الدرس الثاني عشر: الإقتار
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله:”ليس منّا من وسّع الله عليه ثم قتّر على عياله”1.
أ- في ظلال الحديث
الإقتار: القلة والتضييق في النفقة يقال: قَتَر عليه قتْراً وقُتُوراً واقتر اقتاراً2.
قال تعالى: ?وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا?3.
الانفاق في طاعة الله تعالى والجهات الواجبة أعظم نعمة على الإنسان وبه ورد الأمر في القرآن ويوصل إلى رضوان الله وجنانه، فهو بحد ذاته من القربات الإلهية ويتأكد أكثر حين يكون واجباً شرعياً كنفقة الرجل على عياله وأولاده، ولم يترك الشرع المبين النفقة متأرجحة بين الاقتار والإسراف وإنما وضع لها ضوابط وموازين كما تقدم في الآية الحد الوسط بين هذين العنوانين المرفوضين وهو قوله عز من قائل: ?وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا?.
وفي الحديث أن مولانا الصادق عليه السلام تلا هذه الآية فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده فقال: “هذا الاقتار الذي ذكره الله عزّ وجلّ في كتابه ثم قبض قبضة أخرى فأرخى كفّه كلّها ثم قال: هذا الإسراف ثم أخذ قبضة أخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال: هذا القوام”4.
وهكذا مولانا الكاظم عليه السلام لما سُئل عن النفقة على العيال، قال: “ما بين المكروهين: الإسراف والاقتار”5 أي الحد الوسط بينهما.
صفحة 96
ب- الكفاية والتوسعة
الكفاية والتوسعة عنوانان في الفقه الإسلامي في بحث النفقة على العيال، والعنوان الأول واجب بينما الثاني مستحب.
1– وجوب كفاية العيال:
قال رجل لأبي جعفر الباقر عليه السلام: إن لي ضيعة بالجبل اشتغلها في كل سنة ثلاثة آلاف درهم فأنفق على عيالي منها ألفي درهم وأتصدّق منها بألف درهم في كل سنة فقال أبو جعفر عليه السلام: “إن كانت الألفان تكفيهم في جميع ما يحتاجون إليه لسنتهم فقد نظرت لنفسك ووفقت لرشدك وأجريت نفسك في حياتك بمنزلة ما يوصي به الحي عند موته”6.
وعن الصادق عليه السلام: “كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعوله”7.
وفي الحديث: “ملعون ملعون من ألقى كلّه على الناس، ملعون ملعون من ضيّع من يعول”8.
2– استحباب التوسعة على العيال:
والمراد بالتوسعة التي لا تصل إلى درجة الإسراف.
حيث من الأخلاق الحميدة التي دعا إليها الإسلام وشجّع عليها أن يكون الرجل كريماً جواداً في نفقته العائلية والاهتمام بالحاجات البيتية ويقبح أن يبخل ويقف عند كل جزئية من حاجيات زوجته وأولاده ليفتح محضر استجواب طويل قبل أن يتخذ حكماً قضائياً ويصدر قراراً يصرّح به عن استحقاقهم أو عدمه لما يحتاجونه في حياتهم اليومية، ولقد أدّى اتصاف بعض الأزواج بهذه الصفة السيئة من البخل إلى هدم بيوتهم وتفكك أسرهم سيّما مع توسعة الله تعالى عليهم وتضييقهم على عائلتهم.
ومن الأحاديث الشريفة التي تحث على توسعة النفقة على العيال. ما روي عن مولانا السجّاد عليه السلام: “ارضاكم عند الله أسبغكم على عياله”9.
صفحة 97
وفي الحديث: “إن عيال الرجل اسراؤه فمن أنعم الله عليه بنعمة فليوسّع على اسرائه فإن لم يفعل أوشك أن تزول النعمة”10.
وعن النبي الكريم صلى الله عليه وآله: “إن المؤمن يأخذ بآداب الله إذا وسّع الله عليه اتّسع…”11.
ج- إهداء الأطفال
ليس خفياً على أحد ما تتركه الهدية من أثر ايجابي وتبديه من فرح على وجه الطفل، واهداء الأطفال أمر تربوي دلّنا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وأحبّ لنا التعامل به قبل أن تبدأ مراكز البحوث التربوية باكتشاف نتائجه الفعّالة في برنامج تربية الطفل.
ومن الصعب أن يقوم رب البيت بهذه المهمة التربوية التي تتطلب نفقة ولو يسيرة مع كونه مصاباً بمرض البخل والتضييق على بيته وأطفاله وبالإمكان القول أن تقتير الزوج في النفقة على أسرته ينتج مناخاً غير سليم، تطال آثاره السلبية الأساس البنيوي لتربية الأبناء فضلاً عن انزعاج الزوجة.
ألم نسمع ما قاله سيد البلغاء عليه السلام: “البخل جامع لمساوىء العيوب وهو زمام يقاد به إلى كل سوء”12.
وهكذا يقود البخيل أسرته إلى كل سوء ويتسبب بأمراض نفسية وعقدٍ بالمقارنة مع الحياة الرغيدة التي يعيشها الآخرون.
ومن النصوص الشريفة التي دلّت على استحباب حمل الهدايا للأطفال ورتّبت على ذلك الثواب الجزيل، ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: “من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور فإن من فرّح ابنته فكأنما اعتق رقبة من ولد إسماعيل ومن أقرّ بعين ابن فكأنما بكى من خشية الله، ومن بكى من خشية الله أدخله الله جنات النعيم”13.
والملاحظة في هذا الحديث الشريف اهتمامه صلى الله عليه وآله حتى في كيفية توزيع الهدايا بعد إحضارها وأن يبدأ بالبنت قبل الابن، وما ذلك إلا لأساس متين وكافل تربوي يدفع فكرة
صفحة 98
قد تعكّر صفو البنت وتزعجها بأن أخاها أفضل منها وأقرب إلى أبيها لأنه ذكر بينما هي أنثى فهي بعيدة فكان البدء بتوزيع الهدايا من عندها عاملاً مساعداً لصناعة شخصية البنت.
صفحة 99
من فقه الإسلام
س: ما هي الأمور التي يحرم احتكارها شرعاً؟ وله تجيزون التعزير المالي على المحتكرين أم لا؟
ج: حرمة الاحتكار على ما في الروايات وعليه المشهور إنما هي في الغلات الأربع وفي السمن والزيت التي تحتاجها مختلف طبقات المجتمع، ولكن للحكومة الإسلامية لدى اقتضاء المصلحة العامة أن تمنع من احتكار سائر احتياجات الناس، ولا مانع من تطبيق التعزير المالي على المحتكر فيما إذا رأه الحاكم صلاحاً.
س: يُقال: استعمال الطاقة الكهربائية للإضاءة وإن كان أكثر من قدر الحاجة لا يعتبر إسرافاً، فهل هذا القول صحيح؟
ج: لا شك في أنّ استعمال وصرف أي شيء أكثر من مقدار الحاجة حتى الطاقة الكهربائية وضوء المصباح يعدُّ اسرافاً وليس بخير، وما هو الصحيح هو ما عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله: “لا سرف في خير”14.
س: يأخذ بعض الأشخاص من البعض مبلغاً من المال ويدفع له شهرياً مقابل ذلك شيئاً بعنوان الربح والفائدة من دون إدراجه تحت أي عقد وإنما يتم ذلك على أساس اتفاق الطرفين فقط فما هو الحكم في ذلك؟
ج: مثل هذه المعاملة تعد قرضاً ربوياً ويكون شرط الربح والفائدة باطلاً والزيادة تعتبر رباً وحراماً شرعاً ولا يجوز أخذها15.
خلاصة الدرس
أ- الانفاق في طاعة الله من أعظم النعم على الإنسان، خصوصاً في الموارد الواجبة كنفقة العيال والأطفال.
ب- كفاية العائلة بالنفقة أمر واجب شرعاً ولا يحق للرجل أن يتجاهل عائلته وأولاده ويترك السعي وراء الرزق ليكون كلاًّ على غيره.
ج- التوسعة في النفقة أمر مستحب وشجّع الإسلام عليه وهو سبب لنجاح الحياة البيتية وراحة الأسرة ومما ورد: ارضاكم عند الله اسبغكم على عياله.
د- من الأمور التي يجمل الاهتمام بها في مسألة النفقة، تقديم الهدايا للأطفال والابتداء حين توزيعها بالأنثى، وفي ذلك ثواب عظيم.
أسئلة حول الدرس
1– ما هو معنى الاقتار؟
2– ما حدّ النفقة في الإسلام؟
3– ما معنى قوله تعالى: ?وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا?؟
4– ما الواجب من النفقة؟
5– كيف تكون التوسعة على العيال؟
6– ما حكم التوسعة وما الفرق بينها وبين الإسراف؟
7– كيف ينبغي أن تكون النفقة على الأطفال؟
8– عند توزيع الهدايا على الأطفال بمن ينبغي الابتداء؟
9– ما هو الدافع برأيك للتقتير على العيال عند بعض الناس؟
للحفظ
قال تعالى: ?وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا?16.
عن الرضا عليه السلام: “إياكم والبخل فإنها عاهة لا تكون في حر ولا مؤمن إنها خلاف الإيمان”17.
للمطالعة
الحاكم البخيل
كان أبو جعفر المنصور، الحاكم العباسي الظالم، بخيلاً إلى درجة كبيرة حتى بات يضرب به المثل في بخله، ومما ينقل في ذلك، ما ذكره أحد مقربيه، وهو بشر المنجم، يقول: دعاني أبو جعفر يوماً عند المغرب فبعثني في بعض الأمر، فلما رجعت رفع ناحية مصلاّة، فإذا دينار، فقال: خذ هذا واحتفظ به.
فأخذته فهو عندي إلى الساعة مخافة أن يطالبني لأنه لم يقل خذه لك.
المنصور طلب نجاراً فقال له: أريدك قبل أن أتوجه إلى المسجد وأصلي، أن تصنع لي باباً سرياً أرى من خلاله الحاضرين في المسجد لأداء الصلاة وأطلع عليهم!.
يقول النجار: لقد طلب مني الحاكم هذا الأمر، والوقت ينذر بحلول الصلاة فصنعت له الباب قبل أن يرتاد الأذان مسامع المصلين. وجاء وأبدى إعجاباً كبيراً بالباب، وقال لي: أحسنت، بارك الله فيك، ثم ناوله درهمين!!.
وذات مرة مرض المنصور، فاستدعى طبيباً له، وعالجه فتماثل للشفاء. وقدم له رغيفاً من الخبز في مقابل إنقاذه من المرض، إلا أن الطبيب علق الرغيف في رقيته، وأخذ يتجوّل في السوق! وانهالت أسئلة الناس عليه دهشة قائلين: ما السبب في تعليقك الرغيف على رقبتك؟ فأجاب في سخرية:
جائزة الأمير على طبابتي له، وعلى شفائه وإنقاذ حياته.
ودق الخبر ردهات قصر المنصور، فاستدعاه وقال له بصلافة: إنك لا تستحق رغيفاً كاملاً مقابل طبابتك لي، فأخذ ثلاثة أرباع القرص وأعطى الطبيب الباقي!
هوامش الدرس الثاني عشر
1- عوالي اللئالي، ص255.
2- مجمع البحرين، ج3، ص447.
3- الفرقان:67.
4- نور الثقلين، ج4، ص29، حديث 104.
5- م.ن. حديث 105.
6- وسائل الشيعة، كتاب النكاح باب وجوب كفاية العيال، حديث 1.
7- م.ن. حديث 4.
8- م.ن. حديث 5.
9- م.ن. باب استحباب التوسعة على العيال، حديث 2.
10- م.ن. حديث 7.
11- م.ن. حديث 4.
12- البحار، ج73، ص307، حديث 36.
13- وسائل الشيعة، كتاب النكاح، باب 3، حديث 1.
14- أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص131.
15- م.ن. ص254.
16- الفرقان:67.
17- البحار، ج78، ص346، حديث 4.