يجب أن يكون المنزل هو الدرس الأول لتربية الأولاد، فيشع ألواناً طيبة من التفاهم والمحبة والانسجام والايثار والتجاوز عن أخطاء الآخرين.
ولا يليق أبداً أن يكون مكاناً لنزاع الأبوين. لأن هذا النزاع يكون بداية لضياع أهم الحقوق التي يجب أن تكون حكراً على الأولاد.
أو لم يكن الظلم الذي ألحق بأولادكم مرجعه إليكم؟
أو لم تكونوا السبب الرئيسي في خيبة أولادكم وعصيانهم لكم؟!
لا ينبغي للأبوين أن يغفلا أبداً عن أن أي عمل مهما كان صغيراً سوف يكون له الأثر الفعال في الأولاد، فالبيت أو المنزل هو الباعث الأساسي لتكوين شخصية الأولاد.
وإذا ما أهملنا أو تقاعسنا في هذا الأمر كنا مصداقاً للآية الشريفة التي تقول:
(قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) سورة الزمر، الآية: 15.
ما يحفظ سلامة الأسرة
أعزائي، حافظوا على الهدوء داخل المنزل لضمان سلامة المحيط العام للأسرة.
حافظوا على الابتسامة مع الأهل والأولاد بشكل موقر حين التعامل معهم، وابتعدوا عن القلق والاضطراب في المنزل.
وإن كان لابد وأن يظهر عليكم، فلا بأس أن يكون خارج حدود المنزل، وفي أثناء مواجهتكم للمعضلات والمشاكل ينبغي بكم أن تكونوا حديين وجادين في قطع دابر المشكلة من الأساس. ولتعلموا أن الهم وتجرع الغصص مثلها كمثل الأفعى والعقرب فإن لم تسارعوا إلى إبادتها، ابادتكم.
واحفظوا ألسنتكم ولا تهدموا بيوتكم بالكلام الجارح الذي يعمل على تكدير الصفاء عن المنزل ناهيك عن تخريبه لنظام الأسرة.
واسعوا أبداً أن لا تكونوا السبب في امتعاض الأهل والأولاد والأصدقاء منكم.
أحبوا أهليكم وأولادكم، وتقربوا إليهم بالحديث الطيب مظهرين لهم محبتكم التي تنم عن عواطفكم الجياشة تجاههم وكونوا كما قال الرسول الأكرم (ص):
“قول الرجل لأمرأته إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً”(1).
وبهذه الكلمات القليلة يمكن للرجل أن يتلافى كثيراً من المشكلات الثقال التي قد تثار من قبل الزوجة، بل إن هذه العبارة تسهم إسهاماً فعالاً في تنشيط الزوجة وتعطيها زخماً أكبر مما كانت عليه يساعدها في إدامة تربية الأطفال.
وأنتم جديرون أن تعلموا أن أساس استحكام نظام الأسرة يقوم على الود والاحترام المتقابل بين الرجل والمرأة.
وهذا الود والاحترام سيساعد في تنمية نور الرأفة والمحبة والحنان في قلبيهما، وبقائه مضيئاً.
الأولاد قد لا يشكون من الحرمان المادي بقدر ما يعانون من الاختلافات والتعنت الذي قد يحصل في الأسرة، لما لهذه الأمور من تأثير مباشر في كسر شوكة المعنوية والعطف.
التوادد والتحابب والرأفة يمكن أن تسد المكان الخالي من الفقر والحرمان والفاقة.
عليكم أن تعلموا أيها الأعزاء: أنه إذا ما قدر أن تنعدم الرفقة والمحبة المتبادلة بين الزوج والزوجة.
وكذلك العطف الذي يبديه الزوجان تجاه أولادهما، وإذا ما فقدت البشرية المحبة بين أفرادها، تلاشت المجتمعات الإنسانية، أو وقعت في مستنقع الضجر والرذيلة.
وما مشاهداتنا لكل هذه الجرائم، الظلم، الاعتداء، الاغتصاب، حالات الطلاق والخلافات بين الشرقيين والغربيين إلا نتيجة واقعية لغياب الروح العنوية والالتزامات النفسية مما جر إلى تبديل الروح الإنسانية بروح آلية مادية فقدت روحها وبقي منها ما يشبه الجماد فلا ود ولا صفاء نفسي ولا حتى آثار للعاطفة والرحمة.
المحبة منشأ العفة
لن تكون هناك عوامل أو أسباب تخرج المرأة أو الزوجة عن مسيرة العفة والطهارة إذا أحبت زوجها، لأن أغلب الانحرافات والخلافات التي يمكن أن تحدث للنساء أو للأولاد تبدأ من ضآلة ما يبديه الرجل لأمرأته وسائر الأسرة من محبة واحترام.
لاشك أن كل فرد في الجتمع الإنساني يحتاج إلى المحبة(2)، وهذه الحاجة تظهر بوضوح عند النساء أكثر وأقوى مما نجده عند الرجال وأساس هذه المحبة فطرية.
فعلى الرجل أن يعمل بجهده ويبذل ما في وسعه لأن تحظى هذه المسألة بعناية خاصة داخل محيط الأسرة. فيسلك مختلف الطرق للفوز باعتماد الزوجة الذي ينبع من إظهار الود والمحبة لزوجته وأسرته جميعاً، حتى إذا عظم الود في نفوسهم تفادوا وضحى كل منهم من أجل الآخر.
وهذا ما نشاهد أثره في تنظيم سلوك الأسرة، وطالما ذكر الأئمة الأطهار به، قال الصادق (ع):
“من أخلاق الأنبياء حب النساء”(3).
وفي أحاديث أخرى للإمام الصادق (ع) يذكر فيها ما معناه أن: كلما زاد حب الرجل لزوجه كان إيمانه بالله أكثر”(4).
و”كل شخص كان بنا أهل البيت رحيماً كان بزوجه أرحم”(5).
وكذا قال الرسول الكريم (ص):
“خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله”(6).
من هنا، يتبين لنا أن العظماء أرادوا أن نتعلم من هذه التوصيات كيفية الحفاظ على المحيط الأسري وجعل المنزل مكاناً للأمن والاطمئنان، والابتعاد عن الأنظمة الاجتماعية الأرضية التي ما فتأت تفسد حياة الأسر وتسعى لتفتيت القوانين الاجتماعية بشكل عام والأنظمة الداخلية أي على صعيد الأسرة مما يسهم في اضمحلال وفساد وتمييع المجتمع البشري العالمي.
واجبات الرجل والمرأة وحقوقهما
أشرنا سابقاً، إلى أن حق الرجل يتمحور فقط حول استمتاعه بزوجته.
وما تنجزه من قبيل الطبخ والغسيل هو معروف منها تسديه إليه، وليس واجباً عليها له، وإن شاع أنها من الوظائف الأخلاقية للنساء وليست حقاً للرجال.
لذا نرى الرسول الأكرم (ص) يذهب إلى بيت الزهراء ـ سلام الله عليها ـ في اليوم الأول بعد الزفاف من أجل أن يبارك لهما الزواج يقسم الأعمال بين هذين العظيمين قائلاً ما معناه:
“يا زهراء، إن أعمال المنزل، من قبيل الخبز أو طحن الشعير والحنطة، وتنظيف الدار، ورعاية الأطفال سهمك؛ أما سهم أمير المؤمنين (ع) فيتمثل في تهيئة الحطب، وجلب الماء، وترتيب ما يحتاجه المنزل من مواد أخرى تجلب من خارج المنزل”.
بعدها، تفوهت فاطمة الزهراء (ع) بهذه العبارة التي ينبغي أن تلزمها كل المؤمنات وهي:
“لا يعلم إلا الله ما داخلني من السرور في هذا الأمر”(7).
الحقوق والعاطفة
ما أجدر الزوجين أن يكونا رفيقين رحيمين يعطف أحدهما على الآخر ويعينه على النهوض بخدمة الأسرة التي يشتركان في إدارتها! فإنهما إن لم يكونا كذلك انفرطت الأسرة وخسرت شركتهما.
ولو حكم القانون وحده علاقات الأسرة، وتوقف العمل على أداء الواجبات فقط، لتوترت حياة تلك الأسرة، وأصابها الخسران.
وكذا لو حكمت العاطفة لوحدها.
لذا يستلزم أن يكون القانون إلى جنب العاطفة في تحكيم الروابط الأسرية.
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان) سورة النحل، الآية: 90.
مع وجوب التزام الرجل والمرأة مراعاة القوانين الإسلامية يجب أن يكونا رفيقين يعطف أحدهما على صاحبه.
التعاون
كان رسول الله (ص) على يومه قد ذهب إلى منزل أمير المؤمنين (ع) فوجده ينظف عدساً، فسر الرسول (ص) بهذا العمل وقال:
“يا علي، من أعان زوجه على عمل في المنزل، كان له ثواب عمرة”.
جهاد المرأة
جاءت امرأة إلى رسول الله (ص) وقالت لي سؤال أوجهه لك نيابة عن كل نساء العالم من الآن حتى يوم القيامة: لماذا فرقت بين الرجل والمرأة في الجهاد مما يبعث على حرمانها من الأجر والثواب الذي خصصت به الرجال دون النساء؟
فأجابها الرسول الأكرم (ص):
“جهاد المرأة حسن التبعل”(8).
وعلى هذا الأساس، يجب على المرأة أن تنظف منزلها على أكمل وجه، وتطبخ الطعام، وتغسل الملابس، وتربية الأولاد، والتجمل لزوجها لتكون مشغولة دائماً في الخطوط المتقدمة للجهاد في سبيل الله تعالى.
حقوق الرجل
لقد علمنا الرسول الكريم حقوق الرجل على المرأة في معرض جوابه عن سؤال امرأة وهكذا كان:
1 ـ للرجل حق الاستمتاع المطلق في أي وقت شاء.
2 ـ لا يحق للمرأة أن تتصرف بأموال زوجها بغير رضاه.
3 ـ لا ينبغي للمرأة أن تغضب زوجها، وإن حدث وأغضبته عليها أن لا تسلم جفناً لنوم(9).
بعدها سألت تلك المرأة رسول الله (ص) وقالت: وهل هذه الحقوق يتساوى فيها الرجل الظالم والسوي؟.
فقال (ص):
نعم، ويجب على المرأة أن تكون متواضعة لزوجها في كل الأحوال ولا يحق لها أن تعرض عنه.
والرجل أيضاً ـ كما بينا سابقاً ـ لا يحق له أن يطلب من زوجه شيئاً عدا الاستمتاع.
أما المرأة فحري بها أن تنجز كافة أعمال المنزل على أحسن وجه انطلاقاً من الخلق الرفيع واحترام الروابط الإنسانية والعاطفية التي تربطها بزوجها.
وهكذا، يجب على الزوجة أن تتناسى أو تتغاضى عن كثير من الخلافات التي قد تحدث داخل محيط الأسرة بشكل. فإذا قدر للرجل أن يخرج من البيت غضبان قلقاً، كان على المرأة أن تهيئ نفسها جاهدةً لإزالة الغضب والقلق في أثناء رجوعه، وتستقبله بوجه مبسوط تعلوه الابتسامة لتدخل السرور على نفسه.
وعليها أيضاً أن تتواضع لزوجها ما قدرت، وعندما تتحدث إليه يجب أن تضع في ذهنها التودد إليه والتبسم له حفاظاً على سلامة بيت الزوجية. فإظهار المحبة والرفق والود يمكن أن ينزع جذور الخلافات والنزاعات من الأساس، ناهيك عن الأخذ بيد الزوج حين تتكالب عليه الأمور وتتفاقم المشكلات.
ولا غرابة في الأمر إذا ما قلنا إن مثل هذا السلوك هو إحدى وظائف المرأة قبالة زوجها.
امرأة أبي أيوب الأنصاري
لقد كان لأبي أيوب الأنصاري ولد له من العمر سنتان أو ثلاث توفي في غياب أبي أيوب عن الدار، فجلست زوجه في البيت تندب ابنها وتبكي لفراقه، ولكنها نحت الغلام جانباً، وتزينت لزوجها واستقبلته بوجه بشوش ساعة عاد إليها وكأن شيئاً لم يكن.
أفاق أبو أيوب عند السحر قاصداً المسجد ولكن زوجته واجهته بسؤال قائلة: يا أبا أيوب إذا ما ائتمنك شخص على شيء وجاءك بعد مدة يريد استرداده منك، هل ترده إليه أو لا؟
فقال: نعم. أردها إليه.
فقالت: قبل ثلاثة أعوام أئتمننا الله على أمانة وبالأمس استردها فعليه عجل بالمجيء بعد الصلاة لدفن ابننا.
فقال أبو أيوب: “الحمد لله رب العالمين”. ومضى إلى المسجد؛ وعرض على رسول الله (ص) ما جرى.
فاستبشر الرسول (ص) وقال له: “بارك الله لك في ليلتك تلك”. وتتفق الأقدار على أن تنعقد نطفة في تلك الليلة ليأتي بعد مدة ابن صالح كان نصيباً صالحاً لذلكما الطيبين.
سلوك الرجل الزوج
طبيعي القول إن من وظائف الزوج عند رجوعه إلى المنزل أن يكون متبسماً مبتعداً عن الهموم والغموم التي حصلت له خارجه لانفعال من بعض الأصدقاء أو من بعض الوظائف الاجتماعية أو ما شابه ذلك.
وينبغي له أن لا ينقلها داخل المحيط الأسري فيفتت بذلك جزءاً من نظام الأسرة.
وبناءً على هذا، فالحارس أو الجندي حري به أن يلين في أسرته ويحفظ بالغضب والشدة لعدوه. بل عليه أن يلين حتى لعدوه، إذا قدر عليه وأسره.
إن التشدد مع الأهل والأولاد وسوء الخلق محرم على المسلمين، لأن ذلك تكبر، وليس للمسلم أن يتكبر إلا على العالين في الأرض، فالتكبر على المتكبر عبادة.