الرئيسية / بحوث اسلامية / البعد الروحي للاحرام _ غسل الاحرام السيد عبد الستار الجابري 03

البعد الروحي للاحرام _ غسل الاحرام السيد عبد الستار الجابري 03

لبعد الروحي للاحرام
الحلقة الثالثة _ لبس ثوبي الاحرام وصلاته
عبد الستار الجابري

بعد ان يغتسل مريد النسك للإحرام ويرتدي ثوبيه سواء كان رجلاً ا امرأة فكل منهما قد اعد لاحرامه ثوباً.
وكما ان الباس العادي في غير الأحرام يفي بدوره في حماية البدن من الاضرار المادية وما لا يحب الانسان اطلاع الآخرين عليه، كذلك الحال في ثوب الإحرام فانه يؤدي دوره في حفظ البدن وستره، ومضافاً لتلك الآثار المادية فان هناك ما بأزاء ذلك المعنى المادي وهو الجانب المعنوي، اذ ان الناسك بارتدائه ثوب الاحرام يكون قد تجلل بثوب الستر الالهي المنسوج من نور الطاعة والبعد عن المعصية، فكما جرد الناسك بدنه عن ثوب حياته اليومية ،فان عليه تخلية قلبه من ادران المعصية وقلعها من جذورها، وكما ازال عن بدنه تأثيرات وعثاء السفر مما لحقه من متغيرات الطبيعة وعرق الجسد فانه بالتوبة النصوح يطهر قلبه من ادران المعاصي والذنوب، فكما يزل الماء ادران البدن تزيل التوبة آثار الذنوب (ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) وكما اسدل على بدنه ثوب الإحرام يكون قد تهيأ لحجب قلبه عن اتباع الشهوات والنفس الامارة بالسوء ليتبدأ بذلك مرحلة ولادة جديدة لشخصيته الروحية فيكون بعد اداء نسكه غيره قبله.

فالإحرام لأداء العمرة او الحج بداية مرحلة ولادة جديدة لشخصية الانسان المؤمن في ترسيخ القيم والابعاد الروحية، فكما ان الانسان يولد ما دياً بعد المرحلة الجنينية ويولد علمياً بعد تخصصه في علم معين ويولد فنياً عند احرازه الخبرة في مجال ما، فكذلك له نشأة وولادة روحية مع كل مرحلة يترقى فيها في ساحة القرب من الله تبارك وتعالى، فمن اصبحت صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ومن كان صيامه خالصاً لوجهه الكريم، ومن كانت صدقاته تزكية لروحه واطلاقاً لها من اسر المادة، كانت كل مفردة من تلك المفردات ولادة جديدة لشخصيتة في ساحات القرب الى الرب تبارك وتعالى ، وقد ورد ان الانسان اذا فرغ من الحج عاد نقياً من الذنوب كيوم ولدته امه .
البعد الروحي لصلاة الاحرام
صلاة الاحرام من المستحبات المؤكدة والتي تعد من مقدمات الاحرام، التي يؤديها مريد النسك في الميقات قبل الاحرام لما قصده من عمرة او حج.

وقد تقدم في الحديث عن الميقات والغسل ان هناك اثاراً روحية ومعنوية للموضع والغسل اذا روعيت تحقق للناسك مراتب من الكمال لا ينالها الا من كان قلبه معداً لتلقي تلك المعاني العظيمة، وهو ما توضح في رواية الشبلي عن الامام السجاد (عليه السلام) بان من لم يتحقق لديه تهيئة المقدمات فانه ما نزل الميقات ولا اغتسل ولا خلع المخيط، في اشارة الى عدم نيل الفيض الاعظم الذي يمكن ان يناله الانسان في الميقات.

وكما تبين سابقاً ان تطهير القلب واعداده لتقبل الفيض والاثار الروحية والمعنوية من الضروري ان يمر بمقدمات ظاهرها مادي وحقيقتها روحية، ومن تلك المقدمات المعدة للكمال _ بعد النزول في الميقات والغسل وخلع المخيط ولبس ثوبي الاحرام _ الصلاة.

فالصلاة في بعض اثارها الروحية تمثل تجديد العهد بالميثاق مع الله تبارك وتعالى، ومن هنا ورد ان الصلاة خير موضوع فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر، فالمصلي اذ يقف بين يدي الله جل شانه متطهراً مستقبلاً للقبلة ومبتدءاً بالتكبيرة ومنتهياً بالتسليم مع ركوع وسجود واذكار خاصة، يبرز مدى التزامه وشديد اهتمامه وصدق انقياده لأوامر الشرع الشريف، وانه يمتثل في مسار حياته ما خطه الشرع المقدس لا يتجازوه الى هوى نفس او تكبر عن الطاعة.

وفي مرتبة ارقى ان الصلاة في اذكارها كمن يعيد قراءة العهد الذي بينه وبين ربه في كل ما يردده من ايات او ادعية او تسبيحات وما يقوم به من افعال في عبادته تلك، فعندما يكبر يعلن امام الله تعالى انه لا يعتقد بان هناك سلطة وقوة اقدر واعظم واكبر من الله عز وجل، وهذا يقتضي ان يكون ما يأتي به من افعال قد لاحظ فيها ما يعتقده من عظمة سلطان الله عز وجل، فلا يقدم سلطنة احد على سلطنة الرب العظيم فيمضي في طاعة الرب وان كان في ذلك سخط المخلوقين، والا كان ذكر التكبير في افتتاح الصلاة لقلقة لسان خالية عن المعنى الحقيقي الذي اراده الله عز وجل والذي يفترض فيه انه اعلان من العبد بالاقرار لعظمة الخالق وقدرته غير المتناهية.

وبعد التكبير ينتقل الى قراءة الفاتحة مع ما تحويه من معان عظيمة مبتدأة بالتحميد ثم الإقرار بالعبودية الخالصة لله تبارك اسمه دون غيره(اياك نعبد واياك نستعن)، والإخلاص في العبودية يدل عليه تقديم مامن حقه التأخير الدال على الاختصاص في لغة العرب، بعبارة في منتهى الدقة والبلاغة، ثم الاستكانة بين يدي الرب العظيم مالك الملك الذي لا يخرج شيئ عن قدرته وسلطانه فيتضرع العبد اليه بطلب الهداية الى سيبل الحق وتجنب سبل المغضوب عليهم والضالين.
فادراك هذه المعاني في التكبير والفاتحة من شأنه ان يجعل القلب محلاً لإشراق النور وتطهيره من رين الذنوب والمعاصي فكلما اشرقت تلك الحقائق على القلب كان اكثر استعداداً للانعتاق من سلطان هوى النفس وهيمنة الشيطان، فاذا اضحى عتيقاً من سبل الضلالة ابحرت سفينة قلبة في بحر الهداية.

ومما تشتمل عليه الصلاة ايضاً السجود والركوع اللذان يكشفان معان عظيمة اذ يتجلى فيهاالإقرار بالعبودية والتذلل في ساحة قدس الرب تبارك وتعالى، وتنزيه ساحته عن كل ما لا يليق بها، ففي نداء العبد وهو راكع (سبحان ربي العظيم وبحمده) وترنمه وهو ساجد (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ينطق بالتسبيح الذي يعني التقديس والتنزيه، فالعبد في ركوعه وسجوده يعلن في كلماته ما يفترض انه نابع من صميم وجدانه وعمق عقيدته وحقيقة ايمانه بأن الله تعالى هو العظيم ولا عظيم سواه، وكل ما وصف عداه بالعظمة انما عظمته امر اعتباري قابل للزوال بزوال اسبابه، الا ان تكون تلك الصفة رشحة من العظمة الإلهية، كما ان كل عال غيره تبارك وتعالى يزول العلو عنه الا ان يكون ذلك العلو تجلٍ للعلو الالهي، فكل عظيم لم تكن عظمته رشحة من العظمة الإلهية وكل عال لم يكن علوه تجل للعلو الالهي ستكر الايام فتخلع عنه قميص العظمة وثوب العلو، اما الله الاكبر الأعظم الأعلى فان الكبر والعظمة والعلو حقائق ثابتة له، لا تنفك عنه، لأنها اشراقات كماله وجلاله وجماله وقدسه فمن اشرقت على قلبه الحقائق فادرك تلك المعاني العظيمة، لا يجد لغير الله حقيقة ولا لسواه ثبوت فيكون قلبه ساحة الحب والعشق الالهي ومحل تجليات الأنوار الإلهية وينعكس ذلك في تعامله وتعاطيه مع الاخرين.
ومما تتضمنه الصلاة ايضاً الإقرار بالنبوة – بعد الشهادة بالوحدانية – والصلاة على بالنبي واله الطاهرين، فيكون بها معلناً انه يتبع في مسيرة في حياته ماخطه له النبي (صلى الله عليه واله) طاعة لربه حيث يقول في محكم كتابه وجليل خطابه (وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)ويمزج ذلك باتباع ما بينه النبي (صلى الله عليه واله) في قوله (اني مخلف فيكم ما ان تمستكم به لن تضلوا بعدي ابداً كتاب الله وعترتي اهل بيتي).

فالصلاة التي اشرق النور الالهي فيها على قلب العبد تحدد له دستور حياته العلمي والعملي والطريق الذي عليه سلوكه لنيل سعادة الدنيا والآخرة وتحقيق السير الى الله والنجاة من حبائل الشيطان ووسوسة النفس الأمارة بالسوء.
فاذا كانت صلاة العبد بهذا النحو حققت بعدها الإجتماعي والأخلاقي ( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، وكانت سبيلاً لتحقيق القرب من ساحة قدسه تبارك وتعالى (واقم الصلاة لذكري)، ولم تكن تلك الصلاة مجرد لقلقة لسان بل هي معراج العبد الى الرب (الصلاة معراج المؤمن) فيكون المصلي قد تحلى بحقيقة الإيمان، وبذلك يكون مجسداً للمذكر بالله تعالى (جالسوا من تذكركم الله رؤيته)
فاذا بلغ الانسان في صلاته هذا المستوى من الحضور القلبي والتجلي العملي في حركاته وسكانته فإنه يصبح مهيئاً للولوج في حقيقة الحج الى الله بقلبه المقارن لسيره لاداء النسك ببدنه.
.
.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...