الرئيسية / القرآن الكريم / قراءة القرآن وآداب تلاوته ومقاصده

قراءة القرآن وآداب تلاوته ومقاصده

الدرس التاسع عشر: سورة الليل

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يعرف سبب نزول سورة الليل.

2- يشرح على ضوء السورة كيفية الوصول إلى اليسرى.

3- يُعدّد على ضوء السورة صفات من يبتلى بالعسرى.

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى * فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾

 

 

شرح المفردات

1- يغشى: يُغطّي.

2- تجلّى: ظهر.

3- شتّى: مختلف ومتنوّع.

4- اليسرى: العمل الصالح.

5- استغنى: طلب الغنى.

6- العسرى: التعب والنصب والشقاء.

7- يُغني: يقي ويحمي.

8- تردّى: هلك وسقط في العذاب.

9- تلظّى: تشتعل وتتوهّج.

10- يتزكّى: يتطهّر.

 

سبب النزول

هذه السورة مكّيّة، وقيل في سبب نزولها إنّ هذه السورة نزلت في رجل كان له شجر نخل كثير. ومن تلك الأشجار نخلة مائلة تطلّ بفرعها على بيت فقير ذي عيالٍ. فكان الرجل يمنع عياله (الفقير) من أخذ ما يسقط من النخلة في الدار، وإذا أكل أحدهم شيئاً منها أدخل إصبعه في فيه وأخرجه. فشكا الفقير إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

 

فعرض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على الرجل أن يُعطيه مقابل ذلك نخلة في الجنّة فرفض. إلّا أنّ أحد

 

المؤمنين اشتراه منه بأربعين نخلة وقام بإعطاء تلك النخلة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الّذي بادر إلى بيت الفقير ليعلمه بأنّ النخلة أصبحت ملكه، فأنزل الله هذه السورة[1].

 

محتوى السورة وفضيلتها

هذه السورة تحمل كلّ خصائص السور المكيّة من قِصَر في الآيات، وحرارة في طرح المحتوى، وتركّز أساساً على القيامة وعلى ما في ذلك اليوم من ثواب وعقاب.

 

بعد القسم بثلاث ظواهر في بداية السورة يأتي تقسيم الناس إلى منفقين متّقين، وبخلاء منكِرين. وتذكر عاقبة كلّ مجموعة، اليسرُ والسعادة والهناء للمجموعة الأولى، والعسرُ والضنك والشقاء للمجموعة الثانية.

 

وفي مقطع آخر من السورة إشارة إلى أنّ الهداية على الله سبحانه، وأنّه تعالى أنذرهم من نار جهنّم.

 

ثمّ تذكر السورة في نهايتها من يدخل هذه النار ومن ينجو منها، مع ذكر أوصاف الفريقين.

 

في فضيلة تلاوة هذه السورة ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “من قرأها أعطاه الله حتّى يرضى، وعافاه من العسر ويسّر له اليسر”[2].

 

في كنف السورة

في هذه السورة المباركة استفادات عديدة:

1- أنّها كما السورة السابقة: “سورة الشمس” تُحفِّز العقل والتفكير الإنسانيّ على النظر والتأمّل في الظواهر الكونيّة، ولا يمرُّ عليها مروراً لا فائدة فيه.

 

فإنّ من المعروف أنّ الشي‏ء الّذي تراه دائماً يفقد الاهتمام والاعتناء، فالشمس مثلاً الناس يمرّون عليها ولا يعرفون قيمتها لأنّها دائماً في وجههم، وكذا الليل والنهار، فلذلك اعتادوا على هذه الظواهر ولم يعيروها التأمُّل، مع ما تحمل لهم ولاستقرارهم على الأرض من أهمّيّة.

 

هذه السورة كغيرها من السور الّتي تأتي على ذكر الظواهر الكونيّة تريد للإنسان أن ينظر إلى أبعد من أفق ذاته، ولا يحشر نفسه في محدوديّتها، وبذلك تكون نظرته شموليّة للكون، فيتّسع أفق تفكيره ويكبر.

 

كما أنّ التفكّر في عظمة الظواهر الكونيّة “المعلول، المخلوق” يدلُّنا على عظمة موجدها “العلّة، الخالق”، وبذلك تنتعش النفس الإنسانيّة بالإيمان والتقوى والصلاح والطمأنينة.

 

2- الذكر والأنثى: السورة المباركة أيضاً تُلفت إلى ازدواجيّة الحياة الإنسانيّة، وأنّ هناك أنثى وذكراً، رجلاً وامرأة، ولكلّ‏ٍ منهما قيمته عند الله، فلولا الرجل ما كانت المرأة، ولولا المرأة ما كان الرجل، ولا عمرت الأرض بسكّانها. فالمرأة والرجل شريكان في هذه الحياة، وعلى كلٍّ منهما أن يقوم بدوره وأن يأخذ حقّه ويُعطي الحقّ للآخر.

 

والمراجع للتاريخ يرى أنّ الإنسانيّة ظلمت المرأة عند كلّ مفصل ابتعدت فيه عن الرسائل الإلهيّة.

 

فمثلاً عند عرب الجاهليّة لم يكن للمرأة وزن، وكانت لا ترث، وزواجها يرجع إلى أمر وليّها من دون أن يكون لها حقّ الاعتراض ولا المشورة، حتّى أنّ الولد يمنع أرملة أبيه من الزواج.

 

وكانت المرأة تُمنع من الزواج إلّا من قريبها لوجود حقّ الدم عليها. وكانوا يفرحون إذا ولد لهم ولد ذكر، ويغتمّون إذا ولد لهم أنثى، إلى حدِّ وأد البنات ودفنهنّ حيّات، كما يذكر القرآن الكريم في عدّة آيات: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾[3] , ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾[4].

 

ففي التوراة المحرّفة: “درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمةً وعقلاً، ولأعرف الشرّ أنّه جهالة، والحماقة أنّها جنون، فوجدت أمرّ من الموت المرأة الّتي هي شباك،

 

وقلبها أشراك، ويداها قيود،… رجلاً واحداً بين ألف وجدت أمّا امرأة فبين كلّ أُولئك لم أجد”[5].

 

ولم ينحصر الظلم بعرب الجاهليّة بل حتّى بعض الفلاسفة ظلموا المرأة بآرائهم، يقول الفيلسوف “روسّو”: “إنّ المرأة لم تُخلق للعلم ولا للحكمة ولا للتفكير ولا للفنّ ولا للسياسة، وإنّما خلقت لتكون أمّاً تغذّي أطفالها بلبنها”.

 

هذا كلّه بخلاف الإسلام الّذي رفع من قيمة المرأة وعرّفها حقيقتها وأكّد مسؤوليّتها كما الرجل، في كثير من آيات القرآن، ومنها هذه الآيات: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى﴾.

 

كلّ ذلك يشمل الذكر والأنثى، فكلاهما مسؤول وكلاهما مثاب أو معاقب.

 

لذلك يقول تعالى مؤكّداً مسؤوليّة المرأة، وقدرتها على التكامل الإنساني كما الرجل: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[6].

 

إلى غير ذلك من الآيات الّتي تشير إلى هذه الحقيقة.

 

3- الهداية والإرادة: فقوله تعالى: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ يشير إلى حريّة الإرادة الإنسانيّة ذكراً كان الإنسان أو أنثى، وكون الإنسان مريداً مختاراً للطريق الّذي يسلكه إمّا التقى فالجنّة وإمّا التكذيب لله ورسوله فالنار.

 

ثم إنّ قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾.

 

إشارة إلى أنّ الله تعالى لم يترك الإنسان دون أن يُعطيه سبل الهداية، حيث خلقه عاقلاً مختاراً، وأرسل له الرسل وأنزل الكتب الإلهيّة، لا سيّما خاتم الرسل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وخاتمة الرسالات الإسلام العظيم، والقرآن الحكيم.

 

المفاهيم الرئيسة

– تُركّز سورة الليل على القيامة وما فيها من ثواب وعقاب.

 

– تُحفّز هذه السورة المباركة العقل والفكر على التأمّل في الظواهر الكونيّة واستخلاص النتائج والعِبَر.

 

– لفتت هذه السورة إلى ازدواجيّة الحياة الإنسانيّة المؤلّفة من ذكر وأنثى، متابعة لمنهج الرسالات السماويّة وخاصّة الإسلام الّذي عرّف حقيقة الوجود الأنثويّ وأكّد مسؤوليّة المرأة في الحياة وقيمتها كما الرجل.

 

– أشارت الآيات الواردة فيها إلى حريّة الإرادة الإنسانيّة واختيار الإنسان للطريق الّذي يسلكه.

[1] الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، ج‏10، ص‏501.

[2] م.ن، ج‏10، ص‏499.

[3] سورة النحل، الآية 58.

[4] سورة التكوير، الآيتان 8 -9

[5] انظر: سفر الجامعة، الإصحاح السادس من العهد القديم.

[6] سورة الأحزاب، الآية 35.

شاهد أيضاً

الأذان بين الأصالة والتحريف – للسّيّد علي الشهرستاني

الأذان بين الأصالة والتحريف / الصفحات: ٣٤١ – ٣٦٠ مجريات الأحداث، ومنها الوقوف على صحّة ...