الرئيسية / من / طرائف الحكم / الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

كم بُذِل طوال عشرات السنين من الثروات والفكر؟ وكم ارتكبت من الجرائم والأكاذيب والدعاية المضادَّة من أجل إقصاء الإسلام كلياً عن حق حياة البشر؟ ثم جاءت ثورتنا في مسار معاكس تماماً لما كان يريده الشياطين وأعداء الإسلام.

 

أضحى الإسلام عزيزاً، واستيقظت الشعوب الإسلامية، ووصلت النهضة الإسلامية في الكثير من البلدان الإسلامية إلى الذروة.

 

لقد أضحى الإسلام اليوم ومعه الثورة الإسلامية والنهضات الإسلامية يمثل قيمة وطنية واجتماعية وسياسية كبيرة، حتى بلغ الأمر إلى أن يتحدّث عن الإسلام ويضرب على وتره، مَن لم تكن له أية علقة به، لمصالح زمنية.

 

أصبح الإسلام اليوم عزيزاً 35.

 

يزخر واقع العالم اليوم بالكذب والأحابيل والشهوة، وهو يميل لترجيح القيم المادية على القيم المعنوية، هذه هي الدنيا، وهذه الخصائص لا تقتصر على هذا الزمان، بل منذ قرون والجانب المعنوي في الدنيا ينحدر نحو الضعف والأفول.

 

لقد سعى أصحاب القوى إلى إقصاء المعنويات، وسعى أرباب السلطة وعبدة الثروة والمال إلى بسط نظام مادي في العالم، تتربع على قمته سلطة مثل أمريكا، هي الأكثر من غيرها كذباً وخديعة وإهمالاً للفضائل الإنسانية، وأشدّها قسوةً على بني البشر.

35-حديث قائد الثورة إلى جماعة من الأحرار-الأسرى العائدين إلى أرض الوطن . 29/5/1369.

 

قوة مثل هذه تتبوأ رأس النظام، يليها حلفاؤها كلّ حسب مرتبته. هذا هو وضع العالم اليوم.

 

 

والثورة الإسلامية في مؤدّاها هي إحياء ثانٍ للإسلام، إحياء لقيمة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ الحجرات 13 . وقد جاءت هذه الثورة وأمامها مهمة ضرب مرتكزات ذلك النظام الخاطئ، لكي تصوغ بديلاً عنه نظاماً جديداً 36.

 

الأثر المباشر الذي ظهر على المستوى العالمي، لثورة دينية وإسلامية، هو تأسيس نظام سياسي واجتماعي يقوم على مباني الدين.

 

كانت واقعة عظيمة جذبت العالم إلى الدين سواء كان الإسلام أم غيره وجدّدت النظرة إلى مسائل الدين.

 

والذي حصل بعد ذلك بفعل الآثار غير المباشرة لثورتنا، هو اضمحلال قواعد التفكير المادي، الذي كان هذا التفكير والنظام المنبثق منه يسوّق على نطاق عالمي ويدفع بادّعاءات كبيرة، على أساس أنه يستطيع أن يدير الحياة البشرية!.

 

لقد وقف هذا الفكر وهذا الاتجاه حائلاً عشرات السنين دون الظاهرة المعنوية، سواء تمثلت بالفكر أو العلم أو الأخلاق. أو أي شيء مفيد.

 

لقد انهار هذا الفكر مرّة واحدة وكأنه عمارة من ثلج، وقد ذاب

36-حديث قائد الثورة إلى قائد كتائب قوات التعبئة الشعبية. 22/4/1371.

 

كالملح في الماء، تماماً كما حدث لبني أمية والمنصور العباسي عندما انهار البناء الذي أشادوه، لأن ظاهره وإن كان يشبه الصخر إلاّ أن حقيقته كالملح، فسرعان ما تهاوى وذاب.

 

بعد الانهيار المدوّي لذلك الفكر وأنظمته أخذ عالم المعنى يعبّر عن نفسه. وقد اتضح أن النمو المعنوي، وازدهار الفكر الديني، وبالأخص ازدهار الفكر الإسلامي، لم يكن قد توقف في أتون ضجيج ذلك الفكر وأنظمته. ففيما كان أولئك يجهدون أن لا يبقوا له عيناً ولا أثراً، كان هو يواصل نموه.

 

ولكن غاية ما هناك أن الرياح العاطفة والضجيج والصخب والغبار كانت تمنع تبلور هذه الحقيقة الواقعية وتجليها، والآن بعد أن هدأ ذلك الصخب المجنون، عادت الحقائق لتعبِّر عن نفسها بجلاء 37.

37-حديث قائد الثورة في مراسم تجديد بيعة أعضاء مؤسسة باقر العلوم الثقافية. 1/11/1368.

 

الجمهورية الإسلامية هي أم القرى ومركز الحركة العالمية للإسلام

 

واحدة من أهم مسائل العالم الإسلامي اليوم هي البغض والعداء الجنوني الذي تكنه الجبهة الشيطانية وبخاصة الشيطان الأكبر أمريكا للإسلام وللمفاهيم والعقائد الإسلامية. والعداء المخطط والشامل ضدَّ الإسلام وإن كان يعود إلى المرحلة التي ترافقت مع ظهور الاستعمار وما قام به المستعمرون في القرون المتأخرة عندما توجهوا للممارسة النهب والقتل في العالم الإسلامي، وتعاملوا مع الإسلام على أنه العقبة الكؤود والسد المحكم الذي واجه فتنهم، مما جعله عُرضة لهجوماتهم الشديدة سياسياً وثقافياً، ودفع بهم إلى غرس مخطط فصل المسلمين عن القرآن والإسلام بضروب المكر الشيطاني مثل إشاعة الفساد والانحلال والفحشاء، ولكن الأمر اختلف عندما انطلق بركان الثورة الإسلامية وراح يحرق آمالهم العراض ويذرها هباءً مع الريح، ويعيد إشاعة الأمل في قلوب المسلمين، وينعش الحياة في الإسلام ثانيةً على الصعيد العالمي.. فعندئذٍ اندفعت القوى الاستبكارية تهاجم الإسلام كالذئب الجريح وتندفع في معاداته بشكل شامل وجنوني. وهذا النمط من العداوة والهجوم لم يكن مستبعداً في غضون التحوّل الذي حصل.

 

 

ستتحقق حتماً السنن الإلهية القاضية بفضيحة أولئك وهزيمتهم إن شاء الله، تماماً كما نصَّ على ذلك القرآن ﴿وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ﴾ الرعد /31. ولكن بشرط أن يلتزم المؤمنون بالإسلام وبوظائفهم إزاء هذه المؤامرات ويتوانوا فيها.

 

بديهي أن المركز الذي استهدفته الأمواج الأساسية لجميع المؤامرات التي ابتغت الغيلة للإسلام خلال العقد الماضي هو الجمهورية الإسلامية التي تعدّ أم القرى للعالم الإسلامي التي تعدّ أم القرى للعالم الإسلامي وطليعة حركته العالمية. لقد تلقى الشعب الإيراني خلال عقد من العداء الذي استهدف الإسلام والقوى الثورية العظيمة، أنواع الضربات. فهناك الحرب المفروضة التي دامت ثماني سنوات، الحصار الاقتصادي، وعدد لا يحصى من الهجومات السياسية والدعائية والاقتصادية ضدَّ الجمهورية الإسلامية، والتي انطلقت في حقيقتها بدافع الضغط على الإسلام، وعلى خلفية العداء له.

 

نحن نفخر بأننا أصبحنا على مدار سنوات هدفاً للقوى العالمية في غضبها الجنوني وحملاتها الانتقامية الشرسة ضدّنا. بسبب الجوهر الفريد الذي نحمله، متمثلاً بالإيمان بالله والعمل بالإسلام.

 

أجل: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ البروج / 8.

 

إن السر وراء الاعتلاء الإسلامي المعاصر واليقظة العامة للمسلمين، يكمن في انبثاق وليد مبارك في مركز دائرة هذه الحركة إيران الإسلامية متمثلاً بالثورة. لقد أينعت شجرة الإسلام الطيبة

 

 

مرة أُخرى، وأثمرت الولادة، انبثاق الجمهورية الإسلامية بما تحظى به من بنية ثابتة استمدتها من الإيمان الإسلامي ومن القدرة الإيمانية للقائد والشعب.

 

لقد حافظ هذا الكيان على ثباته واستقامته، لم تنل منه دسائس الشياطين وسورات غضبهم وأحابيلهم، بل ظلّ عزيزاً مقتدراً رغم ظُلامته، ومضى وضاءً أمام العالم، ثابتاً على الدعوة إلى الإسلام باستقامة وصلابة .

 

إن للإسلام الأصيل طبيعة جذّابة يستقطب إليه القلوب السوية الخالية من الضغينة والبغض. وهذا الإسلام هو الذي طرحته ثورتنا وإمامنا أمام العالم للمرة الثانية، وعرضاه للقلوب المتطلعة.

 

لا مكان في مدرسة الثورة التي أرسى إمامنا الخميني دعائمها. للإسلام السفياني والمرواني.. الإسلام الشكلي الذي يقتصر على الظواهر.. الإسلام الذي يكون في خدمة المال والقوة؛ وبكلمة: الإسلام الذي يكون آلة بيد السلطات وحرباً على الشعوب. لقد قضت مدرسة الثورة على ذلك النوع من “الإسلام” ليحل محلها الإسلام القرآني المحمدي ص إسلام العقيدة والجهاد.. الإسلام الذي يخاصم الظالم ويكون للمظلوم عوناً.. الإسلام الذي يكون حرباً ضدَّ الفراعنة والطواغيت؛ وبكلمة: الإسلام الذي يصعق الطغاة والجبارين ويشيد أركان حكومة المستضعفين.

 

حلَّ إسلام الكتاب والسنة في الثورة الإسلامية بدلاً من إسلام الخرافة والبدعة.. وصار إسلام الجهاد والشهادة بديلاً لإسلام القعود والاستكانة والذل.. وأخذ إسلام التعقل والتعبّد محله بدلاً من إسلام

 

 

الجهل والتلفيق الالتقاطي… وأضحى إسلام الدنيا والآخرة بديلاً لإسلام عبادة الدنيا واسم الرهبانية والاعتزال.. وأمسى إسلام العلم والمعرفة بمكان إسلام التحجر والغفلة.. وإسلام الدين والسياسة بديلاً لإسلام التحلل واللامبالاة.. واستبدل إسلام المقاومة والعمل بإسلام الجمود واليأس.. وأخذ إسلام الفرد والمجتمع مكانه بدلاً من الإسلام الشكلي الذي لا روح فيه.. وصار الإسلام الذي ينقذ المحرومين بديلاً للإسلام الذي كان آلة بيد القوى الكبرى.. وبكلمة: أصبح الإسلام المحمدي الأصيل في الثورة الإسلامية بديلاً للإسلام الأمريكي.

 

إن استعادة الإسلام بهذه التركيبة وبهذا التكوين، وبمثل هذه الجدية كان سبباً لحالة الغضب الجنوني الشامل لأولئك الذين كانوا يتمنون زوال الإسلام ليس في إيران وحدها بل في جميع البلدان الإسلامية.. أو لأُولئك الذين لا يريدون للإسلام إلاّ أن يكون اسماً وحسب من دون محتوى، ووسيلة لاستحماق الناس واستغفالهم.

 

لذلك كله لم يتوان أولئك عن تضييع أي فرصة للهجوم على الجمهورية الإسلامية ومركز حركة العالم الإسلامي إيران وإلحاق الضرر بها والتآمر ضدّها منذ أول يوم انتصرت فيه الثورة الإسلامية حتى الآن 38.

 

الدين عميق وراسخ في النفوس، إذ تكفي في استعادة وره وتنشيطه حركة تشير للاتجاه الصحيح، يُنفَض عنه الغبار

38-كلمة قائد الثورة بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة الإمام الخميني، 10/3/1369.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...