إنّها الوثيقة الأخلاقيّة الجامعة، والتي حملها إلينا التراث من زمن الإمام الكاظم عليه السلام، وهي الوصيّة التي أوصى بها لصاحبه هشام بن الحكم. لقد تضمنت الوصيّة هذه كماً هائلاً من المضامين الثقافيّة المتنوّعة، والتي انطلقت من العقل، ودوره وتأثيره في بناء الأخلاق الإنسانيّة، وما يكمل به المرء حين يتّصف بالحسن منها.
علاقة العقل بسائر الأخلاق
بعد معرفتنا أن للعقل جنوداً تسانده وتؤازره في هذه المعركة نعلم أن الأخلاق لا تنفك عن العقل، فحيثما يكون العقل تكون بإزائه سائر الخصال الحميدة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: “أكمل الناس عقلاً أحسنهم خلقاً”13.
وعلى رأس تلك الأخلاق الحميدة الحياء، ففي الرواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: “هبط جبرئيل على آدم عليه السلام فقال: يا آدم إني أُمرت أن أخيرك واحدة من ثلاث فاختر واحدة ودع اثنتين، فقال له: وما تلك الثلاث؟ قال: العقل والحياء والدين، فقال آدم عليه السلام: فإني قد اخترت العقل، فقال جبرئيل عليه السلام للحياء والدين: انصرفا ودعاه، فقالا: يا جبرئيل إنا أُمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، قال: فشأنكما وعرج”14.
فكما أن الأخلاق الحسنة هي نتاج العقل والعلم والوعي والبصيرة، فإنّ الأخلاق الذميمة فرع الشيطنة والنفس الأمّارة بالسوء، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “إنّ قلوب الجهّال تستفزها الأطماع، وترتهنها المنى، وتستعلقها الخدائع15“16.
13- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية – طهران – الطبعة الخامسة – ج 1 ص 23
14- محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي – الوفاة: 381 – من لا يحضره الفقيه – جامعة المدرسين – الطبعة الثانية 1404 هـ. – ج 4 ص 417
15- تستفزها أي تستخفها وتخرجها من مقرها. وترتهنها المنى أي إرادة ما لا يتوقع حصوله، أو المراد بها ما يعرض للانسان من أحاديث النفس وتسويل الشيطان، أي تأخذها وتجعلها مشغولة بها ولا تتركها إلا بحصول ما تتمناه كما أن الرهن لا ينفك الا بأداء المال. وتستعلقها أي: تصيدها وتربطها بالحبال.
16- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية – طهران – الطبعة الخامسة – ج 1 ص 23