ” يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق ” فليس لدى المالك للخلافة، وللمناصب المتفرعة منها ما يمنع من أن يقدم المتأخرين فيسلمهم ممتلكاته، أو أن يأخر 

(١) الاستيعاب ج ٣ ص ٦٦٢ – ٦٦٣.(٢) الاستيعاب ج ١ ص ١٢٠.

(٣) البداية والنهاية لابن الأثير ج ٧ ص ١٣٠.

(٤) البداية والنهاية ج ٨ ص ١٢٥، وتاريخ الطبري ج ٦ ص ١٨٤.

(٥) البداية والنهاية ج ٨ ص ١٢٥، والاستيعاب ج ٨ ص ٣٩٧.

(٦) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٥ ص ٥٣٥.

(٧) الدلائل لابن سعد، وكنز العمال ج ١٢ ص ٣٥٤.

 

٢٤٦
المتقدمين فيحرمهم من هذه الممتلكات، فهذا حر بما يملك.والخلاصة أن ذلك النفر قد حول منصب الخلافة إلى ملك خاص له وعبأ كافة المناصب المتفرعة عن منصب الخلافة بالعناصر المؤيدة له ولسياسته والكارهة لآل محمد وللقلة المؤمنة، ونتيجة ذلك صارت السلطة كلها ملكا شخصيا خالصا لهذا النفر وأعوانه، وسيفا مسلطا على أعدائهم!!.

 

٢٤٧

الفصل الثاني
التناقض الصارخ بين واقع دولة الخلافة والشريعة الإلهية

على صعيد الإمامة أو الرئاسة العامة أو الخلافة: لقد اختار الله محمدا، فأعده وهيأه وأهله للرئاسة العامة وأسند إليه منصب الرئاسة العامة لأنه الأفضل والأعلم والأفهم والأقرب لله، وكل هذه مؤهلات ضرورية لتتكون القدوة المثالية، وليتمكن من قيادة الأمة وفض ما يشجر بين أفرادها وجماعاتها من مشكلات وفق أحكام القانون الإلهي السائد في دولته، لقد كان النبي معصوما عن الوقوع في الخطأ والزلل، لذلك فلا يخشى منه إساءة استعمال السلطة أو استغلال الصلاحيات الهائلة المخولة له كرئيس بموجب القانون الإلهي، لأن عصمته والتزامه بالشرعية الإلهية وفهمه اليقيني لها ضمانات حقيقية ضد الانحراف أو إساءة استعمال السلطة.

وكان من المفترض أن تنتقل الإمامة أو الرئاسة العامة أو خلافة النبي بعد وفاة النبي إلى ذلك الشخص الذي أعده الله لهذه المهمة ليتابع طريق النبوة ويتم ويكمل ما لم يتحقق من برامجها هذا هو التنظير الديني للرئاسة وهذا هو حكم الإسلام.

أما على صعيد الواقع فالأمر قد اختلف جدا، فالمؤهل الوحيد لكل

٢٤٨
اللذين خلفوا النبي بالرئاسة العامة هو التغلب والقهر، فأي شخص يغلب على الرئاسة العامة أو الخلافة يتقلدها، والمتغلب أو القاهر شخص عادي من جميع الوجوه، فلم يدع أحد من الخلفاء بدءا من الأول وانتهاء بآخر خلفاء بني عثمان بأنه الأعلم والأفضل والأتقى والأقرب لله ولرسوله، بل صرح أول الخلفاء قائلا: ” فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم… ” (١).فالخليفة الأول صدق في ما قال، واعترف صراحة وضمنا بأن بين المخاطبين من هو أعلم وأفضل وأقرب لله ولرسوله منه، ومع هذا فقد تولى الخلافة رسميا لأنه الغالب، وعلى الأمة أن تقبل ذلك شاءت أم أبت، وأن تبايعه راضية أو كارهة لأنه غالب، ولنفترض أن جماعة من المسلمين قد رفضت بيعته، فليس بينه وبينها إلا السيف، فمن يغلب فهو الخليفة وهو القائم مقام الرسول (٢) ولتبرير ذلك قالوا بجواز إمامة المفضول عند عارض يمنع من نصب الفاضل (٣) وقال القاضي في المواقف: جوز الأكثرون إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذ لعله أصلح للإمامة من الفاضل… وقال الشريف الجرجاني: كما إذا فرض أن العسكر والرعية لا ينقادون للفاضل بل للمفضول (٤).

فحسب قواعد القانون الإلهي فإن الإمام من بعد النبي هو علي بن أبي طالب، ومن المفترض أن تنقاد له الأمة لأن الله قد اختاره وأعلنه رسوله، ولكن تتحرك فئة معينة لا يعجبها هذا الاختيار فتدعي أن الناس لا ينقادون لهذا الذي اختاره الله ورسوله ثم تستقطب الناس حولها، ثم تنصب خليفة، وتجير الناس على بيعة هذه الخليفة ثم تدعي أن الفتنة قد انقطعت

 

(١) الطبقات لابن سعد ج ٢ ف ٢ ص ٧٨ طبعة ليدن.(٢) الأحكام السلطانية للماوردي ص ٧ – ٨ و ٧ – ١١، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ١٥.

(٣) التمهيد للباقلاني تحقيق عماد الدين أحمد حيدر ص ٤٩٤، والسنة بعد الرسول للسيد علي الشهرستاني، تراثنا عدد ٥٩ و ٦٠ ص ١١٨.

(٤) شرح المواقف ج ٣ ص ٣٧٩، وانظر المرجعين السابقين.

 

٢٤٩
بهذا الخليفة لذلك هو أولى من الفاضل مع أنه مفضول وهكذا تتعطل نصوص القانون الإلهي، وتسود القوانين التي يضعها الغالب!!وهنا تقع المشكلات فالسلطة الفعلية والأمر والنهي بيد الخليفة الفعلي القائم مقام النبي والمفروض بالقوة والتغلب، وبهذه الحالة فإن هذا الخليفة الفعلي الواقعي لا يعرف الحكم الشرعي، ولا المقاصد الشرعية، ولا برامج النبوة، ولا معنى كل آية وليس محيطا بالبيان النبوي، وليس لديه علم يقيني لا بالماضي ولا بالحاضر ولا بالمستقبل، لأنه أصلا غير معد ولا مؤهل لهذه الأمور!! ولكن بوصفه الحاكم الفعلي فإن عليه أن يدير أمور الدولة، فإذا رجع إلى الإمام الشرعي فإنه سيضطر للرجوع إليه دائما، وفي هذا حط من مقام الخليفة واعتراف ضمني وعلني بأن الإمام الشرعي هو المؤهل الوحيد!! ولكن الخليفة الجديد وأعوانه لن يعترفوا بذلك بل سيتجاهلون القوانين الإلهية التي لا يعرفونها ويسيرون شؤون الحكم بالرأي لا بالشرع، فهم وإن كانوا لا يعرفون الشرع إلا أنهم كأي واحد من البشر يعرفون الرأي مهما كان وزنه، لذلك يترك الخليفة وأعوانه الشرع الإلهي أو القوانين الإلهية، التي لا يحيطون بها، ولا يجيدون الحكم وفق أحكامها المفصلة ويجتهدون أو يعملون بالرأي، أو يخترعون أحكاما وضعية من آرائهم الشخصية!!

أما على مستوى الولايات والإمارات على الأقاليم والجيوش فقد رأينا أن الموازين والمقاييس التي اخترعها الخلفاء لاختيار الأمراء والولاة والعمال، فكانوا يصرفون أمور أقاليمهم وفق الآراء الشخصية، ولنأخذ على سبيل المثال عبد الله بن سرح الذي افترى على الله الكذب، والموسوم بأنه عدو لله ولرسوله لقد أمر الرسول بقتله حتى لو تعلق بأستار الكعبة، ويوم فتح مكة أمر الرسول بالبحث عنه وقتله، فلجأ ابن سرح إلى أخيه في الرضاعة عثمان بن عفان فغيبه عثمان وأخفاه عن العيون وفي يوم من الأيام بعد الفتح بفترة جاء به عثمان إلى رسول الله فاستأمنه، فصمت الرسول

٢٥٠
طويلا قبل أن يعطيه الأمان ثم قال نعم. فلما انصرف عثمان قال الرسول لمن حوله ” ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيقتله ” فقال رجل من الحاضرين فهلا أومأت إلي يا رسول الله!! فقال الرسول: ” إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة أعين ” (١) وأصبح ابن أبي سرح طليقا، ومن المؤلفة قلوبهم، وبعد موت الرسول مباشرة أصبح ابن أبي سرح من أصفياء الخلفاء ومن أهل الحل والعقد وفي عهد عثمان أسندت إليه إمارة مصر وهي تاج الولايات الإسلامية، ومر حين من الدهر كان ابن أبي سرح هو الرجل الثالث في الدولة الإسلامية، مع أنه الأظلم بنص القرآن، ومع أنه الذي افترى على الله الكذب بنص القرآن، ومع أنه موسوم بأنه عدو لله ولرسوله.فكيف بربك يطبق الإسلام من كان هذا وضعه، وكيف يعلم المصريين دين الله.

هذه الكوادر الفنية التي حلت عرى الإسلام كلها، وركزت المعالم الواقعية لعصر ما بعد النبوة، ومن خلال البرامج التربوية والتعليمية التي فرضتها على المسلمين قرابة قرن من الزمان، ومن خلال هذه المناهج خلطوا الأوراق خلطا عجيبا، فبدلوا وعدلوا، وباعدوا الهون بين الواقع المفروض وبين القانون الإلهي أو الشرعية الإلهية، ولم يبق من الإسلام إلا كتاب الله، وأهل بيت النبوة، لمواجهة برامج تربوية وتعليمية مدعومة من دولة عظمى، ومع اختلاط العرب بالأمم المغلوبة، وامتزاج الحضارات بدأت الأذهان بالتفتح، وبدأ الناس يتساءلون عن حجم الهوة بين الواقع والشرعية الإلهية، فلم ير الخلفاء بدا من منع كتابة ورواية أحاديث رسول الله حتى لا يقف الناس على الحقائق الشرعية وحجم التناقض الهائل بين الواقع المفروض وبين أحكام الشريعة الإلهية!!

 

 

(١) ترجمة ابن أبي سرح في الاستيعاب ج ٢ ص ٣٧٨، والإصابة لابن حجر ج ٢ ص ٣٠٩، وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧٣. 

٢٥١

الفصل الثالث
منع كتابة ورواية سنة الرسول

 

قبل أن يستولوا على منصب الخلافة

بعد أن تجاهلوا سنة رسول الله التي بينت من يخلف النبي، وبعد إن استولوا على منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وأسندوا كافة المناصب المتفرعة عن الخلافة لأوليائهم، وبعد أن صاروا يتصرفون بهذه المناصب تصرف المالك بملكه، وبعد أن قضوا قضاء تاما على كل معارضة لحكمهم، ظهورا بمظهر الخلفاء الشرعيين لرسول الله ولأن سنة الرسول التي عالجت موضوع من يخلف النبي محكمة ومتماسكة، وتناقض مظهر الشرعية، ولأنها تذكر المسلمين بأن الخلفاء قد أخذوا ما ليس لهم، وجلسوا في مكان مخصص لغيرهم، وحرصا على الاستقرار، ووحدة المحكومين، ومنعا لوقوع الخلاف والاختلاف فقد قرر الخلفاء منع رواية وكتابة سنة الرسول لأنه إن بقي باب رواية وكتابة سنة الرسول مفتوحا فسيعرف المسلمون هذه السنة، وستختمر هذه السنة في نفوس المسلمين، وسيتساءلون يوما لماذا تجاهل الخلفاء سنة الرسول!! ولماذا لم يقبلوا بمن استخلفه الرسول!! وتلك بداية النهاية بالنسبة لهم لذلك قرروا منع كتابة ورواية سنة الرسول!! هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن هنالك فئة من

٢٥٢
الناس كانت تعتقد أن سنة الرسول تتعارض مع مصالحها ومع ما تهوى أنسها. 

أقدم صد ومنع لكتابة سنة الرسول وروايتها

قال عبد الله بن عمرو بن العاص: ” كنت أكتب كل شئ سمعته من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش!! وقالوا تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا… ” (١) وهذا أقدم صد عن سنة رسول الله، وأول محاولة لمنع كتابة سنن الرسول، ومن يحرض على منع كتابة سنة الرسول، يحرض أيضا على منع روايتها، الجهة التي حرضت عبد الله بن عمرو بن العاص على عدم كتابة سنة الرسول جهة معروفة، ولكن عبد الله بن عمرو يخشى الكشف عنها مما يدل على أنها جهة مرموقة أو حاكمة، لذلك كنى عنها بقوله: ” فنهتني قريش ” في سقيفة بني ساعدة كان أبو بكر وعمر وأبو بكر عبيدة يتكلمون باسم قريش كلها، فكانوا يعتبرون أنفسهم الناطقين الرسميين باسم عشيرة النبي قريش!!!

وعندما ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص هذه الواقعة كان الثلاثة يشكون أركان دولة الخلافة، فلم يكن من الملائم أن يسميهم بأسمائهم حتى لا يحمل قوله على محمل الطعن بهم، لذلك عبر عنهم بكلمة ” فنهتني قريش ” والأحداث التي تلت ذكر عبد الله بن عمرو لهذه الواقعة تؤكد أن النهي قد صدر من ذلك النفر وبالتحديد من أبي بكر وعمر!! وسبب تحريض عبد الله بن عمرو على عدم كتابة كل شئ يسمعه من رسول الله هو اعتقاد ” قريش ” أن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضا، فلا ينبغي أن يكتب من كلامه إلا ما صدر عنه وهو في حالة رضا، أما كلامه وهو في حالة الغضب

 

(١) سنن أبي داود ج ٢ ص ١٢٦، وسنن الدارمي ج ١ ص ١٢٥، ومسند أحمد ج ٢ ص ١٦٢ و ٢٠٧ و ٢١٦، والمستدرك للحاكم ج ١ ص ١٠٥ و ١٠٦، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ١ ص ٨٥، وكتابنا المواجهة ص ٢٥٤. 

٢٥٣
فيجب أن لا يكتب، ويبدو أن ذلك النفر قد بث هذه الشائعة على نطاق واسع بدليل حديث عمرو بن شعيب قال: ” قلت: يا رسول الله أكتب كل ما أسمع منك؟ فقال الرسول نعم، قلت: في الغضب والرضا؟ قال الرسول: نعم فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا ” (١) وقد أكد الرسول هذه الحقيقة لعبد الله بن عمرو بن العاص عندما ذكر له نهي قريش السابق عن كتابة كل ما سمعه من الرسول فقال عبد الله بن عمرو: فأومأ الرسول إلى فمه وقال: ” أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق ” (٢) وبالرغم من هذه التأكيدات القاطعة من رسول الله إلا أن ” قريشا ” أو ذلك النفر من قريش بقي على عقيدته السابقة والتي مفادها: بأنه ليس كل ما يقوله الرسول صحيحا!! وليس كل ما يقوله جديرا بأن يكتب!! 

الصد العلني عن سنة الرسول وتحريز المسلمين على عدم اتباعها حتى والرسول على قيد الحياة!!!

المعروف أن سنة الرسول تعني ” قوله وفعله وتقريره ” وأبرز الأمثلة على صد ذلك النفر للمسلمين عن سنة الرسول، وتحريض المسلمين على عدم اتباعها هو موقف ذلك النفر من جيش أسامة!! لقد عبأ الرسول ذلك الجيش بنفسه وعبأ ذلك النفر فيه، وعين أسامة قائدا لهذا الجيش وأعطاه الراية بنفسه وحث الرسول هذا الجيش على الخروج سريعا (٣) وقال الرسول: ” جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه ” (٤).

 

 

(١) مسند أحمد ج ٢ ص ٢٠٧.(٢) سنن أبي داود ج ٢ ص ١٢٦، وسنن الدارمي ج ١ ص ١٢٥، ومسند أحمد ج ٢ ص ١٦٢ و ٢٠٧ و ٢١٦، والمستدرك للحاكم ج ١ ص ١٠٥ و ١٠٦، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ١ ص ٨٥.

(٣) المغازي للواقدي ج ٣ ص ١١٧، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٧، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٩٠.

(٤) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ٢٣ وج ١ ص ٢٠ بهامش الفصل لابن حزم ج ١ ص ٢٤.

 

٢٥٤
لكن ذلك النفر وأولياءهم كانوا يرون أن تأمير الرسول لأسامة على هذا الجيش وفيه كبار المهاجرين والأنصار عمل غير مناسب، والأفضل أن يعين الرسول شخصا آخر مناسبا!! فاضطر الرسول أن ينهض من فراش المرض وهو معصوب ومحموم وأن يصعد المنبر وأن يدافع عن قراره بتأمير أسامة وأن يؤكد ذلك بقوله: “… وأيم الله إنه لخليق بالإمارة ” (١) وبالرغم من كل هذا فقد أصروا على موقفهم بأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب ويتوجب على الرسول عزله واستبداله بشخص آخر!! ومن الطبيعي أن يصر الرسول على قراره فكان يقول: ” جهزوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة “، وكرر ذلك مرات متعددة وهم متثاقلون (٢).لقد نجحوا في تثبيط الناس، ومارسوا ضغوطا شديدة على أسامة فطلب من الرسول أن يؤجل هذا الجيش، فقال له الرسول: ” أخرج وسر على بركة الله “، وراجعه أسامة مرة ثانية طالبا منه أن يبقى فقال له الرسول: ” سر علي النصر والعافية ” فراجعه أسامة مرة ثالثة فقال له الرسول: ” انفذ لما أمرتك به ” (٣).

وبعد أن توفي الرسول أصروا على رأيهم، وضغطوا على الخليفة الأول حتى ينزع أسامة لأن تأمير الرسول لأسامة ليس مناسبا ولا صحيحا!!

ويبدو أن الذي كان يقود هذا التيار هو عمر بن الخطاب بدليل قول أبي بكر وفعله: فأخذ بلحية عمر بن الخطاب وقال له: ” ثكلتك أمك يا بن الخطاب وعدمتك استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه ” (٤) لقد أدرك الخليفة الأول

 

(١) المغازي للواقدي ج ٣ ص ١١٩، والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٩٠، وشرح النهج ج ١ ص ٥٧، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٧ و ٢٣٤.(٢) كنز العمال ج ١٠ ص ٥٧٣، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج ٤ ص ١٨٢.

(٣) المغازي للواقدي ج ٣ ص ١١٢، والطبقات الكبرى ج ٣ ص ١٩١، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٨ وص ٢٣٥، والسيرة الدحلانية ج ٢ ص ٣٤٠، وشرح النهج ج ١ ص ١٦٠، وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٧٤.

(٤) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٢٦، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٣٥، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٩ =

٢٥٥
أنه لم يعد هنالك ما يبرر الاعتراض على تأمير أسامة وليس هنالك خطر من خروج جيش أسامة، فقد تحققت الحكمة من تأخيرهم لهذا الجيش فعزل أسامة بهذا المرحلة لا يقدم ولا يؤخر، ثم إن أسامة نفسه قد بايعهم، فعزله سيثير امتعاضا عاما هم في غنى عنه، لذلك عارضهم الخليفة وصد زعيمهم عمر بن الخطاب صدا عنيفا!! فتأمير الرسول لأسامة، وكل ما تلفظ به الرسول في هذا الموضوع سنة واجبة الاتباع، ومع هذا لم يتبعوها وحرضوا الناس على عدم اتباعها لقناعتهم بأنها ليست صوابا أو ليست صحيحة أو لأنها لا تتفق مع ما تهوى أنفسهم، أو لأنها صدرت من الرسول وهو في حالة غضب!! أو لأنها من شؤون الدنيا، وذلك النفر أعلم من رسول الله بشؤون دنياهم!! وما يعنينا أن ” قريشا ” التي حرضت عبد الله بن عمرو بن العاص على عدم كتابة كل ما يقوله الرسول، أو ذلك النفر الذي يكنى عنه بقريش، قد صدوا الناس عن اتباع سنة الرسول، وثبطوهم عن العمل بها، ومنعوهم من إعمالها!! لأنهم يخشون سنة الرسول التي وضعت الأمور في نصابها الشرعي، وكشفت أطماعهم ومخططاتهم!! لذلك يريدون أن يخرجوا سنة الرسول من الخدمة أو يحيدونها ليتمكنوا من تنفيذ ما دبروا!! 

 

= و ٢٣٦، والسيرة الدحلانية ج ٢ ص ٣٤٠. 

٢٥٦

وحالوا بين النبي وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية

أثنا مرض الرسول أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة، وتلخيصه للموقف، كما يفعل قادة الأمم، وكما فعل أبو بكر وعمر في ما بعد وفوق هذا وذاك، فإن كتابة الوصية حق إنساني لكل إنسان فكيف يسيد الخلق، ومن المؤكد أن رسول الله قد ضرب موعدا لذلك، ودعا بعض الصفوة من أصحابه ليشهدوا كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة وتلخيصه للموقف.

ويبدو أن عمر بن الخطاب قد علم بذلك، فأطلع أركان حزبه على ما سمع، واتفق من أعوانه على أن يدخلوا حجرة الرسول في الوقت الذي حدده لكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، وأن يحولوا بين الرسول وبين ما أراد كتابته!! لأنهم قد توقعوا أن ما سيكتبه الرسول غير مناسب!!

حضر الذين اصطفاهم رسول الله ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية، وجلسوا بين يدي رسول الله، وفجأة وبدون استئذان دخل عمر بن الخطاب ومعه أركان حزبه وعدد كبير من أعوانه الذين اتفق معهم على خطة تحول بين الرسول وبين ما أراد كتابته، وجلسوا فقال الرسول للذين دعاهم:

” إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ” (١).

 

 

(١) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج ٣ ص ٩، وصحيح مسلم آخر =

٢٥٧
وما إن أتم الرسول جملته حتى تصدى له عمر بن الخطاب وقال متجاهلا طلبه، ومتجاهلا وجود الرسول، وموجها كلامه للصفوة التي اختارها رسول الله لكتابة وصيته: ” لا حاجة لنا بكتابه إن المرض قد اشتد برسول الله، إن النبي يهجر!! – أي لا يعي ما يقول – وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ” (١).وما إن تم عمر هذه الجملة حتى قال أعوانه وبصوت واحد: ” القول ما قاله عمر، إن رسول الله يهجر، ما له أهجر!! ما شأنه أهجر، استفهموه إنه يهجر ” (٢) متجاهلين بالكامل وجود الرسول وموجهين كلامهم لأولئك الذين استدعاهم الرسول.

صعقت الصفوة التي اختارها النبي من هول ما سمعت فقالت: ” ألا تسمعون رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ” (٣).

فكرر عمر أقواله السابقة، وعلى الفور ضج أتباع عمر فرددوا اللازمة التي اتفقوا عليها قبل دخولهم إلى منزل النبي: ” القول ما قاله عمر، إن الرسول يهجر… ” (٤) إلى آخر اللازمة!!. كان واضحا أن عمر وحزبه على استعداد لفعل أي شئ يحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد!! فطلت النسوة من وراء الستر وقلن لعمر وحزبه: ” ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا “!! فصاح بهن عمر قائلا: ” إنكن

 

= كتاب الوصية ج ٥ ص ٧٥ وج ٢ ص ١٦، وصحيح مسلم بشرح النووي ج ١١ ص ٩٤ و ٩٥، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٥٥ وج ٤ ص ٣٥٦، وصحيح البخاري ج ٤ ص ٣١، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٤، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٠ وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص ٦٢، وسر العالمين، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي.(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

 

٢٥٨
صويحبات يوسف ” (١).وارتفعت الأصوات وكثر اللغو واللغط فتدخل الرسول فقال:

” دعوهن فإنهن خير منكم ” (٢) ” دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع ” (٣) لقد اكتفى الرسول بتأكيداته اللفظية السابقة، ورد على عمر وحزبه ردا يليق بجلال النبوة وطبيعة الظروف، ولم يعد هنالك ما يوجب بقاءهم لقد تحقق ما تمناه عمر وحزبه، إذ حالوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد، وكسروا خاطر النبي الشريف، وقصموا ظهر الدين والأمة معا فلو أصر الرسول على الكتابة، لأصروا على الهجر، مع ما يفتحه هذا الادعاء الكاذب من مخاطر على الدين.

وفي ما بعد بين عمر بن الخطاب الغاية التي استهدفها هو وحزبه من الحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما أراد فقال: ” حتى لا يجعل الأمر خطيا لعلي بن أبي طالب ” (٤) فيؤكد تأكيداته اللفظية بتأكيد خطي، وقد اعترف عمر بذلك لأنه كان يعتقد أن مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي أن لا يتولى الخلافة علي بن أبي طالب لحداثة سنة والدماء التي عليه (٥) وأن اختيار الرسول للإمام علي كاختياره لأسامة عمل غير صحيح وغير مناسب!! فإنا لله وإنا إليه راجعون!!!

 

 

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٤٣ – ٢٤٤.(٢) المصدر السابق.

(٣) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج ٣ ص ٩، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج ٥ ص ٧٥ وج ٢ ص ١٦، وصحيح مسلم بشرح النووي ج ١١ ص ٩٤ و ٩٥، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٥٥ وج ٤ ص ٣٥٦، وصحيح البخاري ج ٤ ص ٣١، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٤، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٠، وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص ٦٢، وسر العالمين، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي.

(٤) شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج ٧ ص ١١٤ سطر ٢٧ الطبعة الأولى بيروت وج ٢ ص ٧٩ سطر ٣ تحقيق أبو الفضل مكتبة الحياة، وج ٣ ص ١٦٧ طبعة دار الفكر.

(٥) شرح النهج ج ٢ ص ١٨، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ١٣٠، وكتابنا المواجهة ص ٤٧٣.

 

٢٥٩
الرسول في بيته لا في بيت عمر، ومن حق الإنسان أن يفعل في بيته ما يشاء!! ثم إن الرسول على الأقل مسلم ومن حق المسلم أن يكتب وصيته وبعد وفاة المريض الناس أحرار بإعمال هذه الوصية أو إهمالها!! ثم إن أبا بكر قد كتب وصيته، في وقت قد اشتد فيه المرض أكثر مما اشتد برسول الله، ولم يقول عمر الذي كان موجودا لا حاجة لنا بوصيتك حسبنا كتاب الله، ثم إن عمر نفسه قد اشتد به الوجع أكثر مما اشتد برسول الله، ومع هذا كتب وصيته وأصدر توجيهاته النهائية ونفذت كأنها كتاب إلهي، ولم يقل لا عمر ولا غيره: ” حسبنا كتاب الله… ” (١).كيف يعتذرون عن هذه البائقة!! كيف يبررونها!!! في وقت يطول أو يقصر سيخرجون من كهوف التاريخ، وسيعيدون النظر بثقافة التاريخ التي أشربوها فتخيلوا الأبيض أسودا والأسود أبيضا ساعتها سيكتشفون كم ضيعوا في جنب الله تعالى!!

وما يعنينا في هذ ا المقام أن الرسول أراد أن يكتب شيئا من سنته أثناء مرضه، فاستمات عمر بن الخطاب وحزبه ليحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد، لأنهم من حيث المبدأ ضد كتابة السنة، ومن يقف ضد كتابة السنة يقف ضد روايتها.

 

 

(١) سلطنا الأضواء في البحوث السابقة على مرض أبي بكر وعمر وكتابتهما لوصيتيهما وتوجيهاتهم النهائية، وكيف نفذت كأنها وحي من الله تعالى، وتوفيرا لوقتك راجع في هذا الخصوص تاريخ الطبري ص ٤٢٩، وسيرة عمر لابن الجوزي ص ٣٧، وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٨٥، وكتابنا المواجهة ص ٥٤٠ لترى كيف أتاحوا الفرصة لأبي بكر ليكتب وصيته وتوجيهاته النهائية وراجع تاريخ الطبري طبعة أوروبا ج ١ ص ٢١٣٨ لترى موقف عمر المؤيد لوصيته وتوجيهات أبي بكر، وراجع الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٥. وما فوق، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٣٦٤ وج ٣ ص ٣٤٧، وأنساب الأشراف ج ٥ ص ١٨، وتاريخ الطبري ج ٥ ص ٢٣ لترى كيف كتب عمر وصيته وتوجيهاته النهائية وكيف نفذت مع أن فيها أوامر بقتل نفوس حرم الله قتلها. 

شاهد أيضاً

السيد رئيسي افتتح معرض القدرات التصديرية: قوة الإنتاج لا تقلّ عن القوة العسكرية

لفت رئیس الجمهوریة الإسلامية في إيران السید إبراهیم رئیسي إلى أنّ الحظر شكل من أشكال ...