عادة، تكون النظرة الحسنة وحسن الظن دلالة قوية على صفاء القلب الإنساني. فمن تنزه عن الرذيلة، وجاهد نفسه على هذا الطريق كان دائماً مطمئن النفس والخاطر حافظاً في الغالب توازنه الملحوظ.
ومثل هؤلاء الناس الأسوياء لا يمكن أن نراهم أصحاب خلافات ونزاعات في المنزل أو المجتمع ولا يتوقعون ممن سواهم أكثر مما هم عليه.
حسن الظن والنتائج الدنيوية
علينا أن لا نتوقع من المرأة عدم الخطأ، لأن الإنسان غير معصوم.
ويجب أن يعرف الرجل أنها لا يمكن أن تعمل طبق جميع آماله ورغباته، فإمكان الوقوع في الخطأ ومخالفة الآخرين أمران طبيعيان يستحيل حذفهما.
فعلى الرجل أن يغض النظر عن الاشتباهات الجزئية، ويكيل المديح للأعمال الحسنة التي تقوم بها المرأة من أجل ديمومة نظام الأسرة وقانونها.
وإذا عمل الإنسان على هذه الشاكلة، طابت دنياه، نأت عنه النزاعات والخلافات، وبدأ نشطاً فعالاً دائم الوقوف على قدميه، وحظي باحترام المجتمع والأسرة، ونجا من القلق والاضطراب، وازدادت محبته في النفوس، وسلم أولاده من الأمراض النفسية كالحسد، وعقد النقص وما إلى ذلك من الأمراض النفسية.
حسن النية والنتيجة الأخروية
إن أهم ما يصبو إليه الإنسان هو حسن العاقبة الذي يؤدي إلى السعادة التي وعد الله تعالى عباده الصالحين حين قال في محكم كتابه:
(ليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) سورة النور، الآية: 22.
وعلى حد قول أمير المؤمنين (ع) ما مضمونه:
وإذا ما كانت الدنيا تطوق بسلاسلها الإنسان، وتجعل منه حافي القدمين سائراً على الأشواك في الصحراء، وهو راضٍ وسعيد ومطمئن البال على آخرته، فسوف يتحمل أكثر من ذلك ولن تكون الصعاب في الدنيا إلا مزيداً له على كسب الآخرة.
لقد علمنا الإسلام العزيز كيف نعفو.
فالصفح، يعني غض النظر عن الأخطاء والاشتباهات والتبعاد عن نسج الخيال وترك الإصرار على إشاعة المعايب والنواقص.
ومن الاستقامة رؤية محاسن الآخرين والثناء عليها ففي ذلك عمران الدنيا والآخرة.
وتجاوزنا عن مساوي الناس قد يكون وسيلة لتجاوز الله ـ تعالى ـ عن أعمالنا السيئة في يوم القيامة. وما أحرانا بغض النظر عن اشتباهات الناس ما دام سبباً لرحمة الله إياناً وتجاوزه عن عظيم سيئاتنا يوم الفزع الأكبر! ما أسعدنا حين يتجاوز الباري عن أعمالنا ولا يجرنا بسوء صنعنا إلى النار!!
وهذا هو أحد الامتيازات الأخروية للإنسان الكريم الذي يغض النظر عن سيئات الآخرين، وبالخصوص أسرته.
أعزائي، عليكم أن تستحضروا دائماً في أذهانكم الآية الشريفة صباحاً ومساءً وتفكروا بها جيداً لتعملوا بها لما لها من سعادة في الدنيا والآخرة، ويا حبذا لو كتبت هذه الآية الرحمانية بماء الذهب وأرفقت مع جهاز عرس بناتكم، ألا وهي:
(وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم).
أجل، هو كذلك. فليعفُ أحدكم عن الآخر ليعفو الله عن أخطائكم يوم القيامة.
لا تسيئوا الظن، ولا تنسجوا في الخيال.
تغاضوا عن اشتباهاتكم ولا سيما اشتباهات نسائكم وأهليكم، ليغض المولى ـ جل وعلا ـ عن عالم السيئات والخطيئات التي مارستموها يوم القيامة.
الرجل والمرأة أحدهما لباس للآخر
لقد وصف القرآن المجيد الرابطة بين الرجل وامرأته بعبارة جميلة ودقيقة جداً، فقال:
(هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) سورة البقرة، الآية: 187.
ويخلص التفسير لهذه الآية الشريفة إلى أن الرجل والمرأة يمكن لهما أن يقمعا خلافهما فيما بينهما، ويندثر دون أن يعلم به أحد من خارج محيط الأسرة.
وما أجدرهما بأن يذيعا شيئاً من خلافهما حتى لأبويهما، ليبقى سرورهما سالماً من عبث الآخرين!
إذن لا يحق للمرأة أن تنتقل الاختلافات المنزلية إلى أمها وأبيها وأقرب الناس إليها وكذا الرجل لا يمتلك هذا الحق.
طريقة حل الخلاف
ينبغي أن تلزم الاختلافات والنزاعات حدود البيت قدر الإمكان، وإذا وصل الأمر إلى حد لا يمكن معه كتمان الخلافات وجب على الزوجين أن يعملا على طبق ما جاء في القرآن المجيد:
(وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً) سورة النساء، الآية: 35.
التحكيم، هذا الذي جاء به القرآن الكريم، يتم في وقت وصلت فيه الأمور إلى حد قد تتشتت عنده الأسرة الواحدة ولاح قرار الطلاق في الأفق.
عندما يصل الحال إلى هذه المرحلة، حينذاك يجب أن يجلس الطرفان وتطرح المسألة على بساط البحث في وجود حكمين من كلا الطرفين لوضع نهاية يخرج معها الجميع بالصلح والصفاء.
إذن، فقط يكون طرح الاختلافات والنزاعات خارج محيط المنزل في المراحل التي يحتمل فيها أن تصل إلى تفتيت أركان الأسرة وهدم نظامها، يتطرق الطرفان إلى قضية الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله، ولا يحق للزوجين أن يستعرضا ما بينهما من خلافات جزئية وإدخال الحكمية في موضوع صغير يمكن حله بشكل أو بآخر داخل المحيط الأسري.
نتيجة
ما يمكن أن نستفيده من الآية المباركة المذكورة آنفاً هو: إن المشاكل الداخلية لا يمكن إخراجها من حدود الأسرة بأي شكل من الأشكال؛ وضرورة إسداء النصح والوعظ، وترك المسائل التي يحتمل أن تؤدي إلى التباعد والجفاء.
وإذا لم نحصل على نتيجة حتمية، وخفنا الطلاق البغيض أدخلنا حكماً من أهله وآخر من أهلها لحل القضية سلمياً بعيداً عن الطلاق وما يجر من ويلات على المجتمع والأسرة.
وبناءً على هذا التعبير، فإن اللباس إذا تلوث بعث الإنسان نفسه على الخجل.
وهكذا نقاط الضعف في الرجل والمرأة إذا ذاعت في الناس بعثت صاحبها على الخجل شأنها شأن اللباس الملوث إذا ظهر به صاحبه في الناس خجل من تلوثه.
فعلى الرجل والمرأة ألا يذيعا خلافهما في الناس، فيبوءوا بالخجل منه. وعليهما أولاً أن يجتنبا الخلاف في المنزل ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً.
وعليهما ألا يخرجاه من المنزل إذا حدث.
ويجب أن يسود العفو والصفح حياة الأسرة.
وعلى الزوجين أن يربيا نفسيهما على ألا يرى أحدهما من صاحبه غير الحسنات، ويتغاضى عن السيئات، ويصبر أحدهما على الآخر، ويحسن به الظن دائماً.
حديث لأحد العظماء
قال أحد العظماء: قد يغض الزوجان نظرهما عما يظهر من معايبهما في الأشهر الأولى من الزواج بدافع من اشتداد الرغبة النوعية التي تحجبهما عن رؤية غيرها.
خاصة إذا كان كل منهما يكن حباً شديداً للآخر مصداقاً لقول أمير المؤمنين (ع): “حب الشيء يعمي ويصم”(3).
أما، بعد انقضاء العام الأول تنفتح الوجوه أكثر ليستعرض الواحد منهما نقاط ضعف الطرف الآخر مما يجر على برودة العلاقات الأسرية.
وأحياناً قد تجر إلى الطلاق والانفصال أو مماشاة الحال اضطراراً، وطبيعة، فإن الأولاد الذين يكبرون في منزل أو دار هكذا سيكونون معقدين أو عرضة للأمراض النفسية.