الرد على الفتاوى المتطرفة / الصفحات: ١٢١ – ١٤٠
أولاً: أنهم خالفوا بذلك القرآن الكريم!
قال الله تعالى في قصة أهل الكهف: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لارَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) . سورة الكهف:٢١
(والَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ) ، بقول أكثر المفسرين هم المؤمنون الموحدون غلبوا رأي المشركين الذين خالفوا بناء المسجد وقالوا (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً) بل هو المتعين لأن الله سماه مسجداً وغير الموحدين لايبنون مسجداً، فبنوه على باب كهفهم ليعبدوا الله فيه ويتبركوا بهم. وقد أقر الله عملهم هذا، ولم يستنكره. ولو كان عملاً منكراً لما أقره ولما سماه مسجداً.
وهذه الآية توجب علينا أن نشك فيما رووه من أن النبي صلى الله عليه وآله لعن اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد! ولو صح الحديث فمعناه أنهم جعلوا قبور أنبيائهم نفسها قبلةً وصلَّوْا إليها، أو صلَّوْا لأصحاب القبور بدل الله تعالى! إذ من المحال أن يقرَّ الله تعالى بناء مسجد على قبور أوليائه أهل الكهف، ثم يلعنهم الذين بنوا مساجد على قبور أنبيائهم عليهم السلام!
قال الشوكاني في فتح القدير ج٣ص٢٧٧:
(قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) . ذِكْرُ اتخاذ المسجد يُشعر بأن
وقال الواحدي في تفسيره ج٢ص٦٥٧:
(الذين غلبوا على أمرهم، وهم المؤمنون وكانوا غالبين في ذلك الوقت) .
وقال أبو السعود في تفسيره ج٥ ص٢١٥:
(قال الذين غلبوا على أمرهم وهم الملك والمسلمون) . انتهى. وقال قريباً من ذلك أكثر المفسرين.
وبعد ظهور الآية في مدح المؤمنين لبنائهم مسجداً على قبر أهل الكهف، وإقرار عملهم، وورود الرواية بمدحهم، واختيار أكثر المفسرين ذلك، فلا يغرنك فتوى ابن تيمية في حقهم بأنهم ضالون ملعونون! فهذه عادته في الإفراط والتطرف في الفتاوي! قال في كتابه اقتضاء الصراط ص١٠: (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً: فكان الضالون بل والمغضوب عليهم، يبنون المساجد على قبور الأنبياء والصالحين) !.
ولايغرنك ميل ابن كثير الى رأي شيخه ابن تيمية في البداية والنهاية ج٢ص١٣٨، حيث قال: (واختلفوا في أمرهم فقائلون يقولون (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً) ، أي سدوا عليهم باب الكهف لئلا يخرجوا، أو لئلا يصل إليهم ما يؤذيهم، وآخرون وهم الغالبون على أمرهم قالوا: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) ، أي معبداً يكون مباركاً لمجاورته هؤلاء الصالحين. وهذا كان شائعاً فيمن كان قبلنا، فأما في شرعنا فقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله (ص) أنه قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . انتهى.
ويؤيد ما قلناه أن المباني والقباب على قبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام كانت موجودة عند مجئ الإسلام، ولم يتعرض لها المسلمون في الفتح الإسلامي ولم يهدموها، ومنها قبر داود وقبر موسى صلى الله عليه وآله في القدس وقبور غيرهم، بل أقرها الخلفاء وصلوا عندها، ولم يستنكرها الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.
ثانياً: أنهم خالفوا ضرورة الإسلام في الصلاة والحج والطواف!
وذلك أن المسجد الحرام والكعبة الشريفة التي نتوجه اليها في صلاتنا ونطوف حولها، مليئة بقبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام!
بل إن حجر إسماعيل عليه السلام الذي أمرنا النبي صلى الله عليه وآله أن ندخله في طوافنا، ما هو إلا مُحَوَّطةٌ أقامها إسماعيل عليه السلام على قبر أمه هاجر رضي الله عنها، حتى لاتدوسَ القبر أقدام الطائفين، ثم أمر إسماعيل عليه السلام أن يدفنوه في الحجر.
فكل المسلمين إذن، وقبلهم أتباع ملة إبراهيم عليه السلام يطوفون حول تلك القبور ويصلون عندها، فهل يقول المتنطعون إنهم اتخذوا قبور
ففي الكافي ج٤ص٢١٠:
(عن الإمام الصادق عليه السلام: (الحجر بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل) .
وفي الكافي ج٤ص٢١٤:
(عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (صلى في المسجد الخيف سبعمائة نبي، وإن ما بين الركن والمقام لمشحون من قبور الأنبياء عليهم السلام وإن آدم عليه السلام لفي حرم الله عز وجل) .
وفي علل الشرائع ج١ص٣٧:
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إن إسماعيل دفن أمه في الحجر، وجعله عالياً، وجعل عليها حائطاً، لئلا يوطأ قبرها) .
وفي تاريخ الطبري ج١ص٢٢١:
(وعاش إسماعيل فيما ذكر مائةً وسبعاً وثلاثين سنة، ودفن في الحجر عند قبر أمه هاجر) .
وفي تفسير القرطبي ج٢ص١٣٠:
(ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبياً، جاءوا حجاجاً فقبروا هنالك عليهم السلام) .
وفي الدر المنثور ج٣ ص١٠٣:
(وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما، قبر إسمعيل وشعيب صلى الله عليه وآله، فقبر إسمعيل في الحجر، وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود) . انتهى.
ولكن الروايات التي تذكر وجود قبور أنبياء آخرين عليهم السلام، أكثر وأقوى.
ثالثاً: أنهم خالفوا السيرة العملية التي أجمع عليها المسلمين!
فقد كانت المباني والقباب موجودة عند مجئ الإسلام كما ذكرنا، واتصلت سيرة المسلمين على زيارة قبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام والصلاة والدعاء عندها الى عصر ابن تيمية والى يومنا هذا، وقد أقرها الصحابة والسلف وصلوا عندها، ولم يستنكرها الأئمة من أهل البيت عليهم السلام!
وهذه بلادنا الاسلامية من مصر الى نيجيريا الى أندونيسيا، مملوءةٌ بالمشاهد والضرائح المباركة، المشيدة العامرة بزوارها، المتقربين الى الله بزيارتها، ولايبالون بهؤلاء الحفنة من المشايخ المتطرفين، الذين يكفرونهم لأنهم يصلون عندها ويتوسلون الى ربهم بأصحابها.
فهذا الإجماع العملي المتصل من عصر النبي صلى الله عليه وآله الى عصرنا، يدل:
أولاً:
على أن هذه السيرة القطعية تعارض الحديث الذي رووه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . فإما أن يكون الحديث مكذوباً، وإما أن يكون له تفسير يتفق مع هذه السيرة المتصلة الى عصر النبي صلى الله عليه وآله في تعظيم قبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام والصلاة عندها.
ونحن نرجح أن السلطة بعد النبي صلى الله عليه وآله احتاجت الى إعلان الأحكام العرفية ومنع الناس من التجمع عند قبر النبي صلى الله عليه وآله، خشية أن يستجير بنو هاشم بقبر النبي صلى الله عليه وآله ويطالبوا بالخلافة، فوضع لها بعضهم هذا الحديث، وغفل أنه لا مصداقية له في تاريخ اليهود والنصارى، لأن
ثانياً:
أن هذه السيرة معناها إجماع من المسلمين على خلاف رأي ابن تيمية ومقلديه، والخارج على إجماع الأمة لاقيمة لرأيه ولا فتاويه!
ثالثاً:
تدل هذه السيرة على كذب دعواهم بأنهم أهل التوحيد وأهل السنة، وفظاعة تكفيرهم لعامة المسلمين بسبب زيارتهم قبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام والتوسل بهم! إذا معنى ذلك أن عامة الأمة بجميع مذاهبها ومشاربها كفار أو ضُلاَّل، ماعدا حفنة قليلة ضئيلة لايبلغون مليون شخص!
والأغرب من هذا أنهم يتكلمون باسم المسلمين فيقولون: نحن أهل التوحيد ونحن أهل السنة والجماعة! فهل رأيت أجرأ ممن يكفرك، ثم ينصب نفسه ناطقاً رسمياً باسمك! ثم يمنعك أن تتكلم باسمك؟!
رابعاً: لماذا أغمضوا عيونهم عن قبر إمامهم أحمد في بغداد؟!
من عجائب ابن تيمية وأتباعه أن حركتهم نشأت في بغداد، ثم حمل رايتها ابن تيمية في القرن الثامن في الشام، ثم نشطت في القرن الحادي عشر في الجزيزة، وكانت أبرز شعاراتها محاربة زيارة القبور والصلاة عندها والتوسل الى الله تعالى بأصحابها.
وقد كان قبر إمامهم أحمد بن حنبل طوال هذه المدة في بغداد مبنياً عليه ضريح وقبة، ومتخذاً عليه مسجداً، وكان وما زال مزاراً لهم
المسألة التاسعة
تحريمهم التبرك بأماكن النبي وآله وآثارهم صلى الله عليه وآله
أفتى المتطرفون بأن التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله معصية أو شرك! فخالفوا بذلك إجماع مذاهب المسلمين وسيرتهم في كل العصور!
قال البدير: (أيها الزائر المكرم لهذا المسجد المعظم:
إعلم أنه لايجوز التبرك بشئ من أجزاء المسجد النبوي، كالأعمدة أو الجدران، أو الأبواب أو المحاريب أو المنبر، بالتمسح بها أو تقبيلها، كما لايجوز التبرك بالحجرة النبوية باستلامها أو تقبيلها، أو مسح الثياب بها، ولايجوز الطواف عليها، فمن فعل شيئاً من ذلك، وجب عليه التوبة وعدم العودة) .
أولاً: أنهم خالفوا في ذلك إمامهم أحمد بن حنبل!
فقد نقل عنه ولده عبد الله في كتاب العلل والسؤالات ج٢ص٤٩٢ح٣٢٤٣ قال: (سألت أبي عن الرجل يمسّ منبر رسول الله يتبرّك بمسّه وتقبيله، ويفعل بالقبر ذلك رجاء ثوابِ الله؟ فقال: لا بأس به) . انتهى. ونقله عنه أيضاً السمهودي في وفاء الوفا ج٤ ص ١٤٠٤.
أما الذهبي المعاصر لابن تيمية والذي يعترفون بإمامته، فقد انتقد أسلافهم أصحاب هذا الرأي المتطرف وسماهم المتنطعين وأتباع الخوارج، وأفتى بأن تحريمهم للتبرك بمنبر النبي صلى الله عليه وآله بدعة!
قال في سير أعلام النبلاء ج١١ص٢١٢:
(أين المتنطع المنكر على أحمد وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويمس الحجرة النبوية؟ فقال: لا أرى بذلك بأساً؟!
ثانياً: أنهم خالفوا بذلك فعل الصحابة ومذاهب المسلمين
كان المسلمون يتبركون بالنبي صلى الله عليه وآله ويأتون له بأطفالهم خاصة عند ولادتهم ليمسح رؤوسهم، وكانوا يتبركون بسؤره وقطرات وضوئه، وحتى بخيط من ثيابه. وبعد وفاته صلى الله عليه وآله كانوا يتبركون بآثاره، من ثيابه وشعره الذي احتفظوا به من حياته، وتراب قبره الشريف.
قال السمهودي في كتاب وفاء الوفاء ج١ص٥٤٤:
كان الصحابة (يأخذون من تراب القبر) يعني قبر النبي صلى الله عليه وآله.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية ج ٢٤ ص ٩٠ تحت عنوان زيارة القبور الفصل ٥: (وقال الحنابلة لابأس بلمس القبر باليد، لاسيما من ترجى بركته) .
وفي صحيح البخاري ج٤ ص٤٦:
(باب ما ذكر من درع النبي (ص) وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته، مما تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته..) .
وفي فتح الباري لابن حجر ج١ ص٤٦٩:
(ومحصل ذلك أن ابن عمر كان يتبرك بتلك الأماكن وتشدده في الإتباع مشهور. ولايعارض ذلك ما ثبت عن أبيه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسأل عن ذلك فقالوا قد صلى فيه النبي (ص) فقال: من عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض، فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعاً، لأن ذلك من عمر أنه كره
وفي فتح الباري ج٣ ص٥٢:
(واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتاً، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال الى غيرها وأشار بظاهر هذا الحديث…. والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبه منها أن المراد أن الفضيلة التامه إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد، بخلاف غيرها فإنه جائز. وقد وقع في رواية لأحمد وسيأتي ذكرها بلفظ: لاينبغي للمطي أن تعمل، وهو لفظ ظاهر في غير التحريم…… واستدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك، وبه قال مالك وأحمد والشافعي والبويطي، واختاره أبو إسحاق المروزي، وقال أبو حنيفة لايجب مطلقاً…) انتهى.
وفي النص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص٢٨٤:
(وقال ابن عساكر في التحفة: جاءت فاطمة رضي الله عنها فوقفت على قبره صلى الله عليه وسلم وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعتها على عينيها وبكت وأنشأت تقول:
اللهم بجاه نبيك الكريم الذي قلت فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، وقلت فيه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) .. ارزقنا نفحةً من أخلاقه النبوية، وأعذنا من الفظاظة.
المسألة العاشرة
الرد على نهي البديري عن زيارة معالم المدينة المنورة!
قال البدير: (أيها الزائر المكرم! لايشرع زيارة شيء من المساجد في المدينة النبوية سوى هذين المسجدين مسجد رسول الله ومسجد قبا، ولايشرع للزائر ولغيره قصد بقاع بعينها يرجو الخير بقصدها أو التعبد عندها، لم تستحب الشريعة قصدها، وليس من المشروع تتبع مواطن أو مساجد صلى فيها رسول الله (ص) أو غيره من الصحابة الكرام، لقصد الصلاة فيها أو التعبد بالدعاء ونحوه عندها وهو (ص) لم يأمر بقصدها ولم يحث على زيارتها.
فعن المعرور بن سويد قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب (رض) فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدر ناس يصلون، فقال (رض) : ماشانهم؟ وقال: هذا مسجد رسول الله (ص) فابتدر الناس يصلون فيه، فقال عمر (رض) : يا أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعاً، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض فيه صلاة…) أخرجه بن أبي شيبة.
ولما بلغ عمر بن الخطاب (رض) أن ناساً يأتون الشجرة التي بويع تحتها النبي (ص) أمر بها فقطعت. أخرجه بن أبي شيبة) .
أيها المسلمون! ويشرع لزوار المدينة من الرجال زيارة أهل بقيع الغرقد وشهداء أحد للسلام عليهم والدعاء لهم.
عن أبي هريرة (رض) قال:كان رسول الله يعلمهم إذا خرجوا
ويشترط لجواز زيارة القبور عدم القول الهجر، وأعظمه الشرك والكفر. فعن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبورفمن أراد أن يزورفليزر ولاتقولوا هجرًا. أخرجه النسائي.
فلا يجوز الطواف بهذه القبور ولا غيرها، ولا الصلاة اليها ولابينها، ولا التعبد عندها بقرائة القرآن أو الدعاء أو غيرها، لأن ذلك من وسائل الإشراك برب الأملاك والأفلاك، ومن اتخاذها مساجد حتى ولو لم يبن عليها مسجد. فعن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (لما نزل برسول الله (ص) الموت طفق يطرح خميصة على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما صنعوا. أخرجه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: إن من شرار الناس من تدرك الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد. أخرجه أحمد.
وعن أبي مرفد الغنوي (رض) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام. أخرجه أحمد.
وفي حديث أنس (رض) (إن النبي (ص) نهى أن يصلى بين القبور. أخرجه المحبان. ولايجوز السجود على المقابر، بل ذلك وثنية الجاهلية، وشذوذ الفكري، وتخلف عقلي.
ولا يجوز رمي النقود أو شئ من الطعام كالحبوب ونحوها عليها، فمن فعل شيئاً من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة.
ولا يجوز تخليقها ولا تقبيلها، والقسم على الله بأصحابها.
ولايجوز سؤال الله بهم أو بجاهم وحقهم، بل ذلك توسل محرم من وسائل الشرك.
ولا يجوز تصوير القبور، لأن ذلك وسيلة إلى تعظيمها والإفتتان بها) .
أولاً: أنهم انتقصوا من مقام المدينة المنورة وخالفوا النبي صلى الله عليه وآله
مشكلة بعض الناس أنهم لايعرفون قدر النبي صلى الله عليه وآله ولا قدر مدينته المنورة! وإلا فإن المسلم السويّ يكفيه أن يتذكر المدينة حتى ينبض قلبه بحبها، ويستشرف نسيم بقاعها الطاهرة، وما أن يدخل الى رحابها حتى يتنفس هواءها العابق فيشم منه نفح النبي وآله الأطهار وأصحابه الأبرار صلى الله عليه وآله وأنفاسهم المقدسة، وحياتهم وجهادهم الذي افتخر به الملأ الأعلى!
نقول ذلك، لأن أصح مصادرهم روت في فضل المدينة ما يهز الوجدان!
ففي البخاري ج٢ص٢٢١:
(عن أبي هريرة أنه كان يقول لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ماذعرتها، قال رسول الله (ص) : ما بين لابتيها حرام) .
وفي فتح الباري ج٤ ص٧٩:
(وفي هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة، وهو أمر مجمع عليه، وفيه دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض، ولم يختلف العلماء في أن للمدينة فضلاً على غيرها، وإنما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين مكة) . انتهى.
بل رووا أن تراب المدينة شفاء للمرض، ففي صحيح البخاري ج٧ ص٢٤: (عن عائشة قالت كان رسول الله (ص) يقول في الرقية: بسم الله تربة أرضنا، وريقة بعضنا، تشفي سقيمنا، بإذن ربنا) .
وفي سنن أبي داود ج٢ ص٢٢٧:
(للإنسان إذا اشتكى يقول
(عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا اشتكى الإنسان الشئ منه أو كانت به قرحة أو جرح، قال النبي صلى الله عليه وآله بإصبعه هكذا ووضع سبابته بالأرض ثم رفعها:بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) .
وقال النووي في شرح مسلم ج١ ٤ ص ١٨٤:
(قال جمهور العلماء المراد بأرضنا هنا جملة الأرض، وقيل أرض المدينة خاصة لبركتها) .
وفي فتح الباري ج١٠ص١٧٧:
(تنبيه: أخرج أبو داود والنسائي ما يفسر به الشخص المرقي، وذلك في حديث عائشة أن النبي (ص) دخل على ثابت بن قيس بن شماس وهو مريض فقال: إكشف الباس رب الناس، ثم أخذ تراباً من بطحان فجعله في قدح، ثم نفث عليه، ثم صبه عليه) .
وفي عون المعبود ج١٠ص٢٦٤:
(وصب ذلك التراب المخلوط بالماء (عليه) أي ثابت بن قيس، والمعنى أي جعل الماء في فيه، ثم رمى بالماء على التراب، ثم صب ذلك التراب المخلوط بالماء على ثابت بن قيس……قال الحافظ ابن القيم: هذا من العلاج السهل الميسر النافع المركب، وهي معالجة لطيفة يعالج بها القروح والجراحات الطرية) . انتهى.
وابن القيم هذا هو تلميذ ابن تيمية، وهو متعصب له ولأفكاره!
فما دامت مكانة المدينة المنورة وتربتها عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله
فكيف صار الحجاج أكفر الكافرين، وصارت أعمالهم في حرم نبيهم ومدينته المنورة، وصلاتهم في بقاعها المباركة، ودعاءهم فيها، صارت كلها معاصي وذنوباً وآثاماً، وبدعاً وشركاً؟!
لقد شذ هذا البدير ورفقاؤه حتى عن مذهبهم! فإن كانوا يفتون لأنفسهم فهو أمر يخصهم، لكن ليسمحوا من فضلهم لأمة رسول الله صلى الله عليه وآله التي لاتقلدهم، أن تأخذ بفتاوي أئمة مذاهبها بالتبرك بكل بقاع المدينة وذرات ترابها الطاهر، والصلاة والدعاء فيها، وتقديس مائها وهوائها!
والحمد لله أن المسلمين لايعيرون بالاً لفتاوي هؤلاء، بل تراهم يأخذون بالتوجيه المروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ومن المشاهد بالمدينة التي ينبغي أن يؤتى إليها وتشاهد، ويصلى فيها وتتعاهد: مسجد قبا، وهو المسجد الذي أسس على التقوى، ومسجد الفتح، ومشربة أم إبراهيم، وقبر حمزة، وقبور الشهداء. وينبغي للزائر أن يكون آخر عهده خارجاً من المدينة قبر النبي صلى الله عليه وآله يودعه كما يفعل يوم دخوله ويقول كما قال، ويدعو ويودع بما تهيأ له من وداع، وينصرف) . (البحار ج٩٦ ص ٣٧٩) .
قال ابن حجر في فتح الباري ج١٣ص٢٥٩:
(وقد احتج أبو بكر الأبهري المالكي بأن المدينة أفضل من مكة بأن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من تربة المدينة وهو أفضل البشر، فكانت تربته أفضل الترب. انتهى. وكون تربته أفضل الترب لا نزاع فيه، وإنما النزاع هل يلزم من ذلك أن تكون المدينة أفضل من مكة، لأن المجاور للشئ لو ثبت له جميع مزاياه لكان لما جاور ذلك المجاور نحو ذلك، فيلزم أن يكون ما جاور المدينة أفضل من مكة وليس كذلك اتفاقاً. كذا أجاب به بعض المتقدمين وفيه نظر) .انتهى.
ولم يحكم ابن حجر بأن مكة أفضل من المدينة!
بينما روى الصدوق في الفقيه ج٢ص٢٤٣:
عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (أحب الأرض إلى الله تعالى مكة، وما تربة أحب إلى الله عز وجل من تربتها، ولا حجر أحب إلى الله عز وجل من حجرها، ولا شجر أحب إلى الله عز وجل من شجرها، ولا جبال أحب إلى الله عز وجل من جبالها، ولا ماء أحب إلى الله عز وجل من مائها) . انتهى.
نعم قد يوافق مذهبنا على ما قاله البهوتي في كشاف القناع ج٢ ص٥٤٨، قال: (قال في الفنون: الكعبة أفضل من مجرد الحجرة فأما والنبي (ص) فيها، فلا والله، ولا العرش وحملته والجنة، لأن بالحجرة جسداً لو وزن به لرجح. قال في الفروع: فدل كلام أحمد والأصحاب على أن التربة على الخلاف) . انتهى.