أوائل المقالات في المذاهب والمختارات / الصفحات: ٣٨١ – ٤٠٠
انتهى كلام الجرجاني وهو والشهرستاني، أعرف بمذهب الأشعري من غيرهما.
(١٦٠) قوله في القول ١٣٢ (… وليس هو رفع أعيان المنزل منه…)
(١٦١) قوله (أنكروا نسخ ما في القرآن على كل حال)
أقول: ويظهر من سيدنا الأستاذ المرجع الديني الكبير السيد أبو القاسم الخوئي رحمة الله عليه في كتابه (البيان) إنكار وقوعه مع الاعتراف بإمكانه.
(١٦٢) قوله في القول ١٣٣ (قول أهل الخلاف…)
هنا نكات تجب الإشارة إليها.
ألف: ما نقل العلامة الزنجاني عن الشافعي وأحمد وغيرهم من عدم نسخ القرآن بالسنة ولا السنة بغيرها من قبيل قوله تع: ويقولون في أفواههم ما ليس في قلوبهم، لكثرة ما نقضوا من أحكام الكتاب وسنة النبي (ص) بسنة
وقال الإيجي في مختصر الأصول لابن الحاجب: الجمهور على جواز نسخ القرآن بالخبر المتواتر ومنع الشافعي رض، لنا ما تقدم واستدل بأن لا وصية لوارث نسخ الوصية بالوالدين والأقربين، والرجم للمحصن نسخ الجلد الخ وقال التفتازاني في شرحه. أقول هذا عكس ما تقدم وهو نسخ القرآن بالخبر المتواتر و قد اختلف في جوازه والجمهور على جوازه ومنعه الشافعي رحمه الله.
وقد اعترف السيد شريف الجرجاني في الحاشية بأن نسخ الكتاب بالخبر الواحد أيضا جوزه بعض الفقهاء.
وقال الشيخ الطوسي قده في العدة ص ٤٥ ذهب المتكلمون بأجمعهم من المعتزلة وغيرهم وجميع أصحاب أبي حنيفة ومالك إلى أن نسخ القرآن بالسنة المقطوع بها جائز وإليه ذهب سيدنا المرتضى رحمه الله وذهب الشافعي و طائفة من الفقهاء إلى أن ذلك لا يجوز وهو الذي اختاره شيخنا أبو عبد الله ره،…
ثم إن الشيخ ره زيف أدلة الطرفين وأجاب عن جميعها وتوقف في المسألة.
ج: أكثر الباحثين عن هذه المسألة جعلوا البحث لفظيا بحيث أنهم بالنسبة إلى معنى واحد هو في الواقع نسخ اعترفوا بصحته بعد تسمية تخصيصا أو تفسيرا، وأنكروا نفس المعنى إذا سموه نسخا وقد تكرر هذا المعنى في كتبهم
أقول: ما أدري كيف استظهر عدم وجود القائل من الشيعة من قول المصنف (والقول بأن السنة لا تنسخ القرآن مذهب أكثر الشيعة…) أليس مقابل الأكثر هو الكثير، وعلى فرض التنزل أفلا تدل هذه العبارة على عدم اتفاق الشيعة على هذا القول ووجود المخالف منهم في المسألة ثم الأغرب منه استظهاره عدم وجود المخالف في زمانه قده وليس في عبارته قده ما يستظهر منه ذلك أصلا.
مضافا إلى ما مر من عبارة الشيخ الطوسي قده من اختيار السيد المرتضى لهذا القول.
ه: البحث في نسخ الكتاب بالخبر المتواتر لم يدع أحد فيها الإجماع لا من الشيعة ولا من السنة فما عن العلامة الزنجاني من أن هذا القول (نسخ الكتاب بالسنة) ظهر في العصر المتأخر… فيكون ملحوقا بالاجماع) خلط بين نسخ الكتاب بالخبر المتواتر وبين نسخ الكتاب بالخبر الواحد فالثاني قد ادعى الشيخ في العدة الإجماع على عدم وقوعه مع إمكانه عقلا والأول اختلفوا في الوقوع من دون أن يدعي أحد الإجماع على وقوعه وحتى الشيخ المفيد مع اختياره له.
(١٦٣) قوله في القول ١٣٤ (فناء بعض الأجسام فناء لسائرها)
أقول: الدليل على فناء العالم إن كان هو ما ذكره أبو هاشم فقد أجاب عنه قده إجمالا في القول ٨٧ وأجيب تفصيلا في كتب الشيعة والمعتزلة والأشاعرة، مضافا إلى أن ما يعتقده المسلمون موت جميع الأحياء عند نفح الصور لإفناؤهم بالمعنى المصطلح عند المتكلمين وإن كان ظاهر الآيات والروايات الدالة على فناء العالم مثل قوله (تعالى) (كل من عليها فان) ونحو ذلك ابتداء فناء العالم ومن فيه، ولكن التأمل في جميعها والاقتصار على الظهورات العرفية يقتضي حملها على موت الأحياء لا انعدام الموجودات، وبعبارة أخرى الفناء العرفي لا الكلامي والفلسفي كما أشار إليه صاحب الكفاية قده من أن العرف يرى الموت فناء وانعداما.
هذا إجمالا وأما تفصيلا فقوله (تعالى) كل من عليها فان، الضمير يرجع إلى الأرض فالمراد كل من على الأرض، والجنة والنار ليستا في الأرض، وأما قوله (تعالى) ونفخ في الصور فصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون الزمر ٦٩ فهو مضافا إلى عدم دلالته
مضافا إلى أن استثناء قوله (تعالى) (إلا من شاء الله) يدل على عدم العموم في الآية وإذا انتفى العموم فلا دليل على شمول المستثنى منه للجنة والنار فلعلهما من مصاديق الاستثناء.
وأما الجواب عن قوله (تعالى) كل من عليها فإن بان المراد بالهلاك استفادة الوجود من الغير وهما هالكان بهذا المعنى.
فغير صحيح لأن القرآن لا يتكلم باصطلاح المتكلمين والفلاسفة بل بالمعنى العرفي، والعرف يرى الموت فناء كما ذكره صاحب الكفاية ج ٢ بحث تقليد الميت، فالصحيح ما مر من اختصاصه بأهل الأرض أولا واختصاصه بذوي العقول منهم ثانيا وكون الفناء بمعنى الموت ثالث.
(١٦٤) قوله (خلقهما في هذا الوقت عبث الخ)
أقول: لم يدل دليل من عقل ولا نقل على انحصار فائدة خلق الجنة والنار في كونهما جزاء للمطيعين أو العاصين مضافا إلى أن دعوة العباد وتخويفهم
(١٦٥) قوله (كأبي هاشم)
قد مر ذكر أبي هاشم في الفرقة الأولى حيث قال: فقال أبو هاشم بن الجبائي ثم قال وقال الآخرون يعني فرقة أخرى وعليه ذكر أبي هاشم في هذه الفرقة غير مناسب، والصحيح وقال الآخرون وهم المتقدمون على أبي هاشم فبدل كلمة (على أبي هاشم) بكلمة (كأبي هاشم) ولذا ورد في نسخة آستان قدس ونسخة الروضاتي (المتقدمون لأبي هاشم) وهذا أقرب إلى الحقيقة لمجيئ اللام بمعنى على.
(١٦٦) قوله في القول ١٣٥ (إنما هو على الاستعارة دون الحقيقة)
أقول: لا باس بنقل عين الآيات ثم النظر في قبولها للتأويل، من جملتها قوله (تعالى) في سورة النور ٢٤ (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) ومنها في سورة يس ٦٥ (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) ومنها في سورة فضلت ٢٠ (حتى إذا جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون… وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول
وخلاصته هنا أن تكليم اليد والرجل مثلا ليس من المحالات الذاتية بل من المحالات العادية التي تخالف النواميس الجارية في هذا العالم لعدم تعلق إرادته (تعالى) بها، لا لعدم قابليتها للإرادة أو خروجها عن حد الامكان، فقد وقع تكليم الحصى في يد رسول الله (ص) وتكليم الذئب والضب والشجر و حيث أن الدار الآخرة دار حيوان فلا يبعد أن يكون كل شئ متكلما هناك كما يظهر من قوله (تعالى) (أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ، ولو كانت مجرد الدلالة العقلية ونحوها فما معنى قولهم لم شهدتم علينا، وجوابها بأنطقنا الله الذي أنطق كل شئ.
وهناك شبهة قوية يشترك فيها المعنى الحقيقي والمجازي وهي أن إنطاق الجوارح إذا كان بالقدرة القاهرة ومن دون اختيار منها كما هو ظاهر الآيات فما فائدة شهادتها، إذ الفائدة في الشهادة ثبوت المطلب لمنكره بحيث لا يمكنه الاعتراض، فإذا فرضنا أن الله (تعالى) ينطق الجوارح على طبق ما يريد فإما أن يكون المجرم يعترف بالحقيقة فحينئذ – يكفيه شهادة الله (تعالى)، وإما أن يكون في
(١٦٧) قوله في القول ١٣٧ (وجماعة من أهل الشيعة غيرها)
يعني غير الإمامية، وهم بعض الفرق غير الإمامية وهذا التعبير منه قده شاذ لم يعهد في غير المقام، ولا يناسب تبديله بأهل السنة لعدم وجود في النسخ وعدم ملائمته لما بعده ولو قلنا بزيادة كلمة (أهل) كان انسب.
(١٦٨) قوله في القول ١٣٨ (يتخصص في اللفظ باسم معين)
أقول: مراده به القضية الشخصية وقوله (فأما المبهم من الأخبار في الألفاظ والمعاني) ربما يتوهم شموله لجميع القضايا غير الشخصية، ولكنه باطل لمنافاته مع شرطية الابهام في الألفاظ والمعاني فلا تشمل القضايا الكلية مثل كل إنسان حيوان أو لا شئ من الإنسان بفرس، بل يختص بالقضايا الجزئية والمهملة مثل قولنا بعض الإنسان فاسق أو الإنسان الفاسق موجود أو رأيت انسانا فاسقا.
وعليه فنقول إن كانت القضية الجزئية صادقة في جزئيته كالا مثلة المذكورة فلما ذا لا يحكم بصدقها فقط بل يجعل مرددا بين الصدق والكذب وإن كانت كاذبة حتى في جزئيتها فلا إشكال في كذبها لا كونها مرددة بين الصدق والكذب وهذه مثل قولنا بعض الإنسان حجر ونحوها وإن أريد الفرد المعين الذي لا يعلم مراد المتكلم فيه مثل قوله جعفر إمام ولم يعلم أنه أراد جعفر الصادق أو جعفر الكذاب فهذا لا يختص بالمجنون والطفل بل في غيرهما أيضا بل جميع الأقسام الذي ذكره يساوى فيها المجنون وغير المجنون كما يظهر بالتأمل.
(١٦٩) قوله في القول ١٣٩ (وليس يصح على الكلام البقاء من حيث يستحيل ذلك على الأعراض كلها)
وعلى أي نحو كان فالاستدلال غير تام أولا لأن أدل الدليل على شئ وقوعه وثانيا اجتماع أجزاء الكلمة في الوجود إنما يكون سببا لزوال الترتيب بينها لو كان ترتيبها زمانيا فقط وأما الترتب الذاتي الذي يوجد بين جميع أجزاء الكم المنفصل مثل أجزاء الزمان والعدد وغيرهما فهذا لا ينتفي بمضي الزمان واجتماع جميع أجزاء الكلمة في زمان واحد لأن ترتيبها الذاتي باق كما في الكتابة.
(١٧٠) قوله في القول ١٤١ (في الزيادات في اللطيف)
أقول: من أول الكتاب إلى رقم ٨٢ كلها كانت من المسائل الأصلية الكلامية ومن رقم ٨٢ إلى رقم ١٠٥ بحث عن أربع وعشرين مسألة من المسائل الكلامية.
ثم من مسألة ١٠٥ فما بعد انتقل من اللطيف إلى سائر المسائل إلى رقم ١٤٠ ثم رجع إلى اللطيف من القول ١٤١ إلى القول رقم ١٥١ ثم انتقل إلى سائر
(١٧١) قوله في القول ١٤١ (من العلم بوجود الذاهب في الجهات)
أقول: لا شك أن هذه المسائل سرت إلى الكلام من الفلسفة، ولهذا كان بحث المتكلمين فيها سطحيا وما ذكره قده لا يتم لإمكان تعلق الحس بالأعراض ويكون العرض حال حركة معروضة متخصصا بخصوصية يعلم عقلا حركة معروضة من خصوصية محسوسة في العرض من دون تعلق الحس بالجسم.
قوله (لأن كثيرا من العقلاء قد شكوا في وجود العرض) أقول: البحث عن الواقعيات والحقايق الخارجية لا تنفع فيها هذه الاستحسانات ونقل الآراء وكثرة قائلها أو قلته وإن كان أصل مدعاه أقرب إلى الواقع لتأييد الفلسفة الجديدة له.
(١٧٢) قوله في القول ١٤٢ (ومحال أن يكون اللابث قاطعا)
أقول: المدعى لحركة جميع الأجسام بحركة بعضها يلتزم بعلم وجود لا بث فيها عند حركة واحد منها فلا يلزم المحال المذكور ولا يرى هذا محذورا.
(١٧٣) قوله في القول ١٤٣ (يؤدي إلى اجتماع المتضادات)
أقول: لعل مراده أن الثقيل مع فرض كونه ثقيلا معناه خرقه للهواء و
ولكن المهم الذي يريده الشيخ المفيد وغيره من المتكلمين إثبات الاعتماد على القوانين الطبيعية التي تحكم في العالم والنواميس والأنظمة الكونية التي تجري فيها ويخضع لها عالم الكون في مقابل الأشاعرة والحشوية الذين ينكرون الأسباب والمسببات بالكلية وهذا لا ريب في صحته كما ذكره قده.
إذ لولا ثبوت هذه القوانين لم تكن للمعجزات قيمة أصلا، فإذا فرضنا عدم وجود قانون يحكم بعدم إمكان وقوف الثقيل في الهواء الخفيف) فما قيمة عروج رسول الله (ص) بجسمه إلى السماوات وهكذا فالشيخ المفيد يؤكد على عموم القوانين وتحتمها حتى يكون خرقها واستثنائها في بعض الموارد دليلا
(١٧٤) قوله في القول ١٤٤ (وذلك محال)
أقول: هذه المسائل العشر بعضها أحكام عقلية ضرورية يلزم من فرض خلافها المحال العقلي الذي لا تتعلق القدرة به، منها هذه المسألة والتي تلته لأنها تقتضي حدوث المعلول بلا علة والقول ١٤٨ وبقية المسائل والأمثلة التي ذكرت في ضمنها مثل ما ذكر في القول ١٤٥ أحكام ضرورية خارجية للملازمة التي جعلها الله بين الأسباب والمسببات ويمكن نقضها له (تعالى) إذا أراد، ولكنه لا يريد نقضها إلا في الواحد من المليون وفي خصوص موارد الاعجاز وإظهار الكرامات، فإطلاق الشيخ المفيد كلمة (المحال) على كلا القسمين في مقابل الذين يرون العالم فوضى لا قانون فيها، لا في مقابل الذين يدعون ثبوت المعجزات والكرامات ونقضه تعالى للقسم الثاني في موارد نادرة.
كما أنه قده لا يريد من ذكر (المحال) في القسمين تساويهما من جهة نوع المحال اللازم فيها، بل اشتراكهما في أصل الاستحالة وإن اختلفا في كونها محالا عاديا أو ذاتيا.
(١٧٥) قوله (وقد خالف فيه فريق من المعتزلة وجماعة من أصحاب الجهالات)
أقول: إنما خص التشنيع بالجهالة بغير المعتزلة لأنهم من أصحاب الاستدلال. غاية الأمر اشتبه عليهم الأمر وعظمت المغالطة فلم يتمكنوا من حلها.
(١٧٦) قوله في القول ١٤٥ (أن يتحرك بغير دافع)
مراده بالدافع علة الحركة يعني هل يمكن حركة بلا محرك أو لا، فيدخل في عموم احتياج كل ممكن إلى علة، فكما أن وجود نفس الجسم يحتاج إلى موجد ومحدث كذلك وجود حركته.
فلا يمكن وجود الحركة بدون محرك يخلق الحركة ويوجدها وهو الله (تعالى)، وبدون سبب خارجي يجعله الله (تعالى) سببا للحركة سواء كان مغايرا للمتحرك مثل الفرس الذي يحرك العربة، أو كان داخلا في ذات المتحرك مثل القوة الجاذبة والدافعة اللتين تحركان الكرات الجوية، فليست حركتها بغير دافع.
قوله (تصح وقوف جبل أبي قبيس في الهواء… لصح أن يعتمد الحجر الصلب الثقيل على الزجاج… وتخلل النار أجزاء القطن…).
إن قلت: فما معنى قوله (تعالى) وإذ نتقنا الجبل فوقكم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم… وقوله (تعالى) قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وغيرهما قلت هذه معجزات لموسى وإبراهيم عليهما السلام أراد الله (تعالى) إظهار كرامتهما عليه وكونهما من قبله بسبب خرق القوانين الطبيعية في حقهما، وجعلهما حاكما عليها، لا بمعنى عدم ثبوت هذه القوانين والنواميس الكونية، أو كونها غالبية، فإن نقض القوانين في موارد أقل من الواحد بالمليون للأنبياء
(١٧٧) قوله في القول ١٤٦ (وإنما يصح في المتحرك بأنه أخف من متحرك غيره وأسرع)
أقول: اتصاف الحركة بالخفة والسرعة والبطؤ ونحوهما بالذات، واتصاف المتحرك بالعرض، وأما قياس إحدى الحركتين بالأخرى فلا يتوقف على اتحاد معروضهما، حتى يبتنى على المسألة السابقة في حلول حركتين في جزء واحد، بل يمكن قياس حركة هذا الجسم بحركة الجسم الآخر ويحكم بأن أحدهما أسرع، وما حكم به الشيخ من لزوم جعل المقايسة بين المتحركين، فلعله لتوهم أن قياس الحركتين مستقلا ربما يوهم عدم احتياجهما إلى المحل واستغنائهما عنه.
لكن لا ريب في أن عدم مدخلية معروض الحركتين في مقايسة السرعة والبطوء، لا ينافي احتياجهما إليها في أصل الوجود.
ولعل المفيد قده التفت إلى نكتة أخرى لم نصل إليها.
(١٧٨) قوله في القول ١٤٧ (وليس للفعل تعلق بالعلم ولا بخطور البال…)
أقول: لا يشك عاقل في أن حركة نبض الإنسان وضربان قلبه وأمثال ذلك لا يتوقف على الخطور بالبال ونحوه كما أنه لا يشك عاقل في أن الأفعال الاختيارية مثل الصلاة والصوم ونحوهما تتوقف على أن يخطر بالبال ثم يصدر من الإنسان.
فما هو الفعل الذي يشك فيه أو وقع الاختلاف في توقفه على الخطور
ومن لم يشترط الخطور بالبال في صحة إسناد الفعل إلى المكلف، وحكم بأن ماهية الفعل لا تتوقف على العلم والإرادة والخطور حكم بأن هذا القسم فعل للانسان، ثم إن البحث ينتقل من الفعل إلى الترك فبعضهم فرقوا بين الترك وبين أن لا يفعل ولازمه عدم صدق الترك على ترك الفعل بدون خطور بالبال و بعضهم سووا بينهما كالمفيد هنا فيكون كل مورد لم يصدر الفعل تركا.
(١٧٩) قوله في القول ١٤٨ (إن ذلك محال باستحالة كونه في العاشر)
أقول: بعد فرض عدم إشغال الجسم إلا مكانا واحدا واستحالة حلوله في مكانين في أن واحد، وبعد فرض كونه في المكان الأول، يكون فرض كونه في المكان الثاني فرض اجتماع النقيضين لأن معنى كونه في الثاني عدم كونه في المكان الأول وبالعكس فيلزم وجود في المكان الأول وعدمه، وكذا بالنسبة إلى المكان الثاني، فإذا كان كونه في المكان الثاني حال كونه في الأول من المستحيلات يكون خارجا عن اختياره بل عن تعلق القدرة به مطلقا، وإذا استحال تعلق القدرة به لم يصح إسناد تركه إلى الإنسان، لأن الفعل والترك إما يكونان
(١٨٠) الأمثلة المذكورة في القول ١٤٩ من المستحيلات التي لا تتعلق بها القدرة مطلقا.
(١٨١) قوله في القول ١٤٩ (ولو جاز وجود ميت آلم عالم لجاز وجوده قادرا ملتذا مختارا الخ)
قد صرح في القول ٥٣ باثبات عالم البرزخ والنعيم والعذاب فيه مضافا إلى ما صرح به في القول ٤٩ بأن المعصومين عليهم السلام يقضون حوائج شيعتهم ويجيبون سلامهم بعد الموت وإن الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم يرزقون ونحو ذلك فيعلم أن مراده الميت مع قطع النظر عن حلول حياة جديدة عليه فلو قطعنا النظر عن الحياة البرزخية وفرضنا موت شخص فحينئذ يكون كما ذكر وهو مراده من جميع ما ذكره في هذا القول وليس رجوعا عما ذكره سابقا وفي مواضع كثيرة من كتبه.
(١٨٢) القول ١٥٠
الأمثلة المذكورة في القول ١٥٠ من المحالات العادية التي جرت إرادة الله (تعالى) على ترتبها على الأسباب الخاصة فيستحيل تحقق هذه المسببات
(١٨٣) القول ١٥٢
إلى هنا تم اللطيف من الكلام، وهذه المسألة مع خمسة أخرى الحق بها من أصول المسائل الكلامية لا من اللطيف.
(١٨٤) قوله (وهو مذهب الإمامية كلها)
أقول: ما رأيت من شذ عن هذا الإجماع إلا شيخ الطائفة الطوسي قده و لعله أجرى الله تعالى هذا الخطاء الواضح على قلمه الشريف حتى لا يتوهم في حقه العصمة، فإن المسألة من الواضحات من جهة إتقان أدلتها وصراحة الآيات والروايات والأدلة العقلية فيها وكثرة الإجماعات المدعى فيها بل كونها من ضروريات مذهب الشيعة كما يظهر من المفيد والطبرسي والمرتضى وغيرهما من دون خلاف عن أحد.
فهذا الاشتباه من مثله نظير اشتباه صاحب الجواهر في مسألة الكر بالنسبة إلى علم الإمام واشتباه النجاشي في ترجمة عبيد الله بن حر الجعفي و سائر اشتباهات العلماء.
(١٨٥) قوله في القول ١٥٣ (سأل الشيخ المفيد قدس الله روحه عنها السيد الشريف محمد بن الحسن الرضي قدس سره ليضاف إلى أوائل المقالات).
ويؤيد الاحتمال الأول أعني كون المطالب بقلم السيد أولا أن الظاهر كون الفاعل مقدما والمقدم فاعلا فيكون الشيخ سائلا والسيد مسؤولا وثانيا ظاهر التخريج بيان التلميذ ما استفاده من الأستاذ لا معنى آخر وثالثا وهو العمدة ما ورد في آخر الكتاب هكذا (هذا آخر ما تكلم به السيد الشريف الرضي رضي الله عنه وأرضاه) فلو كانت هذه الملحقات بقلم الشيخ المفيد لم يكن هذا التعبير صحيحا بل كذبا، وعليه فالأرجح كون هذه الملحقات من إملاء الشيخ المفيد بقلم السيد الرضي قدهما أو مما استفاده منه في الجملة.
(١٨٦) قوله (وليس هي جنسا من أجناس الفعل)
لأنها اسم ذات لا اسم معنى، نعم الصحيح أن حيثية كونها ما يعتصم به لا يقتضي كونها حدثا وفعلا بل هي بالذات انسب وإن كان ربما يكون فعلا و اسم معنى مثل قولنا فلان عصمته تقوى الله أو الخوف من الله أو التوكل على