الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠

فيكم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازله أحد ” يعني علي بن أبي طالب (١).تجاهل أبو بكر ما قالته الأنصار فقال: ” هذا عمر وهذا أبو عبيده بايعوا أيهما شئتم، فقال عمر ما لأبي بكر أبسط يدك أبايعك، وكثر اللغط وكثر الاختلاف، أهل الشرعية من الأنصار يقولون لا نبايع إلا عليا والثلاثة يريدون أبا بكر والمندسون يترقبون الفرصة. لما رأى بشير بن سعد أن الثلاثة لم يقبلوا بولاية علي أدرك أن البيعة لأحدهم واقعة لا محالة، فأراد أن يكون له السبق فقال إن محمدا من قريش وأهله أحق بميراثه وتولي سلطانه… ثم قفز وبايع أسيد بن حضير ومن حضر من الأوس، وحتى ينال الخزرج جزاءا من هذا الشرف ولا يأخذه الأوس وحدهم بايع أكثرية من حضر… ” (٢).

٦ – استقدام المرتزقة من الأعراب: استقدم الانقلابيون أعدادا كبيرة من الأعراب، وطلبوا منهم أن يتواجدوا في الوقت الذي حدوده قرب بيت سعد بن عبادة، فجاءت قبيلة أسلم قال الطبري: ” إن أسلم أقبلت بجماعة حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر ” (٣) قال عمر بن الخطاب في ما بعد: ” ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر ” (٤) قال عمر هذا الكلام وهو في سقيفة بني ساعدة، وهو بحاجته ماسة إلى مؤيدين ينتصر بهم على سنة الرسول وعلى صاحب الحق الشرعي!! فكيف عرف أن هذه القبيلة التي لا تسكن المدينة ستكون من المؤيدين له! إن لم تكن هنالك علاقة أو اتفاق

 

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٣، والموفقيات للزبير بن البكار ص ٥٧٩.(٢) راجع التفصيلات في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ٥ وما فوق.

(٣) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٥٨ وطبعة أوروبا ج ١ ص ١٨٣٣، وابن الأثير ج ٢ ص ٢٢٤، والزبير بن بكار برواية ابن أبي الحديد ج ٦ ص ٢٨٧.

(٤) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٤٥٨ وط أوروبا ج ١ ص ١٨٤٣.

 

٢٢١
مسبق معها، ثم ما هي مصلحة هذه القبيلة باندفاعها الذي وصل إلى درجة التهور في تأييدها لذلك النفر!! قال ابن الأثير فجاءت أسلم فبايعت (١) وقال الزبير بن البكار: ” فقوي بهم أبو بكر ” (٢) وقال المفيد: ” إن القبيلة كانت قد جاءت لتمتار من المدينة ” (٣) لقد حسمت الأعراب الموقف وأجبرت المترددين على الاعتراف بالأمر الواقع، وهذا ليس وليد صدفة، إنما كان ثمرة تخطيط اتفاق مسبق!!٧ – زقة الخليفة الجديد: بايع أبا بكر الانقلابيون من المهاجرين والطلقاء والأنصار والمنافقين والمرتزقة من الأعراب في سقيفة بني ساعدة، وبعد أن تمت بيعتهم له أحاطوا به وزفوه زفا إلى المسجد (٤) ولما وصل موكب الخليفة الجديد المسجد استقبله الأمويون برئاسة عثمان بن عفان فبايعوا، وبنو زهرة برئاسة سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف فبايعوا، وتبعا لهم بايعت بطون قريش باستثناء بني هاشم والزبير وخالد بن سعيد الأموي، وهكذا واجه الانقلابيون الأمة بأمر واقع لا سبيل إلى دفعه ، إلا برجوعهم إلى الحق وهذا غير وارد فلو أرادوا الحق لما خرجوا منه، أو بحرب غير متكافئة تفرق وحدة المسلمين.

٨ – توقع الخليفة الجديد وأعوانه المباركة الفورية من آل محمد عامة ومن صاحب الحق الشرعي خاصة: بعد ما نصب الانقلابيون الخليفة الجديد وحشدوا ذلك الحشد الهائل من الأتباع والأعوان ومن أعداء الله ورسوله وواجهوا صاحب الحق الشرعي وآل محمد بهذا الواقع المر، توقع الخليفة الجديد وأعوانه بأن يسكت صاحب الحق الشرعي، وأن يسكت أهل بيت

 

(١) ابن الأثير ج ٢ ص ٢٢٤.(٢) شرح النهج ج ٦ ص ٢٨٧.

(٣) الجمل للمفيد ص ٤٣.

(٤) الموفقيات ص ٥٧٨، والرياض النضرة للطبري ج ١ ص ١٦٤، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٨٨.

 

٢٢٢
النبوة وأن يبادروا على الفور للاعتراف بهذه الأمر الواقع وإن يبادروا إلى مبايعة الخليفة الجديد خاصة وأنه قد استعرض قواته أمام بيت العزاء!!لكن ما توقعه الانقلابيون لم يحدث ولم يتقدم الإمام علي بن أبي طالب ولا أحد من بني هاشم إلى مبايعة الخليفة الجديد أو إظهار الاعتراف بالأمر الواقع بل اعتبروه عملا غير شرعي بل ومعدم شرعا!! كذلك فقد توقع الخليفة وأعوانه أن تتقدم الفئة القليلة المؤمنة فتبايعه، وتبارك له وتعترف بالأمر الواقع، وتتناسى كل ما قاله رسول الله!! ولكن ذلك لم يحدث، فقد رفضت القلة المؤمنة الاعتراف بالأمر الواقع، وبالوضع الجديد!! قال عمر بن الخطاب في ما بعد: ” وإنه كان من خبرنا حين توفي نبينا أن عليا والزبير ومن معهما – سلمان الفارسي، وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وأبي بن كعب – تخلفوا عنا في بيت فاطمة (١).

 

 

(١) مسند أحمد ج ١ ص ٥٥ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٦٦ وط أوروبا ج ١ ص ١٨٢٢، وابن الأثير ج ٢ ص ١٢٤، وابن كثير ج ٥ ص ٢٤٦، وابن أبي الحديد ج ١ ص ١٢٣، وتاريخ السيوطي ص ١٤٥، وسيرة ابن هشام ج ٤ ص ٣٢٨، وتيسير الوصول ج ٢ ص ٤١، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٨٨، وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٥٦، وابن شحنة بهامش الكامل ص ١١٢. 

٢٢٣

المواجهة مع صاحب الحق الشرعي ومع آل محمد والقلة المؤمنة

تأثر أبو بكر ونائبه والانقلابيون من فعلة الإمام علي وآل محمد والقلة المؤمنة ومن تلكئهم عن بيعته وعدم اعترافهم بالأمر الواقع، فأرسل أبو بكر عمر بن الخطاب وقال له: ” إئتني به بأعنف العنف ” (١) فجاء عمر وجرى بينه وبين الإمام حديث (٢) فقال الإمام علي لعمر: ” والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غدا ” (٣) أو قال له: ” إحلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا ” (٤) فعلي بن أبي طالب يعلم علم اليقين بأن أبا بكر سيستخلف عمر بن الخطاب. ومن الطبيعي أن تنتهي المناقشة عند هذا الحد ومن الطبيعي أن لا يجرؤ عمر على الاصطدام مع الإمام علي دون وجود قوة كافية تحميه من الإمام، لأن عمر ليس من رجال علي، ولا يجيد القتال، فخرج عمر ثم عاد ومعه قوة من جيش الخليفة الجديد، فيهم أسيد بن حضير، وعبد الرحمن بن عوف، وزياد بن لبيد وزيد بن ثابت، وسلمة بن أسلم، وخالد بن الوليد، وثابت بن قيس، وسلمة بن سالم بن

 

(١) أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٨٧.(٢) أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٨٧.

(٣) أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٨٧.

(٤) الإمامة والسياسة ص ١١ – ١٢.

 

٢٢٤
وقش (١) ومعهم طائفة من مرتزقة الأعراب بهدف إخراج الإمام علي وال محمد ومن عندهم من المؤمنين المعزين ليبايعوا أبا بكر، أو ليدخلوا في ما دخلت فيه الأمة على حد تعبير عمر بن الخطاب، وقال أبو بكر لعمر قائد تلك السرية: ” وإن أبوا فقاتلهم ” (٢) ومع أن الفارق العددي بين السرية وبين الذين في منزل الإمام كبير جدا، فقد رأى عمر بن الخطاب أن حرق البيت على من فيه هو الأسلم والأضمن، فإن استسلم الإمام ومن معه كان به، وإن أبوا الخروج ومبايعة الخليفة الجديد، يتم حرقهم وهم أحياء!! وهكذا يتجنب عمر بن الخطاب ومن معه مواجهة الإمام!! لذلك صمم على عدم المواجهة مع الإمام وحرق البيت على من فيه.أقبل عمر ومعه قبس من النار ليضرم النار على من في البيت، فلقيته فاطمة بنت الرسول فقالت له: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ فقال لها عمر: نعم أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة!! (٣).

قال البلاذري: فتلقته فاطمة على الباب فقالت له: ” يا بن الخطاب أتراك محرقا علي بابي؟ فقال عمر: نعم ” (٤).

قال اليعقوبي: فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار وكسروا سيف علي ودخلوا الدار (٥).

قال الطبري: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير

 

(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٤٣ – ٤٤٤، وأبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة حسب رواية ابن أبي الحديد ج ١ ص ١٣٠ – ١٣٤.(٢) تاريخ ابن شحنة ج ١١ ص ١١٣ بهامش الكامل وشرح النهج ج ١ ص ١٣٤.

(٣) العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٣ ص ٦٤، وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٥٦.

(٤) أنساب الأشراف للبلاذري ج ١ ص ٥٨٦، وكنز العمال ج ٣ ص ١٤٠، والرياض النضرة للطبري ج ١ ص ١٦٧، والسقيفة للجوهري برواية ابن أبي الحديد ج ١ ص ١٣٢ وج ٦ ص ٢، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٧٨، وشرح النهج ج ١ ص ١٣٤.

(٥) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٥.

 

٢٢٥
ورجال من المهاجرين، فخرج عليهم الزبير مصلتا سيفه فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه (١).هكذا فعلوا بال محمد في اليوم الثاني لوفاة الرسول!! ومن المؤكد أن الحضور قد جاؤوا للتعزية والمواساة، وقسم منهم كان قد بايع الخليفة، لكنها القوة الغاشمة!! والشروع بحرق بيت فاطمة بنت رسول الله على من فيه من آل محمد ومن المعزين من الحقائق الثابتة في التاريخ، فقد رواها جمع كبير من الناس يمتنع عقلا اجتماعها على الكذب، وكانت من الثبوت والقوة بحيث لم يجرؤ أحد من الناس على إنكارها وقد أجمع المؤرخون على ذكرها وتأكيد وقوعها والظروف التي أدت إليها (٢).

وقد اعتبرها بعض الشعراء من مفاخر ومناقب عمر ابن الخطاب، قال شاعر النيل حافظ إبراهيم:

 

وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها

ولكن غاب عن شاعر النيل، أنه لم يكن بوسع عمر أن يفعل ذلك لو لم يكن مدعو ما بجيش يعد بالآلاف، في الوقت الذي كان فيه الإمام يقف وحيدا لقد قدر الإمام علي والسيدة الزهراء أن القوم جادون بعزمهم على حرق البيت

 

(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٤٤٣ و ٤٤٤ وطبعة أوربا ج ١ ص ١٨١٨ و ١٨٢٠ و ١٨٢٢، وعبقرية عمر للعقاد ص ١٧٣، والرياض النضرة للطبري ص ١٦٧، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٨٨، وشرح النهج ج ١ ص ١٢٢ و ١٢٣ وج ٦ ص ٢، وكنز العمال ج ٣ ص ١٢٨.(٢) راجع الرياض النضرة للطبري ج ١ ص ١٦٧، والسقيفة للجوهري، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ ص ١٣٢ وج ٦ ص ٢٩٣، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٨٨، وتاريخ اليعقوبي، وتاريخ ابن شحنة ص ١١٣ بهامش الكامل لابن الأثير ج ١١، وشرح النهج ج ١ ص ٤، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج ٣ ص ٦٤، وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٥٦، وأنساب الأشراف للبلاذري ج ١ ص ٥٨٦، وكنز العمال ج ٣ ص ١٤٠، ومروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ١٠٠.

 

٢٢٦
على من فيه إن لم يخرجوا، وإن أحرقوا البيت على من فيه فستنقطع ذرية النبي، وسيباد آل محمد عن بكرة أبيهم وسيقسم ظهر الفئة القليلة المؤمنة ولن يبقى للحق شهود، لذلك آثر الإمام أن يعارض معارضة سلمية، لا تضطر القوم لقتله، لذلك خرج الإمام وآل محمد والمعزون، وانقضت السرية على الإمام والذين آمنوا، وحملوا الإمام إلى أبي بكر، فقيل له بايع، فقال الإمام أمام الجميع: ” أنا أحق بهذا الأمر، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله فأعطوكم المقادة، وسلموا لكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم مؤمنين، واعرفوا لنا من الأمر مثلما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوؤوا بالظلم وأنتم تعرفون “.قال أبو عبيدة: ” يا أبا الحسن إنك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قومك… ولا أرى أبا بكر إلا أقوى منك على هذا الأمر… فسلم له وارض به… “.

فقال الإمام علي: ” يا معشر المهاجرين، الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه لدين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا ” (١).

ثم التفت الإمام إلى أبي بكر وقال له: ” أفسدت علينا أمورنا، ولم تستشر، ولم ترع لنا حقا “، فقال أبو بكر: ” بلى ولكني خشيت الفتنة ” (٢).

قال بشير بن سعد وهو أول من بايع أبا بكر وأحد أقطاب الانقلاب:

 

 

(١) الإمامة والسياسة ص ١١ – ٢١، وتاريخ الطبري حوادث سنة ١١.(٢) مروج الذهب للمسعودي ج ١ ص ٤١٤، والإمامة والسياسة ج ١ ص ١٢ – ١٤ مع اختلاف يسير، وشرح النهج ج ٦ ص ٢٨٥، والسقيفة للجوهري.

 

٢٢٧
لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان ولكنهم بايعوا “. (١) قال عمر بن الخطاب مخاطبا عليا: إنك لست متروكا حتى تبايع!!فقال له علي: ” إحلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا ” قال عمر بايع، فقال علي إن لم أبايع فمه؟ قال عمر: والله الذي لا إله إلا هو لنضربن عنقك!! قال علي: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله!! فقال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخو الرسول فلا!! ” (٢). فعمر لا يعترف بأخوة علي لرسول الله، ولكنه يعترف بأخوته لأبي بكر وبموجب هذه الأخوة ورث عمر أبا بكر، فإعلان الرسول أخوته لعلي كانت وقت الغضب فهو غير ملزم لأن محمدا بشر، وأما إعلان الرسول للأخوة بين عمر وأبي بكر فملزم لأنه قد صدر من محمد الرسول!!!!! لقد أعلن النبي هذه المؤاخاة قبل الهجرة (٣) وأعلنها بعد الهجرة (٤).

وانصرف علي إلى منزله ولم يبايع، ولم يبايع أحد من بني هاشم حتى بايع علي بعد ستة أشهر (٥).

قال اليعقوبي في تاريخه: واجتمع جماعته إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة فقال لهم الإمام علي: ” اغدوا علي محلقين الرؤوس فلم يغدو عليه إلا ثلاثة نفر ” (٦).

 

 

(١) الإمامة والسياسة ص ١٢ وشرح النهج نقلا عن السقيفة ج ٦ ص ٢٨٥.(٢) الإمامة والسياسة ص ١١ (٣) تذكره الخواص للسبط ابن الجوزي ص ٢٣، وترجمة علي من تاريخ الدمشق لابن عساكر ج ١ ص ١٠٧ و ١٠٥، وكنز العمال ج ٦ ص ٢٩٠، والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٠٩، وصحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٠ وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٢١، والطبقات الكبرى ج ٣ ص ٢٢٠…

(٤) المناقب للخوارزمي ص ٢٤٦، وأسد الغابة ج ١ ص ٢٠٦، والصواعق المحرقة ص ١٧١.

(٥) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٤٨ وطبعة أوروبا ج ١ ص ١٨٢٥، والصحيح البخاري كتاب المغازي ج ٣ ص ٣٨، وابن أبي الحديد ج ١ ص ١٢٢، ومروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٤١٤.

(٦) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٥.

 

٢٢٨
ثم إن الإمام عليا أخذ معه السيدة فاطمة ويداه في يدي ابنيه الحسن والحسين، وسار بهم ليلا إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة، وتسألهم فاطمة الانتصار فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به، فيقول علي:” أفكنت أترك رسول الله ميتا في بيته لم أجهزه، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه!! وتقول فاطمة: ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم عليه ” (١) وإلى هذه الواقعة أشار معاوية (٢).

لقد أمتنع الأنصار عن نصرة الإمام علي وحمايتهم له ولأولاده بحجة أنهم قد بايعوا أبا بكر، وقبل بيعتهم لأبي بكر كانوا قد بايعوا رسول الله على أن يحموه ويحموا ذريته كما يحمون أنفسهم وذراريهم، لذلك قال الإمام جعفر الصادق يوما: ” فوالله ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم، ثم لا أحد يمنع يد لامس، اللهم اشدد وطأتك على الأنصار على الأنصار ” (٣).

 

إما التسليم أو الدخول في مواجهة انتحارية

الانقلابيون هم القوة الحقيقية في المجتمع، فقد ضم تحالفهم بطون قريش كلها المهاجر منها والطليق والمنافق بلا استثناه، بالإضافة إلى أكثرية الأنصار التي هالتها قوة هذا التحالف فاستسلمت الأنصار لتسلم، وتورط الكثير منهم بالانقلاب طمعا بالمغانم وهروبا من المغارم، بالإضافة إلى المرتزقة من الأعراب الذين يوالون من يعطيهم، والمرتزقة على علم بأن المال والمغانم ستكون بيد الانقلابيين ومن والاهم لذلك مالوا مع الانقلابيين، ولقد مد الانقلابيون نفوذهم حتى داخل بيت الرسول، فصارت عائشة أم المؤمنين معهم وحافزها على ذلك حبها لأبيها ولقومها بطون

 

(١) الإمامة والسياسة ص ١٥.(٢) شرح النهج ج ٢ ص ٦٧، ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٨٢.

(٣) مقاتل الطالبين ص ٢١٩ – ٢٢٠.

 

٢٢٩
قريش وحقدها على علي بن أبي طالب قاتل أبناء عمومتها، وعلى ذريته، لأنها قد توهمت بأن عليا وذريته قد سرقوا زوجها منها، قال الإمام علي:” أما فلانة فأدركها رأي النساء، وضغن غلا في صدرها كمرجل اليقين ” (١) لقد عرفت عائشة موقعها في قلب النبي فقالت له يوما: ” والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك مني ومن أبي ” (٢) فمعنى ذلك أن التحالف يشكل الأغلبية الساحقة جدا من الناس!! وهذا يعني أنه لا فرصة أمام الإمام علي للانتصار في أية مواجهة مع التحالف، وأن أية مواجهة عسكرية مع التحالف هي بمثابة الانتحار.

قال الإمام علي: “… فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلب من وخز الشفار ” (٣) وهنالك سبب آخر أفصح عنه الإمام علي بقوله: ” إن الله لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب يفسده أدني وهن، ويعكسه أقل خلاف ” (٤).

لقد قدر الإمام أن المواجهة في تلك الظروف انتحار حقيقي له بوصفه مستودع علم النبوة، ولأهل بيته باعتبارهم شجرة النبوة وثقل الإسلام الأصغر، لقد استنفد كافة الجهود للحصول على النصرة أو الانتصار ولم يجدهما.

 

 

(١) شرح النهج ج ٩ ص ١٨٩، ووضوء النبي للسيد علي الشهرستاني ص ٢٣٥.(٢) مسند الإمام أحمد ج ٤ ص ٢٧٥ ح ١٨٤٥٠.

(٣) شرح النهج ج ٣ ص ٦٩ خطبة ٢١١.

(٤) شرح النهج ج ١ ص ٢٤٨ – ٢٤٩.

 

٢٣٠
لذلك قرر الإمام أن يقعد في بيته، وأن يحتج على الانقلابيين احتجاجا سلميا لا يفرق كلمة المسلمين، ولا يوهن الدين، ثم يسلم بالأمر الواقع ما سلمت أمور المسلمين وهكذا ابتعد الإمام عن المواجهة غير المتكافئة، إذ لو واجههم بالقوة لقتلوه، وقتلوا ابنيه، وأبادوا أهل بيت النبوة، وقلعوا شجرة النبوة من جذورها، ثم لأشاعت وسائل أعلامهم بأن عليا وابنيه مثل أبي طالب ماتوا على الشرك، فهم في ضحضاح من النار مع أبي طالب!! ومع الأيام تنجح وسائل أعلامهم بتحويل الشائعات إلى قناعة يتبناها العامة، كأنها وحي من السماء، وصمم الإمام علي أن يبدأ بتكوين قاعدة شعبية تفهم الإسلام على حقيقته كما أنزله الله وبينه الرسول لتتصدى وتكشف ألاعيب الطامعين بالسلطة وتحريفاتهم، ولتكون نواة لأمة محصنة ضد الانحراف، وكعمل عاجل ركز الإمام على إيجاد كوادر فنية يعلمها ما أمكن من علم النبوة لتنقله إلى الأجيال اللاحقة من غير تحريف، فلبد في بيته، يجيب إذا سئل، ويهدي إذا استهدي، وصبر وصابر على ضغوط الانقلابيين وممارساتهم الغاشمة وتجاهلهم التام لشرع الله.١ – فقد حرموا أهل بيت النبوة من إرث النبي بحجة أن الأنبياء لا يورثون (١) فسألت السيدة الزهراء أبا بكر من يرثك إذا مت؟ فقال أبو بكر ولدي وأهلي! فقالت الزهراء: فما لنا لا نرث النبي؟! ” وورث سليمان داود ” ” يرثني ويرث من آل يعقوب ” فكيف نوفق بين قولك الأنبياء لا يورثون وبين هاتين الآيتين!! هذا كتاب الله ينطق بالحق، ولم تكتف الزهراء بذلك بل بسطت قضيتها أمام الأنصار والمهاجرين بكلمة عصماء جاء فيها: “.. أفعلى

 

(١) صحيح الترمذي ج ٧ ص ١١١، ومسند أحمد ج ١ ص ١٠ ح ٦٠، وسنن الترمذي ج ٧ ص ١٠٠٩، والطبقات لابن سعد ج ٥ ص ٧٧، وتاريخ ابن الأثير ج ٥ ص ٢٨٦، وكنز العمال ج ٥ ص ٣٦٥، والطبقات ج ٢ ص ٣١٥. 

٢٣١
عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم… وزعمتم أن لا حق لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج منها نبيه أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون ألست أنا وأبي من أهل ملة واحدة…أفحكم الجاهلية تبغون.. ” (١) وأصر أبو بكر على قراره، ولما سألوه من يرث النبي إذا قال أبو بكر يرثه الذي يقوم مقامه، وبما أن أبا بكر هو الذي قام مقام النبي فهو وارثه الوحيد (٢).

وتحقيقا للعدالة ورحمة بأهل بيت النبوة، فقد أخذ أبو بكر كل تركة الرسول، ولكنه تفضل وأعطى آلة الرسول ودابته وحذائه لعلي (٣)!!!

٢ – حرمان أهل بيت النبوة من منح الرسول ومصادرة المنح التي أعطاهم الرسول لهم: أثناء حياة الرسول منح منحا كثيرة للناس، ومنح أهل بيت النبوة منحا كغيرهم، فترك أبو بكر كافة المنح التي منحها رسول الله للناس – احتراما لمشيئة الرسول وإرادته – وتقديرا للذين دخلوا في طاعة الخليفة أما المنح التي منحها رسول الله لأي فرد من أهل بيته فقد قرر أبو بكر مصادرتها وحرمان أهل البيت منها، وليضفي على ذلك رداء الإسلام لم يسأل الناس البينة على أن الرسول قد منحهم تلك المنح، إنما سأل أهل البيت، فشهد علي، وأم أيمن ورباح مولى رسول الله!! ولكن الخليفة كان قد قرر المصادرة (٤).

٣ – جاء في شرح النهج، وفي تاريخ الإسلام للذهبي وفي كنز العمال للهندي: أنه لما منعوا ابنة الرسول من إرث أبيها، ومن منح الرسول

 

(١) بلاغات النساء ص ١٦ – ١٧.(٢) مسند أحمد ج ١ ص ٤ ح ١٤، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٥٠، وتاريخ ابن كثير ج ٥ ص ٢٨٩، وتاريخ الذهبي ج ١ ص ٢٤٦، وشرح النهج ج ٤ ص ٨١ نقلا عن الجوهري.

(٣) شرح النهج ج ٤ ص ٨٧ – ٨٩، وبلاغات النساء ص ١٢ – ١٥.

(٤) فتوح البلدان ج ٣ ص ٣٤ – ٣٥.

 

٢٣٢
طالبتهم بسهم ذوي القربى، فقالت لأبي بكر: ” لقد حرمتنا أهل البيت فأعطنا سهم ذوي القربى وتلت آية: ” واعلموا أنما غنمتم من شئ ء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ” فقال لها أبو بكر: سمعت رسول الله يقول:سهم ذوي القربى للقربى حال حياتي وليس لهم بعد مماتي (١).

٤ – والكارثة مع هذه القرارات أن الصدقة محرمة على آل محمد، وغير جائزة عليهم (٢).

٥ – من أين يأكل أهل بيت النبوة!! إذا حرمت السلطة أهل بيت النبوة من تركة النبي، وصادرت المنح التي أعطاها رسول الله لهم، وحرمتهم من الخمس الوارد في القرآن الكريم، وإذا كانت الصدقة محرمة على آل محمد فمن أين يأكلون بحق الله ورسوله!!!

٦ – إذا أراد أهل بيت النبوة الحياة فعليهم أن يسألوا الحاكم ويوالوه!!! قال أبو بكر لفاطمة – ربما تساءلت بهذه التساؤلات – إني أعول من كان رسول الله يعول، وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه (٣) فآل محمد يأكلون ليس لهم أن يزيدوا على المأكل (٤).

فالحاكم يقدم لأهل بيت النبوة المأكل ولا يزيد عليه، فطوال التاريخ يجب على أهل بيت النبوة أن يمدوا أيديهم للحاكم الذي هو على استعداد أن يقدم لهم المأكل فقط، ومن الحشمة وحسن الخلق أن يطيع الإنسان من

 

(١) شرح النهج ج ٤ ص ٨١ نقلا عن الجوهري تاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٣٤٧، وكنز العمال ج ٥ ص ٣٦٧.(٢) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٢١، ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٩٠، وصحيح البخاري ج ١ ص ٨١، وصحيح مسلم ج ٣ ص ١١٧، وسنن أبي داود ج ١ ص ٢١٢ باب الصدقة على بني هاشم.

(٣) سنن الترمذي ج ٧ ص ١١١.

(٤) صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٠٠ باب مناقب قرابة الرسول، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٤٩ كتاب الخراج، وسنن النسائي ج ٢ ص ٧٩ قسم الفئ، ومسند أحمد ج ١ ص ٦ – ٩.

 

٢٣٣
يطعمه، تلك سنة أبي بكر وعمر وهذا هو عدلهم، وهذا هو برهم لصديقهم وصهرهم محمد بن عبد الله، وها هي طاعتهم لأوامره، وهذا هو تعاملهم مع ثقل الإسلام الأصغر!! 

٢٣٤

الاحتجاجات لا تجدي أمام قرارات السلطة

ضج أهل بيت النبوة واحتجوا على هذه القرارات الأليمة والمذلة والمعارضة لكتاب الله وسنة رسوله وأخلاق الإسلام بل وشيم البشر النبيلة، وذهبت الزهراء بنفسها، واحتجت أمام المهاجرين والأنصار بخطبة من عيون خطب العرب ذكرها الجوهري في كتابه السقيفة (١) وسمع الخليفة وعمر وأركان حزبهما ورقص المنافقون طربا، وازداد ولاؤهم للسلطة، وهم يرونها تدوس أقدس مقدسات الإسلام، وأحب الخلق إلى رسول الله، ولم يستنكر المهاجرون والأنصار هذه القرارات لا بيد ولا بلسان!! وكيف يستنكرونها وبالأمس لم يستنكروا تهديد السلطة للإمام بالقتل إن لم يبايع، وشروعها بحرق بيت آل محمد على من فيه وهم أحياء!!

واكتفى الخليفة وعمر وأركان حزبهما بالسماع وبقيت القرارات الغاشمة سارية المفعول!! وسعد عمر بالأثر المؤلم الذي تركته تلك القرارات على آل محمد، وتذكرت القلة المؤمنة من المهاجرين حصار بطون قريش ومقاطعتهم لبني هاشم في شعاب أبي طالب!! وكيف أن بطون قريش قصدت المجاهرة والمقاطعة على البيع والشراء والنكاح، وتمنت القلة المخلصة لو طبق هذا الحصار ثانية على أهل البيت لكان أخف وطأة

 

(١) شرح النهج ج ٤ ص ٨٧، وبلاغات النساء ص ١٢ – ١٥. 

٢٣٥
وأسهل حملا على أهل بيت النبوة وأقوم قيلا، ولم يبق أمام آل محمد غير الصبر والتسليم إلى حين!!! 

ولم يكتفوا بذلك

لم يكتف أبو بكر وعمر وحزبهما بذلك إنما حرموا على الهاشميين أن يتولوا أي منصب من مناصب الدولة أو أي وظيفة من وظائفها العامة، وحرموا ذلك أيضا على من والاهم، فلم يصدف طوال التاريخ أن ولى أبو بكر أو عمر أو عثمان أي رجل من آل محمد أو ممن والاهم أي عمل من الأعمال أو أية إمارة من الإمارات أو أية وظيفة من الوظائف العامة!!! بل على العكس كانوا لا يولون ولا يستعينون إلا بالكارهين لآل محمد أو الحاقدين عليهم، أو من أولئك الذين حذر منهم الرسول أو من أولئك الذين لعنهم الرسول، أو من أصحاب السجلات الحافلة بمعاداة الله ورسوله!!! (١) لقد نصب أبو بكر خالد بن سعيد الأموي على حملة الروم، فجاءه عمر وقال له: أتولي خالدا وقد حبس عليك بيعته وقال لبني هاشم ما قال؟! فحسنات الرجل أنه أموي ولكن تبين بأنه موال لآل محمد، وأنه قد أسلم قبل إسلام أبي بكر، وبسبب موالاة هذا الأموي لآل محمد انصرف عنه أبو بكر وولى بدلا منه أبا عبيدة حليفهم، ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة (٢) لقد عرض الخليفتان الأولان على العباس بعض الأمر له ولعقبه لكن هذا العرض لم يكن لله، فقد كان هدفهم أن يفرقوا آل محمد وأن يوقعوا بين الإمام علي وبين عمه العباس، فاكتشف العباس هذه

 

(١) إرجع إلى الفصل تحت عنوان تحذيرات الرسول لترى أن كل ولاة الدولة كانوا من أعداء الله ورسوله، ومن الكارهين لآل محمد، ومن الذين حذر منهم الرسول!!!(٢) شرح النهج ج ٢ ص ٥٨ – ٥٩.

 

٢٣٦
اللعبة لذلك رفض عرضهم (١) لقد مد الخلفاء أيديهم للجميع، وفتحوا قلوبهم للجميع إلا لآل محمد ومن والاهم، فكافة ولاة الدولة وأمرائها، وعمالها وموظفيها من أعداء الله السابقين ومن الكارهين لآل محمد أو الحاقدين عليهم!! لقد أصبح آل محمد ومن والاهم – وهم القلة المؤمنة – طبقة منبوذة ومجردة من كافة حقوقها السياسية والمدنية، لقد قال عمر بن الخطاب بكل صراحة للعباس بن عبد المطلب بأن الأمة ليست بحاجة لآل محمد ولا لبني هاشم (٢).كانوا يبذلون كل ممكن ليؤلفوا أعداء الله السابقين حولهم في الوقت الذي كانوا فيه يمنعون آل محمد أبسط حقوقهم، يبدو أن أبا سفيان لا يعلم عن تورط أولاده مع الانقلابيين، وأن الانقلابين قد استثنوه، وتحالفوا مع أولاده لأن عداوة أبي سفيان بالذات لله ولرسوله ظاهرة، وكان الرسول قد أرسل أبا سفيان لجمع الصدقات فعاد بعد وفاة الرسول، ولما علم بتنصيب أبي بكر قال: ” إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم “، فخاف الخليفة وخاف عمر، وتركا له ما بيده من الصدقات فسكت (٣) وقال يوما: ” ما لنا ولأبي فصيل إنما هي بنو عبد مناف ” (٤) فقالوا له: إنه قد ولى ابنك يزيد، فقال أبو سفيان: ” وصلته رحم ” (٥) ورضي ومع أن الأشعث بن قيس قد ارتد، وتم أسره، وكان أبو بكر يعرف أن الأشعث لا يرى شرا إلا أعان عليه (٦) إلا أن أبا بكر عفا عنه، وزوجه أخته وأشركه بالمهام.

 

 

(١) الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٥، والسقيفة وفدك ص ٤٣، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٢٥ طبعة لندن، والسنة بعد الرسول للسيد علي الشهرستاني ص ١٠٩ من مجلة تراثنا العدد ٥٩ و ٦٠.(٢) الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٥.

(٣) السقيفة وفدك ص ٣٧، وشرح النهج ج ٢ ص ٤٤، والسنة بعد الرسول ص ١١١ مجلة تراثنا العدد ٥٩ و ٦٠. (٤) المصدر السابق.

(٥) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٠٢.

(٦) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٥٢.

 

٢٣٧
وباختصار لقد تآمروا على أهل بيت النبوة، والفئة القليلة المؤمنة وأمروا عليهم أعداء الله ورسوله السابقين، والكارهين لآل محمد والحاقدين عليهم. قال الإمام علي يصف حالهم:” لما قبض الله نبيه، وكنا أهله وورثته وعترته وأولياءه من دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذ انبرى لنا قومنا، فغصبونا سلطان نبينا، فصار الأمر لغيرنا، وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، ويعتزر علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشيت الصدور، وجزعت النفوس، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين لكنا على غير ما كنا عليه ” (١).

 

 

(١) شرح النهج ج ١ ص ٢٤٨ – ٢٤٩، وراجع كتابنا المواجهة ص ٥٢٦ وما فوق. 

٢٣٨

٢٣٩

الباب الخامس
منع كتابة سنة الرسول قبل وبعد استيلائهم على الخلافة

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...