أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠
٦ – استقدام المرتزقة من الأعراب: استقدم الانقلابيون أعدادا كبيرة من الأعراب، وطلبوا منهم أن يتواجدوا في الوقت الذي حدوده قرب بيت سعد بن عبادة، فجاءت قبيلة أسلم قال الطبري: ” إن أسلم أقبلت بجماعة حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر ” (٣) قال عمر بن الخطاب في ما بعد: ” ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر ” (٤) قال عمر هذا الكلام وهو في سقيفة بني ساعدة، وهو بحاجته ماسة إلى مؤيدين ينتصر بهم على سنة الرسول وعلى صاحب الحق الشرعي!! فكيف عرف أن هذه القبيلة التي لا تسكن المدينة ستكون من المؤيدين له! إن لم تكن هنالك علاقة أو اتفاق
(٣) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٥٨ وطبعة أوروبا ج ١ ص ١٨٣٣، وابن الأثير ج ٢ ص ٢٢٤، والزبير بن بكار برواية ابن أبي الحديد ج ٦ ص ٢٨٧.
(٤) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٤٥٨ وط أوروبا ج ١ ص ١٨٤٣.
٨ – توقع الخليفة الجديد وأعوانه المباركة الفورية من آل محمد عامة ومن صاحب الحق الشرعي خاصة: بعد ما نصب الانقلابيون الخليفة الجديد وحشدوا ذلك الحشد الهائل من الأتباع والأعوان ومن أعداء الله ورسوله وواجهوا صاحب الحق الشرعي وآل محمد بهذا الواقع المر، توقع الخليفة الجديد وأعوانه بأن يسكت صاحب الحق الشرعي، وأن يسكت أهل بيت
(٣) الجمل للمفيد ص ٤٣.
(٤) الموفقيات ص ٥٧٨، والرياض النضرة للطبري ج ١ ص ١٦٤، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٨٨.
المواجهة مع صاحب الحق الشرعي ومع آل محمد والقلة المؤمنة
تأثر أبو بكر ونائبه والانقلابيون من فعلة الإمام علي وآل محمد والقلة المؤمنة ومن تلكئهم عن بيعته وعدم اعترافهم بالأمر الواقع، فأرسل أبو بكر عمر بن الخطاب وقال له: ” إئتني به بأعنف العنف ” (١) فجاء عمر وجرى بينه وبين الإمام حديث (٢) فقال الإمام علي لعمر: ” والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غدا ” (٣) أو قال له: ” إحلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا ” (٤) فعلي بن أبي طالب يعلم علم اليقين بأن أبا بكر سيستخلف عمر بن الخطاب. ومن الطبيعي أن تنتهي المناقشة عند هذا الحد ومن الطبيعي أن لا يجرؤ عمر على الاصطدام مع الإمام علي دون وجود قوة كافية تحميه من الإمام، لأن عمر ليس من رجال علي، ولا يجيد القتال، فخرج عمر ثم عاد ومعه قوة من جيش الخليفة الجديد، فيهم أسيد بن حضير، وعبد الرحمن بن عوف، وزياد بن لبيد وزيد بن ثابت، وسلمة بن أسلم، وخالد بن الوليد، وثابت بن قيس، وسلمة بن سالم بن
(٣) أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٨٧.
(٤) الإمامة والسياسة ص ١١ – ١٢.
قال البلاذري: فتلقته فاطمة على الباب فقالت له: ” يا بن الخطاب أتراك محرقا علي بابي؟ فقال عمر: نعم ” (٤).
قال اليعقوبي: فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار وكسروا سيف علي ودخلوا الدار (٥).
قال الطبري: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير
(٣) العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٣ ص ٦٤، وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٥٦.
(٤) أنساب الأشراف للبلاذري ج ١ ص ٥٨٦، وكنز العمال ج ٣ ص ١٤٠، والرياض النضرة للطبري ج ١ ص ١٦٧، والسقيفة للجوهري برواية ابن أبي الحديد ج ١ ص ١٣٢ وج ٦ ص ٢، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٧٨، وشرح النهج ج ١ ص ١٣٤.
(٥) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٥.
وقد اعتبرها بعض الشعراء من مفاخر ومناقب عمر ابن الخطاب، قال شاعر النيل حافظ إبراهيم:
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها
ولكن غاب عن شاعر النيل، أنه لم يكن بوسع عمر أن يفعل ذلك لو لم يكن مدعو ما بجيش يعد بالآلاف، في الوقت الذي كان فيه الإمام يقف وحيدا لقد قدر الإمام علي والسيدة الزهراء أن القوم جادون بعزمهم على حرق البيت
فقال الإمام علي: ” يا معشر المهاجرين، الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه لدين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا ” (١).
ثم التفت الإمام إلى أبي بكر وقال له: ” أفسدت علينا أمورنا، ولم تستشر، ولم ترع لنا حقا “، فقال أبو بكر: ” بلى ولكني خشيت الفتنة ” (٢).
قال بشير بن سعد وهو أول من بايع أبا بكر وأحد أقطاب الانقلاب:
وانصرف علي إلى منزله ولم يبايع، ولم يبايع أحد من بني هاشم حتى بايع علي بعد ستة أشهر (٥).
قال اليعقوبي في تاريخه: واجتمع جماعته إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة فقال لهم الإمام علي: ” اغدوا علي محلقين الرؤوس فلم يغدو عليه إلا ثلاثة نفر ” (٦).
(٤) المناقب للخوارزمي ص ٢٤٦، وأسد الغابة ج ١ ص ٢٠٦، والصواعق المحرقة ص ١٧١.
(٥) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٤٨ وطبعة أوروبا ج ١ ص ١٨٢٥، والصحيح البخاري كتاب المغازي ج ٣ ص ٣٨، وابن أبي الحديد ج ١ ص ١٢٢، ومروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٤١٤.
(٦) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٥.
لقد أمتنع الأنصار عن نصرة الإمام علي وحمايتهم له ولأولاده بحجة أنهم قد بايعوا أبا بكر، وقبل بيعتهم لأبي بكر كانوا قد بايعوا رسول الله على أن يحموه ويحموا ذريته كما يحمون أنفسهم وذراريهم، لذلك قال الإمام جعفر الصادق يوما: ” فوالله ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم، ثم لا أحد يمنع يد لامس، اللهم اشدد وطأتك على الأنصار على الأنصار ” (٣).
إما التسليم أو الدخول في مواجهة انتحارية
الانقلابيون هم القوة الحقيقية في المجتمع، فقد ضم تحالفهم بطون قريش كلها المهاجر منها والطليق والمنافق بلا استثناه، بالإضافة إلى أكثرية الأنصار التي هالتها قوة هذا التحالف فاستسلمت الأنصار لتسلم، وتورط الكثير منهم بالانقلاب طمعا بالمغانم وهروبا من المغارم، بالإضافة إلى المرتزقة من الأعراب الذين يوالون من يعطيهم، والمرتزقة على علم بأن المال والمغانم ستكون بيد الانقلابيين ومن والاهم لذلك مالوا مع الانقلابيين، ولقد مد الانقلابيون نفوذهم حتى داخل بيت الرسول، فصارت عائشة أم المؤمنين معهم وحافزها على ذلك حبها لأبيها ولقومها بطون
(٣) مقاتل الطالبين ص ٢١٩ – ٢٢٠.
قال الإمام علي: “… فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلب من وخز الشفار ” (٣) وهنالك سبب آخر أفصح عنه الإمام علي بقوله: ” إن الله لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب يفسده أدني وهن، ويعكسه أقل خلاف ” (٤).
لقد قدر الإمام أن المواجهة في تلك الظروف انتحار حقيقي له بوصفه مستودع علم النبوة، ولأهل بيته باعتبارهم شجرة النبوة وثقل الإسلام الأصغر، لقد استنفد كافة الجهود للحصول على النصرة أو الانتصار ولم يجدهما.
(٣) شرح النهج ج ٣ ص ٦٩ خطبة ٢١١.
(٤) شرح النهج ج ١ ص ٢٤٨ – ٢٤٩.
وتحقيقا للعدالة ورحمة بأهل بيت النبوة، فقد أخذ أبو بكر كل تركة الرسول، ولكنه تفضل وأعطى آلة الرسول ودابته وحذائه لعلي (٣)!!!
٢ – حرمان أهل بيت النبوة من منح الرسول ومصادرة المنح التي أعطاهم الرسول لهم: أثناء حياة الرسول منح منحا كثيرة للناس، ومنح أهل بيت النبوة منحا كغيرهم، فترك أبو بكر كافة المنح التي منحها رسول الله للناس – احتراما لمشيئة الرسول وإرادته – وتقديرا للذين دخلوا في طاعة الخليفة أما المنح التي منحها رسول الله لأي فرد من أهل بيته فقد قرر أبو بكر مصادرتها وحرمان أهل البيت منها، وليضفي على ذلك رداء الإسلام لم يسأل الناس البينة على أن الرسول قد منحهم تلك المنح، إنما سأل أهل البيت، فشهد علي، وأم أيمن ورباح مولى رسول الله!! ولكن الخليفة كان قد قرر المصادرة (٤).
٣ – جاء في شرح النهج، وفي تاريخ الإسلام للذهبي وفي كنز العمال للهندي: أنه لما منعوا ابنة الرسول من إرث أبيها، ومن منح الرسول
(٣) شرح النهج ج ٤ ص ٨٧ – ٨٩، وبلاغات النساء ص ١٢ – ١٥.
(٤) فتوح البلدان ج ٣ ص ٣٤ – ٣٥.
٤ – والكارثة مع هذه القرارات أن الصدقة محرمة على آل محمد، وغير جائزة عليهم (٢).
٥ – من أين يأكل أهل بيت النبوة!! إذا حرمت السلطة أهل بيت النبوة من تركة النبي، وصادرت المنح التي أعطاها رسول الله لهم، وحرمتهم من الخمس الوارد في القرآن الكريم، وإذا كانت الصدقة محرمة على آل محمد فمن أين يأكلون بحق الله ورسوله!!!
٦ – إذا أراد أهل بيت النبوة الحياة فعليهم أن يسألوا الحاكم ويوالوه!!! قال أبو بكر لفاطمة – ربما تساءلت بهذه التساؤلات – إني أعول من كان رسول الله يعول، وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه (٣) فآل محمد يأكلون ليس لهم أن يزيدوا على المأكل (٤).
فالحاكم يقدم لأهل بيت النبوة المأكل ولا يزيد عليه، فطوال التاريخ يجب على أهل بيت النبوة أن يمدوا أيديهم للحاكم الذي هو على استعداد أن يقدم لهم المأكل فقط، ومن الحشمة وحسن الخلق أن يطيع الإنسان من
(٣) سنن الترمذي ج ٧ ص ١١١.
(٤) صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٠٠ باب مناقب قرابة الرسول، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٤٩ كتاب الخراج، وسنن النسائي ج ٢ ص ٧٩ قسم الفئ، ومسند أحمد ج ١ ص ٦ – ٩.
الاحتجاجات لا تجدي أمام قرارات السلطة
ضج أهل بيت النبوة واحتجوا على هذه القرارات الأليمة والمذلة والمعارضة لكتاب الله وسنة رسوله وأخلاق الإسلام بل وشيم البشر النبيلة، وذهبت الزهراء بنفسها، واحتجت أمام المهاجرين والأنصار بخطبة من عيون خطب العرب ذكرها الجوهري في كتابه السقيفة (١) وسمع الخليفة وعمر وأركان حزبهما ورقص المنافقون طربا، وازداد ولاؤهم للسلطة، وهم يرونها تدوس أقدس مقدسات الإسلام، وأحب الخلق إلى رسول الله، ولم يستنكر المهاجرون والأنصار هذه القرارات لا بيد ولا بلسان!! وكيف يستنكرونها وبالأمس لم يستنكروا تهديد السلطة للإمام بالقتل إن لم يبايع، وشروعها بحرق بيت آل محمد على من فيه وهم أحياء!!
واكتفى الخليفة وعمر وأركان حزبهما بالسماع وبقيت القرارات الغاشمة سارية المفعول!! وسعد عمر بالأثر المؤلم الذي تركته تلك القرارات على آل محمد، وتذكرت القلة المؤمنة من المهاجرين حصار بطون قريش ومقاطعتهم لبني هاشم في شعاب أبي طالب!! وكيف أن بطون قريش قصدت المجاهرة والمقاطعة على البيع والشراء والنكاح، وتمنت القلة المخلصة لو طبق هذا الحصار ثانية على أهل البيت لكان أخف وطأة
ولم يكتفوا بذلك
لم يكتف أبو بكر وعمر وحزبهما بذلك إنما حرموا على الهاشميين أن يتولوا أي منصب من مناصب الدولة أو أي وظيفة من وظائفها العامة، وحرموا ذلك أيضا على من والاهم، فلم يصدف طوال التاريخ أن ولى أبو بكر أو عمر أو عثمان أي رجل من آل محمد أو ممن والاهم أي عمل من الأعمال أو أية إمارة من الإمارات أو أية وظيفة من الوظائف العامة!!! بل على العكس كانوا لا يولون ولا يستعينون إلا بالكارهين لآل محمد أو الحاقدين عليهم، أو من أولئك الذين حذر منهم الرسول أو من أولئك الذين لعنهم الرسول، أو من أصحاب السجلات الحافلة بمعاداة الله ورسوله!!! (١) لقد نصب أبو بكر خالد بن سعيد الأموي على حملة الروم، فجاءه عمر وقال له: أتولي خالدا وقد حبس عليك بيعته وقال لبني هاشم ما قال؟! فحسنات الرجل أنه أموي ولكن تبين بأنه موال لآل محمد، وأنه قد أسلم قبل إسلام أبي بكر، وبسبب موالاة هذا الأموي لآل محمد انصرف عنه أبو بكر وولى بدلا منه أبا عبيدة حليفهم، ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة (٢) لقد عرض الخليفتان الأولان على العباس بعض الأمر له ولعقبه لكن هذا العرض لم يكن لله، فقد كان هدفهم أن يفرقوا آل محمد وأن يوقعوا بين الإمام علي وبين عمه العباس، فاكتشف العباس هذه
(٣) السقيفة وفدك ص ٣٧، وشرح النهج ج ٢ ص ٤٤، والسنة بعد الرسول ص ١١١ مجلة تراثنا العدد ٥٩ و ٦٠. (٤) المصدر السابق.
(٥) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٠٢.
(٦) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٥٢.
الباب الخامس
منع كتابة سنة الرسول قبل وبعد استيلائهم على الخلافة