البعد الروحي للاحرام – التتمة
عبد الستار الجابري
– الحلقة 20
ويقرر سليمان (عليه السلام) في تلك الحادثة العظيمة انه مع شكر فضل الله ونعمته عليه فان ذلك الشكر يكون مردوده على العبد نفسه، واما اذا كفر العبد تلك النعمة فان الكفران لا يؤثر شيئا في ملك الله عز وجل ولا يقلل من عظيم سلطانه ولا يحد من عطائه واحسانه، فالله غني عن عباده جواد كريم يعطي من اطاعه او عصاه وهو الرزاق الكريم.
وفي سورة العلق يبين الله تعالى كرمه على خلقه بما وهبهم من ملكات، بعد ان تفضل عليهم بالوجود بعد العدم ﴿اقرا باسم ربك الذي خلق* خلق الانسان من علق* اقرا وربك الاكرم* الذي علم بالقلم* علم الانسان مالم يعلم* كلا ان الانسان ليطغى﴾ ففي هذه الايات الكريمة يبين الله تعالى كرمه وفضله وقدرته واحاطته فهو خالق كل شيء، وخلق الانسان من علق، ووهبه من الملكات ما يؤهله ان يكون متعلما، وان يمضي في اكتشاف خفايا الكون بما اودعه فيه من قابليات تمكنه من ذلك، ثم تقرر الايات حقيقة بشرية وهي تكبر الانسان وتجبره وطغيانه اذا تمكن من تحقيق تقدم في حياته المادية وان نوازع الشر الكامنة فيه تقوده الى المهالك فيندفع ليفسد في الارض ويحارب الله واولياءه.
فالايات الشريفة في بعدها التربوي تخبر الانسان انه مهما طغى وتجبر فان كل ذلك كان بمقدمات كرم الله تعالى الذي اوجده بعد عدم ورزقه واوجد فيه الملكات والقابليات على استغلال الطبيعة والانطلاق منها نحو بناء كيانه وان كل ذلك مرهون بارادة الله عز وجل وانه مهما بلغ فانه لن يخرج عن سلطان الله.
وفي سورة الانفطار تحدثنا الايات الكريمة عن الكرم الالهي في خلقة الذين وهبهم ما شاء بلا استحقاق منهم بل بتفضل منه ﴿ياايها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في اي صورة ما شاء ركبك﴾ فان النعمة التي انعمها الرب على العبد تقتضي منه ان يكون شاكرا لفضله وانعمه، فتلك النعم الالهية التي تتوالى على العباد هي مركز الابتلاء ليختبر العبد فيها بالشكر او كفران النعمة.
الخلاصة
ان هذا المقطع من التلبية اقرار من العبد بالكرم واللطف الالهي الذي رافق حركته ايجادا واعادة وان الناسك يستمطر الكرم الالهي في التوفيق لاداء حق شكر النعمة، فان التوفيق للشكر نعمة يفيضها الكرم الرباني، فيخرج به الانسان من دائرة مرديات الهوى الى موجبات الهدى لينال بذلك درجات القرب عند الرب بفضله وكرمه، والله تعالى يحب من عبده ان يدعوه باسمائه الحسنى ليتكرم عليه باجابته ﴿واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان﴾