الرئيسية / بحوث اسلامية / العقل والجهل في الكتاب والسنة – محمد الريشهري

العقل والجهل في الكتاب والسنة – محمد الريشهري

ثلاثة:
أحدها: قوة إدراك الخير والشر والتمييز بينهما، ومعرفة أسباب الأمور، ونحو ذلك، وهذا هو مناط التكليف.
وثانيها: حالة وملكة تدعو إلى اختيار الخير والمنافع واجتناب الشر والمضار.
وثالثها: التعقل بمعنى العلم، ولذا يقابل بالجهل لا بالجنون، وأحاديث هذا الباب وغيره أكثرها محمول على المعنى الثاني والثالث، والله أعلم ” (1).
أقول: يتضح من خلال التتبع والتأمل في الموارد التي استخدمت فيها كلمة ” العقل ” ومرادفاتها في النصوص الإسلامية أن هذه الكلمة تطلق على مبدأ إدراكات الانسان تارة، وتطلق على النتيجة الحاصلة من إدراكاته تارة أخرى. كما وأن لكل واحد من هذين المعنيين استخدامات مختلفة، منها:
أ: استخدام ” العقل ” في ما يخص مبدأ الإدراكات:
1 – مبدأ جميع المعارف الانسانية:
وهذا المعنى تشير إليه الأحاديث التي تفسر حقيقة العقل ب‍ ” النور ” (2)، أو تعتبر النور كمبدأ لوجود العقل (3)، أو تنظر إليه كهدية إلهية، وتذهب إلى أنه أصل الانسان (4).
فالانسان – كما يستشف من هذه الأحاديث – يتمتع في وجوده الذاتي بطاقة نورانية تعتبر بمثابة الحياة للروح. وهذه الطاقة إذا كتب لها النماء والتهذيب يتمكن الانسان في ظلها من إدراك حقائق الوجود، والتمييز بين الحقائق الحسية والغيبية،
(1) وسائل الشيعة، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): 208، 209.
(2) راجع ص 31 حقيقة العقل وص 32 خلق العقل والجهل.
(3) راجع ص 31 حقيقة العقل وص 32 خلق العقل والجهل.
(4) راجع ص 49 هدية من الله وص 50 خير المواهب وص 52 أصل الانسان.
(١٩)

واستجلاء الحق من الباطل، وفرز الخير من الشر، ومعرفة الصالح من الطالح. وإذا أتيح تقوية هذه الطاقة النورانية وهذا الشعور الخفي، يتسنى للإنسان عند ذاك اكتساب إدراكات تفوق التصور، حتى أنه يصبح قادرا على سبر أغوار عالم الغيب ببصيرة غيبية، ويتحول الغيب أمامه إلى شهود (1). وهذه المرتبة من العقل هي التي عبرت عنها النصوص الإسلامية بمرتبة اليقين.
2 – مبدأ التفكير:
الاستخدام الآخر للعقل في النصوص الإسلامية يتمثل في النظر إليه كمبدأ للتفكير، ويعرف العقل في مثل هذه الموارد كمنشأ للفطنة والفهم والحفظ (2)، وموضعه الدماغ (3). وتعتبر الآيات والأحاديث التي تحث الانسان على التعقل والتفكير، وكذا الأحاديث التي تطرح العقل التجريبي وعقل التعلم إلى جانب عقل الطبع وعقل الموهبة، نماذج لاستخدام كلمة العقل بمعنى مبدأ التفكير.
3 – الوجدان الأخلاقي:
وهو قوة كامنة في أعماق ذات الانسان تحثه على التحلي بالفضائل الأخلاقية وتردعه عن ركوب الرذائل. أو يمكن القول بعبارة أخرى: إنه شعور بانجذاب فطري نحو الفضيلة ونفور تلقائي من الرذيلة.
فلو افترض الانسان نفسه في معزل عن جميع المعتقدات والتقاليد والأعراف الدينية والاجتماعية، فإذا تصور مفاهيم العدل والجور، والخير والشر، والصدق والكذب، والوفاء بالعهد ونقض العهد، فإن فطرته تحكم بأن العدل والخير والصدق
(١) راجع كتاب ” العلم والحكمة في الكتاب والسنة ” مبادئ العلم والحكمة: 1 / 3 القلب.
(2) راجع ص 53 / ح 55 وص 287 / ح 287.
(3) راجع ص 40 / موضع العقل: ح 19، 20، 21.
(٢٠)
والوفاء بالعهد جميل، بينما الظلم والشر والكذب ونقض العهد قبيح (1).
إن الشعور بالميل إلى الفضائل والنفور من الرذائل يعتبر من وجهة نظر القرآن إلهاما إلهيا، حيث ورد في القرآن الكريم: * (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها) * (2).
وهذا الشعور أو هذا الإلهام يشكل الحجر الأساس في الهدية المعرفية التي وهبها الباري تعالى للإنسان، وقد أطلقت النصوص الإسلامية على مبدئها – الذي هو ذلك الشعور الخفي الذي يغرس في ذات الانسان ميلا إلى القيم الأخلاقية – اسم العقل، وكل القيم الأخلاقية الأخرى بمثابة جنود للعقل، أما الرذائل فتعتبر جنودا للجهل (3).
قضية تسترعي الانتباه:
جاء في بعض كتب الفلسفة حديث ينسب إلى الإمام علي (عليه السلام) في تفسير العقل، يتطابق مع أحد المعاني التي تذهب إليها الفلسفة في تفسيرها للعقل، ونص الحديث كالآتي:
قال السائل: يا مولاي، وما العقل؟
قال (عليه السلام): ” العقل جوهر دراك محيط بالأشياء من جميع جهاتها، عارف بالشئ قبل كونه، فهو علة الموجودات ونهاية المطلب ” (4).
وعلى الرغم من كثرة التنقيب الذي جرى للعثور على مصدر هذا الحديث في كتب ومصادر الحديث، لم يعثر على مصدر له.
(١) راجع كتاب ” حسن وقبح عقلي “: ص ٤٩ / فصل هفتم: حسن وقبح عقلي از يقينيات است نه از مشهورات.
(٢) الشمس: ٧ و 8.
(3) راجع ص 91 / جنود العقل والجهل.
(4) كتاب ” اتحاد عاقل به معقول “: 12.
(٢١)

شاهد أيضاً

آداب عصر الغيبة – الشيخ حسين كوراني

المقدمة ثلاثة مجالات للحديث عن المهدي المنتظر، تمس الحاجة إلى العناية بها أكثر من غيرها… ...