الدرس الخامس
كيف أحارب الشيطان؟
“إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ”1.
أ- في كنف الآية:
عداوة الشيطان للإنسان ليست جديدة وإنما تعود جذورها إلى أول يوم خلق فيه ادم عليه السلام وطرد إبليس من قرب اللَّه وجواره بسبب عدم تسليمه للأمر الإلهي بالسجود لادم، أقسم وتوعد بأن يتخذ طريق العداء لادم وبنيه، حتى أنه دعا اللَّه تعالى أن يمهله ويطيل في عمره لذلك الغرض، وقد التزم بما قال، ولم يفوّت أدنى فرصة لإبراز عدائه وإنزال الضربات ببني ادم، فهل يتعقل منا أن لا نتخذه عدواً لنا، أو أن نغفل عنه ولو لحظة واحدة؟! فإلى أي حد نريد اقتفاء خطوات الشيطان يا ترى؟! ألا يجب الحذر الدائم من هذا العدو اللدود الذي يحكم صياغة الفتن وصناعة المصائد، ويدفع بأتباعه الذين استحوذ عليهم بما زيّن لهم من اتباع الشهوات إلى الدرك الأسفل من النار والخسران في الاخرة، كيف يمكن أن ننتصر عليه في هذه الحرب إذا لم نتعامل معه كعدو، بل تعاملنا معه كصديق وصاحب شفيق، يقول تعالى: “أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ”2.
1- فاطر:6.
2- الكهف:50.
ب- سلاح اليقظة:
إن السلاح الأول الذي ينبغي أن يتسلح به المؤمن أثناء حربه مع الشيطان هو الانتباه والذكر الدائم واليقظة ومطلوب منه ذلك في طول خط حياته التي ستشهد على وسعها ساحة لهذا الصراع في جميع الميادين والاتجاهات، ومما يؤكد ذلك قوله سبحانه: “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ”3 إشارة إلى حقيقة أن الوساوس الشيطانية تلقي حجاباً على بصيرة الإنسان وحتى لا يعرف العدو من الصديق ولا الخير من الشر إلا أن اليقظة وذكر اللَّه يكشفان الحجب ويخلصان الإنسان من هذا الانحراف بما يؤدي إلى زيادة البصيرة لديه والقدرة على معرفة الحقائق والواقعيات، والفارق بين الحالتين في غاية الوضوح ويمكن تقريبه بالقياس على الحروب العسكرية، فإن الغافل عن عدوّه يمكن لعدوّه أن يستحكم عليه أكثر ويبطش به بسهولة، بينما الذي يبقى عدوّه حاضراً في ذهنه وقد أعدّ لحربه العدّة وهو في حالة جهوزية تامة يمكنه خوض هذه الحرب والانتصار فيها، وهكذا حالنا مع الشيطان الذي يجب علينا أن نكون دائمي الحذر والترقب والتسلح بما يساعدنا عل طرده وإبعاده، وإلا فمع الغفلة عنه فإن ألاعيبه ومهماته ستنجح وينفذ إلى داخلنا. وما من شك أن الغافل لا يمكنه محاربة الشيطان، بل هو من الذي يسيرون في ركبه، على غير معرفة منهم بما يفعلون.
ج- متى يعجز الشيطان؟
باستطاعة أي واحد منا أن يقطع الطريق على الشيطان ويجعله عاجزاً لا يملك حيلة في الوصول إليه وإحكام قبضته عليه، عبر التحلي ببعض المواصفات وهي:
في الحديث: “قال إبليس لعنه اللَّه: خمسة ليس لي فيهن حيلة وسائر الناس في قبضتي: من اعتصم باللَّه عن نية صادقة، واتكل عليه في جميع أموره، ومن كثر
3- الأعراف:201.
تسبيحه في ليله ونهاره، ومن رضي لأخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه، ومن لم يجزع على المصيبة حتى تصيبه، ومن رضي بما قسم اللَّه له ولم يهتم لرزقه”4.
ويمكننا القول أن الإنسان حينما يكون عبداً مخلصاً للَّه تعالى لا يحرك ساكناً حتى يعلم حكم اللَّه في ذلك، ويقبله اللَّه ويتخذه من المخلصين لديه لا يمكن للشيطان أن يكون له طريق إليه أو سلطان عليه يقول عز من قائل: “إن عبادي ليس لك عليهم سلطان”5.
د- ما يؤلم الشيطان؟
ورد على لسان العترة الطاهرة عليهم السلام ذكر بعض الأمور التي تشكل وقاية من الحبائل الشيطانية وتؤلم الشيطان وهي:
1- ذكر اللَّه:
يدل على ذلك ما يأتي في الأمر الثالث.
2- إطالة السجود:
في الحديث: “أطل سجدتك فلا شيء أقسى على إبليس وأصعب من رؤية ابن ادم في حال سجوده، لأنه كان مأموراً بالسجود لادم لكنه تمرد على أمر اللَّه وهذا ابن ادم مأمور بالسجود ومنفذ لهذا الأمر وقد ظفر بالنجاة”6.
3- ذكر فضيلة أهل البيت عليهم السلام:
في الحديث: “إذا التقى مؤمنان أو زار أحدهما الاخر ورددا على ألسنتهما ذكر اللَّه وفضيلة أهل البيت عليهم السلام لا يجد إبليس مكاناً له بينهما.. وتعتريه قشعريرة، وترتعد أنفاسه حتى ليستنجد ويستغيث”7.
4- الصوم والصدقة و..:
يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم
4- البحار، ج69، ص378.
5- الإسراء:65.
6- البحار، ج6، ص202.
7- م. ن.
تباعد المشرق من المغرب، قالوا: بلى، قال صلى الله عليه وآله وسلم: الصوم يسوّد وجهه والصدقة تكسر ظهره، والحب في اللَّه والمؤازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع ونينه”8.
5- وجود المصحف في المنزل:
عن الباقر عليه السلام: “حينما أرى مصحفاً في المنزل اطمئن إلى أن الشيطان مطرود منه للبركة في هذا المصحف”9.
8- الكافي، ج2، ص314.
9- الكافي، ج2، ص446.
من فقه الإسلام
س: هل الاستعاذة مختصة بالواجبات والمستحبات أو تعم المباحات أيضاً؟
ج: ورد استحباب الاستعاذة في المباحات كالأكل والشرب واللبس ضمن أدعية خاصة عن المعصومين عليهم السلام إضافة إلى الواجبات كالصلاة، والمندوبات كالزيارة وغيرها، وبشكل اكد في قراءة القران الكريم.
س: هل تجب الاستغاذة قبل قراءة الحمد في الصلاة؟
ج: لا تجب الاستعاذة قبل قراءة الحمد في الصلاة ولكنها مستحبة عند قراءة القران مطلقاً وقبل قراءة الحمد في الصلاة خصوصاً.
س: هل يجب الجهر بالاستعاذة في الصلاة خصوصاً في الصلوات التي يجب الجهر فيها بالقراءة؟
ج: لا يجب الجهر بالاستعاذة في الصلاة مطلقاً سواء كانت الصلاة جهرية أو اخفائية. بل تستحب حتى في الجهرية إخفاتاً.
س: هل يلحق حكم الاستعاذة بحكم البسملة التي جعل الجهر بها من علامات الإيمان؟
ج: لا يلحق حكم الاستعاذة بالبسملة بل المفروض الإخفات في الاستعاذة مطلقاً خلافاً للبسملة التي يستحب الجهر بها حتى في الصلاة الاخفاتية.
خلاصة الدرس
أ- إن عداوة الشيطان للإنسان منذ خلق اللَّه ادم، وإن اللَّه يأمرنا أن نتخذه في هذه الحياة عدواً، لا أن نغفل عن عداوته كي نصبح من جنده من غير شعور بذلك.
ب- إن السلاح الأهم في محاربة الشيطان هو الذكر الدائم بأن اللَّه حاضر وناظر إلينا، واليقظة المستمرة من الاعيب إبليس وإلا مع الغفلة فإن الهزيمة ستحل لا محالة لا الانتصار عليه.
ج- إن هناك مواصفات ذكرها أهل البيت عليهم السلام، إذا تحلّى بها المؤمن، قطع الطريق على الشيطان.
د- يوجد عدة أمور تقي الإنسان من وساوس الشيطان منها: الذكر، إطالة السجود، ذكر فضائل العترة عليهم السلام، الصوم، الصدقة، الحب في اللَّه، المؤازرة، والاستغفار.
أسئلة حول الدرس
1- ما المراد من الاية الكريمة في مطلع الدرس؟
2- ما هو السلاح الأقوى في محاربة الشيطان؟
3- ما هي المواصفات التي يعجز الشيطان أمامها؟
4- ما الأمور التي تؤلم الشيطان وتبعده؟
للحفظ
قال تعالى: “وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ”10.
عن الإمام الصادق عليه السلام: “أمر اللَّه إبليس بالسجود لادم فقال: يا رب وعزتك أن أعفيتني من السجود لادم، لأعبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها، قال اللَّه جل جلاله: إني أحب أن أطاع من حيث أريد”11.
10- المؤمنون:98-97.
11- البحار، ج63، ص250.
للمطالعة
شجرة تعبد يا إبليس؟!
يروى أن رجلاً مرّ بشجرة تعبد من دون اللَّه تعالى، فأخذ فأسه وركب حماره، وتوجه نحو الشجرة ليقطعها، فلقيه إبليس في الطريق على صورة إنسان فقال: إلى أين؟
فقال الرجل: هناك شجرة تعبد من دون اللَّه تعالى فعاهدت اللَّه على أن أركب حماري واخذ بفأسي وأتوجه نحوها لأقطعها، فقال له إبليس: ما لك ولها، دعها، فلم يرجع فقال له إبليس: ارجع وأنا معطيك كل يوم أربعة دراهم فترفع طرف فراشك وتأخذها فقال له: أو تفعل ذلك؟
قال: نعم، ضمنت لك ذلك كل يوم، فرجع إلى منزله، فوجد ذلك المال تحت فراشه يومين أو ثلاثة، فلما أصبح بعد ذلك رفع طرف فراشه فلم ير شيئاً ثم جاء يوم اخر فلم ير شيئاً، فأخذ الفأس وركب الحمار، وتوجه نحو الشجرة، فلقيه إبليس على صورة إنسان فقال له: أين تريد؟
قال: شجرة تعبد من دون اللَّه تعالى أريد أن أقطعها، قال له إبليس: لا تطيق ذلك، أما أول مرة فكان خروجك من غضبك للَّه تعالى، فلو اجتمع أهل السماء والأرض ما ردّوك عنها، وأما الان فإنما خروجك من حيث لم تجد الدراهم، فإن قدمت لأدقّن عنقك12.
12- الاداب والأخلاق، ص219.