الرسول كان على فراش المرض إلا أنه نهض وصعد المنبر ودافع عن قراره بتأمير أسامة، ومع هذا فقد بقي ذلك النفر على قناعته بأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب، وأن غير أسامة أولى منه بالإمارة!! ومات الرسول وهم على هذه القناعة، وتزعم عمر بن الخطاب جبهة الرافضين لتأمير الرسول لأسامة وطلب من الخليفة الأول أن يعزل أسامة، فقال له أبو بكر:(ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه) (١).
وقد يتظاهرون بأنهم أعرف من النبي بعواقب الأمور، لقد انتهكوا حرمة منزل النبي دون إذنه وهو مريض، وحالوا بينه وبين كتابة ما أراد كما وثقنا بحجة أن القرآن وحده يكفي ولا حاجة لوصية الرسول ولا لتوجيهاته النهائية!!، فهنا يتصرفون كأنهم أوصياء على الرسول وعلى الإسلام!! وفي ما بعد اعترفوا بالسبب الذي دعاهم للحيلولة بين الرسول وبين ما أراد كتابته قائلين: (حتى لا يجعل الأمر لعلي بن أبي طالب) (٢) ثم اعترف أحدهم بلسان الجميع فقال:
(بأن الأمر كان لعلي بن أبي طالب فزحزحوه عنه لحداثة سنه والدماء التي عليه) (٣) ثم قالوا: (إن النبي من بني هاشم، ولا ينبغي أن تكون الخلافة في بني هاشم) (٤) لهذه الأسباب (حداثة السن، والدماء التي عليه، وكونه من بني هاشم) فقد كانوا يرون أن استخلاف الرسول لعلي عمل غير صائب وغير مناسب!! كما سنوضح بعد قليل، والأنسب أن تكون الخلافة من بعد النبي لرجل آخر، لهذا السبب تجاهلوا سنة الرسول التي عالجت موضوع من يخلف
٢٠١
النبي، لأن هذه السنة برأي ذلك النفر ليست ملائمة ولا تخدم مصلحة المسلمين!! بل (وتؤدي إلى الإجحاف على حد تعبير الخليفة الثاني عمر!!) (١) فالصواب هو رأي ذلك النفر، أما ترتيبات الرسول واستخلافه لعلي بن أبي طالب فليس صوابا!! (٢).والأعظم من ذلك بأن ذلك النفر كان يعتقد بأن كل الناس أعلم من رسول الله بشؤون الدنيا، وحتى يصدق اللاحقون ما قالوا فقد زعموا أن رسول الله قد قال للناس: (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) (٣) لاحظ كيف عنون مسلم هذا الباب!! فأقوال الرسول بالأمور الدينية يمكن قبولها، أما الأمور الدنيوية فلا بأس من مخالفة الرسول فيها!!!
ولم يتورع ذلك النفر عن الادعاء، بأن الرسول قد سحر – سحره اليهود – لدرجة أنه كان يتخيل أنه قد فعل الشئ وما فعله (٤) وصوروا الرسول بصورة أدنى من صورة الإنسان العادي، فقالوا: إنه كان يغضب فيلعن ويسب ويؤذي الناس بدون سبب (٥) الله سبحانه وتعالى يصف النبي (وأنك لعلى خلق عظيم) وذلك النفر يصور الرسول بتلك الصور القبيحة!!
وقالوا أيضا إن الرسول كان يستمع غناء جوار من الأنصار، فأتى أبو بكر فنهرهن (٦) فلولا أن أبا بكر قد نهر الجواري لبقي رسول الله يستمع
٢٠٢
لغنائهن، وتتكرر الحادثة فيدعون أن الرسول قد رفع عائشة على منكبه لتنظر إلى الحبشة الذين يلعبون في المسجد، فلاحظ عمر هذا السلوك الخاطئ فنهرهم (١)!! وفي رواية الترمذي: فطلع عمر فانفض الناس فقال الرسول:(إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر) (٢) فأنت تلاحظ أن شياطين الجن والإنس لم يفروا من الرسول إنما فروا من عمر!! وفي رواية ثانية أن جارية ضربت بالدف وغنت بين يدي رسول الله بعد رجوعه من إحدى غزواته، فدخل عمر، فألقت الجارية الدف تحت أستها ثم قعدت عليه، فقال رسول الله: (إن الشيطان ليخاف منك يا عمر) (٣)، فالشيطان حسب زعمهم كان يجلس مع رسول الله آمنا دون خوف فلما دخل عمر، ارتجفت أوصال الشيطان من الخوف والذعر!! وأنت تلاحظ أن الرواة الموالين لذلك النفر قد أعطوا دور البطولة للخليفتين، وخصصوا للرسول الأدوار الثانوية اللازمة لإبراز بطولة الخليفتين وعظمتهما!!! لقد أقنعوا أنفسهم، بأن الرسول الأعظم من النوع العادي جدا من البشر، لدرجة أن كل الناس أعلم منه بشؤون الدنيا، والأعظم من ذلك أنه كان يرفع أناسا وهم يستحقون الوضع… ويضع أناسا وهم يستحقون الرفع، فقد مدح علي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة ورفعهم، وقد لعن فئة أخرى من الناس وسبهم وشتمهم وآذاهم بدون سبب وقد وثقنا تلك المزاعم في الصفحات السابقة، فكان قصد ذلك النفر وقصد أوليائهم من اختلاق هذه الاختلاقات وأمثالها وإشاعتها بين المسلمين هو التشكيك بأحاديث الرسول وبسنته التي عالجت موضوع نظام الحكم أو الخلافة من بعد النبي وصولا إلى القول بأن تنصيب الرسول للإمام علي ليكون أو إمام أو خليفة من بعده ونص
٢٠٣
الرسول على أحد عشر إماما آخرين يأتون بعد الإمام علي، وكلهم من ذرية النبي ومن صلب علي ليس أمرا من الله، ولا بيانا من رسول الله لآية (وأولي الأمر منكم) إنما كان مجرد تدبير خاص من محمد شخصيا، فعندما يخالفون هذا التدبير، فإنهم لا يخالفون الله – بزعمهم – لأن التدبير المحمدي الشخصي هذا ليس موجودا في القرآن ثم إن الناس أعلم بشؤون دنياهم – كما اعترف محمد بذلك – ثم إن هذا النفر أعلم بمصلحة الناس من الرسول نفسه!! هذا ما سهل على ذلك النفر تجاهل السنة النبوية التي عالجت موضوع الحكم أو من يخلف النبي، وسهل عليهم الاستهانة بسنة الرسول بل وبمقام النبوة نفسه!!! فتركوا الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول، وأوجدوا ترتيبات من عند أنفسهم، لاعتقادهم بعدم صواب الترتيبات التي أعلنها الرسول، وأن الترتيبات التي اخترعوها من عند أنفسهم هي الأصوب والأنسب، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!!٥ – عدالة قضية ذلك النفر، وإحساسهم بأنهم يحسنون صنعا إن استولوا على منصب الخلافة بعد وفاة النبي: لقد كان الإسلام الحقيقي في نظر راكبي موجته هو الملك، والملك وحده، لقد وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد ضد النبي وضد بني هاشم الذين احتضنوه، لا حبا بالأصنام، ولا دفاعا عن دين الشرك، فحسب، ولكن دفاعا عن الصيغة السياسية الجاهلية التي كانت توزع مناصب الشرف بين البطون، ولأنها كانت تكره أن يكون النبي من بني هاشم، ولأنها كانت موقنة بأن النبوة ستتمخض عن ملك يتولاه محمد الهاشمي، ويخل بموازين القوى، وللحيلولة دون ذلك وقفت البطون وقفة فريق واحد فقاومت النبي وقاومت دينه، وحاربتهما بكل الوسائل، ولم تلق تلك البطون السلاح حتى يئست تماما من هزيمة النبي، وهزيمة دينه!! كانت بطون قريش وأبناء البطون المتعصبون لها يعتقدون بأن الهدف من الصراع هو الملك بشكل من أشكاله!! وقد عبر أبو سفيان عن قناعة هذا التيار حينما رأى جيوش النبي تزحف نحو مكة فقال للعباس:.
٢٠٤
(لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما ما رأيت ملكا مثل هذا لا ملك كسرى ولا ملك قيصر ولا ملك بني الأصفر) (١) ولم تتغير هذه القناعة حتى بعد دخول أبي سفيان في الإسلام، نظر أبو سفيان مرة للنبي فقال في نفسه:(ليت شعري بأي شئ غلبني محمد)، فأوحى الله إلى نبيه بما جال في صدر أبي سفيان فقال له الرسول (غلبتك بالله) (٢) بعد أن دخل رسول الله مكة وتلفظ بالشهادتين جئ به إلى رسول الله، فقال له الرسول: (يا أبا سفيان أما آن لك أن تعلم بأني رسول الله؟ فقال أبو سفيان أما والله فإن في النفس حتى الآن منها شئ… فصاح به العباس: ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن أضرب عنقك)، هنا فقط بعد ذكر ضرب العنق، وبعد الإحاطة، وضعف الحيلة، تظاهر بوقف صراعه مع النبي!!
لقد أحس ذلك النفر أن رئاستهم العامة للأمة بعد موت النبي تشكل فرصة تاريخية للمصالحة بين تيار أتباع النبي المخلصين، وبين تيار أتباع زعامة الشرك السابقة!!، وأن استيلاء ذلك النفر على الملك سيضع حدا لصراع طال أجله، وسيعيد الصيغة السياسية الجاهلية القائمة على اقتسام مناصب الشرف ولكن بثوب إسلامي، وبشكل إسلامي!!
كان ذلك النفر موقنا بأن الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي والمتعلقة بمن يخلفه، ترتيبات غير عادلة وغير منصفة – والعياذ بالله – فمن غير الممكن حسب تفكير ذلك النفر أن يكون النبي من بني هاشم، وأن يكون خلفاؤه الاثني عشر من بني هاشم أيضا!! إن هذه الترتيبات مجحفة بحق البطون ومن المحال حسب عقولهم أن تكون من الله، فلا بد أنها من تدابير محمد كبشر!! لقد أقنع ذلك النفر أنفسهم بذلك، لذلك هان عليهم
٢٠٥
الاستهانة بكامل نصوص السنة النبوية التي عالجت هذا الموضوع، وهان عليهم نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم!!لذلك صمموا أن يتجاهلوا هذه الترتيبات الإلهية، وأن يتجاهلوا نصوص السنة النبوية التي فصلت هذه الترتيبات، وفي ما بعد أنكروا وجود الترتيبات الإلهية، وأنكروا وجود السنة النبوية، بل والأعظم من ذلك كله أنهم قد وضعوا ترتيبات وضعية بديلة للترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول وفي ما بعد، ولغايات الدعاية والاستهلاك المحلي، قالوا بأن الخلافة ليست مقصورة على بطون قريش وحدها، إنما هي حق لكل المسلمين ما عدا الهاشميين، لأن الهاشميين قد نالوا بالنبوة من الشرف ما يكفيهم، ولا ينبغي أبدا أن يتولوا منصب الخلافة، أو يشاركوا في أعمالها!!! وللتدليل على حسن النية، وعلى الجدية قال عمر بن الخطاب: (لو أدركت معاذ بن جبل استخلفته) ومعاذ بن جبل هذا من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب وغيره من ذلك النفر يرون في سقيفة بني ساعدة أن الخلافة غير جائزة للأنصار، وأنها محصورة في عشيرة النبي (١) وهكذا منى عمر الأنصار بالخلافة، والأبعد من ذلك أن عمر قد قال: (ولو أدركت سالم مولى أبي حذيفة استخلفته)، وسالم هذا من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب!! وهكذا منى عمر الموالي أيضا بالخلافة!! ففتح شهية الجميع لمنصب الخلافة فلم تعد لأي من العرب أو الموالي مصلحة بعودة الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي بل ولم تعد لهم مصلحة بالاعتراف بهذه الترتيبات!!!
قال الإمام علي مرة: (اللهم إني أستعينك على قريش ومن أعانهم، فقد قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي، وقد قال قائل: إنك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص، فقلت:
٢٠٦
بل أنتم والله أحرص وإنما طلبت حقا لي وأنتم تحولون بيني وبينه) (١) وقال مرة: (فجزت قريش عني الجوازي فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي) (٢).والخلاصة أن الهدف الرئيسي لذلك النفر قد انصب بالدرجة الأولى والأخيرة على إبعاد آل محمد عن حقهم برئاسة الأمة، لأن ذلك النفر قد قرر أنه ليس من الإنصاف ولا من الصواب أن يأخذ الهاشميون الملك والنبوة معا، وأن يحرموا بطون قريش من هذين الشرفين معا، والصواب أن يأخذ الهاشميون النبوة وحدهم لا يشاركهم فيها أي إنسان من غيرهم وقد أخذوها، وأن تأخذ بطون قريش الخلافة لا يشاركهم فيها أي هاشمي، ومهمة ذلك النفر أن يفرضوا ذلك بالقوة، لقد أقنعوا أنفسهم أن الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي والمتضمنة تولية الإمام علي بن أبي طالب واستخلافه، واستخلاف أحد عشر من ذرية النبي، والتي أعلنها الرسول ليست عادلة ولا مناسبة، وأنها ليست من عند الله، إنما هي تدابير وضعها محمد كبشر، وأن واجبهم الديني!! يفرض عليهم تجاهل سنة النبي في هذه الناحية، ووضع سنن بديلة لها!!!
١ – اعتراف عمر بن الخطاب بذلك: قال عمر بن الخطاب أثناء خلافته لعبد الله بن عباس: (يا بن عباس أتدري ما صنع قومكم منكم بعد موت محمد؟! قال ابن عباس فكرهت أن أجيبه، فقلت إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدري، فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة فتجحفوا على قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت!! قال ابن عباس: فقلت يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت، فقال عمر: تكلم، قال ابن عباس: فقلت: أما
٢٠٧
قولك يا أمير المؤمنين، اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها من حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأما قولك إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عز وجل قد وصف قوما بالكراهية فقال: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) فقال عمر: هيهات يا بن العباس قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقر عليها فتزيل منزلتك مني، قال ابن عباس فقلت: يا أمير المؤمنين فإن كان حقا فلا ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كان باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه، فقال عمر: بلغني أنك تقول: صرفوها عنا حسدا وبغضا، قال ابن عباس فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسدا، فإن آدم حسد، ونحن ولده المحسودون. قال عمر هيهات، هيهات أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول! قال ابن عباس فقلت مهلا يا أمير المؤمنين لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (١).هذه المحاورة تؤكد ما ذهبنا إليه، وتكشف عقيدة ذلك النفر وطبيعة مشاعرهم نحو أهل بيت النبوة!!!
٢ – وعمليا وطوال رئاسة ذلك النفر للأمة لم يصدف أن استعملوا أو استعانوا بأي رجل من آل محمد، ولا بأي رجل يتعاطف مع آل محمد، وذلك من قبيل سد الذرائع!!!
قال عبد الله بن عباس: إن عمر قد أرسل إليه وقال له: (إن عامل حمص قد هلك وكان من أهل الخير، وأهل الخير قليل وقد رجوت أن تكون منهم، وفي نفسي منك شئ لم أره منك وأعياني ذلك فما رأيك
٢٠٨
بالعمل لي!! قال ابن عباس فقلت: لن أعمل لك حتى تخبرني بالذي في نفسك؟ قال عمر ما تريد إلى ذلك؟ قال ابن عباس فقلت: أريده فإن كان شئ أخاف منه على نفسي خشيت منه عليها الذي خشيت، وإن كنت بريئا من مثله علمت أني لست من أهله فقبلت عملك هنالك، فإني قلما رأيتك طلبت شيئا إلا عاجلته، فقال عمر: يا بن عباس إني خشيت أن تأتي الذي هو آت (الموت) وأنت في عملك فتقول هلم إلينا ولا هلم إليكم دون غيركم…) (١).من فرط حرص عمر على مصلحة المسلمين وكراهيته المطلقة لرئاسة آل محمد يريد حتى بعد وفاته أن يتأكد، بأنه لا يوجد في ولايات الدولة ولا أعمالها رجل واحد يؤيد حق آل محمد بالرئاسة!! وهو يثق بمعاوية، ويثق بكل ولاته لأنه وإياهم على خط واحد، ولهم هدف واحد وهو الحيلولة بين آل محمد وبين الرئاسة العامة للأمة، لأن ذلك النفر لا يرون أنه ليس للأمة مصلحة في رئاسة آل محمد، بل المصلحة كل المصلحة بإبعاد آل محمد عن حقهم برئاسة الأمة وإبعاد أولياء آل محمد عن الولايات والإمارات والأعمال والوظائف العامة حتى لا يوطدوا لآل محمد!!
لهذه الأسباب هان على ذلك النفر تجاهل سنة الرسول وكافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم أو بمن يخلف الرسول، وأقنعوا أنفسهم بأن الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول في هذا المجال ليست في مصلحة الإسلام ولا في مصلحة المسلمين!!! ومع الأيام أقنعوا الأكثرية التي حكموها بذلك!! إن هذا لهو البلاء المبين!!
٢٠٩
الفصل الثالث
كيف تجاهلوا سنة الرسول ونقضوا أولى عرى الإسلام وهي نظام الحكم؟
من خلال سلسلة متكاملة ومتلاحقة من الخطوات، تمكن ذلك النفر من تجاهل سنة الرسول التي رتبت من يخلف النبي بعد موته، ونتيجة لذلك نقضوا أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم حتى قبل أن يدفن الرسول الأعظم!!
الخطوة الأولى: هي الحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج
لقد نجح ذلك النفر بتثبيط المسلمين عن الخروج في جيش أسامة، مع أن الرسول الأعظم قد عبأ هذا الجيش بنفسه، وعبأ ذلك النفر فيه، وأعطى الرسول الراية لأسامة بنفسه، وحث الرسول هذا الجيش على الخروج سريعا (١)، وقال الرسول جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه (٢) لكن ذلك النفر وأولياءهم كانوا يرون أن تأمير الرسول لأسامة على
٢١٠
الجيش وهو فتى غير مناسب!!! والأفضل أن يعين الرسول بدلا منه!! هذه هي الحجة التي احتجوا بها حتى لا يخرجوا مع الجيش، فاضطر الرسول أن ينهض من فراش الموت وهو معصوب ومحموم، وأن يصعد المنبر، وأن يدافع عن قراره بتأمير أسامة وأن يؤكد ذلك بقوله: (… وأيم الله إنه لخليق بالإمارة (١) ومع هذا فقد أصروا على موقفهم بأن تأمير الرسول لأسامة غير مناسب ويتوجب على الرسول أن يستبدله!!! ومن الطبيعي أن يصر الرسول على قراره فكان يقول: (جهزوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة) وكرر ذلك مرات متعددة وهم متثاقلون (٢) ويبدو أن ذلك النفر قد ضغط على أسامة ضغطا شديدا، فدخل على رسول الله فأمره رسول الله بالسير وقال له: (أغدو على بركة الله (٣) فقال أسامة للرسول: دعني أمكث حتى تشفى، فقال الرسول أخرج وسر على بركة الله، فقال أسامة: إن خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي قلبي قرحة، فقال الرسول: سر على النصر والعافية فقال أسامة: يا رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان فقال الرسول: أنفذ لما أمرتك به) (٤) فقام أسامة، ثم أغمي على الرسول، واستفاق وأخذ بقول: أنفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عن بعث أسامة!! ومع هذا لم يخرجوا ولم يستجيبوا لرسول الله، وأصروا على رأيهم بأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب فلا ينبغي لأسامة وهو فتى أن يتأمر على شيوخ المهاجرين والأنصار!! وحتى بعد أن توفي الرسول أصروا على رأيهم وضغطوا على الخليفة الأول كي ينزع أسامة!! لأن تأمير (١) المغازي للواقدي ج ٣ ص ١١٩، والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٩٠، وشرح النهج ج ١ ص ٥٧، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٧ و ٢٤٣.(٢) كنز العمال ج ١٠ ص ٥٧٣، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج ٤ ص ١٨٢.
(٣) المغازي للواقدي ج ٣ ص ١١٢، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ١٩١، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٨ وص ٢٣٥، والسيرة الدحلانية ج ٢ ص ٣٤٠، وشرح النهج ج ١ ص ١٦٠، وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٧١.
(٤) السقيفة للجوهري راجع شرح النهج ج ٦ ص ٥٢.
٢١١
الرسول لأسامة ليس مناسبا ولا صحيحا!! فأخذ الخليفة الأول بلحية عمر بن الخطاب وقال له: (ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه) (١).لقد استمات ذلك النفر للحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج لأن الرسول قد عبأهم بهذا الجيش بنفسه، فإن تخلفوا عنه سينكشفون ثم إن خروجهم بهذا الجيش سيقوض كل خططهم الرامية إلى زحزحة الخلافة عن صاحبها الشرعي والاستيلاء عليها بالقوة والتغلب بعد تجاهل سنة الرسول التي رتبت نظام الحكم بعد موت النبي!! فلو خرجوا مع الجيش لانتقلت الخلافة في غيابهم إلى صاحبها الشرعي انتقالا سلميا ولما اختلف اثنان لقد فطن ذلك النفر إلى تدبير النبي، لذلك استماتوا للحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج، وكانت هذه هي الخطوة الرئيسية الأولى لتجاهل سنة الرسول تجاهلا تاما ونقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم!!
الخطوة الثانية: الحيلولة بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة
لما علم النبي أن ذلك النفر قد نجح بالحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج صمم على كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة ليسهل عملية الانتقال السلمي إلى خليفته الشرعي الذي اختاره الله وأعلنه رسوله، وقبله الجميع وبايعه الجميع في غدير خم بما فيه أفراد ذلك النفر.
ومن المؤكد أن الرسول الأعظم قد ضرب موعدا لذلك، ودعا إليه بعض الخلص من أصحابه ليشهدوا كتابة الوصية والتوجيهات النهائية، ومن
٢١٢
المؤكد أن شخصا ممن كان يسكن مع النبي قد سمع بذلك، ومن المؤكد أن ذلك الذي سمع كان متعاطفا مع ذلك النفر وضالعا معهم في المؤامرة، فنقل الخبر إلى عمر بن الخطاب (١) ولأن عمر بن الخطاب رجل حازم فقد أطلع أركان حزبه على ما سمع واتفقوا على أن يجمعوا وبصمت أكبر عدد ممكن من أعوانهم، وأن يدخلوا حجرة الرسول في الوقت الذي حدده لكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية!!حضر الذين اصطفاهم الرسول ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية وليلخص أمامهم الموقف للأمة، جلست هذه الصفوة بين يدي رسول الله!!
فجأة وبدون استئذان دخل عمر بن الخطاب ومعه أركان حزبه وعدد كبير من أعوانه الذين اتفق معهم على خطة تحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد كتابته!!
ماذا يفعل النبي أمام هذه المفاجأة!! لم يلغ الموعد، ويضرب موعدا جديدا لأن الموت يدركه، بل مضى إلى حيث أمره الله متجاهلا وجود المتآمرين ونواياهم!!
فقال للذين دعاهم (إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) (٢).
ما إن أتم الرسول جملته حتى تصدى له عمر بن الخطاب، وقال متجاهلا طلبه، ومتجاهلا وجود الرسول، وموجها كلامه للصفوة التي اختارها الرسول: (لا حاجة لنا بكتابه، إن المرض قد اشتد به، إن النبي يهجر، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله) (٣) وما إن أتم عمر جملته حتى قال أعوانه بصوت واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحضور:
٢١٣
(القول ما قال عمر، إن رسول الله يهجر، ما له أهجر!! ما شأنه أهجر!!استفهموه إنه يهجر) (١).
صعقت الصفوة التي اختارها النبي من هول ما سمعت، فقالت: إلا تسمعون رسول الله يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده!! وكرر عمر أقواله السابقة وعلى الفور ضج أتباع عمر فرددوا اللازمة التي اتفقوا عليها قبل دخولهم إلى منزل النبي (القول ما قال عمر إن الرسول يهجر…) كان واضحا أن عمر وحزبه على استعداد لفعل أي شئ يحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد، سمعت النسوة، فقالت النسوة لعمر وحزبه: (ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم…) فصاح بهن عمر: (إنكن صويحبات يوسف…).
هنا تدخل الرسول فقال: (دعوهن فإنهن خير منكم) (٢) دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع (٣) لقد اكتفى الرسول بتأكيداته السابقة، ورد على عمر وحزبه ردا يليق بجلال النبوة وطبيعة الظروف وهذا ما تمناه عمر وحزبه، لقد تحققت غايتهم من اقتحامهم لمنزل الرسول ولم يعد هنالك ما يوجب بقاءهم، وهكذا كسروا خاطر النبي الشريف، وقصموا ظهر الدين والأمة معا، وتركوا النبي يصارع الموت تحف بجنابه الأقدس ملائكة الرحمن.
وقد فعل عمر وحزبه ذلك (حتى لا يجعل الأمر خطيا لعلي بن أبي
٢١٤
طالب) فيؤكد تأكيداته اللفظية بتأكيد خطي، وقد اعترف عمر بذلك، لأنه كان يعتقد أن مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي أن لا يتولى الخلافة علي وأن اختيار الرسول للإمام علي كاختياره لأسامة عمل غير صحيح وغير مناسب!!فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الخطوة الثالثة: توزيع الأدوار
من اللحظة التي قعد فيها رسول الله على فراش الموت، استنفر ذلك النفر قاعدتهم الشعبية، وقامت قيادتهم بتحديد الخطوات اللازمة للاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة.
١ – تحديد ساعة الصفر أو الاعلان عن وجود انقلاب على الشرعية الإلهية: قدر ذلك النفر أن أفضل وقت لتنفيذ الانقلاب هو الفترة الواقعة ما بين وفاة النبي وبين دفنه، حيث يكون الإمام الشرعي وأهل بيت النبوة والفئة القليلة المؤمنة مشغولين بتجهيز الرسول لمواراته في ضريحه المقدس فإذا نجح الانقلابيون بتنصيب خليفة خلال هذه الفترة فسيواجهون الإمام الشرعي وآل محمد والفئة القليلة المؤمنة بأمر واقع لا طاقة لهم على دفعه، وهذا ما حدث بالفعل، فلم يشارك ذلك النفر بتجهيز الرسول ولا شاركوا بدفنه مع أن أبسط حقوق الرسول على ذلك النفر هو المشاركة بالتجهيز والدفن خاصة وأن أبا بكر وعمر قد نالا شرف مصاهرة الرسول.
قال ابن سعد: (ولي وضع الرسول في قبره هؤلاء الرهط الذين غسلوه العباس وعلي، والفضل وصالح مولاه (وخلى أصحاب رسول الله بين رسول الله وأهله فولوا أجنانه) (١).
٢١٥
كتاب أين سنة الرسول ؟!! للمحامي أحمد حسين يعقوب (ص ٢١٦ – ص ٢٤٣)
٢١٦
وصوله، ويبايعونه أمام آل محمد، بعفوية وبدون اعتراض، وكأن هذه البيعة طبيعية، وكأن هذا القسم لا يعرف شيئا عن المؤامرة والانقلاب!!وبالفعل عندما جاء الخليفة الجديد نهضت هذه المجموعة لاستقباله فقال عمر بن الخطاب: (ما لي أراكم حلقا شتى، قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار) (١).
وكأن كلام عمر (مسحة رسول) فقام عثمان بن عفان والأمويون فبايعوا الخليفة الجديد، وقام سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا الخليفة الجديد، ولم يبق من ذلك الجمع لم يبايع إلا علي بن أبي طالب والعباس ومن معهما والزبير بن العوام الذي انضم لهما (٢) وهكذا عزل الهاشميون وآل محمد كما خطط الانقلابيون ونجح القسم الذي وضع في المسجد وحوله بأداء دوره على أكمل وجه!!!
ب – قسم آخر يتحرك إلى منطقة الأنصار، ويتجمعون في سقيفة بني ساعدة كأنهم زوار لسعد بن عبادة الذي كان مريضا وطريح الفراش بإجماع كل المؤرخين، ومهمة هذا القسم أن ينتظر قدوم قادة الانقلاب، وأن يشترك بالحوار وكأنه لا علم له بما دبروا، حتى إذا ما نجح قادة الانقلاب بجر الحاضرين إلى الخوض في حديث من يخلف النبي، أمسكوا بالحديث فتابعوه حتى يتم تنصيب الخليفة المتفق عليه وهو أبو بكر، عندئذ ينهض أفراد هذا القسم ويبايعوا أبا بكر كأول خليفة للنبي، فيذهل الحاضرون من غير الانقلابيين، ويجدون أن من الحكمة مبايعة الخليفة الجديد باعتباره واقعا، وحتى يشركهم في ما بعد بالمنافع والأدوار، ويحافظوا على مصالحهم باعتبار أن هذه الخليفة هو رأس الحكومة الواقعية!!
٢١٧
٣ – افتعال اجتماع سقيفة بني ساعدة: في وقت يطول أو يقصر سيكتشف المسلمون بإن اجتماع سقيفة بني ساعدة كان مفتعلا وقد حوله الانقلابيون من مجرد اجتماع لزوار عند مريض إلى اجتماع سياسي وقد أثبتنا ذلك (١) فسعد بن عبادة كان مريضا بالإجماع، وقاعد على فراش المرض في منزله المجاور لسقيفة بني ساعدة، ولأن سعد سيد الخزرج بلا كلام فمن الطبيعي أن تأتي وجوه الخزرج لعيادته والاطمئنان على صحته، ومن الطبيعي أن يتعرض الزوار في حديثهم العادي لوفاة الرسول، والفراغ الذي سيتركه، وفجأة حضرت الأوس المتفقة مع قادة الانقلاب، والمحصورة مهمتها بمبايعة الخليفة في اللحظة المناسبة عند ترشيحه من قبل قادة الانقلاب، وليس في حضور الأوس أو جزء كبير منهم أو حتى مجموعة من الأوس لزيارة سعد بن عبادة ما يثير الريبة، فسعد مريض وعيادة المريض وزيارته مرغوبة في الجاهلية والإسلام، وهذه الزيارة من حيث الظاهر مبادرة نبيلة من الأوس. لقد جلس الجميع واطمأنوا على صحة المريض سعد بن عبادة ومن غير المستبعد أن الجميع قد تطرقوا إلى عصر ما بعد النبوة، ويجمع المؤرخون أن الحضور قد قالوا لسعد بن عبادة أن الأمر لك، فما كنت فاعلا فلن نعصي لك أمرا، بمعنى أن سعد بن عبادة يتولى توجيه الأنصار إلى ما يمكن عمله وكيف يتم ذلك، وليس المقصود تولية سعد خليفة على المسلمين، فلو أن المقصود تولية الخلافة لسعد لبايعه الحاضرون خليفة، ولوضعوا المسلمين تحت أمر واقع كما فعل الانقلابيون!! لكن سعد لا يقبل ذلك، ولا يقبل الخزرج ذلك ولا تقبل الأوس ذلك أيضا، لأن الأنصار كانت تعرف أن الرسول قد استخلف الإمام علي بن أبي طالب، وطوال عهد الرسول المبارك وهو يؤكد هذه الحقيقة وقبل شهرين من وفاته نصبه الرسول وتوجه إماما للمسلمين في غدير خم وبايعه المسلمون وقدموا له التهاني بحضور الرسول، كأن مسألة خلافة النبي محسومة ومعروفة
٢١٨
عند الجميع خاصة الأنصار، وحتى بعد أن نجح الانقلابيون بتنصيب خليفة في سقيفة بني ساعدة قالت الأنصار ” لا نبايع إلا عليا أو قال بعض الأنصار: ” لا نبايع إلا عليا ” (١) وعلى غائب، لأن عامة المهاجرين والأنصار كانوا لا يشكون بأن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله (٢) ولكن كان من الطبيعي أن ينشرح خاطر سعد مما عرضته الأوس حول تنسيق المواقف إن العرض غريب ومدهش، لكن تقبله سعد، وتقبلته الخزرج بحسن نية وبارتياح، لأن الخزرج كانت خالية الذهن تماما من موضوع الانقلاب، ومن تواطؤ أعداد كبيرة من الأوس فيه!!٤ – حضور أبي بكر وعمر وأبي عبيدة: بينما كان الزوار مجتمعين في منزل سعد بن عبادة حضر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، كان حضورهم مستهجنا من جميع الوجوه فهم أصهار الرسول، وقد جرت العادة أن يساعد الأصهار أهل الميت بتجهيزه ودفنه، إن ترك الثلاثة لرسول الله يثير الدهشة والاستغراب لكن سعد والخزرج تصوروا لأول وهلة أن زيارة الثلاثة تعبير عن المحبة والتقدير لسعد، ولفتة نبيلة تجاه الخزرج، وأن الزيارة لوجه الله تعالى! ولم يعلم سعد، ولا علمت الخزرج ساعتها أن الثلاثة اختاروا هذا المكان وهذا التجمع بالذات لينصبوا خليفة بديلا للخليفة الذي اختاره الله ورسوله!! من الطبيعي أن ينهض الجميع أو يفسحوا المجال على الأقل للزوار الثلاثة ثم يجلس الجميع، من الذي وصل الحديث!! من الذي بدأ الحديث!! كيف تطور الحديث عن خلافة النبي المحسومة! لا أحد يعلم ذلك على وجه اليقين، لم تعد الروايات التاريخية التي ” هندستها ” وسائل إعلام دولة الخلافة التاريخية مقبولة عقليا ولا قادرة على الوقوف أمام أي تحليل منطقي!! لكن المؤكد أن اجتماع السقيفة بالمعنى الذي تقدمه وسائل إعلام الخلافة التاريخية كان
٢١٩
مفتعلا، وأنه لم يكن بالأصل اجتماعا سياسيا لغاية انتخاب خليفة من الأنصار كما يزعمون!! وأن الثلاثة وأعوانهم هم الذين استغلوا وجود بعض الناس عند سعد بن عبادة، وحولوا ذلك الاجتماع إلى اجتماع سياسي لغاية تنصيب الخليفة بديل للخليفة الذي نصبه الله ورسوله، ومواجهة آل محمد وصاحب الحق الشرعي وكافة المسلمين بأمر واقع لا طاقة لهم على دفعه إلا بالقتال وتفريق وحدة المسلمين!!٥ – الثلاثة وأعوانهم يتجاهلون بالكامل الإمام الذي اختاره الله ورسوله ليخلف الرسول: بعد أن نجح الثلاثة وأعوانهم بتحويل الاجتماع عند مريض إلى اجتماع سياسي، تجاهلوا بأن الرسول قد عين خليفة، وتجاهلوا سنة الرسول التي نظمت عصر ما بعد النبوة، وتجاهلوا نظام الحكم في الإسلام وانطلقوا من نقطة الصفر قافزين عن كل الأحكام الشرعية التي أعلنها النبي، فقال أبو بكر للحاضرين، نحن عشيرة الرسول… وقال عمر: ” إن العرب لا ينبغي أن تولي هذ الأمر إلا من كانت النبوة فيهم من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته ” (١) وقال أبو عبيدة: ” يا أيها الأنصار كنتم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وخالف ” (٢). أنت تلاحظ أن الثلاثة كانوا يحتجون بحجة أهل بيت النبوة، ويتصرفون كأن الرسول لم يعالج هذا الموضوع، لقد فهم الأنصار أن الثلاثة يريدون أن ينصبوا خليفة، ويضعوا الناس أمام أمر واقع، فقالت الأنصار أو قال بعض الأنصار: ” لا نبايع إلا عليا ” (٣) وكان علي غائب، وقال المنذر بن الأرقم: ” إن