أوائل المقالات في المذاهب والمختارات / الصفحات: ٣٠١ – ٣٢٠
(٤٣) قوله في القول ٢١ (ولسنا نعرف ما حكاه المعتزلة عن هشام بن الحكم)
أقول: أما كذب النسبة فلا إشكال فيه، إذ لو كان في هشام انحراف صغير في العقائد لم تصل إلى هذه المرتبة عند الأئمة عليهم السلام وعند شيعتهم، مضافا إلى ما وردت في الروايات الصحيحة، وتاريخ أصحاب الأئمة وكتب الرجال من إجماع محققيهم على بطلان هذه النسب.
ومن راجع ترجمة هشام بن عمرو الفوطي المعتزلي وعقيدته في علم الله (تعالى) في طبقات المعتزلة للبلخي ص ٧١ عرف أن منشأ الاشتباه أو الخيانة اشتراك هشام الشيعة في الاسم مع هشام المعتزلة، ويؤيد ما ذكرناه أيضا أن الخلاف الذي ينسبه المصنف هنا إلى جهم بن صفوان وهشام بن عمرو الفوطي نسبه الشهرستاني في نهاية الإقدام إلى جهم بن صفوان وهشام بن الحكم.
(٤٤) قوله في القول ٢٢ (حتى يكون قولا أو كتابة)
المراد بهذه العبارة إن الصفة على هذا الاصطلاح ليست نفس المعنى القائم بالموصوف، بل ما أنبأت عنه، ولذا قال (ولا يكون ذلك الخ) وذلك لأن كلمة
(٤٥) قوله في القول ٢٣ (وقولي في المعنى المراد…)
هذه الجملة غير موجودة في بعض النسخ، والظاهر أنهم أسقطوها لإبهام معناها عندهم، والصحيح إثباتها.
توضيح العبارة: إن المعتزلة ذهبوا إلى التعطيل في صفاته بحيث كأنه ذات بلا صفات، والمشبهة ذهبوا إلى إثباتها كأشياء زائدة عليها قائمة بها، و أبو هاشم ذهب إلى شئ بين الاثبات والنفي وسماها الأحوال.
والمفيد قده أشار إلى رد تعطيل المعتزلة بقوله (ليست هي الذات) وإلى رد المشبهة بقوله (ولا أشياء تقوم بها) وإلى رد قول أبي هاشم بقوله (ولا أحوال مختلفات على الذات) ثم أشار إلى مختاره بقوله (وقولي في المعنى المراد…) يعني لا أريد من إثبات الصفات وإنها ليست هي الذات، إنها مغايرة مع الذات في الخارج والوجود، بل من جهة المفهوم وإن المعنى المعقول من الصفات غير الذات، وأما في الخارج فهي عين ذاته (تعالى).
(٤٦) قوله في القول ٢٤ (قادر على خلاف العدل الخ)
أقول: لا خلاف في استحالة صدور القبيح منه (تعالى)، ولكن الكلام في أن عدم صدوره منه هل هو لأجل أنه (تعالى) عاجز عن القبيح فلا يتمكن من إرادته، أو إنه لا يريد القبيح مع قدرته عليه فصار محالا، وبعبارة أخرى كما إن
(٤٧) قوله في القول ٢٤ (أصحاب المخلوق)
هم الذين يقولون بأن الله (تعالى) خلق افعال العباد على اختلافهم في كيفية خلقه لها وفي كيفية نسبتها إلى العبد، وقد أفرد القاضي عبد الجبار المجلد الثامن من كتابه (المغني) في البحث عن المخلوق فراجع.
وقد جعل المصنف عقيدة الخلق مقابل العدل في القول ٢٦؟
(٤٨) قوله في القول ٢٥ (إلا من شذ منهم)
حمل العلامة الزنجاني هذا الشاذ على هشام بن الحكم، وهذا سهو منه قده لأنه أولا أن المفيد قده قد صرح في مواضع من كتابه بكذب هذه النسبة كما مر في القول ٢١ وغيره وثانيا أن نسبة الرؤية إليه على فرض صحته إنما هي بتبع قوله بالتجسيم، لا لشبهة عرضت له في تأويل الأخبار وثالثا لو كان له شبهة في تأويل الأخبار لسألها عن الإمام المعاصر له، نعم الشبهة في تأويل الأخبار يناسب المتأخرين من العلماء في زمن الغيبة.
(٤٩) قوله في القول ٢٥ (شهد العقل ونطق القرآن)
أقول: أما العقل فمن جهة ما تستلزمه الرؤية الحسية من الجسمية و المسامته، وانعكاس الصورة وتعلق النور على المرئي وغير ذلك مما يستحيل تحققه في الموجود المتعالي عن الجسم ولوازمه.
وأما القرآن فقوله (تعالى) لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير – وقوله (تعالى) حكاية عن موسى رب أرني أنظر إليك قال لن تراني – وغير ذلك.
وأما الأخبار فراجع البحار ج ٤ ص ٢٦.
(٥٠) وقوله (أصحاب الصفات).
يريد به الأشاعرة.
(٥١) قوله في القول ٢٦ (العدل والخلق)
الخلق المقابل للعدل عبارة عن خلق الله (تعالى) افعال العباد كما هو واضح لمن كان له أنس بالكتب الكلامية وباصطلاحات المتكلمين وبكتب الشيخ المفيد على الخصوص وهذا الكتاب بالأخص كما مر في القول ٢٤، والقرينة هنا قوله (لا قبيح في فعله، جل عن مشاركة عباده في الأفعال…) ثم نقل عن المجبرة (وزعموا أن الله (تعالى)… وخلق افعال بريته وعذب العصاة على ما فعله فيهم من معصية) ومجرد ذي (خلق الخلق) ونحو ذلك لا تصلح قرينة
(٥٢) قوله في القول ٢٧ (ولا أتجاوز مواضعه من القرآن)
يعني ذكر كلمة خالق على العباد فيما ذكر الله وهي عدة موارد في القرآن ١ – قوله (تعالى) حكاية عن عيسى (ع) إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طير بإذن الله ٤٩ آل عمران وقوله (تعالى) مخاطبا لعيسى (ع) و إذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني؟ ١١ المائدة وقوله (تعالى) فتبارك الله أحسن الخالقين ١٤ المؤمنون وقوله أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين ١٢٥ الصافات وهذه مواضع إطلاق لفظ خالق على غير الله (تعالى) لعناية خاصة اقتضت هذا المجاز.
(٥٣) قوله في القول ٢٩ (ابتداء الخلق في الجنة)
(٥٤) قوله في القول ٣١ (عبد السلام بن محمد الجبائي)
خلاصة مبناه أن كلا من الفعل والترك مشروطين بالقصد، فمن لم يفعل فعلا لعدم التفاته أو نحو ذلك لا يكون تاركا ولا ممتثلا للنهي. فتارك شرب الخمر لعدم خطوره بباله غير ممتثل للنهي، مثل شاربه بدون القصد فإنه أيضا غير عاص، إذا المطلوب بالأمر والنهي هو الفعل والترك الاختياريان، ولا يتصور كون المكلف مختارا فيهما مع ضرورة تلبسه بأحدهما بل كون شيئين اختياريين لا يتصور إلا مع إمكان خلو المكلف منهما، وأيضا لو قلنا بلزوم اتصاف المختار
(٥٦) قوله في القول ٣٣ (فإنه تأويل الخ)
أقول: راجع كتاب تنزيه الأنبياء وتفسيري التبيان ومجمع البيان وكتاب بحار الأنوار وغيرها، ومن كتب العامة الجزء الرابع من كتاب الفصل في الملل و النحل وأبكار الأفكار للآمدي وعصمة الأنبياء للفخر الرازي.
(٥٧) قوله في القول ٣٤ (إن جهة ذلك هو الصرف الخ)
أقول: القول بالصرفه في جهة إعجاز القرآن شاذ في الشيعة ولم ينسب إلا إلى المرتضى والشيخ المفيد في خصوص هذا الكتاب، وأما جمهور علماء الشيعة فيرون جهة إعجازه: اشتماله على الدقايق المعنوية والنكات اللفظية و غيرهما من الجهات بمقدار خارج عن حد طاقة البشر بحيث يستحيل صدوره من غير الله (تعالى).
(٥٨) قوله في القول ٣٥ (إن تعليق النبوة)
في العبارة إغلاق من جهتين:
الأول إنه ما الفرق بين تعليق النبوة حيث جعله تفضلا، وبين التعظيم على القيام بالنبوة حيث حكم على إنه بالاستحقاق؟
والجواب والله العالم إن كل حق من الحقوق الاجتماعية مثل حق النبوة والإمامة والأبوة وغيرها له جهتان جهة تكليف ووظيفة لنفس ذي الحق بانتخابه لهذا المنصب وأمره به وتعليق هذه المهمة على عنقه. وهي من هذه
الجهة الثانية لا غلاق عبارة المصنف، إن قوله (إن تعليق النبوة تفضل من الله (تعالى) على من اختصه بكرامته لعلمه بحميد عاقبته واجتماع الخلال الموجبة في الحكمة بنبوته الخ) فيه شئ من التناقض.
إذ المتبادر من الفرق بين التفضل والاستحقاق هو أن يكون التفضل جزافا وترجيحا بلا مرجح كما يقوله العامة في انتخاب الإمام والخليفة، ويكون الاستحقاق تفضيل أحد لوجود المزايا والمرجحات فيه أكثر من غيره، وعلى هذا فقوله (لعلمه بحميد الخ) يناسب أن يكون تعليلا للاستحقاق لا للتفضل.
والجواب: إن وجود المزايا في العبد قد يكون مرجحا لحكمته (تعالى) بأن يكون اختيار غيره خلاف الحكمة كما هو في محل الكلام، وحينئذ لا ينافي كونه تفضلا، لأنه لو لم يختره لم يكن ظالما لعدم استحقاقه شيئا من الله (تعالى) وقد يكون وجود المزايا سببا لتطبيق قاعدة العدل عليه بحيث لو تركه كان ظالما وهذا مفقود في المقام، إذ ليس لأحد حق على الله (تعالى) بهذا الوجه.
ومن هنا يحصل الإيمان بأن النزاع بين الشيخ وبين بني نوبخت لفظي، فإن الشيخ ينفي الاستحقاق الذي يقضيه العدل ويلزم من تركه الظلم، وبني نوبخت يثبتون الاستحقاق الذي تقتضيه الحكمة وتقابله الجزاف والترجيح
وكذلك الاستحقاق الذي تدعيه المعتزلة بمعنى وجوب الانتخاب على الله وكونه (تعالى) ظالما على تقدير تركه لا يشبه الاستحقاق المذكور في كلام الشيخ وبني نوبخت، إلا لفظا وأما الفلاسفة فهم وإن خالفونا في معنى النبوة، ولكن لا مخالفة لهم في مسألة الاستحقاق والتفضل والله العالم.
وكل ما ذكرناه في بحث النبوة يأتي في بحث الإمامة، وقد أشير إلى بعض ما ذكرنا في دعاء الندبة الشريفة حيث يقول (ع) (اللهم لك الحمد على ما جرى به قضائك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك إذ اخترت لهم جزيل ما عندك… بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم و قربتهم وقدمت… وأهبطت عليهم ملائكتك وكرمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك…).
(٥٩) القول ٣٧ قوله (القائمين مقام الأنبياء الخ)
هذه الفقرات بمنزلة الاستدلال على المطلوب كأنه قال إن الأئمة معصومون لأنهم قائمون مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، ولأنهم يقيمون الحدود، ولأنهم حافظون للشرايع، ولأنهم موظفون بتأديب الأنام وقوله (إلا
(٦٠) قوله في القول ٣٧ (يجوزون من الأئمة وقوع الكبائر والردة عن الاسلام)
الظاهر عدم اختصاص التجويز بالمعتزلة بل جميع مذاهبهم يعتقدون به إما صريحا أو يلزمون به، فترى أن المعتزلة كانوا يكفرون ويقتلون من قال بقدم القرآن والجبر والتشبيه، ومع ذلك لا ينكرون خلافة المتوكل ومن تأخر عنه من المتعصبين في الاعتقاد بقدم كلام الله وبالجبر والتشبيه، كما إن أهل الظاهر و السلفية والمرجئة مع قولهم بالجبر التشبيه وقدم كلام الله لا ينكرون خلافة المأمون والمعتصم المتعصبين في مسألة خلق القرآن وإنكار الجبر والتشبيه الذي هو كفر عندهم، وقد اعترف ابن حزم الأندلسي بإمكان كون الإمام كل بالغ عاقل قرشي من دون زيادة شرط إلا أن يبايعه واحد فصاعدا ثم قال (فإن زاغ عن شئ منهما يعني عن الكتاب والسنة منع من ذلك وأقيم عليه الحد والحق فإن لم يؤمن أذاه إلا بخلعه خلع…) وأغرب منه فتوى بعضهم بعدم الحد على الخليفة إذا فعل ما يوجبه من الزنا واللواط وغيرهما، راجع ملتقى الأبحر ص ١٥٧.
أقول: الزيغ عن الكتاب والسنة أعم من الزيغ القلبي وهو الكفر و الارتداد والعملي وهو الفسق والفساد وسفك الدماء وهتك الستور والفروج وهم يرون إمامة يزيد مع إباحته المدينة حتى قتل وملأ مسجد رسول الله (ص) من القتلى، وأباح نساء المهاجرين والأنصار ثلاثة أيام حتى افتضت سبعمأة بكر
(٦١) قوله في القول ٣٨ (وبنو نوبخت يوجبون النص على أعيان ولاة الأئمة)
الولاية من قبل الإمام إما ولاية في زمانهم إلى نهاية الغيبة الصغرى و تسمى بالولاية أو النيابة الخاصة، وإما ولاية في الأزمنة المتأخرة عن الغيبة الصغرى وتسمى بالنيابة العامة، أما الأولى فلا أظن الشيخ المفيد يكتفي بالعلم والفضل على كون الشخص واليا أو وكيلا أو نائبا عنهم (ع) بأن يدعي أحد ولاية أو وكالة من قبلهم (ع) في زمن حياتهم من دون نص من الإمام الحي الحاضر وحيث أن بني نوبخت كانوا معاصرين للأئمة (ع) أو في زمن الغيبة الصغرى فيحمل كلامهم على هذه الصورة. وأما الثانية فلا أظن بني نوبخت يوجبون النص على أعيان الذين لهم ولاية أو نيابة عن الأئمة (ع) لعدم إمكانه أولا ولعدم تحققه في زمن النوبختيين ثانيا ولوضوح بطلانه ثالثا للزوم النص على آلاف من الفقهاء إلى قيام القائم (ع) فالظاهر أن النزاع بين الشيخ المفيد وبين بني نوبخت منشأه عدم تحرير محل النزاع ومعه فلا نزاع، نعم لو أريد النص من النبي (ص) ولم يكف من نفس الأئمة صار البحث معنويا ولا ملزم له، و
(٦٢) قوله في القول ٣٩ (إن للإمام أن يحكم بعلمه… وقد يجوز عندي أن تغيب عنه بواطن الأمور)
أقول: لا إشكال في كلا الأمرين إمكانا بل وقوعا في الجملة كما وردت روايات على طبق الجميع، إنما المهم بيان أن الطريقة المستمرة التي كانت في أحكامهم (ع) على أي نحو كان، حتى يكون القسم الآخر استثنائيا فإنا إذا عرفنا أن الأصل في طريقته القضائية الطريقة الفلانية فكل حكم شككنا في كيفيته ألحقناه به، ثم احتججنا به في الفقه بخلاف الطريقة النادرة الاستثنائية فإنها تكون من خواصه وأحكامه بما هو معصوم وإمام.
والظاهر من سيرة أمير المؤمنين وقضاياه أن الطرق الموصلة إلى العلم من الطرق العادية التي يمكن استخراج حقيقة الأمر بسببها كما هو المتعارف في المحاكم الغير الشرعية إذا لم يستلزم حراما فهو جائز بل واجب على القاضي و إن لم ينحصر بالاقرار والشهادة والقسم كما يوجد في أقضية أمير المؤمنين (ع)، و أما استخراج حقيقة الأمر عن طريق علم الغيب وساير الأمور الخاصة بهم فالظاهر أنه موارد نادرة استثنائية لا يحمل عليها إلا بدليل ولا يحتج بها.
(٦٣) قوله في القول ٤٠ (ولي في القطع به منها نظر)
لعل وجه النظر اختصاصها بمواردها ولكن هنا روايات عامه صريحة في أنه لا يمكن للإمام أن يسأل عن شئ فيقول لا أعلم وعموم قوله (تعالى) وكل شئ أحصيناه في إمام مبين، مع أن الاحصاء عبارة عن العلم التفصيلي بالشيئ
(٦٤) قوله في القول ٤١ (إلا من شذ عنهم من المفوضة…)
أقول: المفروض ثبوت علم الغيب للأئمة فعلا ولكن بقيود أربعة وهي أولا إنه ليس شرطا في إمامتهم بل لطف في طاعتهم وثانيا إنه بالسماع و النقل لا بالعقل وثالثا إنه ليس ذاتيا ومستقلا بل بإعلام الله (تعالى) لهم ورابعا إنه لا يطلق عليه علم الغيب لظهوره في العلم الاستقلالي لا ما كان بإعلام الله تعالى.
والأول والثاني إنما يخالف فيه المفوضة وبنو نوبخت فقط والثالث إنما يخالف فيه الغلاة فقط لا غيرهم، والرابع يخالف فيه الغلاة والمفوضة والأخباريون والعوام من الشيعة فإن هؤلاء يطلقون علم الغيب بما عند الإمام لفظا وإن اختلفوا معنى فإن الغلاة يقصدون علمه (ع) استقلالا ومن عنده، و بقية هؤلاء يقصدون العلم المأخوذ من عند الله بالتبع وبتعليم الله (تعالى).
(٦٥) قوله في القول ٤٢ (الإجماع على المنع ولاتفاق على أنه من يزعم أن أحدا بعد نبينا (ص) يوحى إليه فقد أخطأ وكفر)
أقول: قد مر في القول ٨ قوله قده (وإنما منع الشرع من تسمية أئمتنا بالنبوة دون أن يكون العقل مانعا من ذلك لحصولهم على المعنى الذي حصل لمن ذكرناه من الأنبياء) وسيأتي في القول ٤٤ قوله (في سماع الأئمة كلام الملائكة الكرام… أقول بجواز ذلك) فإذا فرضنا أنهم عليهم السلام حصلوا على المعنى الذي حصل للأنبياء وإنهم يسمعون كلام الملائكة الكرام وأثبت قده الوحي لغير الأنبياء مثل أم موسى (ع) فلم يبق إلا الالتزام بأحد أمرين، أما تخصيص الحرمة بالتسمية بأن نقول بحرمة تسميته وحيا، أو نقول بأن الوحي ونزول الملك على قسمين: أحدهما من خصائص النبوة لا يوجد في غيرها والثاني يوجد في الأئمة والأولياء فراجع ما ذكرناه في شرح القول ٨.
(٦٦) قوله في القول ٤٢ (فأما ظهور المعجزات عليهم)
أقول: ظهور المعجزات على أئمة دين النبي الذين هم أوصياؤه وخلفاؤه و ذريته وحفظة دينه يكون في الواقع معجزة له صلى الله عليه وآله كما إن ما سيأتي في القول ٤٣ من ظهور المعجزات على السفراء والأبواب لا انفكاك بينها وبين هذه المسألة، لأن معجزاتهم تعد معجزة لأئمتهم (ع) لا لأنفسهم.
(٦٧) قوله (الأخبار على التظاهر والانتشار)
أقول: أوسع ما اعرفه في هذا الباب كتاب (مدينة المعاجز) للبحراني و (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات) للحر العاملي و (بحار الأنوار) للشيخ المجلسي قده وأما نسبة إنكار الكرامات إلى الزيدية فلعل معاصريه منهم كانوا
(٦٨) قوله في القول ٤٦ (ولا على أحد الأقوال فيه إجماع)
أقول: بل الإجماع محصله ومنقوله بل الضرورة على كونهم أفضل بعد رسول الله عن جميع الأنبياء والملائكة، ولا ينافي وجود شذاذ خالفوا فيه كغيره من ضروريات المذهب.
وقد ادعى فيه الإجماع كثير من العلماء منهم السيد المرتضى في الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة.
وأما الروايات المشار إليها بقوله (وقد جاءت آثار…) فهي ما رواه الشيخ المجلسي قده في البحار ج ٢٦ ص ٣١٩ – ٢٦٧.
(٦٩) وأما قوله (وفي القرآن مواضع…)
فقد أشار قده في رسالته التي كتبها في تفضيل أمير المؤمنين على جميع الأنبياء غير نبينا (ص) إلى آية المباهلة وآية الأعراف وآية كنتم خير أمة أخرجت للناس الخ ولكن الآيات التي يستظهر منها ذلك كثيرة لا يناسب المقام تفصيلها.
(٧٠) قوله في القول ٤٧ (إن الملائكة مكلفون)
أقول: قال (تعالى) لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة
الأول عصمة الملائكة فحصلت لهم شبهة عامة في كل معصوم أنه يمكن أن يكون فاعلا مختارا أم لا؟ وهل العصمة تقتضي الاجبار أم لا؟ وقد أجبنا وأجيب عنها في مواضعه بأن العصمة مؤكدة للاختيار لا منافيه، وفرق بين أن نحكم قطعا بعدم إمكان صدور المعصية منه رأسا واصلا لأنه لا يريدها، وبين أن نحكم بعدم إمكان إرادته لها لعدم إمكان صدورها والتفصيل في محله.
الثاني الخطابات القرآنية وغيرها من الكتب السماوية تختص بالجن و الإنس وليس فيها خطاب تكليفي بالملائكة، كما إن التعبير بالنزول والتنزيل، بالنسبة إلى القرآن والشريعة خصوصا مع فرض أن وسائط الفيض والمنزلين
(٧١) قوله في القول ٤٨ (فالأئمة من آل محمد أفضل…)
أقول: كون المعصوم من البشر أفضل من المعصوم من الملائكة من جهة أن أصل الإرادة والاختيار وإن كان مشتركا بين الجن والإنس والملائكة، لكن الملائكة ركب وجودها وعنصرها من النور وعالم التجرد فيلتذ من الطاعة و يتأذى من المعصية فيختار الطاعة دائما من دون صعوبة، والجن خلق من النار و من الشر فيصب عليه الطاعة صعوبة شديدة وهم مجبولون بالشر بمعنى شدة ميلهم إليه لا على حد الالجاء، وأما البشر فروحه من عالم النور وجسمه من عالم الظلمة وميله إلى الخير يعارضه ميله إلى الشر وإن كان الأغلب ميلهم إلى الشر أكثر والطاعة عليهم كلفة وصعوبة، والمعصية لذيذة وسهلة ومحبوبة، فلذا يكون المعصوم من البشر أفضل من المعصوم من الملائكة، ومن هنا يعرف سر ما يذكره في الفصل الآتي من إثبات تمام خواص الجسمية والبشرية للأئمة (ع) وإن هذا مضافا إلى أنه ليس نقصا فيهم، يعد من علل تفضيلهم على
(٧٢) قوله في القول ٤٩ (وينتظرون من يرد عليهم من أمثال السابقين من ذوي الديانات)
أقول: لعله إشارة إلى ما في سورة يس ٢٧ (قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) وعلى هذا فكلمة (الأمثال) جمع المثل بفتحتين، ويمكن أن يراد به من يرد عليهم من أشباه السابقين الذين كانوا من ذوي الديانات، يعني يرد عليهم المؤمنون من هذه الأمة كما كانوا في الأمم السابقة، وعليه فالأمثال جمع المثل بكسر الميم والاحتمال الأول أولى.
(٧٣) قوله (وتبلغهم المناجاة من بعد…)
كلمة البعد بضم الباء وسكون العين بمعنى البعيد وفي بعض النسخ من بعيد وهذا أيضا صحيح.
(٧٤) في القول ٥٠ ظاهر قوله (وجاء عن أمير المؤمنين أنه قال للحارث الهمداني: يا حار الخ)
إن الأشعار له (ع) في نظر المفيد قده وقد اشتهر بين الشيعة الأعم من العلماء وغيرهم نسبة بيتين إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهما:
يا حار همدان من يمت يرني | من مؤمن أو منافق قبلا |
يعرفني طرفه واعرفه | بعينه واسمه وما فعلا |
فقد تلقته الشيعة بالقبول بعنوان شعر قاله أمير المؤمنين (ع) وهذا وإن لم يكن دليلا قطعيا على كونه له (ع) ولكنه إمارة عليه.
ولكن السيد الأمين فيما جمعه من أشعاره (ع) شكك في نسبة الشعر إليه (ع) واستشهد بقول السيد الحميري قبل البيتين:
قول على لحارث عجب | كم ثم أعجوبة له حصلا |
ولكن الظاهر أنه من قبيل تضمين السيد لشعره (ع) في ضمن شعره كما هو أمر شائع وهو الظاهر من قوله (قول على الخ) فظاهر العبارة إن المنقول عين قوله (ع) وأما نسبة الشيخ الطوسي الأشعار إلى السيد الحميري فصحيح أيضا، لأن من ضمن شعر غيره في ضمن شعره يصح نسبة مجموع الأشعار إليه أيضا ولا يدل على ما ذكره السيد الأمين قده.
(٧٥) قوله في القول ٥٠ (غير أني أقول فيه)
أقول: لا إشكال في لزوم الحمل على المعنى الحقيقي ما لم يمنع منه مانع يقيني، كما لا إشكال في أن ظاهر قوله (ع) يرني وغيره من الروايات هو المعنى العرفي واللغوي للرؤية لا ما ذكره من العلم ونحوه، كما إنه لا إشكال في أن ما تعتقده الشيعة هو الرؤية الحقيقية لا التأويل والمجاز، ويظهر هذا من قوله (أني أقول) يعني إنه عقيدته الشخصية وتأويل يختص به قده، وأما قوله:
محققو النظر من الإمامية، فيكفي فيه ثلث نفرات يوافقونه، وكيف كان فالداعي له قده إلى اختراع هذا التأويل الذي لم يسبقه إليه أحد، هو أن كل دليل نقلي كان ظاهره ومعناه الحقيقي مستلزما للمحال العقلي أو الباطل الشرعي المسلم