أئمة أهل البيت (ع) في كتب أهل السنّة / الصفحات: ١٢١ – ١٤٠
وعلّق عبد الله بن الصديق الغماري على استنكار الذهبي بقوله: «وإنما استنكره الذهبي لأمرين: إن هذا اللفظ لم يرد في حق أحد الشيخين، وإنه يفيد الطعن في معاوية وفرقته»(١).
وقد أوضح قبل هذا منهج الذهبي في الحكم على الأحاديث بكونها موضوعة أو منكرة وهو «فهمه أن الحديث يقتضي تفضيل علي على الشيخين رضي الله تعالى عنهم، وعلى أساس هذا الفهم ردّ هو وغيره كثيراً من الأحاديث في فضل علي عليه السلام، وحكموا بوضعها، أو نكارتها ولم يسلم من نقدهم بهذا الفهم إلا قليل وأيّد ذلك عندهم إن المبتدع إذا روى حديثاً يؤيد بدعته تردّ روايته، ونفذوا هذه القاعدة بدقة فيما يرويه الشيعة من فضائل علي (عليه السلام)، بل يستنكرون الحديث الوارد في فضله ولو لم يكن في سنده شيعي»(٢) ثم ساق الحديث المتقدم وعلّق عليه بما ذكرناه، إذن فالذهبي وغيره لا يؤسسون قواعدهم على أساس الأخذ من النبي (صلى الله عليه وآله) بل أن لديهم قواعد مسبقة تتنافى مع ما صرّح به النبي (صلى الله عليه وآله)؛ لذا راحوا يردّون هذه الأحاديث الصحيحة سنداً عندهم والتي تدلّ على أفضلية علي وتوضح مقامه الشريف معتذرين عن ذلك بالوضع أو النكاره!!!
إذن فالرواية السابقة صحيحة السند، ودلالتها صريحة في أنّ مفارق علي (عليه السلام) مفارق لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله).
(١) الرد على الألباني المبتدع: ٦.
(٢) المصدر نفسه: ٦.
الفضيلة العاشرة: في أن علياً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله من علي ولا يؤدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا علي (عليه السلام).
أخرج ابن ماجة في «سننه» بسنده إلى حبشي بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي»(١).
وأخرجه الترمذي في «سننه»(٢) والنسائي في «سننه»(٣) وفي «الخصائص»(٤) وأحمد في «مسنده»(٥) وغيرهم.
والحديث صححه الترمذي في «سننه»(٦) وحَسَّنهُ الذهبي في «سير أعلام النبلاء»(٧) والألباني في «صحيح الجامع الصغير»(٨) وفي تحقيقه على «سنن ابن ماجة»(٩)، كما قال بصحته محقق «الخصائص» الحويني الأثري(١٠) ومحقق كتاب «سير أعلام النبلاء» مشيراً إلى أن رجاله رجال الشيخين(١١)، ومحقق
(١) سنن ابن ماجة: ١ / ٤٤، حديث رقم ١١٩.
(٢) سنن الترمذي: ٥ / ٣٠٠، حديث رقم ٣٨٠٣، دار الفكر.
(٣) السنن الكبرى: ٥ / ٤٥، حديث رقم ٨١٤٧، دار الكتب العلمية.
(٤) خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٦٧، المكتبة العصرية.
(٥) مسند أحمد: ٤ / ١٦٤ ـ ١٦٥، دار صادر.
(٦) سنن الترمذي: ٥ / ٣٠٠، دار الفكر.
(٧) سير أعلام النبلاء: ٨ / ٢١٢، مؤسسة الرسالة.
(٨) صحيح الجامع الصغير: ٢ / ٧٥٣، المكتب الإسلامي.
(٩) سنن ابن ماجة تعليق الألباني: ١ / ٧٥، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.
(١٠) تهذيب خصائص الإمام علي بتحقيق الحويني الأثري: ٦٧، دار الكتب العلمية.
(١١) سير أعلام النبلاء: ٨ / ٢١٢، أشرف على تحقيق الكتاب وخرّج أحاديثه شعيب الأرنؤوط وحقق هذا الجزء نذير حمدان، ط، مؤسسة الرسالة.
كتاب «مسند أحمد» حمزة أحمد الزّين(١).
مضافاً إلى أن الشطر الأول للحديث «علي مني وأنا من علي» قد ورد من طرق أخرى معتبرة تقدمت الإشارة إليها في الفضيلة الرابعة، ونشير هاهنا إلى رواية عمران بن حصين إتماماً للفائدة، فقد أخرج النسائي في «سننه» وابن أبي عاصم في «السنّة»، وغيرهم بسندهم إلى عمران بن حصين، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ علياً منّي وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي»(٢).
قال الألباني: «إسناده صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم والحديث أخرجه الترمذي (٢ / ٢٩٧) وابن حبان (٢٢٠٣) والحاكم (٣ / ١١٠ ـ ١١١) وأحمد (٤/٤٣٧) من طرق أخرى عن جعفر بن سليمان الضبعي به وقال الترمذي: «حديث حسن غريب» وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم» وأقرّه الذهبي، وله شاهد من حديث بريدة مرفوعاً به، أخرجه أحمد (٥ / ٣٥٦) عن طريق أجلح الكندي عن عبدالله بن بريدة عن أبيه بريدة وإسناده جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أجلح وهو ابن عبد الله بن جحيفة الكندي وهو شيعي صدوق»(٣).
فعلي من رسول الله ورسول الله من علي، هما نفس واحدة ولهما
(١) انظر «المسند» بتحقيق حمزة أحمد الزين: ١٣ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ـ ٣٩٦، أحاديث رقم ١٧٤٣٥ ـ ١٧٤٣٩ ـ ١٧٤٤٠ ـ ١٧٤٤١، دار الحديث، القاهرة.
(٢) سنن النسائي: ٥ / ٤٥، حديث ٨١٤٦، دار الكتب العلمية. و «السنّة»: ٥٥٠، المكتب الإسلامي.
(٣) كتاب السنّة بتحقيق الألباني: ٥٥٠، المكتب الإسلامي، بيروت.
خصائص ومميزات معينة ثابتة لكليهما، سوى ما خرج من الأمور التي اختصّ بها النبي (صلى الله عليه وآله) كالنبوّة وأفضليته على سائر البشر.
ولذا فإنه لا يؤدي عن رسول الله إلاّ علي (عليه السلام)؛ لأنه الوحيد الذي حمل صفات النبي وخصائصه ومميزاته التي امتاز بها على الخلق، فيكون هو الخليفة على الأمة والإمام لها ومرجعها في الشريعة المقدسة وغير ذلك من وظائف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وخصائصه؛ فكل ما ثبت للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) يكون ثابتاً لعلي (عليه السلام).
وما تبليغ سورة براءة بيد علي إلاّ ضمن هذا المعنى المتقدم. وخبر تبليغ براءة بيد علي (عليه السلام) خبر صحيح.
فقد أخرج الترمذي والنسائي وغيرهم بسندهم إلى أنس بن مالك قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: لا ينبغي لأحد أنْ يُبلغ هذا إلا رجل من أهلي، فدعا عليـّاً فأعطاه إياها»(١).
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من حديث أنس.
قال الحويني الأثري في تحقيقه على «خصائص النسائي»: «إسناده صحيح»(٢).
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائده على «المسند» بسنده إلى علي قال: لمّا نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه وسلم، دعا النبي صلّى الله عليه وسلم أبا بكر، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني النبي صلّى الله عليه وسلم فقال لي: «أدرك أبا بكر، فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه
(١) سنن الترمذي: ٤ / ٣٣٩، دار الفكر، و «سنن النسائي»: ٥ / ١٢٨، دار الكتب العلمية.
(٢) تهذيب خصائص الإمام علي بتحقيق الحويني الأثري: ٦٧، دار الكتب العلمية.
فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم»، فلحقته بالجحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله نزل فيّ شيء؟ قال: لا، ولكن جبرائيل جاءني فقال: لن يؤدّي عنك إلا أنت أو رجل منك».
قال أحمد محمد شاكر محقق كتاب «المسند»: «إسناده حسن»(١).
و في «الخصائص» بسنده إلى زيد بن يثيغ عن علي (عليه السلام): «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر، ثم أتبعه بعلي، فقال له: خذ الكتاب فامضِ به إلى أهل مكة. قال: فلحقه فأخذ الكتاب منه، فانصرف أبو بكر، وهو كئيب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزَل فيّ شيء؟ قال:لا، إلا أني أمرتُ أنْ أبلّغه أنا أو رجل من أهل بيتي».
قال أبو إسحق الحويني الأثري: «صحيح»(٢).
وأخرج أحمد في «مسنده» والحاكم في «المستدرك» بسندهما إلى ابن عباس في حديث طويل جاء فيه: «ثم بعثَ فلاناً بسورة التوبة فبعثَ علياً خلفه فأخذها منه، وقال [يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله)]: «لا يذهب بها إلاّ رجل مني وأنا منه»(٣).
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي في «التلخيص»(٤).
(١) مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر: ٢ / ١٣٥، حديث ١٢٩٦، دار الحديث، القاهرة.
(٢) تهذيب خصائص الإمام علي للنسائي بتحقيق الحويني الأثري: ٦٨، دار الكتب العلمية.
(٣) مسند أحمد: ١ / ٣٣٠ ـ ٣٣١، دار صادر، و «المستدرك على الصحيحين»: ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٤، دار المعرفة.
(٤) المستدرك على الصحيحين وبهامشه «تلخيص المستدرك»: ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٤، دار المعرفة.
وقال أحمد محمد شاكر: «إسناده صحيح»، وقال: «قوله: ثم بعث فلاناً بسورة التوبة: يريد أبا بكر رضي الله عنه»(١).
الفضيلة الحادية عشرة: فـي أنّ عليـاً وفـاطـمة أحـبّ النـاس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أخرج الترمذي بسنده عن ابن بريدة عن أبيه، قال: «كان أحبّ النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ومن الرجال علي»(٢).
وأخرجه النسائي في «السنن»(٣) و «الخصائص»(٤)، والحاكم في «المستدرك»(٥)، والطبراني في «الأوسط»(٦)، وغيرهم.
و الحديث حسّنه الترمذي(٧)، وصححه الحاكم في «المستدرك»، ووافقه الذهبي في «التلخيص»(٨)، وصححه أيضاً أبو إسحاق الحويني الأثري في «تهذيب خصائص أمير المؤمنين»(٩)، والسيد حسن السقاف في «تناقضات الألباني الواضحات»(١٠).
(١) مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر: ٣ / ٣٣١ ـ ٣٣٣، حديث ٣٠٦٢، دار الحديث، القاهرة.
(٢) سنن الترمذي: ٥ / ٣٦٠، دار الفكر.
(٣) سنن النسائي: ٥ / ١٤٠، دار الكتب العلمية.
(٤) خصائص الإمام علي للنسائي: ٨٩، دار الكتب العلمية.
(٥) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٥٥، دار المعرفة.
(٦) المعجم الأوسط: ٧ / ١٩٩، دار الحرمين.
(٧) سنن الترمذي: ٥ / ٣٦٠، دار الفكر.
(٨) المستدرك على الصحيحين وبهامشه «تلخيص المستدرك» للذهبي: ٣ / ١٥٥، دار المعرفة.
(٩) تهذيب خصائص أمير المؤمنين: ٨٩، حديث رقم ١٠٨، دار الكتب العلمية.
(١٠) تناقضات الألباني الواضحات: ٢ / ٢٤٤، دار الإمام النووي.
وعن جميع بن عمير قال: دخلت مع أبي على عائشة يسألها (من وراء حجاب) عن علي رضي الله عنه، فقالت: تسألني عن رجل ما أعلم أحداً كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحبّ إليه من امرأته».
أخرجه النسائي في «خصائص أمير المؤمنين»(١) وأخرجه جماعة بلفظ دخلتُ مع عمتي أو أمي…، منهم الترمذي في «سننه»(٢) والحاكم في «مستدركه» من طريقين عن جميع به(٣).
وأبويعلى في «مسنده»(٤)، والطبراني في «الكبير»(٥)، وغيرهم.
و الحديث حسَّنَه الترمذي في «السنن»(٦) وصحّحه الحاكم في «المستدرك»(٧) والحويني الأثري في تحقيقه على «الخصائص»(٨) والسيد حسن السقّاف في «تناقضات الألباني الواضحات»(٩).
و عن النعمان بن بشير، قال: «استأذن أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عالياً وهي تقول: والله لقد عرفت أن علياً
(١) تهذيب خصائص أمير المؤمنين بتحقيق الحويني الأثري: ٨٩، دار الكتب العلمية.
(٢) سنن الترمذي: ٥ / ٣٦٢، دار الفكر.
(٣) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٥٤ ـ ١٥٧، دار المعرفة.
(٤) مسند أبي يعلى: ٢٧٠، دار المأمون للتراث.
(٥) المعجم الكبير: ٢٢ / ٤٠٣، دار إحياء التراث.
(٦) سنن الترمذي: ٥ / ٣٦٢، دار الفكر.
(٧) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٥٤ ـ ١٥٧، دار المعرفة.
(٨) تهذيب خصائص أمير المؤمنين بتحقيق الحويني الأثري: ٨٩، دار الكتب العلمية.
(٩) تناقضات الألباني الواضحات: ٢ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠، دار الإمام النووي.
أحبّ إليك من أبي ومنّي مرتين أو ثلاثاً فاستأذن أبو بكر، فدخل فأهوى إليها فقال يا بنت فلانة ألا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم».
أخرجه أحمد في «مسنده»(١) والنسائي في «سننه»(٢) و «خصائصه»(٣) قال الحافظ الهيثمي في «المجمع»: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح»(٤).
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: «أخرجه أحمد، وأبو داود والنسائي بسند صحيح»(٥).
وقال الحويني الأثري محقق «الخصائص»: «إسناده صحيح»(٦).
و قد أجاد السيد حسن السقاف في بيان صحة هذه الأحاديث في كتابه «تناقضات الألباني الواضحات» من شاء، فليراجع(٧).
الفضيلة الثانية عشرة: في أنّ من أحب علياً فقد أحب الله ورسوله؛ ومن أبغض علياً فقد أبغض الله ورسوله:
أخرج الطبراني بسنده إلى أبي الطفيل قال: «سمعتُ أمّ سلمة تقول أشهد أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: من أحبّ علياً، فقد أحبني
(١) مسند أحمد: ٤ / ٢٧٥، دار صادر.
(٢) سنن النسائي: ٥ / ١٣٩ ـ ٣٦٥، دار الكتب العلمية.
(٣) تهذيب خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٨٧، دار الكتب العلمية.
(٤) مجمع الزوائد: ٩ / ٢٠٠ ـ ٢٠١، دار الكتب العلمية.
(٥) فتح الباري شرح صحيح البخاري: ٧ / ١٩، دار المعرفة، بيروت.
(٦) تهذيب خصائص الإمام علي بتحقيق الحويني الأثري: ٨٧، حديث رقم ١٠٥، دار الكتب العلمية.
(٧) انظر «تناقضات الألباني الواضحات»: ٢ / ٢٤٤ ـ ٢٥٠، دار الإمام النووي.
ومن أحبني فقد أحبَّ الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله»(١).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» وقال: «رواه الطبراني وإسناده حَسَن»(٢) والسيوطي في «تاريخ الخلفاء» وقال: «أخرجه الطبراني بسند صحيح»(٣)، والألباني في «الصحيحة» وقال: «رواه المخلص في «الفوائد المنتقاة» (١٠ / ٥ / ١) بسند صحيح عن أمّ سلمة قالت: أشهد أنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره»(٤).
وأخرج الحاكم بسنده إلى أبي عثمان النهدي، قال: «قال رجل لسلمان: ما أشد حبك لعلي، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أحب علياً فقد أحبني ومن أبغض علياً فقد أبغضني».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي(٥).
والحديث أورده السيوطي في «الجامع الصغير»(٦) من رواية الحاكم عن سلمان، واستدرك عليه المناوي في «فيض القدير» بعد ذكر الحاكم وإقرار
(١) المعجم الكبير: ٢٣ / ٣٨٠، دار إحياء التراث.
(٢) مجمع الزوائد: ٩ / ١٣٢، دار الكتب العلمية.
(٣) تاريخ الخلفاء: ١٣٣، دار الكتاب العربي.
(٤) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٣ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨، رقم ١٢٩٩، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.
(٥) المستدرك على الصحيحين وبهامشه «تلخيص المستدرك» للذهبي: ٣ / ١٣٠، دار المعرفة.
(٦) الجامع الصغير: ٢ / ٥٥٤، حديث رقم ٨٣١٩، دار الفكر، بيروت.
الذهبي وسكوته عنهما قائلاً: «و رواه أحمد باللفظ المزبور عن أم سلمة وسنده حسن»(١) وفي تعليق الألباني على «الجامع الصغير» للسيوطي قال: «صحيح»(٢).
هذا؛ وفضائل علي كثيرة شهيرة، لو أردنا استقصاءها وتخريجها، لطال بنا المقام، وما ذكرناه لا يمثل إلا نزراً يسيراً منها وقفنا فيه على اثنتي عشرة فضيلة تيمّناً بعدد خلفاء الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ولكن قبل أن نختم هذا الفصل رأينا من المناسب أنْ نشير إشارات عابرة إلى فضائل أخرى من فضائله (عليه السلام) لكن نحاول الاقتصار على ذكر الخبر من مصدر واحد ونشير إلى تصحيحه بلا توسّع في البحث أو استقصاء للمصادر؛ توخياً للاختصار وإتماماً للفائدة:
فضائل أخرى:
١ ـ في أنه حامل راية خيبر وأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
أخرج البخاري في «صحيحه» بسنده إلى سهل بن سعد رضي الله عنه: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبـّه الله ورسوله، قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يُعطاها، فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب فقيل يا رسول الله يشتكي عينيه، فأرسلوا
(١) فيض القدير: ٦ / ٤٢، حديث ٨٣١٩، دار الكتب العلمية.
(٢) صحيح الجامع الصغير: ٢ / ١٠٣٤، حديث رقم ٥٩٦٣، المكتب الإسلامي.
إليه فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال عليه الصلاة والسلام: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم»(١).
الحديث رواه عدة من الصحابة وأخرجه البخاري في أكثر من موضع(٢) وكذا (مسلم).
وفي بعض أخبار (مسلم) بسنده إلى أبي هريرة قال: «قال عمر بن الخطاب: ما أحببتُ الإمارة إلا يومئذ قال: فتساورت لها رجاء أنْ أدعى لها، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياها…»(٣).
والحديث لا كلام في صحته خصوصاً مع وروده في الصحيحين.
٢ ـ في أنه لا يحبه إلا مؤمن ولايبغضه إلا منافق:
أخرج مسلم في «صحيحه» بسنده إلى علي بن أبي طالب، قال: «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلّى الله عليه وسلم إليّ، أن لا
(١) صحيح البخاري: ٥ / ٧٧ ـ ٧٨، باب غزوة خيبر، دار الفكر.
(٢) صحيح البخاري: (٤ / ١٢ ـ ٢٠ ـ ٢٠٧)، و(٥ / ٧٦)، دار الفكر، بيروت.
(٣) صحيح مسلم: ٧ / ١٢٠، في فضائل علي، دار الفكر. وانظر الحديث في «صحيح مسلم»: (٥ / ١٩٤ ـ ١٩٥) و(٧ / ١٢٠ ـ ١٢١ ـ ١٢٢).
آلاف عام فلمّا خلق آدم قُسم ذلك النور جزئين فجزء أنا وجزء علي، وفي رواية خلقتُ أنا وعلي من نور واحد».
فإن قيل: فقد ضعفوا هذا الحديث، فالجواب [والكلام لابن الجوزي] أنّ الحديث الذي ضعفوه غير هذه الألفاظ وغير الإسناد، أما اللفظ [يعني لفظ الحديث الذي ضعفوه]: خلقتُ أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة، وفي رواية خلقتُ أنا وعلي من نور وكنا عن يمين العرش قبل أنْ يخلق الله آدم بألفي عام فجعلنا نتقلب في أصلاب الرجال إلى عبدالمطلب، وأما الإسناد [يعني إسناد الحديث الذي ضعفوه] فقالوا في إسناده محمد بن خلف المروزي وكان مغفلاً، وفيه أيضاً جعفر بن أحمد بن بيان وكان شيعياً. والحديث الذي رويناه يخالف هذا اللفظ والإسناد، رجاله ثقات فإن قيل فعبد الرزاق(١) كان يتشيع، قلنا: هو أكبر شيوخ أحمد بن حنبل ومشى إلى صنعاء من بغداد حتى سمع منه وقال: ما رأيت مثل عبد الرزاق ولو كان فيه بدعة لما روى عنه ومازال إلى أن مات يروي عنه ومعظم الأحاديث التي في «المسند» رواها من طريقه، وقد أخرج عنه أيضاً في الصحيح»(٢).
٥ ـ في أنّ من آذى علياً فقد آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أخرج أحمد في «مسنده» عن عمرو بن شاس الأسلمي وكان من
(١) هو عبدا الرزاق الصنعاني صاحب «المصنف» من كبار محدثيهم.
(٢) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ٥٠ ـ ٥١، مؤسسة أهل البيت، بيروت.
أصحاب الحديبية، قال: خرجتُ مع علي إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتى وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت، أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت المسجد ذات غدوة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فلما رآني أبدني عينيه، يقول: حدد إلي النظر حتى إذا جلست قال: يا عمرو والله لقد آذيتني، قلتُ أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله، قال بلى من آذى علياً فقد آذاني»(١).
أخرجه الحاكم في «المستدرك» وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد». ووافقه الذهبي(٢).
و أورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» وقال: «رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات»(٣).
وفي «مجمع الزوائد» عن سعد بن أبي وقاص قال: «كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: ما لكم ومالي من آذى علياً فقد آذاني».
رواه أبو يعلى والبزار باختصار ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمود بن خداش وقنان وهما ثقتان»(٤).
(١) مسند أحمد: ٣ / ٤٨٣، دار صادر.
(٢) المستدرك على الصحيحين وبهامشه «تلخيص المستدرك» للذهبي: ٣ / ١٢٢، دار المعرفة.
(٣) مجمع الزوائد: ٩ / ١٢٩، دار الكتب العلمية.
(٤) مجمع الزوائد: ٩ / ١٢٩، دار الكتب العلمية.
٦ ـ حديث المؤاخاة:
عن ابن عمر قال: «آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد، فقال له رسول لله صلّى الله عليه وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة». أخرجه الترمذي في «سننه» وحسّنه(١).
والحديث رواه جمع من الصحابة وعدّه ابن عبد البر في الاستيعاب من الآثار الثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)(٢).
وأرسله الحافظ ابن حجر في الإصابة إرسال المسلمات بقوله: «و كان اللواء بيده في أكثر المشاهد ولمّا آخى النبي صلّى الله عليه وسلم بين أصحابه قال له أنت أخي»(٣).
٧ ـ في أنه باب مدينة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله):
قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء»: «و أخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله وأخرج الترمذي والحاكم عن علي قال قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: أنا مدينة العلم وعلي بابها، هذا حديث حسن على الصواب، لا صحيح كما قال الحاكم ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي، وقد بيـّنت حاله في التعقبات على الموضوعات»(٤)(٥).
(١) سنن الترمذي: ٥ / ٣٠٠، دار الفكر، بيروت.
(٢) انظر «الاستيعاب في معرفة الأصحاب»: ٣ / ١٠٩٨ ـ ١١٠٠، دار الجيل، بيروت.
(٣) الإصابة في معرفة الصحابة: ٢ / ٥٠٧ ترجمة رقم ٥٦٨٨، دار الفكر.
(٤) تاريخ الخلفاء: ١٣١، دار الكتاب العربي.
(٥) وسيأتيك بعد قليل أن السيوطي صحح الحديث في كتاب آخر.
وقال السيد حسن السقاف في تحقيقه على كتابه «تناقضات الألباني الواضحات»: «صحّ عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» صحّحه الحافظ ابن معين كما في (تاريخ بغداد: ١١ / ٤٩)، والإمام الحافظ ابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» مسند سيدنا علي (ص ١٠٤ حديث ٨) والحافظ العلائي في «النقد الصحيح»، والحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي كما في «اللآلي المصنوعة»: ١ / ٣٣٤، والحافظ السخاوي كما في «المقاصد الحسنة»(١).
كما ألّف العلاّمة أحمد بن الصديق المغربي كتاباً خاصاً في تصحيح الحديث المذكور أسماه «فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي».
وأخرج الحاكم بسنده إلى شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق قال: سألت قثم بن العباس، كيف ورث علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم دونكم، قال: لأنه أوّلنا به لحوقاً وأشدّنا به لزوقاً».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي(٢).
ثم قال: «سمعت قاضي القضاة أبا الحسن محمّد بن صالح الهاشمي يقول: سمعتُ أبا عمر القاضي يقول: سمعتُ إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول وذُكِرَ له قول قثم هذا فقال: إنما يرثُ الوارث بالنسب وبالولاء ولا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العم لا يرث مع العم فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ علياً
(١) تناقضات الألباني الواضحات للسيد السقاف: ٣ / ٨٢، دار الإمام النووي.
(٢) المستدرك على الصحيحين وبهامشه «تلخيص الذهبي»: ٣/١٢٥، دار المعرفة.
ورث العلم من النبي صلى الله عليه وسلّم دونهم» ثم خرّج حديثاً يدلل على صحة ذلك، أيضاً فقال: «وبصحة ما ذكره القاضي حدثنا محمّد بن صالح بن هاني، حدثنا أحمد بن نصر حدثنا عمرو بن طلحة القنّاد حدثنا إسباط بن نصر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان علي يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن الله يقول: {أَفَئِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ} والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت والله إني لأخوه ووليـّه وابن عمّه ووارث علمه فمن أحقّ به مني» وقد وافق الذهبي الحاكم في ذلك(١).
فتنبين أن علياً (عليه السلام) هو باب مدينة علم النبي ووارث علمه.
نكتفي بهذا القدر، ونقول كما قال شمس الدين بن الجزري: «فهذا نزر من بحر وقل من كثر، بالنسبة إلى مناقبه الجليلة، ومحاسنه الجميلة، ولو ذهبنا لاستقصاء ذلك، لطال الكلام بالنسبة إلى هذا المقام، ولكن نرجو من الله تعالى أن ييسر إفراد ذلك بكتاب نستوعب فيه ما بلغنا من ذلك، والله الموفق للصواب»(٢).
(١) المصدر نفسه: ٣/١٢٥ ـ ١٢٦ دار المعرفة.
(٢) أسنى المطالب: ٧٩.
نافذةٌ إلى معرفتهما عليهما أفضل الصلاة والسلام
هما الإمامان الهمامان، والقمران النيّران، سبطا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وريحانتاه من الدنيا، وسيدا شباب أهل الجنّة؛ الحسن والحسين عليهما السلام.
فضلهما وقدرهما لا يخفى على كل مسلم، وهو أكبر من أن تسطره الأقلام أو تمتلئ به الصحف، فلهما في وصف الله ورسوله غنًى عن وصف الواصفين، وثناء المادحين فهما من أصحاب الكساء، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهما المدعوان في مباهلة نصارى نجران؛ ليمثلا جنبة الحق الإلهي المقدس؛ وليكونا ولدين للرسول بنص القرآن العظيم، وامتلأت بذكر فضائلهما الكتب، وعجتْ بها ألسنة المحدثين؛ لذا سنتناول في هذا الفصل مجموعة مما ورد من فضائلهما في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة كما أشرنا إلى ذلك في الفصل الأول.
وقبل الشروع في ذلك نقدّم للقارئ إلمامة سريعة بحياتهما عليهما السـلام:
ـ فالإمام الحسن، هو الإمام الثاني من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
ـ أبوه أمير المؤمنين، ومولى المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ـ وأمّه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله)، فضلها وشرفها أشهر من أنْ يذكر ويكفي أنّ النبي محمّداً (صلى الله عليه وآله) يغضب لغضبها.
فقد أخرج البخاري في «صحيحه» بسنده إلى المسور بن مخزمة، أن