المنهج الجديد في تربية الطفل
10 أكتوبر,2023
بحوث اسلامية
143 زيارة
الدرس العاشر: أسباب الامتناع عن إنجاب الأطفال – عرض ومناقشة – (1)
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف أنواع الامتناع عن الإنجاب.
2- يُعدّد الأسباب التي يتمسّك بها للامتناع عن الإنجاب.
3- يملك القدرة على مناقشة تلك الأسباب ويُبيّن وجهة نظره منها.
4- يعرف الطريق الأكمل لإدارة الحياة.
تمهيد
تحدّثنا في الدرس السابق عن إيجابية الرؤية الإسلامية تجاه إنجاب الأطفال وترغيبها في ذلك. وفي هذا الدرس والذي يليه سنُسلّط الضوء على الأسباب الموجِبة لاتّخاذ بعض المتزوّجين قراراً بالامتناع عن إنجاب الأطفال من وجهة نظرهم، ثم سنقوم بمناقشة تلك الأسباب التي يتمسّكون بمانعيّتها.
ونُمهّد الطريق بذكر مقدّمتين:
المقدّمة الأولى: الصور المتعدّدة للامتناع عن الإنجاب
1- الامتناع عن أصل الإنجاب حدوثاً وبقاءً.
2- الامتناع عن الإنجاب حدوثاً لا بقاءً، بمعنى اتّخاذ قرار بعدم الإنجاب في بداية الحياة الزوجية إلى فترة زمنية محدّدة.
3- الامتناع عن الإنجاب بقاءً لا حدوثاً، بمعنى الإقدام على الإنجاب في بداية الحياة الزوجية ثم الامتناع لاحقاً عن الإنجاب، أي تحديد النسل بعدد معيّن.
المقدّمة الثانية: الامتناع الاضطراريّ والاختياريّ
إنّ امتناع الزوجين عن إنجاب الأطفال على نحوين:
الأول: الامتناع الاضطّراريّ، الخارج عن إرادة الزوج أو الزوجة، بحيث يكون الإنسان على المستوى النفسيّ راغباً في إنجاب الأطفال، لكن تحول بينه وبين رغبته أسباب قهرية، كالعقم ﴿وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا﴾[1].
وهو على قسمين:
1- لا تُمكن معالجته، كما في المرأة التي استُؤصل رحمها، أو المرأة التي دخلت سنّ الإياس… إلخ.
2- تُمكن معالجته من خلال الاعتماد على الوسائل الطبّية الحديثة.
والثاني: الامتناع الاختياريّ، الواقع تحت إرادة الإنسان، من خلال اعتماد إحدى وسائل منع الحمل: كالعزل، الأدوية، العمليات الطبّية، أو الواقي الذكريّ… إلخ. وهو ما سيكون محور البحث عن أسبابه.
أسباب الامتناع عن إنجاب الأطفال
ينطلق الامتناع الاختياريّ من عدّة أسباب عادة، نعرض أبرزها:
1- الامتناع بسبب السلامة الصحية للزوجة: بأن يكون الحمل ضررياً على صحة الزوجة وسلامتها الجسدية، لتعرّضها أثناء الحمل أو الولادة لخطر الإصابة ببعض الأمراض أو الأعراض التي لا تحتمل عادة في أمثالها.
2- الامتناع بسبب ما قد يلحق الجنين من تشوّهات خلقية أو الخوف على الجنين من الإجهاض. وتُعرف هذه الحالة وسابقتها من خلال إجراء بعض الفحوصات الطبّية.
3- الامتناع بسبب الخوف على الجمال الجسديّ، بذريعة أنّ الحمل يُغيّر من شكل جسد المرأة وملامحه، فيجعله أكثر سمنة، ويوجد فيه التشقّقات الجلدية وآثار الترهّل العارض للبدن، مما ينعكس سلباً على جمالها، وبالتّالي ثقتها بنفسها أو رغبة الزوج فيها…
4- الامتناع بسبب مسؤوليات التربية العامّة للطفل، انطلاقاً من الشعور بعدم القدرة عملياً وعدم الاستعداد ذهنيّاً وعدم التحضّر نفسياً لتربية الطفل، والخوف من عدم الوفاء بمستلزمات إدارة شؤونه، كالمعاناة في السهر على راحته، والإشراف على إطعامه، وإلباسه، ورعايته الصحية، ونظافته الدائمة…، وما يتركه الإنجاب أيضاً من انقلاب في الساعة البيولوجية، ومن تغيّرات على مجمل التصميم الهندسيّ للوحة
حياة الزوجين، إن من حيث العلاقة الحميمة بينهما، أو الحدّ من حرّية نشاطهما في بناء العلاقات الاجتماعية، والتأثير على حركتهما خارج المنزل كالسهرات والترفيه… إلخ.
5- الامتناع بسبب بناء المستقبل المهنيّ والطموح الوظيفيّ لتحقيق الذات، كأن يريد الزوج السفر للعمل في الخارج من أجل تأمين مستقبله العمليّ مع اعتقاده أنّ الإنجاب مانع عن ذلك لاستنزافه لرصيده الماليّ، أو ترى المرأة أنّ في الحمل والإنجاب مانعاً لها عن الخروج إلى سوق العمل، أو تحقيق طموحها الوظيفيّ، واستمرارها فيه، مع أنّ مستلزمات الحياة قد أغرقتها وزوجها في الديون المالية كالقرض السكنيّ، أو شراء سيارة…
6- الامتناع بسبب إرادة إتمام مسيرة الرحلة العلمية، قد يتزوّج الشاب أو الفتاة في سنٍّ مبكرة يُتابع فيها دراسته الجامعية، ويرسم لنفسه في الحياة هدفاً بالوصول لحمل الشهادة الجامعية (ماجستير أو دكتوراه مثلاً)، فيرى أنّ إنجاب الأطفال سيُشكّل حجر عثرة يُعيقه عن السير بنجاح في طريق الرحلة العلمية ويؤثّر سلباً عليها، فيمتنع عن الإنجاب ريثما يُحقّق هدفه العلميّ… إلخ.
7- الامتناع بسبب العامل الماليّ – الاقتصاديّ، أي عدم توفّر الإمكانات المالية والقدرات الاقتصادية اللازمة في تأمين متطلّبات عملية الحمل والإنجاب، كالفحوصات الطبّية المطلوبة، تكاليف المستشفى والولادة، شراء جهاز الطفل، والإنفاق عليه لباساً وطعاماً وشراباً ودواء ولقاحاً وتعليماً… إلخ.
خارطة الطريق لإدارة حياة الإنسان واتّخاذ القرارات
قبل الدخول في مناقشة أسباب الامتناع عن إنجاب الأطفال نُشير إلى عدّة مقدّمات تُعتبر خارطة طريق لإدارة الحياة وكيفية اتخاذ القرارات فيها، ومنها المورد الذي نتحدّث عنه.
المقدّمة الأولى: إنّ طبيعة العالم الذي نعيش فيه متغيّر بنحو تدريجيّ لا دفعيّ، وهو عالم التزاحم والصراع بين الأضداد، لذا لا يُمكن أن يحصل الإنسان فيه على كلّ شيء
بشكل دفعيّ، أو من دون مواجهة الخيارات المتعارضة، ممّا يجعله يعيش حالة من الحيرة والتردّد والقلق في المقايسة والموازنة بين مروحة الخيارات المختلفة، فيضطّره للتنازل عن بعضها لصالح البعض الآخر، وبعبارة مختصرة: الحياة تُعطي مُثمَناً بيد، وتأخذ ثمناً بيد أخرى، وهي لا تُعطي شيئاً حتّى تسلب من الإنسان مقابله شيئاً آخر.
المقدّمة الثانية: ينبغي للإنسان في المرتبة الأولى الأخذ بعين الاعتبار أنّ الجمع والمواءمة بين الخيارات المختلفة مع الإمكان هو أولى وأوجب من طرح الخيارات، أو الأخذ ببعضها دون بعض.
المقدّمة الثالثة: مع قصور قدرة الإنسان عن المواءمة بين الخيارات المختلفة بسبب استحكام التعارض والتزاحم بينها، سيأخذ بطبيعة الحال ببعضها، ولكن ينبغي أن يكون الأخذ ببعضها على حساب البعض الآخر خاضعاً لمرجّحات عقلائية وشرعية، يختار على ضوئها ترتيب الأولويات، منها:
1- اختيار الأهمّ على المهمّ.
2- اختيار السيّئ على الأسوأ. عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: “ليس العاقل من يعرف الخير من الشرّ، ولكن العاقل من يعرف خير الشرّين”[2].
3- دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.
… إلخ من القواعد العقلائية والشرعية.
فعلى الإنسان تلقين النفس وتدريبها على أنّ تحقيق أحد الخيارات المتضادة في الحياة يتطلّب غضّ الطرف عن خيارات أخرى، وأنّه لا بدّ من التنازل عن أمر مرغوب ومطلوب من أجل الوصول إلى مطلوب أسمى منه قيمة وأهمّية وأولوية.
انطلاقاً ممّا سبق، لا ريب في أنّ الإنسان عند التزاحم بين إنجاب الأطفال ومطلوب آخر، سيعيش حالة من الصراع تجاه ترتيب جدول أولويّاته في الحياة، بين ما هو حسن وأحسن، وما هو سيّئ وأسوأ، والنقطة المركزية هنا هي السؤالان التاليان:
هل ما أتصوّره تعارضاً بين الخيارات هو كذلك في الواقع؟ فقد يبدو للإنسان أنّ مطلوباً ما
يُزاحم مطلوباً آخر في حياته، فيُضحّي بأحدهما، مع إمكانية الجمع بينهما بطريق أو بآخر. فقد لا يكون هناك تعارض بين الإنجاب وبين إتمام الرحلة العلمية أو تحقيق الطموح الوظيفيّ مثلاً… وما هي معايير تشخيص الخيار الأفضل والأقل سوءاً لاتخاذ القرار على ضوئه في كيفية معالجة التعارض؟ كأن يعتمد مثلاً على معيار أرجحيّة ما يُمكن تداركه بالتسويف على ما لا يُمكن، أو ما تضعف فرصه بالتأجيل على ما لا تضعف، أو معيار ما هو الأكثر مرغوبية وتأكيداً عليه في الرؤية الدينية، أو معيار محقّقات وظيفة وأهداف بناء بيت الأسرة… إلخ.
بعد بيان هذه المقدّمات ندخل في مناقشة وتشريح كلّ سبب من الأسباب السابقة.
مناقشة الامتناع بسبب السلامة الصحّية والجسدية للمرأة أو الجنين
أمّا الحالة الأولى والثانية من أسباب الامتناع المتعلّقة بالسلامة الصحّية والجسدية للمرأة أو الطفل، فإنّ أمام الزوجين خيارين:
الأول: إمكانية تدارك الخطر الذي ستتعرّض له صحّة الزوجة أو الجنين من خلال اللجوء إلى الوسائل الطبّية، باستعمال بعض الأدوية أو إجراء بعض العمليات التي تحول دون التعرّض للأمراض، وتحمي الجنين من أيّ تشوّهات خلقية أو أمراض وراثية قد تنتقل إليه من أحد الأبوين المصاب بها. وفي هذه الحالة ينبغي عدم الاستخفاف والتهاون، والسعي نحو المعالجة قدر المستطاع، بنحو يُمكِّن من الإنجاب بدون إلحاق أيّ ضرر بالأم أو الجنين.
الثاني: أن لا يكون لتلك الأعراض والحالات المرضية أيّ وسيلة ممكنة للوقاية والعلاج، فهنا لا شكّ في أنّ القواعد العقلائية أمام الخيارات المتزاحمة تقتضي اتّخاذ قرار الامتناع عن الإنجاب دفعاً للضرر الذي لا يحتمل عادة، لأنّه الأهمّ أو الأقلّ سوءاً، من بين جملة الخيارات الأخرى المطروحة، انطلاقاً من القواعد القرآنية: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[3]، ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[4]، ويقول تعالى: ﴿لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾[5]، وهي قاعدة قرآنية عامّة تشمل أيّ مورد يؤدّي إلى إلحاق الضرر
بالأم بسبب الطفل، لأنّ المورد والسياق لا يُخصّصان عموم القواعد القرآنية. هذا إذا كان الضرر معتداً به، أمّا إذا كان الضرر بسيطاً يُمكن تحمّله عادة فهو ليس سبباً عقلائياً للتمسّك بمانعيّته عن الإنجاب، فكلّ أمٍّ تتحمّل ضرراً معيّناً في حملها وولادتها.
مناقشة الامتناع بسبب الخوف على الجمال الجسديّ
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “إنّ الله جميلٌ يُحبُّ الجمال… “[6]. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “إنّ لجسدك حقّاً“[7]. لا ريب في أنّه من جملة حقوق جسد الإنسان عليه العناية والاهتمام بحسنه وجماله، وقد حثّت الرؤية الإسلامية الإنسان بشكل عام والمرأة بنحو خاص على ذلك[8]، فحفاظ المرأة على جمالها الجسديّ أمر مرغوب فطرياً ودينياً وعقلائياً، ومع ذلك، بمقتضى المقدّمة الأولى اتّضح أنّ الحياة لا تُعطي حتّى تأخذ، فالثمن الذي تدفعه المرأة لنيل مرتبة شرف الأمومة يقتضي بطبيعة الحال أن تبذل وتُعطي وتُضحّي بجزء من جمالها الجسديّ، وهذا حال جميع النساء، فلذّة إشباع الغريزة الفطرية بالإحساس بالأمومة التي تعيشها المرأة بالتجربة الوجدانية عندما تحضن طفلها بين ذراعيها أشدّ وأسمى من لذّة الشعور بكمال جمال جسدها، أو ألم خسران بعض من عناصر جمالها.
هذا، فضلاً عن أنّ الإنسان وفق الهندسة الإلهية لتكوينه الداخليّ لا يُمكن أن ينجح بالتصرّف على خلاف مقتضى الطبيعة. والطبيعة الأنثوية تُنشد الأمومة، وتهتف بالإنجاب والإيلاد. وهذا النداء الداخلي الذي ينطلق من أعماق روح المرأة يُلحّ عليها بالاستجابة له وتلبية صدى صوته، وإلا ستبقى تعيش داخل سجن من الأحاسيس والمشاعر السلبية التي تعكس مناخاً من التوتّر النفسيّ والقلق… إلى غير ذلك من الحالات التي لن تعرف ما هو سببها إلا بأن تعيش أمومتها، لأنّ السير بعكس حركة نداء الأمومة هو خلاف مقتضى الطبيعة.
فالامتناع بسبب الحفاظ على الجمال الجسديّ ليس مبرّراً شرعياً وعقلائياً كافياً للتضحية بالإحساس بالأمومة عبر إنجاب الأطفال. وعلى الزوج في هذا السياق، أن يلعب دوراً إيجابياً في تحفيز زوجته وجعلها لا تشعر بضعف الثقة بنفسها من الناحية الجمالية، من خلال تعييره لها بجسدها أو وصفها بأوصاف مسيئة…
مناقشة الامتناع بسبب مسؤوليات التربية العامة للطفل
هذا الامتناع في الحقيقة هو وليد عامل نفسيّ تعيشه الطبيعة الإنسانية نتيجة الأنس بما اعتادت عليه والألفة بالقديم من جهة والوحشة والخوف من الجديد، فتعمل بطريقة دفاعية تقاوم أيّ عنصر تغيير يريد الدخول على حياة الإنسان. وبسبب مقاومة التغيير يرفض الإنجاب كعنصر مستجدّ يريد اقتحام حياته الزوجية وفرض بعض المتغيّرات عليها، فيتصوّر نفسه ضعيف القدرة على التعامل مع الوضع الجديد، وأنّه قاصر عن تحمّل المسؤوليات اللازمة لمواجهة هذا المتغيّر، خصوصاً أنّه لم يخض هذه التجربة سابقاً. ويُمكن للإنسان أن يُقاوم مقاومة التغيير من خلال تنمية الحسّ بالمسؤولية في نفسه بالتدرّب عليه، ومن خلال مواجهة عنصر الخوف في ذاته بالعمل على قيادته والتحكّم به والسيطرة عليه، فيكون أقدر على اتّخاذ القرارات تجاه أيّ مستجدّ يواجه حياته من دون تردّد وقلق. ومن هنا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: “إذا هبت أمراً فقع فيه، فإنّ شدّة توقّيه أعظم ممّا تخاف منه“[9].
وبالتّالي، سيكون اتّخاذ قرار الإقدام على إنجاب الطفل غير مصحوب بالتردّد والقلق.
أمّا الحدّ من الحرّية جزئياً، فهو ثمن طبيعيّ ينبغي أن يدفعه الإنسان لينال لذّة وجمال الإحساس بالأبوّة أو الأمومة.
مناقشة الامتناع بسبب المستقبل العمليّ والطموح الوظيفيّ
إنّ الجواب عن هذا السبب له شقّان: الأول متعلّق بالزوج، والثاني بالزوجة. أمّا الشقّ الأوّل: فإنّ السؤال الذي ينبغي أن يطرحه على نفسه هو: لماذا أخرج إلى سوق العمل وأُعاني
وأُكابد؟ أليس من أجل بناء الأسرة؟ وممَّ تتكوّن الأسرة؟ فهل للأسرة طعم ورائحة ولون بلا الأطفال؟ وهل بناء وتحقيق الطموح الوظيفيّ أولى؟! أمّا إذا كان السبب يعود إلى عنصر المال، فسنناقشه في الفقرة اللاحقة.
أمّا الجواب عن الشقّ الثاني، فيحتاج إلى التعرّض لمقدّمة بنيوية تُحدّد الجواب عن ما نعية هذا السبب، انطلاقاً من طرح سؤال بات يتمتّع بأهمّية خاصّة في هذا العصر الذي أصبح خروج المرأة فيه إلى سوق العمل شائعاً في المجتمعات الإسلامية، وهو: ما هو الدور الرئيس في الرؤية الإسلامية للمرأة / الزوجة في بناء الأسرة، هل العمل الإنتاجي أم الحمل والإنجاب وتربية الأطفال والعناية بالمنزل وتدبير شؤونه وإدارته؟
والجواب: إنّ هناك مبدأ عاماً يعتبر البناء التحتيّ الذي ينبغي أن تقوم عليه الحياة الأسرية وفق المقاصدية الإسلامية لها، وهو مبدأ العدالة لا المساواة في تقسيم الأدوار وتوزيعها بحسب طبيعة الذكورة والأنوثة في أحبّ بناء إلى الله تعالى. ومن ضمن الأدوار أنّ الزوج يتكفّل بالإنفاق الاقتصاديّ والماليّ وبالتّالي بالعمل الإنتاجيّ، في حين أنّ الوظيفة الرئيسة للمرأة – الزوجة هي تدبير شؤون المنزل الداخلية وتربية أطفالها[10].
يقول الإمام السيد عليّ الخامنئيّ دام ظله: “من أهمّ وظائف المرأة: التدبير المنزليّ،… إنجاب الأطفال من أهمّ أشكال الجهاد بالنسبة إلى النساء ووظائف النساء، لأنّ الإنجاب هو في الحقيقة فنّ المرأة، فهي التي تتحمّل مشاقّه ومصاعبه وآلامه، وهي التي منحها الله تعالى أدوات ولوازم تربية الأطفال…”[11].
وبناءً على هذه القاعدة الأساسية التي ترسم الموقع الوظيفيّ للمرأة في الحياة الأسرية، فإنّ الأولوية في حياة المرأة – الزوجة ليست للعمل، بل الحمل والإنجاب وتربية الأطفال ورعاية الأسرة، ولو تعارض الطموح الوظيفيّ والعمليّ مع بناء الأسرة تُقدِّم المرأة ما يتناسب مع طبيعة دورها في الحياة الأسرية أي الزوجية والأمومة على أيّ شيء آخر.
الثاني: على فرض كون العمل لسبب أو آخر أولوية عند المرأة، فإنّ وضع هذه الفرضية (التعارض بين الأمومة والعمل الإنتاجي) على محكّ التجربة مع الواقع يُكذّبها، فهناك العديد بل الكثير من نماذج المرأة العاملة الناجحة وهي زوجة وأم. نعم، ممّا لا شك فيه أنّ هذا يقتضي تضحية وجهداً وبذلاً من وقتها بنحو إضافيّ.
وإن كان ولا بدّ كخيار أخير واضطراريّ للمرأة من العمل الإنتاجيّ، فعليها بالبحث عن عوامل تُساعدها على الحفاظ على الأمرين معاً، العمل وإنجاب الأطفال، كدور الحضانة أو الخادمات أو الجدة… التي يُمكن أن تُشكّل حلّاً جزئياً في تقديم يد العون للزوجة في المواءمة بين فرصتها في بناء طموحها الوظيفيّ وبين تحقيق أمومتها بالحمل والإنجاب.
المفاهيم الرئيسة
– إنّ الامتناع عن الإنجاب له صور متعدّدة، منها الامتناع عن الإنجاب مطلقاً، ومنها الامتناع عن الإنجاب في بداية الحياة الزوجية بنيّة الإنجاب لاحقاً، ومنها الامتناع بعد الاكتفاء بعدد معيّن من الأطفال.
– الامتناع عن الإنجاب أيضاً على نحوين: اضطراريّ خارج عن إرادة الزوج أو الزوجة، واختياريّ بسبب قرار الزوجين.
– يتمسّك المتزوّجون للامتناع عن الإنجاب بأسباب كثيرة، منها: الامتناع بسبب السلامة الصحّية للزوجة، الامتناع بسبب ما قد يلحق الجنين من تشوّهات خلقية أو الخوف على الجنين من الإجهاض، الامتناع بسبب الخوف على الجمال الجسديّ، الامتناع بسبب مسؤوليات التربية العامة للطفل، الامتناع بسبب بناء المستقبل المهنيّ والطموح الوظيفيّ لتحقيق الذات، الامتناع بسبب إرادة إتمام مسيرة الرحلة العلمية، الامتناع بسبب العامل الماليّ – الاقتصاديّ.
– إنّ الامتناع بسبب السلامة الصحّية والجسدية للمرأة أو الجنين، أمام حالتين: الأولى إمكانية تدارك الخطر من خلال المعالجة الطبية، فهذا واجب أخلاقيّ وإنسانيّ، والثانية: أن يكون في الإنجاب ضرر لا يحتمل على حياة الأم، فالقواعد العقلائية ترى لزوم دفع الضرر عن الأم.
– لا شكّ في أنّ جسد المرأة يتأثر بسبب الحمل والوضع والرضاع… لكن الحياة لا تُعطي حتّى تأخذ، ولذّة إشباع الإحساس بالأمومة أسمى من لذّة الشعور بكمال جمال جسدها.
– إنّ الإنسان يأنس بما اعتاد عليه ويعيش الخوف من الجديد، لذا قد يمتنع عن الإنجاب لأنّه يتصوّر نفسه ضعيف القدرة على التعامل مع المولود الجديد، لكن ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: “إذا هبت أمراً فقع فيه، فإنّ شدّة توقّيه أعظم ممّا تخافمنه”.
أسئلة الدرس
1- إذا كان الامتناع عن إنجاب الأطفال بسبب عامل يُمكن معالجته طبيّاً، هل برأيك على الزوج أو الزوجة اللجوء إلى العلاج أم ترك الأمر للقضاء والقدر كما يقول البعض لأنّها إرادة الله؟
2- لقد رسمنا في الدرس خارطة طريق لإدارة حياة الإنسان واتّخاذ قراراته، لخّصها، وهل توافق عليها؟
3- بعض النساء تمتنع عن الإنجاب بسبب أنه يؤدّي إلى التشقّقات الجلدية ويؤثّر على الجمال الجسديّ للمرأة، كيف تُجيب على من يتذرّع بهذه الحجّة؟
4- بعض الأزواج يقول إن إنجاب الأطفال مسؤولية كبرى تحتاج إلى عناية واهتمام لا أجدهما متوفرين في نفسي، ولا أريد أن أقصّر في تربية أبنائي، فأن لا أنجبهم أصلاً أفضل من الإنجاب مع عدم القدرة على حسن التربية، كيف تناقش هذا القول؟
[1] سورة الشورى، الآية 50.
[2] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج75، ص6.
[3] سورة الحج، الآية 78.
[4] سورة البقرة، الآية 185.
[5] سورة البقرة، الآية 233.
[6] عوالي اللآلي، ج1، ص437، ح150. ووردت هذه الرواية بنصها عن الإمام علي، وعند ولده الإمام الحسن، وأيضاً عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام. يراجع: الكافي، ج 6، ص 438. وابن عياش، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، ج2، ص14، ح29.
[7] التميمي، أحمد بن علي، مسند أبي يعلى الموصلى، ج13، ص216، ح7242.
[8] يراجع: عجمي، سامر توفيق، حياتنا الجنسية كيف نعيشها؟ الباب الخامس، ص431 وما بعد.
[9] نهج البلاغة، باب المختار من حكم أمير المؤمنين، ح175.
[10] يراجع: شمس الدين، محمد مهدي، مسائل حرجة في فقه المرأة، الكتاب الثالث والرابع، حقوق الزوجية ويليه حق العمل للمرأة، ص 182و 229-230. من كلمة له في جمع من مداحي أهل البيت في طهران، 1-5-2013م.
[11] يراجع: خطاب الولي، سلسلة خطاب الولي 2013م، إعداد مركز نون للتأليف والترجمة، نشر جميعة المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، 1435ه-2014م، ص216-217.
00
2023-10-10