17- حديث القائد في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية، 20/9/1370.
القسم الثاني:
علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية
إحياء الإسلام الثوري في إيران والعالم
في كلّ مرّة ينكشف فيها وجه الإسلام الواقعي خلال تأريخه الممتد منذ 1400 سنة، ترى الدنيا تصطف لمواجهته، بأشكال العداوة الشديدة، وضروب البغض العميق، وأنواع الخيانات العجيبة الغريبة. وبالعكس في كل مرحلة تتكفأ فيها صورة الإسلام الواقعية، وتختفي معالمه المتألقة الناصعة، وتتراجع دعواته الكبيرة، ترى تضاؤل حركة العداء، وقلة اصطفاف القوى المناهضة له.
هذه المعادلة مطّردة في مسار الإسلام منذ اليوم الأول حتى هذه اللحظة. فحينما تنظرون إلى مرحلة النبي في مكة، ترون إن أنواع العداوة والبغضاء وضروب المكر قد اصطفت في مواجهة هذا النبي العظيم ودعوته الإسلام وانطلقت من قبل القوى الهمجية الشريرة.
وفي مرحلة المدينة لكم أن تلاحظوا أشكال البغضاء والعداوة ومقدار ما تمثله المواجهة البغيضة من دموية، وهي تصدر من الأشرار التافهين.
فقد كان من بين الأحزاب ثمة سورة في القرآن بهذا الاسم التي ناهضت الإسلام وظاهرت نبيه العظيم، مشركو قريش، ومشركو ثقيف، وأهل الكتاب الذين ابتعدوا عن كتابهم،واليهود والنصارى،
والمنافقون، فقد اصطفت هذه القوى جميعاً، وتكاتفت أجنحتها لتدمير الإسلام ونبيه، واتحدت كلمتهم وأصبحوا يداً واحدة، ووقف الإسلام بكل ألقه وإشعاعه في مواجهة هؤلاء، وحيداً.
وحين آل الأمر إلى سلطان بني أُمية وبني العباس، رأينا حملة الإسلام الواقعي الإسلام المحمدي عرضة لألوان الضغط وصنوف التضييق وضروب مختلفة من الملاحقة والتعذيب. تأملوا حياة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام والأئمة الآخرين، وتفحصوا حياة العلماء والمحدثين الكبار، لتعرفوا ما حلَّ بهم من قبل خلفاء الجور.. تعرضوا للضرب بالعصي والأسواط.. للسجون ولأصناف الأذى والعذاب.
هذه جميعاً تظهر لكم واضحة من خلال مطالعة التأريخ. من خصوصية الإسلام الواقع الحقيقي، إنه كلما تجلى للعيان وظهر موضوعياًـ اصطفت قوى الشر والفساد لمواجهته بكل ما تملكه من قوة.
وفي المقابل لا تدخل القوى المضادّة في مواجهة مع إسلام خال من روحه.. تخلى عن شعاراته الأصلية.. إسلام لا ينهض لمواجهة الظلم.. إسلام تعايش مع ضروب الفساد الأخلاقي.. إسلام ينطوي على بعض الشعائر بيد أنه ضيّع الأصول وافتقدها.. إسلام مثل هذا ألا يثير القوى المناهضة، ولا تصطف لمواجهته قوى الشر والفساد.. ولهذا الشكل من الإسلام فصل عريض في التاريخ، بإمكانكم أن تعودوا إليه لتقرأوه وتطلّعوا عليه. ولكم أن تلاحظوا هذه القاعدة المطّردة في عصرنا هذا المملوء بالفساد، فساد النظام البهلوي والأنظمة الأخرى التي سبقته في إيران.
إن التجلّي الأول للإسلام الإسلام الواقعي ممتد في جميع أنحاء الدنيا. وإسلام مثل هذا، مقاوم للظلم والتسلّط والنهب والفساد، عليه أن يترقب عداء القوى الكبرى وأمريكا والصهاينة وشركات النهب العالمية، والسلاطين الفاسدين، والرؤساء المفسدين.. فكل هذه الجبهة العريضة من قوى الفساد والشرّ تناهض إسلاماً مثل هذا، وليس أمام مثل هذا الإسلام إلاّ أن يترقب عداء القوى الكبرى وأمريكا والصهاينة وشركات النهب العالمية، والسلاطين الفاسدين، والرؤساء المفسدين.. فكل هذه الجبهة العريضة من قوى الفساد والشرّ تناهض إسلاماً مثل هذا، وليس أمام مثل هذا الإسلام إلاّ أن يترقب عداءها 1.
تبرز في صراع القوى المتسلطة مع الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية قضية الإسلام الصحيح، الخالي من تشويهات أيادي الاستكبار العالمي وتحريفاتهم. وبعبارة أخرى أنَّ القضية بالنسبة لنا في هذا الصراع وبالنسبة لأعدائنا على حد سواء، هي مسألة الإسلام. والاستكبار يواجهنا بسبب الإسلام.
إنّ هدف الاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا، وفي قاعدته جميع الأجهزة الشيطانية المسلطة على العالم وحتى غير المسلطة التي تعمل من أجل مصالح الاستكبار، هدفها جميعاً من مواجهة إيران المسلمة هو الإسلام.. الإسلام فقط وليس أي شيء. إننا لا نخوض جهادنا من أجل أن تعم الحياة الإسلامية الطيبة بيننا وحدنا، بل من أجل أن تعم البشرية. فجهادنا هو من أجلال الإنسانية أيضاً.
بيد أن ذلك لا يعني إننا نجهّز الجيوش، ونمضي بها حيثما تخل
1-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة مجموعة من أهالي شيراز وبندر عباس وساري. 21/4/1268.
أيادي الاستكبار بالحياة البشرية الطيبة، فنخوض المعركة ضدّها، كلا، فهذه الحرب ليست من سنخ هذه المقولة.
إننا نسعى من موقع الإسلام وقاعدته أن نثبت أنَّ البشرية التي تعيش راهناً في ظلال وطأة حاكمية الاستكبار الخبيثة، تتجرع الآلام، وتقترب يوماً بعد آخر من الشقاء أكثر. والهدف من سعينا أنَّ الإسلام يمكن أن يكون رسالة إنقاذ للبشر.
لقد أثبتنا مرّة وما نزال نسعى أن نثبت أن الإسلام قادر على مواجهة القوى العالمية الكبرى، وضرب قواعد الأنظمة الظالمة في العالم.
الاستكبار يعيش حساسية من هذه المسألة. ولذلك تراه يبغض أيّة أمة أو دولة أو نظام يرفض ثقافة السلطة أي يرفض حاكمية أنظمة البيوتات والزور وإمبراطوريات السلطة العالمية.
وفي عالم اليوم، هذا هو الإسلام، وها نحن الذي نخوض معركة رفض نظام التسلّط في العالم، ونعتبر أن نظام الهيمنة العالمي هو المسؤول عن شقاء الإسلام والبشرية في كافة أرجاء العالم.
نحن لم نهلع من التهم التي تنهمر على ثورتنا وشعبنا من أجهزة الدعاية المرتبطة بالغرب، ولن نضطرب. فمنذ أوائل انتصار الثورة، راح أكثر الرجعيين رجعية في هذا العالم يرمون شعبنا وثورتنا بتهم الرجعية، رغم أن ثورتنا أنجزت في هذا العصر، أكثر الحركات التغييرية رقياً وتقدمية، ومع ذلك لم نهلع ولم نضطرب 2.
2-حديث قائد الثورة في لقائه مع ضيوف مؤتمر الفكر الإسلامي. 12/11/1368.
ترى القوى الاستكبارية الغربية نفسها، إنها في مواجهة مع الإسلام اليوم. هم يخشون الإسلام ويعدّوه خطراً.. وكل مظهر إسلامي ينطلق يعتبرونه طليعة خطر جدي يهدّد قدرتهم ومصالحهم.
والشيء البديهي أنَّ الإسلام المحمدي هو خطر حقيقي للأنظمة التي تقوم على أُسس الظلم والفساد والانحطاط، لما ينطوي عليه من رفض للفساد والانحطاط، الأخلاقي في محيط الحياة البشرية.
وهذا في الواقع ما يفسّر لنا سلوك جميع القوى الشيطانية العالمية اليوم، في مواجهتها لتجليات الإسلام ومظاهره، بأقسى ما تكون أساليب المواجهة وأعنفها، بحيث راحت تلك القوى تسحق بأقدامها أشد الأصول بداهة مما كانت تنطق به شعاراتها 3.
إنّ القوى الكبرى التي انطوت على حال العداء الدائم للثورة الإسلامية لم تعلن ولن تعلن صراحة أسباب عدائها للجمهورية الإسلامية. فلو أنَّ أمريكا أعلنت صراحة أنَّ باعث عدائها لإيران، هو عداوتها للإسلام، لوضعت في الصف المقابل لها مليار مسلم في العالم يكونون في مواجهتها 4.