هذا الدعم ليس سياسياً وعسكرياً فقط؛ وإنما هناك بطاقة “ائتمان” برصيد مفتوح تدعم مواقف “إسرائيل”، خاصة موقفها الأخير قبل يومين بوضع عدد من قيادات المقاومة “روحي مشتهى-يحيى السنوار-محمد الضيف” على لائحة الإرهاب استنادا لكشوف الشاباك الصهيوني.
خلال سبعة عقود أصبح من الصعب الفصل بين الموقفين “الأمريكي والإسرائيلي” حتى أضحت أمريكا غطاءً كاملاً لجرائم الاحتلال، فأضحت قرارات “إسرائيل” بنسختين واحدة في “الكنيست” وأخرى في “الكونجرس”.
تاريخ الدعم الأمريكي للاحتلال يسبق تاريخ نكبة فلسطين، فقد مرّ التمهيد لاغتصاب فلسطين من أهلها بالضغط الأمريكي على السلطان العثماني سنة 1890 لتيسير انتقال الأراضي من العرب لليهود في فلسطين وتوّجت ذلك بتبني أمريكا قرار التقسيم سنة 1947.
استخدمت أمريكا “الفيتو” 50 مرة ضد فلسطين وأيدت لاحقاً قرار 242 في الأمم المتحدة الذي لا يسمح في جوهره بإقامة دولة فلسطينية وكذلك قرار 194 الذي دعا للعودة التي اختفت من أجندة السياسة الأمريكية، كما أنه مؤخراً لوّحت “أمريكا” بهراوتها الغليظة مهددة بوقف الدعم عن السلطة الفلسطينية إن توجهت لمحكمة الجنايات الدولية.
أسس المواقف السياسية الأمريكية تنبع من اعتبارها حليفا استراتيجيا وتتعاطى معها بموجب قرارات دولية شاركت في اتخاذها دون أن تضغط كثيراً بالشكل المناسب لإنهاء الاحتلال.
يقول د. عبد الله أبو عيد أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة بيت لحم: “إن أمريكا استخدمت “الفيتو” 50 مرة في قضايا تتعلق بفلسطين إضافة لتقديمها الدائم للاستشارات القانونية والدعم السياسي الخارجي”.
ومن أبرز مواقف أمريكا الدولية أيضاً تهديدها بالانسحاب من “اليونسكو” إن دخلتها فلسطين، وحجب تمويلها لمحكمة الجنايات الدولية التي تدعمها بربع تمويلها العام إن لجأ الفلسطينيون لها.
ويضيف: “أمريكا تمارس البلطجة وتستخدم الكونجرس لتعزيز محاربة المقاومة واعتبار حركات التحرر عموماً إرهابا، وتحاول وصف حروب غزة بأنها حروب دفاعية عن إسرائيل وتدعمها دبلوماسياً” .
وتابع “القانون الدولي سلاح ذو حدين فإن لم يملك الفلسطينيون الحجج القوية ولم يعتمدوا على “اللوبيات” الدولية سينقلب نقطة ضعف بينما “إسرائيل” تستفيد من “اللوبيات” الأمريكية وتدعم موقفها بالسياسة والديمقراطية”.
ويؤكد “غاندي ربعي” الناشط في مجال حقوق الإنسان بالخليل، أن أهم القرارات الدولية كانت إنهاء احتلال أرض 67 وجملة قرارات الشرعية الدولية التي منعت أمريكا إنفاذها موفرةً الدعم لـ”إسرائيل”.
ويضيف: “تعتبر أمريكا “إسرائيل” حليفا في النفط والشرطي المتقدم لحماية منظومة كاملة في الصراع الدولي، وتدعمها أمنياً وعسكرياً، وعلى العرب اتخاذ موقف منها لا أن يحتفظوا بعلاقات جيدة معها” .
واستخدمت أمريكا حسب قول المحلل السياسي د. عبد الستار قاسم حق النقض في مجلس الأمن ضد كل مشاريع قرارات لصالح الفلسطينيين مثل إدانة الاستيطان، وهي لا تعترف أن الضفة حتى اليوم أراض محتلة بالقوة.
وتابع: “صوتت الأمم المتحدة عشرات المرات ضدنا، مثل قرارات تهويد القدس و تقرير المصير و حق الفلسطيني في القدس، لذا ممارساتها واضحة كطرف منحاز في الصراع وليست وسيط نزيه”.
التطورات الدراماتيكية التي مرت بها القضية الفلسطينية مروراً بمحطات 1948-1967 وحتى الولوج في نفق “أوسلو” ومجيء سلطة الحكم الذاتي ثم حروب غزة الثلاثة أثبتت للعالم أنه من الصعب فصل الرؤية “الإسرائيلية” عن الأمريكية.
ذلك “الكليشيه” المستنسخ، دعم الاستيطان وبرّر أطنان القنابل فوق رؤوس أهل غزة، وحبس الأسرى وحرم مزارعي الزيتون في الضفة من سقاية أشجارهم بفعل الجدار العازل وحرق عائلة “دوابشة” التي استشهدت على دفعات.
ويعد الاستيطان وعدوان المستوطنين على المدنيين وممتلكاتهم وتهويدها واغتصابها من أهم الملفات الشائكة في فلسطين التي سجلت فيها أمريكا مقعد الانحياز للاحتلال.
ويقول د. علي سرطاوي أستاذ القانون، إن القانون الدولي ينص على أن أرض 1967 المحتلة بما فيها “الضفة والقدس” أرض محتلة لا يجوز تغيير الملكيات فيها لكن الولايات المتحدة جعلت العرب يمضون نحو إنهاء الصراع حين قبلوا التعامل عبر اللجنة الرباعية.
وتابع: “أمريكا سحبتهم لأن يتعاملوا عبر الرباعية لا القانون الدولي في قضية مستوطنات غير شرعية، وأصبحت الأرض من محتلة إلى متنازع عليها، وبذلك شرّعت الاستيطان، وتحدثوا عن مستوطنات مشروعة وأخرى غير مشروعة ثم تماهت مع الرواية الإسرائيلية” .
وأخفق العرب ومن أمامهم السلطة الفلسطينية كما يرى سرطاوي في التوجه للمؤسسات الدولية أمام الهيمنة والانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني، ما منح الاحتلال قوة ومراوغة في تعزيز الاستيطان.
ويصف “غاندي ربعي” الناشط بمجال حقوق الإنسان بالخليل أن جرائم المستوطنين اليومية بالقدس والضفة وآخرها حرق عائلة “دوابشة” قابلتها أمريكا ببيان إدانة خجول بلغة غاية في الرقة .
ويتابع: “لم تقف موقفاً ضد مواصلة الاستيطان “الإسرائيلي”، والفصل الجغرافي بين الضفة وغزة، والاعتقالات الإدارية بل دائما تضغط على السلطة وتهددها إن لجأت للمؤسسات الدولية” .
منذ وقت طويل وهي تضع المساحيق على الوجه “الإسرائيلي”، ولسنوات طويلة ظلّ ما يجري من أحداث عنف “إرهاباً” وفق المعايير “الإسرائيلية” والأمريكية اللتان تمثلان وجهين لعملة واحدة خاصة اتفاقهما السلبي حول المقاومة الفلسطينية المشروعة.
قبل يومين وضعت “واشنطن” عددا من قادة المقاومة على قائمة الإرهاب، وهي حسب رؤية الناشط الحقوقي “غاندي ربعي”، ترفض واشنطن تعريف الإرهاب في الأمم المتحدة وكأنها محاولة منها لاستخدامه كما يخدم مصلحتها أو مصلحة الاحتلال.
ويشير د. عبد الستار قاسم المحلل السياسي إلى اختلال المعايير التي وصفت عبرها أمريكا المقاومين بالإرهاب، في حين لم تصف أو تتهم “إسرائيل” التي قتلت وأصابت الآلاف قبل سنة بذلك.
ويضيف: “أمريكا جزء من معادلة الاحتلال وليست وسيطاً للسلام، ولولا الدعم الأمريكي لما وصلت إسرائيل لهذه الغطرسة وممارسة جرائم الحرب”.
ومن المؤكد أن أمريكا لن تغير مواقفها الاستراتيجية تجاه “إسرائيل”، لذا فإن دعم القضية الفلسطينية لابد أن يلج من مداخل وتحالفات أخرى دون المراهنة على أمريكا وأصدقائها في تجريم الاحتلال.