من يردع المستوطنين اليهود الذين يفجّرون حقدهم العنصري على الفلسطينيين بهدم المنازل وإحراقها والتربص بأبناء القرى والمدن الفلسطينية في الشوارع والطرق؟ حكومة نتنياهو التي أعطتهم بدل منزلين في الضفة المحتلة مئات الوحدات الاستيطانية منذ أيام؟
وزراء الحكومة التي شارك أحد أعضائها في اقتحام الأقصى في ذكرى «هدم هيكل سليمان»؟ أجهزة أمن الاحتلال الاسرائيلي التي يقف عناصرها متفرجين أمام اعتداءات المستوطنين على المنازل وقلع أشجار الزيتون، لا بل يشاركون فيها؟
الحكومة الاسرائيلية التي كشّر فيها اليمين اليهودي المتشدد عن أنيابه، وهي على مشارف إعلان «دولة يهودية»، باتت تسمح في ظل هذا المخاض، يوماً بعد يوم، بإعادة مشاهد عصابات «الهاغاناه» الصهيونية وممارساتها إلى الأذهان.
ففي جريمة تُعيد إلى الأذهان صورة خطف، وتعذيب، وإحراق الطفل المقدسي محمد أبو خضير، في تموز العام الماضي، أقدمت مجموعة من المُستوطنين الإسرائيليين، تُعرف بجماعة «تدفيع الثمن»، فجر أمس، على إحراق منزل فلسطيني، في قرية دوما، جنوب نابلس، في شمال الضفة الغربية المحتلة؛ ما أدّى إلى استشهاد الرضيع علي سعد دوابشة، البالغ من العمر عام ونصف العام، حرقاً، فيما أُصيب والديه وشقيقه البالغ من العمر أربع سنوات بحروقٍ تهدد حياتهم.
وبحسب مصادر فلسطينيّة محليّة، فإنّ مستوطنين مُتطرّفين، تتركز اعتداءاتهم على قرى جنوب مدينة نابلس، تسلّلوا إلى دوما، وألقوا زجاجات حارقة عدّة، ومواد سريعة الاشتعال، من نوافذ منزل يعود لآل دوابشة، وفي مُحيطه، ما أدّى إلى اشتعال النار فيه، واستشهاد الطفل الرضيع، وكتبوا شعارات عنصريّة على أحد الجدران، قبل أن يفرّوا إلى مستوطنة مجاورة، قُبيل استيقاظ أهالي القرية على الحريق.
وتُشير المصادر الطبيّة، إلى أن حال الأم رهام دوابشة (37 عاماً)، وطفلها أحمد دوابشة (4 سنوات)، والأب سعد دوابشة، حرجة جدّاً، نتيجة إصابتهم بحروق شديدة، واحتراق المنزل بالكامل وهم بداخله، وما زالوا يتلقّون العلاج في غرف العناية المركّزة في مستشفى «تل هاشومير» وسط الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي الوقت الذي شيّعت فيه جماهير غفيرة في محافظة نابلس بالضفة المحتلة، جثمان الطفل دوابشة إلى مثواه الأخير في قرية دوما، بموكب رسمي وشعبي بمشاركة فصائليّة واسعة؛ اندلعت مواجهات عنيفة في قرى ومدن الضفة الغربية بين الشبان الفلسطينيين الغاضبين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، تنديداً واستنكاراً للجريمة التي اقترفها المستوطنون بحق عائلة دوابشة.
واندلعت المواجهات في كلٍ من، نابلس، الخليل، رام الله، القدس، وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينيّة المحتلّة، وذلك بعد قمع الاحتلال للمسيرات التي خرجت مُنددة ومستنكرة لجريمة المستوطنين بحق عائلة دوابشة. وأفادت مصادر طبيّة بوقوع عدد من الإصابات في صفوف المُتظاهرين جراء إمطارهم من قبل قوات الاحتلال بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي.
وفي قطاع غزّة، خرجت جماهير فلسطينية في مسيرة حاشدة عقب صلاة الجمعة، بحضور فصائل العمل الوطني والإسلامي، منددين بالجريمة الإسرائيلية. وأكّدت الفصائل الفلسطينيّة التي شاركت في المسيرة، أنّ «الرد الفلسطيني على هذه الجريمة النكراء لن يتأخر»، محملة حكومة نتنياهو المسؤولية الكاملة عن الجريمة، كونها حكومة مُتطرّفة ترعى إرهاب المستوطنين وتوفر له الحماية في كل محافظات الضفة الغربية المحتلّة.
وفي محاولة للالتفاف على تداعيات الجريمة، ذهب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى وصف الهجوم بـ «العمل الارهابي»، فيما اعتبر وزير دفاعه موشيه يعالون أن الذين شنوا الهجوم وأضرموا النار بالعائلة الفلسطينية «إرهابيون يهود».
وأعلن نتنياهو في بيان أنه أمر «قوات الامن باستخدام كل الوسائل التي في متناولهم لتوقيف القتلة واحالتهم على القضاء»، وهو ما كرره في مكالمة هاتفية نادرة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أبلغه فيها أنه زار ريهام دوابشة والدة الطفل علي، واخيه احمد اللذين يعالجان في مستشفى «تل هاشومير».
ولم يمنع الموقف الاسرائيلي السلطة الفلسطينية من التصعيد، هذه المرة، مستفيدة من أجواء التقارب الدولي الأخيرة معها، حيث شكك عباس في مسعى اسرائيل معاقبة مرتكبي الجريمة. وقال في مستهل الاجتماع الطارئ للقيادة الفلسطينية في رام الله إن الحكومة الإسرائيلية «هي المسؤولة مباشرة عن هذا العمل، هؤلاء مواطنوها وتعرفهم بالواحد وتستطيع أن تأتي بهم إلى عدالة حقيقية، وأشك أنهم سيقدمون لعدالة حقيقية».
وأكد عباس ان السلطة الفلسطينية ستقدم اليوم ملف استشهاد دوابشة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وذهبت السلطة الفلسطينية أبعد من ذلك أيضا، هذه المرة، حيث أعلنت الاجهزة الامنية الفلسطينية عزمها على «ملاحقة» المستوطنين المسؤولين عن الهجوم. وقال المتحدث الرسمي باسم الاجهزة الامنية الفلسطينية اللواء عدنان الضميري إن المستوطنين الذين «ارتكبوا جرائم إرهابية بحق ابناء شعبنا وخاصة جريمة اليوم الجمعة بحرق وقتل عائلة دوابشة في نابلس اصبحوا من الان مطلوبين وملاحقين للامن الفلسطيني».
ولاقت جريمة إحراق الطفل الفلسطيني وعائلته على يد عصابات المستوطنين، استنكاراً واسعاً دوليّاً، وعربيا ومحليّاً من القوى والفصائل الفلسطينيّة كافة. واستنكرت القوى والفصائل الفلسطينيّة الجريمة، وحمّل المتحدث باسم حركة «فتح»، أحمد عساف، حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو المسؤولية بسبب تشجيعه للاستيطان، وتوفير الحماية للمستوطنين القتلة.
من جانبها، استنكرت حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، الجريمة، مؤكدة أنّها تجعل من جنود الاحتلال ومستوطنيه أهدافاً مشروعة للمقاومة. وقال المتحدث باسم الحركة في الضفة حسام بدران، إنّ حرق المستوطنين للطفل دوابشة، وحشية إسرائيلية لا تغتفر، يتحمّل مسؤوليتها قادة الاحتلال الذي يحرّض على قتل الأطفال الفلسطينيين. وشدد على أن المقاومة ستعرف طريقها السريع لتلقين الاحتلال ومستوطنيه درساً قاسياً رادعاً على هذه الجريمة.
كما تعهدت «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» بأن «المقاومة لن تسكت» على الجريمة. وقال الناطق باسم «القسام» ابو عبيدة في بيان إن «مقتل الطفل جريمة بشعة يتحمل قادة العدو مسؤوليتها ولن يسكت شعبنا ومقاومتنا عليها». وأضاف أن «العدو لا يفهم سوى لغة المقاومة والقوة».
من جهتها، توعّدت حركة «الجهاد الإسلامي»، بأن الرد «لن يتأخر». وفي كلمة خلال تظاهرة نظمتها الحركة في جباليا في شمال قطاع غزة، للتنديد بمقتل الطفل، شارك فيها عدة آلاف، قال الناطق باسم الحركة داوود شهاب «نؤكد أنه على الاحتلال أن يتحمل تداعيات هذه الجريمة النكراء، وأن الرد سيأتي على إرهاب الاحتلال ومستوطنيه، ولن يتأخر». ودعا شهاب إلى وقف «المفاوضات والتنسيق الأمني في ظل استمرار نزيف الدم الفلسطيني».
الأمر نفسه شدّدت عليه غالبية الفصائل الفلسطينية، وأصدرت «جبهة التحرير الفلسطينية» و «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، و «لجان المقاومة الشعبية» بيانات دعت فيها إلى «إعلان الحرب على المستوطنين».
وأدانت فصائل المقاومة اللبنانية الجريمة. وقال «حزب الله» في بيان إن «هذه الجريمة هي تجسيد لحقيقة الإرهاب الحاقد الذي يتغلغل في قلوب المستوطنين الصهاينة، والذي يترجمونه جرائم فظيعة بحق الشعب الفلسطيني منذ ما قبل نشأة الكيان الغاصب، والتي تعلم منها ممارسو الإرهاب في عصرنا الكثير من القسوة والفظاعة».
المجتمع الدولي الذي لم يلتفت إلى جرائم الاحتلال وعصاباته منذ تقسيم فلسطين حتى اليوم، التفت، أمس، إلى جريمة احراق الطفل دوابشة. ودانت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا الجريمة الإرهابيّة. ونددت الولايات المتحدة «بأشد العبارات» بما أسمته «الهجوم الارهابي الوحشي». وقالت الخارجية الاميركية في بيان «نرحب بالامر الذي اصدره رئيس الوزراء (الاسرائيلي بنيامين) نتنياهو لقوات الامن باللجوء الى كل السبل المتوافرة لديها لاعتقال القتلة (الذين ارتكبوا) ما سماه عملا ارهابيا واحالتهم امام القضاء».
من جهته، أدان وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني توباياس إلوود، الاعتداء الإرهابي الذي قام به المستوطنون. كذلك أدانت وزارة الخارجية الألمانية، الهجوم، كما طالبت الخارجية الفرنسية في بيان بـ«كشف كل ملابسات هذه الجريمة وتحديد هوية الجناة وسوقهم أمام العدالة».
ودانت المتحدثة باسم وزارة الخارجیة الایرانیة مرضیة افخم الجريمة بشدة. وطالبت افخم «الضمائر الحیة» في العالم ببذل الجهود لوقف هذه الجرائم المفجعة.
عربيا، دانت السعودية الهجوم، وعبر وزير الخارجية عادل الجبير عن استنكار بلاده «لهذا العمل الهمجي والوحشي الذي تم من دون وازع من أخلاق أو ضمير أو إنسانية محملاً سلطات الاحتلال الإسرائيلية المسؤولية عن هذا العمل الاجرامي ضد الفلسطينيين».
كما طالب المتحدث باسم الخارجية المصرية بدر عبد العاطي، «السلطات الإسرائيلية بتحمل مسؤولياتها القانونية، والإنسانية، كسلطة احتلال، والمجتمع الدولي لتوفير الأمن والحماية للشعب الفلسطيني».
وأدان الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي الجريمة، واعتبر أنها «استمرار للانتهاكات والممارسات الإسرائيلية الإجرامية والقمعية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني وأنها تعتبر جريمة حرب، وسط عجز وصمت من المجتمع الدولي إزاء هذه الجرائم». كما أصدرت كل من الأردن والبحرين والكويت والامارات بيانات ادانة واستنكار.