نهج الحق وكشف الصدق / الصفحات: ٢٨١ – ٣٠٠
نهج الحق وكشف الصدق / الصفحات: ٢٨١ – ٣٠٠
تعطيله الحد عن المغيرة بن شعبة
ومنها: أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، لما شهد عليه الزنا، ولقن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة، وقال له: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين، فلجلج في شهادته، اتباعا لهواه فلما فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدهم، وفضحهم.
فتجنب أن يفضح المغيرة، وهو واحد قد فعل المنكر، ووجب عليه الحد، وفضح ثلاثة، مع تعطيله حكم الله، ووضعه الحد في غير موضعه.
أجاب قاضي القضاة: بأنه أراد صرف الحد عنه، واحتال في دفعه.
قال السيد المرتضى: كيف يجوز أن يحتال في صرف الحد عن واحد، ويوقع ثلاثة فيه، وفي الفضيحة، مع أن عمر كان كلما رأى المغيرة يقول:
” قد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء ” (١).
مفارقات عمر في الأحكام
ومنها: أنه كان يتلون في الأحكام، حتى روي أنه قضى في الجد
وروي أيضا: فقال عمر للمغيرة: ويحك، أتتجاهل علي؟ والله، ما أظن أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء.
وقد سوى الله بين الجميع.
وأنه قال في الأحكام من جهة الرأي، والحدس والظن (٣).
تحريم عمر متعة النساء
ومنها: أنه قال: ” متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أنا أنهي عنهما، وأعاقب عليهما ” (٤).
وهذا يقدح في عدالته، حيث حرم ما أباحه الله تعالى، وكيف يسوغ له أن يشرع الأحكام، وينسخها، ويجعل اتباعه أولى من اتباع الرسول صلى الله عليه وآله، الذي لا ينطق عن الهوى، فإن حكم هاتين المتعتين: إن كان من عند الرسول لا من قبل الله، لزم تجويز كون كل الأحكام كذلك، نعوذ بالله، وإن كان من عند الله، فكيف يحكم بخلافه؟.
وعن عبيدة قال: حفظت عن عمر بن الخطاب في الجد مائة قضية مختلفة.
وعن عمر، قال: إني قضيت في الجد قضيات لم آل عن الحق، ورواه أيضا في كنز العمال ج ٦ ص ١٥، في كتاب الفرائض.
(٢) شرح النهج ج ٣ ص ١٥٣، و ١٦٥، وتاريخ الكامل ج ٢ ص ٣٥١
(٣) ما روي في المتن من حكمه وقضاياه نماذج لاعتماده على الحدس والظن، فمن أراد التفصيل، فليراجع كتب أعاظم القوم.
(٤) ذيل الحديث: ” متعه الحج ومتعة النساء “. راجع: التفسير الكبير ج ١٠ ص ٥٠، وكنز العمال ج ٨ ص ٢٩٣، وفي لفظ الجصاص في أحكام القرآن ج ٢ ص ١٥٢: لو تقدمت فيها لرجعت، والدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠.
وفي الصحيحين، عن جابر من طريق قال: ” كنا نستمتع بالقبضة من التمر، والدقيق، الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبي بكر، حتى نهى عمر بن الخطاب، لأجل عمرو بن حريث لما استمتع ” (١).
وفي الجمع بين الصحيحين، من عدة طرق إباحتها أيام رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبي بكر، وبعض أيام عمر (٢).
روى أحمد في مسنده، عن عمران بن حصين، قال: ” نزلت متعة النساء في كتاب الله تعالى، وعملنا مع النبي صلى الله عليه وآله ولم ينزل القرآن بحرمتها، ولم ينه عنها حتى مات ” (٣) وفي صحيح الترمذي، قال: ” سئل ابن عمر عن متعة النساء؟ فقال:
هي حلال، وكان السائل من أهل الشام، فقال له: إن أباك قد نهى عنها؟
فقال ابن عمر: إن كان أبي قد نهى عنها، وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله، نترك السنة ونتبع قول أبي ” (٤).
قال محمد بن حبيب البختري: كان ستة من الصحابة، وستة من التابعين يفتون بإباحة المتعة للنساء.
وقد روى الحميدي، ومسلم في صحيحيهما والبخاري أيضا، من عدة طرق: جواز متعة النساء، وأن عمر هو الذي أبطلها، بعد أن فعلها جميع المسلمين بأمر النبي صلى الله عليه وآله، إلى حين وفاته، وأيام أبي بكر (٥).
(٣) مسند أحمد ج ٤ ص ٤٣٨، والتفسير الكبير ج ١٠ ص ٤٩
(٤) ورواه أحمد في المسند، من طرق صحيحة ج ٢ ص ٩٥ و ١٠٤ و ج ٤ ص ٤٣٦.
(٥) بداية المجتهد لابن رشد ج ٢ ص ٤٨، وصحيح مسلم ج ٢ ص ٦٢٣، ومسند أحمد ج ٣ ص ٣٨٠، وروح المعاني ج ٥ ص ٦
أقول: أول من نهى عن المتعة عمر بن الخطاب، وكان من بعده: كعثمان وغيره تابعا له في ذلك، كما صرح به فيما روي عنه بقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما.
وفي بعضه: ” وعلى عهد أبي بكر، وأنا أنهي عنهما “. (راجع: سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٦، وتاريخ ابن خلكان ج ٢ ص ٣٥٩، وجامع الأصول لابن الأثير، وكنز العمال ج ٨ ص ٢٩٤)، فالذي يظهر من كلمات عمر: هو أنه كان يعدها من السفاح، كما في كنز العمال ج ٨ ص ٢٩٤ من طريق الطبري، قال لرجل قدم من الشام، ما حملك على الذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثم مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثم معك تحدث لنا فيها نهيا. فقال عمر: أما والذي نفسي بيده، لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك، بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح.
ويدل على ذلك أيضا تذييل تحريمه بالتوعد بالرجم “. ولم يكن عند الصحابة كلهم من حيث نسخ آية المتعة عين ولا أثر، كما هو صريح كلامه: ” أنا أنهي عنهما “. وقال في الكشاف ج ١ ص ٣٦٠: قيل: نزلت ” فما استمتعتم به منهن ” في المتعة، وعن ابن عباس: هي محكمة، يعني لم تنسخ.
فإذا أردنا أن نسير على ضوء الحقائق، ونعطي المسألة حقها من التمحيص والبحث عن سر ذلك الارتباك، وعن البذرة الأولى التي نمت وتأثلت لم نجد إلا رأي الخليفة وحدسه بكون المتعة سفاحا، ومن عملها لزمه الرجم، فحرمها تحريما تشريعيا دينيا، ومن فسر قوله بأنه قد اجتهد رأيه، لمصلحة رآها بنظره للمسلمين في زمانه وأيامه، اقتضت أن يمنع من استعمال المتعة، منعا مدنيا لا دينيا، لمصلحة زمنية، ومنفعة وقتية، فهو تفسير لا يرضى به صاحبه.
قال علي عليه السلام: ” لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي “. وقال: ” لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة، ثم ما زنى إلا شقي “. راجع: الدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠، بعدة طرق، وتفسير الطبري ج ٥ ص ٩، وكنز العمال ج ٨ ص ٢٩٤ والتفسير الكبير ج ١٠ ص ٥٠.
تحريم عمر متعة الحج
ومنها: أنه منع عن متعة الحج.
مع أن الله تعالى أوجبها في كتابه (١).
قصة الشورى
ومنها: قصة الشورى، وقد أبدع فيها أمورا، فإنه:
خرج بها عن الاختيار والنص جميعا.
وحصرها في ستة.
وذم كل واحد منهم، بأن ذكر فيه طعنا، لا يصلح معه للإمامة، ثم أهله بعد أن طعن فيه.
وجعل الأمر إلى ستة، ثم إلى أربعة، ثم إلى واحد، وصفه بالضعف والقصور.
وقال: إن اجتمع علي وعثمان، فالقول ما قالاه، وإن صاروا ثلاثة، وثلاثة، فالقول للذين فيهم عبد الرحمن بن عوف (١). وذلك لعلمه بأن
فيعطي هذا التحقيق المسألة حقها، لمن تدبر في ذلك، وفي كيفية استخلاف أبي بكر عمر، ويظهر جليا لكل أحد: أن الخلافة كانت كرة تدور بين الثاني والثالث، من يوم كتابة عثمان خلافة عمر، حين إغماء أبي بكر، وحان وقت أن تصير لعثمان بأمره، على يد عبد الرحمن، كما قال علي أمير المؤمنين في خطبته المعروفة بالشقشقية: ” حتى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب في مع الأول منهم، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني أسففت إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا، فصفى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم، نافجا حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.
وأنه أمر بقتل من يخالف الأربعة منهم، أو الذين ليس فيهم عبد الرحمن (١).
وروى الجمهور: أن عمر لما نظر إليهم، قال: قد جاءني كل واحد منهم يهز عفريته، يرجو أن يكون خليفة، أما أنت يا (طلحة) أفلست القائل: إن قبض النبي صلى الله عليه وآله لننكحن أزواجه من بعده، فما جعل الله محمدا أحق ببنات عمنا منا، فأنزل الله فيك: ” وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ” (٢).
وأما أنت يا (سعد)، فصاحب عصبية، وفتنة، ومقنب وقتال، لا تقوم بقرية لو حملت أمرها.
وأما أنت يا (علي)، فوالله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجحهم.
فقام علي موليا يخرج، فقال عمر: والله إني لأعلم مكان الرجل، لو وليتموه أمركم حملكم على المحجة البيضاء، قالوا: من هو؟ قال:
هذا المولي عنكم، إن ولوها الأجلح سلك الطريق المستقيم، قالوا:
فما يمنعك من ذلك؟ قال: ليس إلى ذلك سبيل، قال له ابنه عبد الله:
فما يمنعك منه؟ قال: أكره أن أتحملها حيا وميتا، وفي رواية لا أجمع لبني هاشم بين النبوة والخلافة (١).
وكيف وصف كل واحد بوصف قبيح كما ترى، رغم أنه يمنع من الإمامة، ثم جعل الأمر فيمن له تلك الأوصاف.
وأي تقليد أعظم من الحصر في ستة، ثم تعيين من اختاره عبد الرحمن، والأمر بضرب رقاب من يخالف منهم؟.
ثم أمر بقتل من يخالف الأربعة.
ومن يخالف العدد الذي فيه عبد الرحمن، وكل ذلك مما لا يستحق به القتل؟.
ومن العجب اعتذار قاضي القضاة: بأن المراد: القتل إذا تأخروا على طريق شق العصا، وطلبوا الأمر من غير وجهه فإن هذا مناف لظاهر الخبر، لأنهم إذا شقوا العصا، وطلبوا الأمر من غير وجهه، فمن أول الأمر وجب قتالهم (١).
مخترعات عمر
ومنها: أنه أبدع في الدين ما لا يجوز، مثل:
التراويح (٢).
ووضع الخراج على السواد (٣).
وترتيب الجزية (٤).
وكل هذا مخالف للقرآن والسنة، لأنه جعل الغنيمة للغانمين، والخمس لأهل الخمس.
وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٤١.
(٣) شرح النهج ج ٣ ص ١٧٨ و ١٧٩، و ١٨٠، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٤١، والاستيعاب هامش الإصابة ج ٢ ص ٤٦٠
(٤) شرح النهج ج ٣ ص ١٧٨ و ١٧٩، و ١٨٠، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٤١، والاستيعاب هامش الإصابة ج ٢ ص ٤٦٠.
أجاب قاضي القضاة: بأن قيام رمضان جاز أن يفعله النبي ويتركه.
واعترضه المرتضى: بأنه لا شبهة في أن التراويح بدعة، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة بدعة، ألا فلا تجمعوا في شهر رمضان في النافلة، ولا تصلوا صلاة الضحى، فإن قليلا من سنة خير من كثير بدعة، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار ” (١).
وخرج عمر في شهر رمضان ليلا، ٤ فرأى المصابيح في المسجد، فقال:
ما هذا؟ فقيل له: إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع، فقال: بدعة، ونعمت البدعة (٢).
واعترف كما ترى بأنها بدعة، وقد شهد الرسول صلى الله عليه وآله بأن كل بدعة ضلالة!..
وسأل أهل الكوفة أمير المؤمنين عليه السلام: أن ينصب لهم إماما يصلي بهم نافلة شهر رمضان، فزجرهم، وعرفهم أن ذلك خلاف السنة، فتركوه، واجتمعوا لأنفسهم، وقدموا بعضهم، فبعث إليهم ابنه الحسن (ع)،
وفي صحيح البخاري ج ٦ ص ٥٥٥ باب فضل من قام رمضان، وفي التاج الجامع للأصول ج ٢ ص ٦٥، رواه عن عبد الرحمن بن عبد القاري. قال إلى أن قال عمر: نعم هذه البدعة.
وهذه البدع بعض ما رواه الجمهور، فإن كانوا صادقين في هذه الروايات، كيف يجوز الاقتداء بمن طعن فيه بهذه المطاعن؟. وإن كانوا كاذبين، فالذنب لهم، والوزر عليهم، وعلى من يقلدهم، حيث عرفوا كذبهم، ونسب رواياتهم إلى الصحة. وجعلوها واسطة بينهم وبين الله تعالى.
ما رواه الجمهور في عثمان
المطلب الثالث: في المطاعن، التي رواها الجمهور عن عثمان.
منها: أن ولى أمر المسلمين من لا يصلح لذلك، ولا يؤتمن عليه، وظهر منه الفسق والفساد، ومن لا علم له البتة، مراعاة لحرمة القرابة، وعدولا عن مراعاة حرمة الدين، وقد كان عمر حذره من ذلك.
فاستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر، وفيه نزل قوله تعالى: ” أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ” (٢) المؤمن علي، والفاسق الوليد بن عقبة، على ما قاله المفسرون، وفيه نزل: ” إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ” (٣)، وكان يصلي حال إمارته وهو سكران، حتى
(٣) الحجرات: ٦
تفسير الخازن ج ٤ ص ١٧٨، وفي هامشه تفسير النسفي نقل الاجماع على ذلك، وروح المعاني ج ٢٤ ص ١٣١.
وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر، وتكلم فيه أهل مصر، فصرفه عنهم بمحمد بن أبي بكر، ثم كاتبه بأن يستمر على الولاية، فأبطن خلاف ما أظهر، فأمره بقتل محمد بن أبي بكر، وغيره ممن يرد عليه، فلما ظفر محمد بذلك الكتاب كان سبب حصره وقتله (٣).
إيواؤه الحكم بن أبي العاص
ومنها: أنه رد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة، وهو طريد رسول الله صلى الله عليه وآله، كان قد طرده وأبعده عن المدينة، وامتنع أبو بكر من رده (٤)،
(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٥٩ وتاريخ الكامل ج ٣ ص ٤٥، ٨٣ وتاريخ الخلفاء ص ١٥٧ والإمامة والسياسة ج ١ ص ٣٦ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٦٣ و ١٦٤ والعقد الفريد ج ٣ ص ٧٧ و ٧٩.
(٤) الإصابة ج ١ ص ٣٤٥، وفي هامشه الاستيعاب ج ١ ص ٣١٧، وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٣، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٦٧ ومعارف ابن قتيبة ص ٨٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٥٤، وشرح ابن أبي الحديد ج ١ ص ٢٣٢، والملل والنحل ج ١ ص ٢٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٦.
اعترضه المرتضى: بأن هذا قول قاضي القضاة لم يسمع من أحد، ولا نقل في كتاب، ولا يعلم من أين نقله القاضي، أو في أي كتاب وجده، فإن الناس كلهم رووا خلافه. قال الواقدي، من طرق مختلفة وغيره:
إن الحكم بن أبي العاص لما قدم المدينة بعد الفتح، أخرجه النبي صلى الله عليه وآله إلى الطائف، وقال: لا يساكنني في بلد أبدا، لأنه كان يتظاهر بعداوة رسول الله صلى الله عليه وآله، والوقيعة فيه، حتى بلغ به الأمر إلى أنه كان يعيب النبي صلى الله عليه وآله في مشيه، فطرده النبي صلى الله عليه وآله، وأبعده ولعنه، ولم يبق أحد يعرفه إلا بأنه طريد رسول الله صلى الله عليه وآله، فجاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وآله، وكلمه فيه فأبى، ثم جاء إلى أبي بكر وعمر، زمن ولايتهما، فكلمهما فيه فأغلظا عليه القول وزبراه، وقال له عمر: يخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله، وتأمرني أن أدخله، والله لو أدخلته لم آمن من قول قائل: غير عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وكيف أخالف رسول الله صلى الله عليه وآله، فإياك يا ابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم.
فكيف يحسن من القاضي هذا العذر، وهلا اعتذر به عثمان عند أبي بكر وعمر، وسلم من تهجينهما إياه، وخلص من عتابهما عليه، مع أنه لما رده جاءه علي (ع)، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وعمار بن ياسر، فقالوا: ” إنك أدخلت الحكم ومن معه، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله أخرجهم، وإنا نذكرك الله، والإسلام، ومعادك، فإن لك معادا ومنقلبا، وقد أبت ذلك الولاة قبلك، ولم يطمع أحد أن يكلمهما فيهم، وهذا شئ نخاف الله فيه عليك “…
عطية عثمان لأقربائه
ومنها: أنه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة، التي اعتدت للمسلمين.
دفع إلى أربعة من قريش وزوجهم ببناته أربعمائة ألف دينار (٢).
وأعطى مروان مائة ألف دينار (٣).
أجاب قاضي القضاة: بأنه ربما كان من ماله.
اعترضه المرتضى: بأن المنقول خلاف ذلك، فقد روى الواقدي:
أن عثمان قال: ” إن أبا بكر وعمر كانا يناولان من هذا المال ذوي أرحامهما وإني ناولت منه صلة رحمي ” (٤).
(٣) الملل والنحل ج ١ ص ٢٦ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ٢٣٣ ومعارف ابن قتيبة ص ٨٤ وتاريخ الكامل ج ٣ ص ٤٦
(٤) شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٢٣٣ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٤٤ (ط ليدن)، وأنساب ٤ الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ٢٥، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٦٢.
وولى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة، فبلغت ثلاثمائة ألف، فوهبها له (٣).
وأنكر الناس على عثمان إعطاءه سعيد بن العاص مائة ألف (٤).
ما حماه عن المسلمين
وصرفه الصدقة في غير وجهها
ومنها: أنه حمى الحمى عن المسلمين.
مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعلهم سواء في الماء والكلأ (٥).
(٣) وفي شرح النهج ج ١ ص ٢٢٤، واليعقوبي ج ٢ ص ١٥٨ والمعارف ص ٨٤ والأنساب ج ٥ ص ٢٨.
(٤) رواه الواقدي، كما في شرح النهج ج ١ ص ٢٢٤ وابن سعد في الطبقات ج ٤ ص ٢١ ط ليدن، وابن عساكر في تاريخه ج ٤ ص ١٣٥
(٥) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٨ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٦٢ وشرح النهج ج ١ ص ١٣٥ عن الواقدي، وتاريخ الخلفاء ص ١٦٤
أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ، والماء، والنار “، وقال: ” ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ، والنار “. وقال: ” لا حمى إلا لله ولرسوله “.
راجع: صحيح البخاري ج ٣ ص ١٤١، وسنن أبي داود ج ٢ ص ١٠١ وابن ماجة ج ٢ ص ٩٤ وكتاب الأم للشافعي ج ٣ ص ٢٠٧، والتاج الجامع للأصول ج ٢ ص ٢٣٧ وقال الشيخ منصور علي ناصف، في شرح الحديث: الكلأ: ما ترعاه الماشية (إلى أن قال):
فمنعهما حرام، لأن الله خلقهما لنفع الناس، فمن منعهما فقد حارب الله في حكمه.
أجاب القاضي: يجوز أن يكون قد اجتهد.
واعترضه المرتضى: بأن المال الذي جعل الله له جهة مخصوصة، لا يجوز أن يعدل به عن جهة بالاجتهاد، ولو جاز لبينه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله، لأنه أعلم بمصالح العباد (١).
موقف عثمان مع ابن مسعود
ومنها: أنه ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه، وعهد عبد الله بن مسعود إلى عمار: أن لا يصلي عثمان عليه، وعاده عثمان في مرض الموت، فقال له: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي، فقال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: أدعو لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني؟
قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا مستغن عنه؟ قال: يكون لولدك؟ قال: رزقهم على الله تعالى، قال:
استغفر لي يا أبا عبد الرحمن؟: قال أسأل الله أن يأخذ لي منك حقي (٢).
وله موقف آخر مع ابن مسعود
ومنها: أنه ضرب ابن مسعود أيضا على دفن أبي ذر أربعين سوطا، لأن أبا ذر لما مات بالربذة، وليس معه إلا امرأته وغلامه، وعهد إليهما:
نظرة في مواقف عثمان مع عمار
ومنها: أنه أقدم على عمار بن ياسر بالضرب، حتى حدث به فتق، وكان أحد من ظاهر المتظلمين من أهل الأمصار على قتله، وكان يقول:
قتلناه كافرا.
وسبب قتله أنه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلى وجواهر، فأخذ منه عثمان ما حلى به أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك، وكلموه بالردى، حتى أغضبوه، فقال: لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ، وإن رغمت أنوف أقوام، فقال أمير المؤمنين (ع): ” إذن تمنع من ذلك، ويحال بينك وبينه “. فقال عمار: ” أشهد الله: أن أنفي أول راغم من ذلك “، فقال عثمان: أعلي يا ابن سمية تجترئ، خذوه، ودخل عثمان فدعا به، وضربه حتى غشي عليه، ثم أخرج، فحمل حتى أدخل بيت أم سلمة، فلم يصل الظهر، والعصر، والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلى.
وكان عمار يقول: ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر، وأنا الرابع: ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” (٢).
وقيل لزيد بن أرقم: بأي شئ أكفرتم عثمان؟ فقال: بثلاث:
جعل المال دولة بين الأغنياء، وجعل المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة من حارب الله ورسوله، وعمل بغير كتاب الله (٣).
وكان حذيفة يقول: ما في عثمان بحمد الله أشك، لكني أشك في قاتله: لا أدري، أكان قتل كافرا؟ أو مؤمن خلص إليه النية، حتى قتله أفضل المؤمنين إيمانا (٤)؟.
مع أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول: ” عمار جلدة ما بين العين والأنف ” (٥) وقال: ” ما لهم ولعمار، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار ” (٦).
وقال: ” من عادى عمارا عاده الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله ” (٧).
وأي ذنب صدر من عمار؟ وأي كلام غليظ وقع منه استوجب به
(٣) رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١ ص ٢٣٩
(٤) رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١ ص ٢٣٩
(٥) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١١٥ وشرح نهج البلاغة ج ١ ص ٢٣٩
(٦) العقد الفريد ج ٢ ص ٢٨٩ وشرح نهج البلاغة ج ١ ص ٢٣٩
(٧) أسد الغابة ج ٤ ص ٤٤، والإصابة ج ٢ ص ٥١٢ وفي هامشها الإستيعاب ج ٢ ص ٤٧٩.
نفي عثمان أبا ذر إلى الربذة
ومنها: أنه أقدم على أبي ذر رحمه الله تعالى، مع تقدمه في الإسلام حتى ضربه، ونفاه إلى الربذة.
أجاب قاضي القضاة: باحتمال أنه اختار لنفسه ذلك.
اعترضه المرتضى: بأن المتواتر من الأخبار خلاف ذلك، لأن المشهور:
أنه نفاه أولا إلى الشام فلما اشتكى معاوية منه، استقدمه إلى المدينة، ثم نفاه منها إلى ربذة (١).
وروي أن عثمان قال يوما: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال، فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار (٢): لا بأس بذلك، فقال أبو ذر: يا ابن اليهودية، أتعلمنا ديننا؟. فقال عثمان: قد كثر أذاك لي، وتولعك بأصحابي، إلحق بالشام، فأخرجه إليها (٣)، فكان أبو ذر ينكر على
(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٦٢، ومروج الذهب ج ٢ ص ٢٤٠، وشرح النهج ج ١ ص ٢٤٠ و ٢٤٢ و ج ٢ ص ٣٥٦
وقال ابن أبي الحديد: واعلم، أن الذي عليه أكثر أرباب السيرة، وعلماء الأخبار والنقل: أن عثمان نفى أبا ذر أولا إلى الشام، ثم استقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة.