الرئيسية / بحوث اسلامية / الحسين في الفكر المسيحي – انطوان بارا

الحسين في الفكر المسيحي – انطوان بارا

الصفحة (56)

لكن ذلك لم يمنعنِ من إعطاء كلّ حدث ما يوافقه من لغة وأسلوب ، بغضّ النظر عن الهيكل العام للكتاب ؛ وذلك بهدف إعطاء العمل جديّة البحث ، وسلاسة التحقيق ، ورشاقة العرض البعيد عن الإنشائيّة والتقريريّة ، وتكرار ما سبق تكراره ، بحيث ينسجم هذا كلّه مع الهدف الذي رميت إليه ، ألا وهو إخراج بحث تحليلي صرف ، لا يقرب من السرد التاريخي إلاّ فيما يخدم الفكرة فحسب ؛ لأنّي لست مؤرّخاً ، بل كاتباً يبحث في التاريخ عن الإنسانيّة ، ومواقف الإنسان . وهكذا كانت الفكرة وأيضاً اللغة .

ويظلّ الحبّ ومن رحابه تطلّ المحبّة ، ناشرة ضياءها ما بين السطور والكلمات ، ويفرز قلم المؤمن مداد قلبه ، كلّما تحسّ روعة الاستشهاد ، وتبرز عظمة المضاء ، وتصوّر هلع السرائر والحنايا من هَول الفاجعة .

فإذا الله (جلّ شأنه) فدى إسماعيل من الذبح بعد أن صدّق أبوه الرؤيا وتلّه للجبين . فهل يرضى سبحانه بذبح الحسين ابن بنت رسوله ؟! وكم كان غضبه عظيماً حين ذبح فداءً للحقّ الإلهي ، وهو الصادق الأمين على هذا الحق ، وعلى سنّة الله في خلقه ! وكم هو حريّ بنا نحن البشر الضعفاء لأن نقف بقلوب حزينة ، وعيون دامعة أمام أحداث هذا الذبح الذي لم تسجّل الأديان والتواريخ ما يعدله سموّ معنى ، وسموّ ذات ، وعلوّ شأن .

فهو ذبحٌ فدى البشريّة جمعاء ، وصان دين الله الواحد من الانتهاك .

وهو ذبيح أرسى للبشريّة مجدها الذي ترتع في نعمته الآن وإلى أبد الدهور . ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره .

الصفحة (57)

فسلام عليه سيّداً للشهداء ، سلامٌ عليه يوم ولد ، ويوم مات ، ويوم يبعث حيّاً

 أنطون بارا

دمشق في 7 / 7 / 1979

الصفحة (58)

الصفحة (59)

ثورة الحسين لمَن ؟

لم تحظَ ملحمة إنسانيّة في التاريخَين القديم والحديث ، بمثل ما حظيت به ملحمة الاستشهاد في كربلاء من إعجاب ودرس وتعاطف ، فقد كانت حركة على مستوى الحدث الوجداني الأكبر لاُمّة الإسلام ، بتشكيلها المنعطف الروحي الخطير الأثر في مسيرة العقيدة الإسلاميّة ، والتي لولاها لكان الإسلام مذهباً باهتاً يركن في ظاهر الرؤوس ، لا عقيدةً راسخة في أعماق الصدور ، وإيماناً يترع في وجدان كلّ مُسلم .

لقد كانت هزّة وأيّة هزّة . زلزلت أركان الاُمّة من أقصاها إلى أدناها ، ففتحت العيون ، وأيقظت الضمائر على ما لسطوة الإفك والشرّ من اقتدار ، وما للظلم من تلاميذ على استعداد لزرعه في تلافيف الضمائر ؛ ليغتالوا تحت سترٍ مزيّفة قِيَم الدِّين ، وينتهكوا حقوق أهله ، ويخمدوا ومضات سحره الهيوليّة .

كانت ثورة بمعناها اللفظي ، ولم تكن كذلك بمبناها القياسي ؛ إذ كانت أكبر من أن تستوعب في معنى لفظي ذي أبعاد محدودة ، وأعظم من أن تقاس بمقياس بشري .

كانت ثورة رَقَت درجات فوق مستوى الملحمة ، كما عهدنا الملاحم التي يجاد

الصفحة (60)

بها بالأنفس . فأيّة ملحمة هي استمدّت وقود أحداثها من عترة النّبي وآل بيته الأخيار (عليهم السّلام) ؟ وأيّة انتفاضة رمت إلى حفظ كيان اُمّة محمّد وصون عقيدة المسلم ، وحماية السنّة المقدّسة ، وذبّ أذى المنتهكين عنها ؟

فإذا نظرنا إليها بمنظار الملاحم ، لم يفتنا ما فيها من كبر فوقها . فالملاحم والثورات التي غيّرت مجرى التاريخ والاُمم ، تقاس عادةً بمدى إيجابيّة وعظم أهدافها ، وإمكانيّة تساميها إلى مستوى العقيدة أو المبدأ لمجموع فئة ما أو فئات ؛ وعلى هذا المقياس تكون ثورة الحسين (عليه السّلام) الاُولى والرائدة والوحيدة في تاريخ الإنسانيّة مذ وجدت وحتّى تنقضي الدهور ؛ إذ هي خالدة خلود الإنسان الذي قامت من أجله .

( اُولى ) ؛ لأنّها في إطارها الديني هي أوّل ثورة سجّلت في تاريخ الإسلام ، وفي تاريخ الأديان السماويّة الاُخرى ، على مستوى المبادئ والقِيَم العقائديّة .

( ورائدة ) ؛ لأنّها مهّدت لروح ثوريّة ، وثورة روحيّة انطوت عليها صدور المسلمين تذكّرهم في نومهم وقعودهم بمعنى الكرامة ، وبمعنى أن ينتصب المؤمن كالطود الصلب في وجه موقظي الفتنة باسم الدين ، ورافعي مداميك الشرك والعبث في صرح العقيدة . فكانت دعوة جاهرة لنقض هذه المداميك ، وهدم دعائم الضلال والوقوف أمام أهداف الذين حادوا عن صراط الشريعة ، ولعبوا بنواميس وشرائع الدِّين ، وقامروا بكيان الديانة الوليدة ، تمهيداً لوأدها قبل أن تحبو .

( ووحيدة ) ؛ لأنّها استحوذت على ضمائر المسلمين فيما خلّفته من آثار عقائديّة ضخمة . فما كان قائماً من ممارسات لدى القائمين على الإسلام والحاكمين باسمه ، كان بحاجة إلى هزّة انتحاريّة فاجعة لها وَقْع الصاعقة آنذاك ، ومسرى الحبّ في الضمائر بعد أجيال وحقب تالية .

      الصفحة (61)

( وخالدة ) ؛ لأنّها إنسانيّة أوّلاً وآخراً انبثقت عن الإنسان وعادت إليه مجلّلة بالغار ، وملطّخة بالدم الزكي ، ومطهّرة بزوف الشهادة المُثلى ، فظلّت في خاطر المسلم رمزاً للكرامة الدينيّة ، شاهد من خلالها صفحة جديدة من مسيرة عقيدته ، صفحة بيضاء عارية من أشكال العبوديّة والرّق والزّيف ، مسطّرة بأحرف مضيئة تهدي وجدانه إلى السبل القويمة التي يتوجّب عليه السير في مسالكها ؛ ليبلغ نقطة الأمان الجديرة به كإنسان .

إذاً هي خالدة ؛ لأنّها أخلاقيّة ، سنّت دستور أخلاق جديد أضاء للاُمّة الإسلاميّة درب نضالها على مختلف الأصعدة ، وعلّمها كيف يكون الجود بالنفس في زمان ومكان الخطر المحيق رخيصاً ، وكيف يكون الموت سعادة والحياة مع الظالمين بَرَما ، والموت في عزّ خير من حياة في ذُلّ .

تلك كانت مبادئ معلّم الثورة الحسين (عليه السّلام) في ثورته التي فجّرها للإنسان أيّاً كان على وجه هذا الكون ، وسجّلها لِتُقال ويُعمل بها في أيّ مكان وزمان برزت فيهما الجاهليّة من الأنفس ، واندثرت النزعة السامية التي بشّر بها الأنبياء والمصلحون ، والتي ما أنزلت في النفوس إلاّ لتحقيق العدل بين الجميع ، ونشر الرحمة والحقّ فيما بينها .

فإذا ما نظرنا إلى هذه الثورة بمنظور اجتماعي ونفساني بحت لوجدنا أنّ ما أسفرت عنه من أخلاقيّات اجتماعيّة لأكثر من أن تحدّ ؛ فقد أفلحت النظم التي طوّق بها الاُمويّون مفاسد حكمهم في أن تقف حائلاً بين المسلم والثورة على هذه النظم والأساليب . ويوماً بعد يوم انغرست مبادئ التدجين البشري في النفوس ، واستوطنت الحنايا مسلّمات الخنوع والرضا بالمغانم الدنيويّة الزائلة ، فنامت ضمائر المسلمين نومة أهل الكهف ، واسترخت الهمم الثوريّة التي كانت رمزاً للمسلم في منطلق بعث ديانته ، حتّى تحوّل هذا الاسترخاء إلى آفة اجتماعيّة ونفسيّة وغدت تهدّد روح العقيدة .

الصفحة (62)

كانت هذه الآفة تدغدغ من داخل الصدور ، وتوسوس ناصحة بالمحافظة على الذوات ، والحفاظ على المكاسب المادّية ، والمنازل الاجتماعيّة ، وتحول دون النضال ، فلا يندفع إليه المسلم بحُميا نكرانه لذاته ، واستهانته بمكاسبه الزائفة ومنزلته الاجتماعيّة إلى إزالة وضع شاذ اُجبر على السير في ركابه دون أن يدري إلى أيّ منزلق يقوده .

من هذه النقطة التي وصل إليها الإسلام كعقيدة ، والمسلم كإنسان انطبعت في سويدائه مبادئها ، وجد الحسين (عليه السّلام) بأنّه لا مندوحة من إحداث هزّة توقظ النائمين في أوهامهم ، السادرين في ضلالهم ، وتقديم بديل حقّ لِمَا كان يسود الاُمّة من مبادئ استسلاميّة . ولمّا تفجّرت هذه الثورة واشتعل أوارها ، هتفت للمسلم : قم ، لا ترضَ ، لا تستسلم ، لا توافق على تدجين عقيدتك ، لا تبع نفسك التي عمرت بالإيمان لشيطان المطامع ، ناضل ولا ترضَ بحياة بلهنية وترف مع الظالمين وهادمي الذوات .

وتردّدت أصداء هذه الصيحات في أودية النفوس التي سكنت إلى الهدم يعمل في داخلها ، فهبّت بعد إخلاد دام ربع قرن منذ مقتل أمير المؤمنين (عليه السّلام) وتولّي الأمويين مقاليد الاُمّة ، حيث غدا الاضطهاد والظلم وسرقة أموال الاُمّة بديهيّاتٍ مسلّماً بها . هبّت كبركان عاصف محموم ، فاقتلعت هذا الرّكام من البديهيّات المتمثّل بالخنوع والزلفى والانهيار البطيء .

والخطأ الفادح الذي يتصوّره اُولئك المتسائلون ردّاً على أسئلتهم . ماذا كان من الممكن أن يغدو الحال لو لم يقم الحسين (عليه السّلام) بثورته ؟ وما مصير اُمّة الإسلام إذا ما قدّر للاُمويّين دوام العبث باسم الخلافة ؟ يكمن في تصوّرهم الآني لِما كان سيحدث . فقد تصوّر البعض بأن يستمر الحكم الاُموي في سياسته لإغراق جموع

الصفحة (63)

الاُمّة في ماعون الشهوات الذي نَصَبوه لها ، فتنحلّ هذه الاُمّة ، ويجد الفاتحون فرصة لاكتساح البلاد دون مقاومة ، فيتشرّد المسلمون بدداً في الأرض .

إنّ مثل هذا التصورّ برأيي يسيء إلى مفهوم ثورة الحسين (عليه السّلام) ؛ لأنّه تصوّر قاصر ينتهي إلى مفهوم سيّئ مادّي بحت ذي أبعاد زمانيّة ومكانيّة محدّدة .

( زمانيّة ) تنتهي باكتساح دولة الاُمويّين و ( مكانيّة ) في قيام دولة غريبة قد تجافي روح الإسلام في بقعة من أرض الشام ، أمّا التصوّر فيما ستؤول إليه العقيدة ، وما سيكون عليه مصير الاُمّة الدِّيني . فذلك لم يحظَ بأقلّ تصوّر لدى أغلبيّة مَن أرّخوا للثورة أو كتبوا لها .

فالثورة عندما قامت استمدّت عزمها من روحيّة الشريعة ، وكانت تهدف إلى إعادة بثّ هذه الروحيّة في نفس كلّ مسلم ، ولو كان التصوّر يقف عند حدود إزالة دولة الأمويين لَما عنى الحسين (عليه السّلام) نفسه بهذه الثورة ، لكنّه (عليه السّلام) كان عارفاً بأنّه خاسر معركة ليكسب الإسلام الحرب . الحرب على الظلم عامّة ، والانتصار على مسبّبات ضعف العقيدة ، وأكبر دليل على ذلك أنّه كان بإمكانه (عليه السّلام) أن يلجأ إلى نفس الأساليب التي لجأ إليها خصمه يزيد ، فيشتري الأنصار ويبذل المال لشراء الضمائر .

وكان (عليه السّلام) قادر على فعل ذلك ، إلاّ أنّه لم يرضَ بهذا الاُسلوب الوقتي . وهذا ما أعلنه في خطابه للذين بايعوه ؛ كي تظلّ ثورته صافية ، لا يتّهم بأنّه استأجر لها أنصاراً ولأفكاره مؤيّدين ، إضافة لكونه (عليه السّلام) كان عارفاً بأنّ ثورته في حساب الخسارة والربح ، لا بدّ خاسرة ، لكنّه كان يستقرئ المستقبل لربح أعظم يتعلّق بدوام صفاء العقيدة ، وإلاّ لكان بإمكانه الاعتصام في شعاب الحجاز وقيادة ثورته من ركن قصي آمن ، موفّراً نفسه وأنفس أهل بيته وخلّص أصحابه ، ولكن كلّ ذلك لم يكن كافياً لإقناعه (عليه السّلام) .

ونقول إقناعه ونحن على فَهْمٍ تامّ بأنّ عدم قناعته كانت تستند إلى وحي إلهي ؛ لإتمام المسيرة التي لا بدّ منها لخير الاُمّة .

الصفحة (64)

وبالمقابل كان ثمّة إجماع ممَّن حوله يستدعي البقاء حيث كان ويدعو إلى عدم الخروج من مكّة ، والاستعاضة عن الجهاد ببذل النفس بقيادة الثورة من بعيد . فكان أمام الحسين (عليه السّلام) أكثر من بديل للموت ، وأكثر من اقتراح للسلامة ، وكان (عليه السّلام) عالماً بكلّ هذه البدائل والطرق الموصلة إليها وإلى نقيضاتها ، إلاّ أنّ الحكمة الإلهيّة التي كانت تخطّط لثورته أكبر من فهم البشر وأعظم تَجلَّة من أن تدخل في نطاق بصيرتهم ، لذا فقد سارت ثورة الحسين (عليه السّلام) كما اُوحي له بها ، ونجحت ذلك النجاح القياسي الهائل ، والذي لم تكن لتبلغه لو سارت على نهج تقليدي على هَدي ما قدّم من اقتراحات وبدائل .

وذات الوحي الإلهي الذي حدّد مسار وتوقيت ثورة الحسين (عليه السّلام) أزال الغشاوة عن العيون وبدّد الأوهام التي رانت على العقول والضمائر والتي ظنّت ساعة قيام الثورة بأنّها كانت لمناوئة حكم الاُمويين ، وبأنّها ستنطفئ بانطفاء جذوتها وتخمد بانخماد شراراتها المشتعلة . فعرفت هذه العقول وقنعت هذه البصائر بأنّ ثورة الحسين (عليه السّلام) كانت يقيناً ربض في أعماق الصدور ، ووحياً استلهمه كلّ مظلوم على مرّ الأجيال والقرون وعلى اختلاف البشر ونحلهم ومللهم ، وإنّها كانت نبراساً يضيء للناس ، وحرارة تستعر في قلوب المؤمنين .

ألم يقل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً )) ؟! أمَا خطر لاُولئك الذين شرحوا ثورة الحسين (عليه السّلام) بأنّها حركة رجل ضدّ رجل بعد اختلاف على الحكم والمبادئ ، كي يستلهموا كلمات صلوات الله عليه ويستنبطوا معانيها الجليلة الخالدة ؟ أمَا خطر لهم أن يتساءلوا : ولِمَ يظل لقتل الحسين تلك الحرارة التي لا تبرد أبداً في قلوب المؤمنين ما دامت حركة زمنيّة مؤقّتة لا انتفاضة روحيّة عقائديّة ، جعلت القيم الدينيّة والشريعة محل اهتمامها ، والإنسانيّة محور وسائلها والحقّ مطلبها ؟

الصفحة (65)

واُولئك الذين نظروا إلى حركة الحسين بكثير من قصر النظر ، وأيضاً الذين أرّخوا لها وكتبوا عنها ، ألم يلفت نظرهم أنّ هذه الثورة لا يجوز أخذها بمأخذ الثورات التقليديّة ؟ كي يعلموا أنّها كانت صراعاً بين خُلقين ومبدأين ، وجولة من جولات الصراع بين الخير والشر ، بين أنبل ما في الإنسان وأوضع ما يمكن أن تنحدر إليه النفس البشريّة من مساوئ ؟

ألم يعوا كيف تحوّلت هذه الملحمة العظيمة بتقادم العهد عليها إلى مسيرة ؟ وكيف صارت الشهادة التي أقدم عليها الحسين (عليه السّلام) وآل بيته وصحبه الأطهار ، إلى رمز للحق والعدل ؟ وكيف صار الذبيح بأرض كربلاء ، منارة لا تنطفئ لكلّ متطلّع باحث عن الكرامة التي خصّ بها سبحانه وتعالى خلقه بقوله : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) ؟

والسيرة العطرة لحياة سيّد شباب أهل الجنّة ، واستشهاده الذي لم يسجّل التاريخ شبيهاً له كانا عنواناً صريحاً لقيمة الثبات على المبدأ ، وعظمة المثالية في أخذ العقيدة وتمثّلها ، فغدا حبّه كثائر واجباً علينا كبشر ، وحبّه كشهيد جزءاً من نفثات ضمائرنا ، فقد كان (عليه السّلام) شمعة الإسلام أضاءت ممثّلة ضمير الأديان إلى أبد الدهور ، وكان درعاً حمى العقيدة من أذى منتهكيها ، وذبّ عنها خطر الاضمحلال ، وكان انطفاؤه فوق أرض كربلاء مرحلة اُولى لاشتعالٍ أبدي ، كمثل التوهّج من الانطفاء ، والحياة في موت .

فلو كان فرخ النبي (عليه السّلام) ضنيناً بمبدأ ، ولو لم تكن له عقليّة متصوّرة موحى لها لَما استطاع أن يفلت من ربقة الأطماع التي كانت بمثابة دين ثانٍ في ذلك العهد , ولَما كان ارتفع بنُبلٍ قلّ نظيره فوق الدوّامة التي دوّمت الجميع ، اُولئك المتزلّفين ، يزيد على خطى مَن سبقهم في تزلّف والده معاوية .

شاهد أيضاً

موسوعة الأحاديث الطبية – محمد الريشهري

المدخل الحمد لله رب العالمين وصلى الله على عبده المصطفى محمد خاتم النبيين وعلى أهل ...