45 العباس بن عبد المطلب « 1 »
( 3 ، 2 قبل عام الفيل – 32 ه ) ابن هاشم بن عبد مناف ، أبو الفضل ، عمّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم – ، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام .
ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين ، وقيل : بسنتين .
سئل العباس : أنت أكبر أو رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ؟ قال : رسول اللَّه أكبر منّي ، ووُلدتُ قبله .
وكان ممن خرج مع المشركين يوم بدر مكرهاً ، وأُسر يومئذ فيمن أُسر ، ثمّ
فدى نفسه وابني أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث « 1 » وذُكر أنّه أسلم عُقيب ذلك .
وقيل : أسلم قبل فتح خيبر وكان يكتم إسلامه ، وذلك بيِّن في حديث الحجاج بن علاط أنّه كان مسلماً يسرّه ما يفتح اللَّه على المسلمين ، ثمّ أظهر إسلامه يوم فتح مكة .
وقيل : إنّ إسلامه قبل بدر .
وكان يكتب إلى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أخبار المشركين .
قال العلَّامة جعفر السبحاني : إنّ مسألة اشتراك العباس في غزوة بدر من مشكلات التأريخ وغوامضه فهو من الذين أسرهم المسلمون في بدر .
فهو من جانب يشارك في الحرب ، ومن جانب آخر يحضر في بيعة العقبة ، ويدعو أهل المدينة إلى حماية النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ونصرته .
فكيف يكون هذا ؟ إنّ الحلّ يكمن في ما قاله أبو رافع « 2 » غلام العباس نفسه : كان العباس قد
أسلم ولكنّه كان يهاب قومه ويكره خلافهم ، ويكتم إسلامه مثل أخيه أبي طالب لاقتضاء المصالح الإسلامية ذلك .
ومن هذا الطريق كان يساعد النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ويخبره بمخططات العدو ونواياه وتحرّكاته واستعداداته كما فعل ذلك في معركة « أُحد » أيضاً فقد كان أوّل من أخبر رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بتحرّك قريش وخططهم واستعداداتهم « 1 » وكان العباس كما قال واصفوه من أطول الرجال وأحسنهم صورة وأبهاهم وأجهرهم صوتاً ، وكان محسناً إلى قومه ، سديد الرأي ، واسع العقل .
وقد ولي السقاية بعد أبي طالب رضوان اللَّه تعالى عليه « 2 » شهد وقعة حُنين ، وكان ممن ثبت فيها حين حمي الوطيس وانهزم الناس ، وأمره رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بأن يهتف : يا أصحاب بيعة الشجرة .
روى عن النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم عدة أحاديث .
وهو أحد رواة حديث الغدير ( من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ) من الصحابة « 3 » روى عنه : عبد اللَّه ، وعبيد اللَّه ، وكثير ، وهم أبناؤه ، ومالك بن أوس بن الحدثان ، وجابر بن عبد اللَّه الأنصاري ، وآخرون .
عُدّ من المقلَّين في الفتيا من الصحابة ، ونقل عنه الشيخ الطوسي في « الخلاف » فتوى واحدة .
رُوي أنّه قال لَامير المؤمنين علي – عليه السّلام لما قُبض النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : أبسط يدك أبُايعك فيقال : عمّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بايع ابن عمّ رسول اللَّه ص ويبايعك أهل بيتك ، فانّ هذا الامر إذا كان لم يُقل .
فقال له عليّ : ومن يطلب هذا الامر غيرنا ؟ « 1 » توفّي بالمدينة – سنة اثنتين وثلاثين ، وقيل غير ذلك ، وكان قد كُفّ بصره في آخر عمره .
46 عبد الرحمن بن أبْزَى الخزاعي « 1 »
( . . – حدود 80 ه ) قيل : له صحبة ورواية وفقه .
وهو مولى نافع بن عبد الحارث الخزاعي ، وكان كاتباً له .
رُوي أنّ عمر بن الخطاب قدم مكة فاستقبله نافع وكان عامله عليها واستخلف على أهل مكة عبد الرحمن بن أبزى ، فغضب عمر حتى قام في الغرز وقال : استخلفت على آل اللَّه عبد الرحمن بن أبزى ؟ قال : إنّي وجدته أقرأهم لكتاب اللَّه وأفقههم في دين اللَّه فتواضع لها عمر وقال : لقد سمعت رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يقول : إنّ اللَّه سيرفع بالقرآن أقواماً ويضع به آخرين .
وحدث عبد الرحمن عن : أُبي بن كعب ، وعمر بن الخطاب ، وعمار بن ياسر ، وآخرين .
حدّث عنه : ابناه عبد اللَّه وسعيد ، وأبو إسحاق السبيعي ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وآخرون .
سكن الكوفة ، وكان عامل أمير المؤمنين علي – عليه السّلام على خراسان في قول بعضهم « 1 » .
رُوي عن عبد الرحمن أنّه قال : ألا أُريكم صلاة رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم – ؟ فقلنا : بلى ، فقام فكبّر ، ثمّ قرأ ، ثمّ ركع فوضع يديه على ركبتيه حتى أخذ كل عضو مأخذه ، ثمّ رفع حتى أخذ كل عضو مأخذه ، ثمّ سجد حتى أخذ كل عضو مأخذه ، ثمّ رفع حتى أخذ كل عضو مأخذه ، ثمّ سجد حتى أخذ كل عضو مأخذه ، ثمّ رفع فصنع في الركعة الثانية كما صنع في الركعة الأُولى ، ثمّ قال : هكذا صلاة رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
قيل : توفّي في – حدود الثمانين .
47 عبد الرحمن بن عوف « 1 »
( 10 بعد الفيل – 32 ه ) ابن عبد عوف القرشي الزهري ، أبو محمد .
كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسماه رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم عبد الرحمن ، وهو ابن عم سعد بن أبي وقاص ، وصهر عثمان بن عفان لَانّه تزوّج أُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أُخت عثمان لأُمّه .
ولد بعد الفيل بعشر سنين ، وهاجر إلى أرض الحبشة في رواية محمّد بن إسحاق ومحمّد بن عمر ، وآخى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري حين هاجر إلى المدينة .
شهد بدراً وما بعدها من المشاهد مع رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
روى عن النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم عدة أحاديث .
روى عنه : أنس بن مالك ، والمِسْوَر بن مخرمة وهو ابن أُخته ، وبنوه إبراهيم وحميد وعمرو ومصعب وأبو سلمة ، وآخرون .
وقدم « الجابية » مع عمر بن الخطاب فكان على الميمنة .
وهو أحد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة ، بل جعله رئيساً على مجلس الشورى والمقدَّم عليهم جميعاً إذ قال : وإذا اختلفتم فكونوا في الشق الذي فيه عبد الرحمن ابن عوف .
وقد لعب عبد الرحمن دوراً كبيراً في إقصاء الامام عليّ – عليه السّلام عن الخلافة بشرطه الذي اشترطه عليه بالاخذ بسنّة الشيخين ، فلم يقبل – عليه السّلام – هذا الشرط وقبله عثمان ، فبايعه .
ذكر ابن عبد ربّه الأندلسي « 1 » في حديث بيعة عثمان أنّ عمار بن ياسر قال لعبد الرحمن بن عوف : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّا .
فقال المقداد ابن الأسود : صدق عمار إن بايعت عليّا قلنا : سمعنا وأطعنا ، قال ابن أبي سرح « 2 » : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان . . فشتم عمار ابن أبي سرح ، وقال : متى
كنت تنصح المسلمين ؟ فتكلَّم بنو هاشم وبنو أمية فقال عمار : أيها الناس إنّ اللَّه أكرمنا بنبيّنا وأعزّنا بدينه ، فأنّى تصرفون هذا الامر عن بيت نبيّكم ؟ ثمّ ذكر ابن عبد ربّه قول علي – عليه السّلام لعبد الرحمن لما بايع عثمان : حبوته محاباة ، ليس ذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا ، أما واللَّه ما وليتَ عثمان إلَّا ليردّ الامر إليك ، واللَّه كل يوم هو في شأن ، فقال عبد الرحمن : يا عليّ لا تجعل على نفسك سبيلًا ! فإنّي قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان أحداً ، فخرج علي وهو يقول : سيبلغ الكتاب أجله ، قال المقداد : أما واللَّه لقد تركته من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون ، فقال : يا مقداد واللَّه لقد اجتهدت للمسلمين .
قال : لئن كنت أردت بذلك اللَّه فأثابك اللَّه ثواب المحسنين ، ثمّ قال المقداد : ما رأيت مثل ما أُوتي « 1 » أهل هذا البيت بعد نبيّهم ، إنّي لَاعجب من قريش أنّهم تركوا رجلًا ما أقول أنّ أحداً أعلم منه ولا أقضى بالعدل ولا أعرف بالحق ، أما واللَّه لو أجد أعواناً .
قال عبد الرحمن : يا مقداد اتق اللَّه فإنّي أخشى عليك الفتنة .
يقول المؤرّخون : إنّ عبد الرحمن ندم أشد الندم لما رأى عثمان أعطى المناصب والولايات إلى أقاربه وحاباهم بالأموال الطائلة فدخل عليه وعاتبه ، وبالغ في الانكار عليه ، وهجره وحلف أن لا يكلمه أبداً حتى أنّه حوّل وجهه إلى الحائط لما جاءه عثمان عائداً له في مرضه ، وأوصى أن لا يصلَّي عليه عند وفاته ، فصلَّى عليه الزبير « 2 »
عُدّ عبد الرحمن بن عوف من المتوسطين من الصحابة فيما روي عنه من الفتيا .
ونقل عنه الشيخ الطوسي في « الخلاف » خمس فتاوى منها : قال قبيصة بن جابر الأسدي : كنت محرماً فرأيت ظبياً فرميته فأصبته فمات ، فوقع في نفسي من ذلك ، فأتيت عمر بن الخطاب أسأله فوجدتُ إلى جنبه عبد الرحمن بن عوف فسألت عمر فالتفت إلى عبد الرحمن فقال : ترى شاة تكفيه ؟ قال : نعم ، فأمرني أن أذبح شاة .
كلما جاز أن يستباح بالعارية جاز أن يستباح بعقد الإجارة .
الأَيمان تغلظ بالمكان والزمان وهو مشروع .
أخرج أحمد بن حنبل في المسند 1 – 190 عن ابن عباس أنّه قال له عمر : يا غلام هل سمعت من رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أو من أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ما ذا يصنع ، قال : فبينا هو كذلك إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف فقال : فيم أنتما ، فقال عمر : سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أو أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ما ذا يصنع .
فقال عبد الرحمن : سمعت رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يقول : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلَّى أم ثنتين فليجعلها واحدة ، وإذا لم يدر ثنتين صلَّى أم ثلاثاً فليجعلها ثنتين ، وإذا لم يدر أثلاثاً صلَّى أم أربعاً فليجعلها ثلاثاً ثمّ يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين .
توفّي عبد الرحمن بن عوف – سنة اثنتين وثلاثين ، وقيل : – سنة إحدى وثلاثين ، ودفن بالبقيع .
وترك ثروة ضخمة وأموالًا طائلة .
قال ابن سعد : ترك عبد الرحمن بن عوف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة بالبقيع ، ومائة فرس ترعى بالبقيع ، وكان يزرع بالجُرف على عشرين ناضحاً .
وقال : أصاب « تُماضر بنت الأصبغ » ربع الثمن فأُخرجت بمائة ألف ، وهي إحدى الأربع [ أي من زوجاته ] .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...