الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٢٦١ – ٢٨٠

الفصل الرابع
منعهم لكتابة ورواية سنة الرسول بعد استيلائهم على منصب الخلافة

 

في عهد أبي بكر الخليفة الأول

كانت ” قريش ” أو ذلك النفر من قريش ينهى سرا عن كتابة ورواية سنة الرسول، ويشكك بصحة وصواب جانب من سنة الرسول، وأثناء مرض الرسول، كشف ذلك النفر عن نفسه، فأخذ ينهى عن كتابة سنة الرسول ويحرض علنا على عدم اتباعها!! معبرا عن قناعته الخاصة من خلال قوته!!

وعندما استولى ذلك النفر على منصب الخلافة أعلن رسميا وعلى مستوى الدولة منع كتابة ورواية سنة الرسول!! ويبدو أن أول أمر أو مرسوم قد أصدره الخليفة الأول كان يتضمن قراره بمنع رواية وكتابة سنة الرسول.

قال الذهبي في ترجمة أبي بكر: إن الصديق – يعني أبا بكر – قد جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال:

” إنكم تحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا

٢٦١
بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه ” (١).فالخليفة الأول يرى أن رواية سنة الرسول تسبب الخلاف بين أمة متفقة في عهده، فإذا حدث الخلاف في عهده، فإن الخلاف في العهود اللاحقة سيكون شديدا، وبصفته خليفة للمسلمين، ولأن سنة الرسول تسبب الخلاف والاختلاف بين المسلمين، وحرصا من الخليفة على وحدتهم خلف قيادته وقطعا لدابر الخلاف والاختلاف فإنه يأمر المسلمين ” أن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله “!!

وإغلاقا لباب التساؤل عن طريقة معرفة الحكم الشرعي قال الخليفة الأول: ” فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه ” أي أن الأحكام الشرعية يمكن استخراجها من القرآن الكريم، ويمكن الاستغناء بالقرآن الكريم عن سنة الرسول!! فالقرآن الكريم هو البديل لإغلاق باب التحديث عن رسول الله!! وهذه النظرية متطابقة مع نظرية عمر بن الخطاب فعندما حال هو وحزبه بين رسول الله وبين كتابة ما أراد قال عمر أمام الرسول والحاضرين: ” إن المرض قد اشتد برسول الله أو قال إن النبي يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ” فقناعة الاثنين كانت راسخة بأن القرآن وحده يكفي وليست هنالك حاجة لسنة الرسول!!!

والذي يفهم من مرسوم الخليفة الأول يفيد: منع المسلمين من رواية أي شئ على الإطلاق من سنة الرسول بدليل قول الخليفة ” فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ” فهذا المنع شامل لكل شئ حسب الظاهر، ولكن في الحقيقة فإن الخليفة الأول لم يقصد هذا الإطلاق فهو الذي يقرر ما ينبغي تطبيقه أو ما لا ينبغي تطبيقه من سنة الرسول، فلا ضرر من رواية بعض سنة الرسول طالما أن بيديه مفاتيح إعمالها أو إهمالها.

 

 

(١) تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٢ – ٣، والأنوار الكاشفة ص ٥٣، وتدوين السنة شريفة للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي ص ٤٢٣. 

٢٦٢
ومن المؤكد أن الخليفة قد قصد سنة الرسول المتعلقة بمن يخلفه أو بتعبير أدق المتعلقة باستخلاف الرسول للإمام علي بن أبي طالب، والمتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة، لأن الخليفة كان في ذلك الوقت يصب جام غضبه على الإمام علي خاصة، وعلى أهل بيت النبوة عامة!!! وما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه أن الخليفة نفسه كان يحتج بأحاديث رسول الله أثنا مواجهته للإمام علي ولأهل بيت النبوة، فعندما حرمهم من تركة الرسول قال: ” إنه سمع الرسول يقول: الأنبياء لا يورثون ” (١).وعندما حرمهم من سهم ذوي القربى ادعى بأنه سمع رسول الله يقول: ” سهم ذوي القربى للقربى حال حياتي وليس لهم بعد مماتي ” (٢).

وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذين الحديثين، فإن الخليفة قد احتج بما نسبه للرسول، فلو كان منعه للحديث شاملا لما احتج بما سنبه للرسول!!!

لقد أراد الخليفة أن يمنع الأحاديث المتعلقة بمن يخلف النبي، والتي تؤكد بأن الرسول قد استخلف الإمام عليا وأحد عشر من ذريته ومن صلب علي والأحاديث التي أعطت المراتب السنية للإمام علي، وحددت مكانة أهل بيت النبوة.

فإذا بقي باب التحديث عن رسول الله فما الذي يمنع أنصار الشرعية الإلهية من أن يرووا مثلا قوله (ص): ” من كنت وليه فهذا علي وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله ” وما الذي يمنعهم من أن يرووا حديث الثقلين، أو حديث السفينة، أن يذكروا المسلمين ببيعتهم للإمام علي في غدير خم، أو قول الرسول لعلي كذا وكذا!!!.

 

 

صحيح الترمذي ج ١ ص ١١ ح ٦٠، وسنن الترمذي ج ٧ ص ١٠٠٩، والطبقات ج ٥ ص ٧٧.(٢) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٢، وصحيح البخاري ج ١ ص ٨١، وسنن أبي أبي داود ج ١ ص ٢١٢.

 

٢٦٣
ولكن لو كشف الخليفة عن قصده هذا لعثر حيث أراد أن ينهض، لذلك رأى أن يكون المنع شاملا طالما أنه هو الذي يعمل أو يهمل ما شاء من سنة الرسول!!وما يؤكد ما ذهبنا إليه، هو تعليل الخليفة للمنع خشية الاختلاف فعندما يروي الرواة حديث الثقلين مثلا، أو أحاديثا عن مراتب الإمام علي في الوقت الذي يرى فيه المسلمون الخليفة وأعوانه ينكلون بالإمام وأهل بيته، فإن المسلمين الذي انقادوا للخليفة الجديد سيتعاطفون مع الإمام علي وأهله بيته أو على الأقل فإن قسما منهم سيفعل ذلك، وقد ينمو هذا التعاطف ويتحول إلى ولاء عندئذ ينشق المجتمع إلى قسمين قسم يؤيد الدولة الفعلية، وآخر يؤيد الإمام عليا وينمو الخلاف والاختلاف بين الفريقين، ويشتد مع الأيام، وتفوت الحكمة من استيلائهم على منصب الخلافة، ويفوز الإمام علي وأهل بيت النبوة ويجمعوا النبوة والخلافة معا ويقع المحظور!!

لذلك رأي الخليفة من الأنسب أن يكون إعلانه عن منع رواية أحاديث الرسول شاملا وهذا تقدير منطقي وعلماني تقتضيه مصلحة المحافظة على الملك أو الخلافة!!! بغض النظر عن انسجامها أو عدم انسجامها مع الشرعية الإلهية تأسيسا وممارسة!

ولك أن تتصور حجم تأثير هذا المرسوم على نظرة المسلمين لسنة رسول الله، فإذا كان صاحب الرسول في الغار وصهره، وخليفته يأمر الناس بأن لا يحدثوا أي شئ عن رسول الله بدعوى أن التحديث عن رسول الله يسبب الخلاف والاختلاف!! فكيف تكون نظرة حديثي العهد بالإسلام إلى سنة رسول الله!!! لقد تم فتح باب الاستهانة بسنة رسول الله رسميا وعلى مستوى الدولة، لذلك فإن أية مجهودات فردية لإغلاق هذا الباب أو لتغيير المسار الرسمي للدولة تبقى محدودة الأثر!!

 

٢٦٤
قد يقول قائل إن الخليفة الأول، قد أمر المسلمين بأن لا يرووا شيئا عن رسول الله ولكنه لم يأمرهم بأن لا يكتبوا شيئا عن رسول الله، لكن مرسوم الخليفة من الوضوح بحيث أنه لا يحتمل مثل هذا التأويل، فالخليفة قد جزم بأن التحديث عن رسول الله يسبب الخلاف والاختلاف، وبالتالي فقد أمر المسلمين بأن لا يحدثوا أي شئ عن رسول الله، وسواء أخذ هذا التحديث صورة المشافهة أو صورة الكتابة فإنه ممنوع حسب نص هذا المرسوم، لأن الخليفة أراد أن يحتاط فيقطع دابر الخلاف بقطع مصدره أو منبعه القادم من سنة رسول الله، فإذا نهى الخليفة عن التحديث فهو ضمنا ينهى عن الكتابة، لأنها أدوم وأبلغ في التأثير والثبات والشيوع والانتشار. 

الخليفة الأول يحرق سنة الرسول التي جمعها بنفسه

لم يكتف الخليفة بهذا المرسوم الذي منع بموجبه المسلمين من أن يحدثوا أي شئ من سنة رسول الله، بل تناول الأحاديث التي جمعها بنفسه، وسمعها بنفسه من رسول الله، فأحرقها!! قال الذهبي: ” إن أبا بكر جمع أحاديث النبي (ص) في كتاب، فبلغ عددها خمسمائة حديث، ثم دعا بنار فأحرقها ” (١) روى القاسم بن محمد أحد أئمة الزيدية عن الحاكم بسنده إلى عائشة قالت: ” جمع أبي الحديث عن رسول الله، فكانت خمسمائة حديث فبات ليله يتقلب، فلما أصبح قال أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فدعا بنار فأحرقها ” (٢).

فالخليفة صاحب النبي ٢٣ عاما، وصاهره، ولازمه، وشهد كل مواقعه كما يجمع المؤرخون على ذلك. وفوق هذا وذلك فهو يقرأ ويكتب، فهل

 

(١) تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٥، وعلوم الحديث ص ٣٩.(٢) الاعتصام بحبل الله المتين ج ١ ص ٣٠، وتدوين السنة الشريفة ص ٢٦٤، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٥، وكنز العمال ج ١ ص ٢٨٥.

 

٢٦٥
نستكثر على من كانت هذه حالته أن يروي عن الرسول خمسمائة حديث من سنته!! لقد رواها بنفسه، وسمعها بنفسه، وكتبها بنفسه، بمعدل أقل من ٢٢ حديثا كل عام، وأقل من حديثين كل شهر، وهذا يعني أنها كانت صحيحة وصادرة عن رسول الله قطعا، ومحفوظة وبعيدة عن التحريف لأنه قد استودعها عند ابنته ككنز خوفا عليها من الضياع، وبعد أن انتقل الرسول إلى جوار ربه وانقطع الوحي، وبعد أن استولى على منصب الخلافة، صار لا ينام الليل من وجود هذه الأحاديث!!! ووصفت لنا السيدة عائشة ابنة الخليفة حالته بقولها:“… جمع أبي الحديث عن رسول الله (ص)، وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيرا قالت فضمني، فقلت أتتقلب لشكوى أو لشئ بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها!! فقلت لم أحرقها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فتكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت، ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك ” انتهى النص (١).

السيدة عائشة تؤكد بأن أباها قد جمع الحديث عن رسول الله وتؤكد أن عدد الأحاديث كان خمسمائة حديث، وأن هذه الأحاديث، فلما أصبح طلب الأحادث التي سمعها من رسول الله بنفسه وكتبها بخط يده، ثم دعا بنار فأحرقها أمام السيدة عائشة، حتى الآن فإن وقائع الرواية متماسكة، ومتفقة مع توجهات الخليفة، ومنسجمة مع المرسوم الذي أصدره بعد توليه لمنصب الخلافة، ومع أمره للمسلمين ” بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله “، بل وتتناغم مع الواقع ومع نفسية الخليفة الرقيقة، فالتصرف قد حدث بعد توليه منصب الخلافة، وأثناه الفترة التي كان فيها غاضبا من الإمام علي ومن أهل بيت النبوة الذين رفضوا بيعته بدعوى أنهم

 

(١) تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٥، وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٨٥، وتدوين القرآن ص ٣٧٠. 

٢٦٦
أحق بالخلافة منه وفي الوقت الذي حرمهم فيه من تركة الرسول ومن سهم ذوي القربى، وصادر المنح التي أعطاها لهم الرسول، وهم بإحراق بيت فاطمة على من فيه وهدد الإمام بالقتل إن لم يبايع، أو أمر بأن يؤتى به بأعنف العنف (١) فليس من المستبعد أن بعض الأحاديث التي كتبها الخليفة تتضمن بعض مراتب الإمام علي، أو مكانة أهل بيت النبوة، فلما استعرض الوقائع أو أحداث يومه أو أسبوعه، وتذكر أحاديث النبي، جفاه النوم وانتابه القلق، فصارت هذه الأحاديث كشبح يلاحقه ويحول بينه وبين النوم، لأن نفسية الرجل رقيقة ويندم علي الخطأ بدليل ندمه وعلى فراش الموت حيث قال: ” أما إني لا آسى على شئ في الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهن… فوددت أني لم أكشف عن بيت فاطمة وتركته ولو أغلق على حرب ” (٢) ووضع اليعقوبي الصورة بقوله: إن أبا بكر قال: ” وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال ولو أغلق على حرب ” (٣) فمن المحتمل جدا أن يكون في الأحاديث التي كانت مكتوبة عند أبي بكر توصية بإرضاء السيدة فاطمة بالذات بدليل أنه بعد عملية الشروع بحرق بيتها، ذهب أبو بكر وعمر إلى منزلها ليعتذرا، فسألتهما: ” نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي وغضبها من غضبي…فأجابها الاثنان بصوت واحد اللهم نعم قد سمعناه!! ” (٣) فما الذي يمنع بأن يكون هذا الحديث هو أحد الخمسمأة!!! فعندما يتذكر أبو بكر هذا الحديث وأمثاله من المكتوبة عنده، ويتذكر ما فعله بأهل بيت النبوة، فإن هذا يجلب القلق، ويذهب النوم خاصة عن شخصية رقيقة كشخصية الخليفة الأول!!! ثم إن الشخص العادي إذا اقتنع بأنه قد ظلم في يومه إنسانا، فإنه

 

(١) بالفصول السابقة وثقنا كل كلمة قلناها.(٢) أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٨٧.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١١٥.

(٤) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ٧ وما فوق.

 

٢٦٧
لا يقوى على النوم، ويصيبه الأرق، فكيف يحس الإنسان الرقيق إذا اقتنع بأنه قد ظلم أو آذى بنت رسول الله أو أحب الناس إليه، إن وجود هذه الأحاديث يذكره دائما بما فعل، إنها بمثابة شهود إدانة، والإنسان بفطرته يتخلص مما يدينه!!.ثم إن الثابت بأن أبا بكر قد جمع خمسمأة حديث، بينما الموجود بأيدي المسلمين من حديثه لا يتجاوز ١٤٢ حديثا كما أحصاها ابن حزم والسيوطي (١) بمعنى أنه قد ضاع منها ٣٥٨ حديثا!!! فإن صح ما ذهبنا إليه، فمن غير المعقول أن يروي الإنسان عن رسول الله ما يدينه!!!

أما عجز الحديث ” آخره ” الذي يتضمن السبب المعلن الذي دفع الخليفة الأول لحرق الأحاديث التي جمعها بنفسه، فالصناعة والتكلف واضح فيه، وأكبر الظن بأنه قد ألحق بالحديث إلحاقا فالنفس الذي صيغ فيه العجز مختلف تماما عن النفس الذي صيغ فيه بقية الحديث، ثم إن المؤرخين والمحدثين يجمعون بأن أبا بكر كان من أقرب الصحابة لرسول الله، وكان من الملازمين له، ولم تكن هنالك حواجز بين الرسول وبين أبي بكر فهو صهره وصاحبه، فما هو الداعي ليترك رسول الله وهو النبع النقي ويأتي إلى غيره ليروي له أحاديث رسول الله!!!، لأنه أقرب من الغير لرسول الله، وألصق به!! ثم إنه ليس كثيرا على قارئ وكاتب كأبي بكر أن يجمع ٥٠٠ حديث خلال صحبة للرسول دامت ٢٣ سنة، ودعمت الصحبة رابطة المصاهرة!!! إن عجز الحديث لا يتفق مع أوله وهو غير معقول ومن المؤكد أن القوم قد أضافوا عجز الحديث لأوله ليجعلوا من إحراق الخليفة الأول لسنة الرسول التي كتبها فضيلة من فضائله، وليبرروا عملية إحراقه للسنة النبوية المطهرة لأن إحراق السنة المطهرة لا يمكن الدفاع عنه إلا بمثل هذا المبرر.

 

 

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٦٦، وتدوين السنة للجلالي ص ٢٧٧. 

٢٦٨
لكن المرسوم الذي أصدره الخليفة والذي أمر فيه المسلمين بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا، جرف المبررات التي اختلقوها وأثبت بوضوح لا يقبل الشك بأن سياسة الخلفاء كانت قائمة على استبعاد سنة الرسول، والتمسك بالقرآن وحده، أو بفهمهم أو تأويلهم لهذا القرآن، لأن سنة الرسول كانت متعارضة مع الواقع الذي أوجدوه، وكانت ناقضة لذلك الواقع وحاكمة ببطلانه فاستبعدوا سنة الرسول كفرار فطري من أدلة الادانة والتجريم!!!. 

٢٦٩
كتاب أين سنة الرسول ؟!! للمحامي أحمد حسين يعقوب (ص ٢٧٠ – ص ٢٩٥)

٢٧٠
عن أقواله وأفعاله ووزنها بميزان الشرعية الإلهية، ثم إن الرسول الأعظم كان يتعامل قانونيا مع الظواهر، تاركا أمر البواطن لله تعالى، لقد عرفه الله تعالى بالمنافقين ولكن لا أعلم أن رسول الله قد قال خلال حياته لأحد من المنافقين بالذات أنت منافق يا فلان!!! كان المنافقون يتلفظون الشهادتين، ويصلون ويصومون ويعتمرون ويحجون ويزكون، ويخرجون للجهاد مع رسول الله، وإذا تخلفوا عنه يعتذرون ويظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر والفسوق ولا عصيان، كان الرسول يعلم ذلك علم اليقين، ولكنه كان لا يرى لنفسه سلطانا لمعاقبة هذا المنافق أو ذاك، ما لم يجهر بكفره وفسوقه وعصيانه، ويأخذ هذا الجهر الصورة الكاملة لفعل محظور شرعا، فإن فعل ذلك عاقبه الرسول بحدود الفعل، كمسلم حسب الظاهر، وبالعقوبة المحدودة شرعا ولكن الرسول لا ينبش ماضيه، ولا ينقب عن حقيقة إيمانه، ثم إن الرسول يمثل قمة الكمال الإنساني، وصفوة الوجود البشري، وهو بطبيعته رحمة للعالمين، قود وسع بحلمه المسلمين جميعا، وعلا بخلقه فوق الناس أجمعين لذلك وصف الله تعالى خلقه وصفا دقيقا بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) فعبد الله بن أبي كان كهف المنافقين والنفاق، وقد أبدي رغبته بأداء العمرة مع رسول الله، ولم يكسر النبي بخاطره واصطحبه كأي واحد من المسلمين، ولما نزل رسول الله في الحديبية، وتعثرت المفاوضات مع زعامة الشرك، وأمر الله رسوله بأن يأخذ البيعة على القتال من المسلمين بايعه ابن أبي كواحد من المسلمين، ولما عرضت زعامة الشرك على ابن أبي أن يؤدي العمرة وأن يطوف بالبيت قال كيف أفعل ذلك دون رسول الله!! ومن المؤكد أن ذلك قد أثلج خاطر الرسول وفي لحظة من اللحظات، اقترح بعضهم على رسول الله أن يقتل ابن أبي، فأجاب الرسول ذلك البعض بقوله: ” كيف يقال بأن محمدا يقتل أصحابه، والله لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا ” وفي غزوة تبوك وأثناء عودته وعندما تآمر عليه ذلك النفر من المنافقين ليقتله، كشف الخبر لأصحابه، ولكنه لم

٢٧١
يعاقب المتآمرين، لأن الخبر قد جاءه بالوحي قبل أن يشرع المتآمرون بتنفيذ الجريمة، ولما قال له بعض أصحابه: لم لا تقتلهم يا رسول الله، أجاب أليسوا يشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله!! قالوا: بلى ولكن لا شهادة لهم، فقال النبي: إني لم أؤمر بذلك، سيقول العرب إنه بعد أن وضعت الحرب أوزارها بدأ محمد يقتل أصحابه!! كان مجتمع المدينة وما حولها غاص بالمنافقين وأصحاب النفوس الفاسدة، بل إن هنالك فئة داخل المدينة وخارجها قد مردت تماما على النفاق كما ذكر الله تعالى، فهم ليسوا منافقين فحسب بل هم من كبار مردة النفاق كان الرسول يعلم ذلك، لكنه مقيد بالحكم الإلهي، ومقيد بالخلق العظيم، ومقيد بكونه ذروة الوجود والكمال الإنساني، كان يتصرف مع الجميع تصرف الأكبر، تصرف الوالد الرحيم مع أبنائه، فلم يقطع الرجاء بصلاح من انحرف، أو حاد عن الطريق المستقيم، كان يأمل أن يخرج الله من صلب ذلك المنحرف إنسانا مستقيما!! روحي فداك يا رسول الله كم أنت كبير وعظيم وحليم ورحيم!!!لقد كان عمر بن الخطاب أحد أصحابه الذين هاجروا تبعا لهجرته، لقد عرض عمر ابنته حفصة على رسول الله فتزوجها، فنال شرف المصاهرة، وصار يتردد على رسول الله بحكم الصحبة وبحكم المصاهرة، كان عمر في الجاهلية رجلا مغمورا ليس من علية القوم، ولا من زعامتها، أنظر إلى قول المقداد لعمر في السقيفة: ” لأعيدنك إلى قوم كنت فيهم ذليلا غير عزيز… ” كما يروي ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج ١ ص ٤ وما فوق، وبعد الهجرة وجد نفسه صاحبا لأعظم شخصية في العالم، وحما لرجل الساعة، وواحدا من أتباعه المقربين بحكم الصحبة والمصاهرة والغربة عن مسقط الرأس، فتاه الرجل فخرا وعزا، فاستخفته هذه المرتبة العالية، فتفتح طموحه، واتسع نطاق وسائله ليستوعب هذا الطموح العجيب، ويتقن من حلم النبي العظيم، ومن إحساس النبي الصادق بأن لعمر عليه حق الإسلام، وحق الصحبة، وحق المصاهرة، والحلم النبوي

٢٧٢
الفذ وهذه الحقوق التي يراها الرسول لعمر تجعل عمر في أمان خلال هذه الحياة الدنيا على الأقل، فانطلق الرجل، وخلال انطلاقته كشف بوضوح عن مفهومه الخاص لسنة رسول الله بأنواعها الثلاثة القولية والفعلية والتقريرية، بل لقد كشف عن طبيعة إيمانه ونظرته الشخصية للرسول، ولما آلت إليه الخلافة تألق نجمه كصاحب لرسول الله وكخليفة، بيده مفاتيح خزائن دولة عظمى، يؤلف بأموالها ونفوذها القلوب من حوله فاستقطب بسيرته قبل الخلافة وبعدها الذين عادوا رسول الله، وأسند لهم مناصب الدولة العليا، واستقطب من أيد سياسته من القلة المؤمنة، ثم عزل أهل بيت النبوة عزلا اجتماعيا تاما، وأذلهم، حتى ينتزع من نفوسهم وإلى الأبد فكرة المطالبة بالرئاسة العامة للمسلمين، ومن الادعاء بأن الرئاسة حق خالص لأهل بيت النبوة من دون الناس!!أما على مستوى الشخصي فعاش حياة الكفاف!! فانقادت فئات الأمة له، قلة من المؤمنين، وكامل بطون قريش وكافة أعداء الله ورسوله السابقين، والمنافقين والمرتزقة من الأعراب، وصارت كل فئة تعتقد أنه رجلها، وحتى أهل بيت النبوة لم يجهروا بمعارضتهم له، فذاع صيت الرجل، وعمت شهرته، ووضعت له الفضائل التي لا تحصى، وتصور الناس أن الرجل يخالف الله ورسوله لحكمة خافية عليهم، وأن الله لو لم يختر محمدا للنبوة لاختار عمر، وما من قصة كان فيها رسول الله وعمر إلا وأعطوا فيها دور البطولة لعمر، وصارت هذه المعتقدات جزءا من عقيدة العامة والخاصة ثم آلت الخلافة إلى أعداء الله السابقين والحاقدين على أهل بيت النبوة فبالغوا بمدح أبي بكر وعمر لا حبا بهما ولكن إرغاما لأنوف أهل بيت النبوة، وشب الصغير على ذلك وهرم الكبير فيه، واستقر ذلك في النفوس عمليا!! فأي بحث موضوعي سيصطدم بهذه القناعة المسبقة التي تكونت عند الغالبية من المسلمين والتي ترفض ما يتعارض معها!! بهذا المناخ سنبحث منع رواية وكتابة سنة الرسول في عهد عمر بن الخطاب،

٢٧٣
وكما قلنا في بداية هذا الفصل بأنه كان لعمر بن الخطاب مفهومه الخاص عن سنة الرسول بأنواعها الثلاثة القولية والفعلية والتقريرية. 

نماذج من موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول حال حياة الرسول

١ – قال عبد الله بن عمرو بن العاص: ” كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش… ” (١) فعمر بن الخطاب كما سيتضح جليا في ما بعد كان على رأس قريش التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابة كل شئ يسمعه من رسول الله بدعوى أن الرسول يتكلم في الغضب والرضا كما يتضح في نهاية الخبر، وحسب هذا الخبر الصحيح فإن عمر كان يعتقد بأنه ليس كل ما يقوله الرسول صحيحا وجديرا بالكتابة.

٢ – صلح الحديبية من أعظم الإنجازات الإسلامية على الإطلاق بل هو الثمرة المباركة لكافة المعارك التي خاضها رسول الله، وقد وصف تعالى في كتاب العزيز هذا الصلح ” بالفتح المبين والنصر العزيز ” لأن هذا الصلح قد حسم الموقف نهائيا لصالح الإسلام دون إراقة قطرة دم واحدة، ولو تغاضينا عن هذه النتائج الباهرة، فإن كل ما فعله الرسول كان بأمر ربه، لقد أعلن الرسول أن روح القدس قد نزل عليه وأمره بالبيعة (٢) وقد فهم الجميع أن الصلح قد تم بتوجيه إلهي، فقد قال الرسول للجميع: ” إني رسول الله ولست أعصيه ” (٣).

 

 

(١) سنن أبي داود ج ٢ ص ١٢٦، وسنن الدارمي ج ١ ص ١٢٥، ومسند أحمد ج ٢ ص ١٦٢ و ٢٠٧ و ٢١٦، ومستدرك الحاكم ج ١ ص ١٠٥ و ١٠٦، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ١ ص ٨٥، وكتابنا المواجهة ص ٢٥٤.(٢) راجع ما كتبناه في الفصول السابقة عن هذا الموضوع تحت عنوان ” أساليب مستقاة من مبادئهم ” وراجع المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٠٤، وصحيح البخاري آخر كتاب الشروط، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٠٦، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٥ ص ٣٢٠، وصحيح البخاري ج ٦ ص ١٢٢، والمغازي للواقدي ص ٦٠٠ و ٦٠٧ و ٦٠٩.

(٣) المصدر السابق.

 

٢٧٤
وقال أبو بكر مخاطبا عمر: ” أيها الرجل إنه لرسول الهل وليس يعصي ربه وهو ناصره ” (١) وبالرغم من كل ذلك فإن عمر بن الخطاب اعتبر الصلح الذي رضي به الله ورسوله ” دنية في الدين ” وأن ما فعله الرسول كان خاطئا وغير صحيح!!وحاول عمر أن يقنع الحاضرين بأن الصلح الذي ارتضاه الله ورسوله دنية في الدين، ليفرضوا عن الرسول إلغاء الصلح والرجوع عنه!! ولما يئس من إقناعهم قال: ” لو وجدت أعوانا ما أعطيت الدنية في ديني… ” والمثير أنهم رغم ذلك سجلوه شاهدا على صك صلح الحديبية (٢) وكما تعلم فإن سنة الرسول تعني قول الرسول وفعله وتقريره، وهكذا تعامل عمر بن الخطاب مع سنة الرسول في صلح الحديبية.

٣ – وعمر بن الخطاب هو الذي أوجد مبدأ ” عدم جواز جمع الهاشميين للنبوة مع الملك، بل يجب أن تكون النبوة للهاشميين، وأن تكون الخلافة لبطون قريش تتداولها في ما بينها ” (٣)!! لأنه من غير الجائز أن يكون النبي من بني هاشم وأن يكون الخلفاء من بني هاشم أيضا كما أعلن النبي في سنته، وكان لهذا المبدأ الأثر الفعال في تجاهل سنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وبمن يخلف النبي، وليفتح عمر أشواق مطامع الجميع على الخلافة أجاز في ما بعد أن تكون الخلافة للأنصار، فقال: لو كان معاذ بن جبل حيا لوليته واستخلفته، ومعاذ من الأنصار، وكان من غير الجائز حسب رأي عمر سابقا أن يتولى الأنصار الخلافة، والأبعد من ذلك أن عمر بن الخطاب قد أجاز للموالي أن يتولوا الخلافة فقال: ” لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته واستخلفته وهذا من الموالي ولا يعرف له

 

(١) المصدر السابق.(٢) شرح النهج ج ٣ ص ٧٩٠.

(٣) الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٣ ص ٢٤ آخر سيرة عمر من حوادث سنة ٢٣، وشرح النهج لعلامة المعتزلة ج ٣ ص ١٠٧ و ٩٧ كما نقلها عن تاريخ بغداد.

 

٢٧٥
نسب في العرب!!! وكان عمر يتصرف بمثل هذه التصرفات وهو على علم تام بسنة الرسول المتعلقة بمن يخلف الرسول، وكيف ينسى ذلك وقد بايع الخليفة الشرعي أمام الرسول وقدم له التهاني في غدير خم كما وثقنا بأكثر من عشرين مرجعا في البحوث السابقة، ولكن عمر كان يعتقد أن تنصيب الرسول للإمام علي هو من عند نفسه لا من عند الله، وكان يعتقد أن تنصيب الرسول للإمام علي ليس مناسبا!! لحداثة سنه والدماء التي عليه كما وثقنا سابقا!!! (١) وعلى ضوء هذا الاعتقاد كله يتصرف متجاهلا بالكامل سنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وبمن يخلفه من بعده!!!٤ – ويتجلى موقف عمر من سنة الرسول بأوضح صورة في جيش أسامة، فقد عبا الرسول هذا الجيش بنفسه، وعبأ به أبا بكر وعمر وبقية ذلك النفر من أصحاب الخطر، وأمر أسامة على هذا الجيش، وأعطاه الراية بنفسه، وطلب من الجيش الخروج سريعا، وكرر ذلك مرات متعددة، لكن عمر خاصة وذلك النفر عامة لم يرق لهم تأمير الرسول لأسامة وهو حديث السن على شيوخ الأنصار والمهاجرين، فطعنوا علنا بتأمير الرسول لأسامة، وأخذوا يثبطون الناس عن الخروج في جيش أسامة!! ومع ن الرسول كان مريضا وعلى فراش الموت فقد اضطروه للنهوض معصوب الرأس ومحموما فصعد المنبر ودافع عن قراره بتأميره لأسامة قائلا: ” أيها الناس ما مقالة بلغتني في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل وأيم الله إنه كان لخليق بالإمارة ” (٢) وحثهم على الخروج

 

(١) راجع شرح النهج ج ٣ ص ١١٤ سطر ٢٧ الطبعة الأولى بيروت وج ٢ ص ٧٩ سطر ٣ تحقيق أبو الفضل مكتبة الحياة وج ٣ ص ٦٧ ط دار الفكر وج ٢ ص ١٨، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ١٣٠، وكتابنا المواجهة ص ٤٧٣.(٢) المغازي للواقدي ج ٣ ص ١١٩، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٩٠، وشرح النهج ج ١ ص ٥٧، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٧ و ٢٣٤، والسيرة الدحلانية ج ٣ ص ٣٣٩، وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٧٣ – ٥٧٤.

 

٢٧٦
ثم قال: ” لعن الله من تخلف عن بعث أسامة ” (١) ومع هذا لم يخرجوا وضغطوا على أسامة فراجع الرسول فقال له الرسول: ” أخرج وسر على بركة الله فراجعه أسامة ثانية، فقال له الرسول: ” سر على النصر والعافية “، وراجع أسامة ثالثة فقال له الرسول: ” انفذ لما أمرتك به ” ومع هذا لم يخرجوا ومات الرسول وهم متثاقلون وبعد موت الرسول، أصر عمر بأن تأمير الرسول لأسامة غير مناسب وطالب الخليفة الأول بنزع أسامة من إمارة الجيش!! فأخذ أبو بكر بلحية عمر وقال له: ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه ” (٢) لو تمكن عمر لنزع أسامة من إمارة الجيش التي ولاها رسول الله له، لأن عمر كان ما زال يعتقد أن تأمير الرسول لأسامة على ذلك الجيش ليس مناسبا ولا صحيحا وأنه كان الأجدر بالرسول أن يولي قيادة ذلك الجيش لأبي بكر، أو لعمر، أو لواحد يرضون عنه!! هذه طبيعة نظرة عمر لقول الرسول ولعمل الرسول أو بتعبير أدق هذه طبيعة نظرته لسنة رسول الله!!! (٣).٥ – وحال عمر بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة!! وتفصيل ذلك أن رسول الله وهو على فراش الموت قد أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة، فحدد موعدا لذلك، دعا إليه صفوة من أصحابه ليشهدوا كتابة الوصية والتوجيهات النهائية، ويبدو أن عمر بن الخطاب قد سمع بالخبر، وعرف ساعة الموعد الذي حدده رسول الله، وفي الوقت المحدد دخل الذين دعاهم رسول الله ليشهدوا كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، فجلسوا. كان عمر بن الخطاب قد أخبر أركان حزبه وصفوة أوليائه واتفق وإياهم على أن يذهبوا إلى منزل الرسول، وأن يحولوا

 

(١) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ٢٣ وج ١ ص ١ ص ٢٠ بهامش الفصل لابن حزم ج ١ ص ٢٤.(٢) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٢٦، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٣٥، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٩ و ٢٣٦، والسيرة الدحلانية ج ٢ ص ٣٤٠.

(٣) راجع الفصول السابقة تحت عنوان ” موقفهم من سنة الرسول والرسول على فراش الموت “.

 

٢٧٧
بأي ثمن بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية كما اتفقوا على تفاصيل الخطة.وبعد جلوس الذين دعاهم النبي، دخل عمر وأركان حزبه وصفوه أوليائه إلى منزل الرسول دون استئذان أو علم مسبق، وجلسوا وكأنهم زوار لا علم لهم بترتيب الرسول!! فقال الرسول للذين دعاهم ” إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ” (١) وعندما أتم الرسول هذه الجملة، تجاهل عمر وجود الرسول وقال موجها كلامه للحاضرين: إن الوجع قد اشتد برسول الله، أو إن الرسول يهجر، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله!! وعندما أتم عمر جملته، قال الذين أحضرهم معه، ” القول ما قاله عمر!! إن النبي يهجر!! ما له استفهموه إنه يجهر!!!، قال الذين استدعاهم رسول الله: ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا!! ومرة ثانية تجاهل عمر وجود النبي وقال ما قاله في المرة الأولى، وعلى الفور ردد الفريق الذي أحضره اللازمة المتفق عليها سالفا: ” القول ما قاله عمر إن النبي يهجر…. الخ ” (٢).

دهشت النسوة مما سمعن، وطللن من وراء الستر وقلن: ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم… صاح بهن عمر ” إنكن صويحبات يوسف… ” (٣) وارتفعت الأصوات، وكثر اللغو واللغط، وبدأ التنازع بين

 

(١) المصدر السابق.(٢) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج ٧ ص ٩، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج ٥ ص ٧٥، وصحيح مسلم بشرح النووي ج ١١ ص ٩٥، ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٥٦ ج ٢٩٩٢، وشرح النهج ج ٦ ص ٥١، وصحيح البخاري ج ٤ ص ٣١، ومسند أحمد ج ١ و ٢ وج ٣ ص ٢٨٦، وصحيح مسلم ج ٢ ص ١٦ وج ١١ ص ٩٤ – ٩٥، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٥٥، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٣، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٠، وصحيح البخاري ج ١ ص ٣٧ وج ٥ ص ١٣٧ وج ٢ ص ١٣٢ وج ٤ ص ٦٥ – ٦٦، تذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٦٢، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص ٢١، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص ٢٨٧، وما فوق.

(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٤٣ – ٢٤٤، وراجع الفصل السابق ” موقفهم من سنة الرسول =

٢٧٨
القلة التي دعاها الرسول وبين الكثرة التي أحضرها عمر، فصرف الرسول النظر عن كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، لأنه لو أصر على الكتابة، لأصر عمر ومن معه على الهجر مع ما يفتحه ذلك على الدين من أبواب خطيرة، لذلك أجابهم الرسول بجواب يليق بجلال النبوة ويعكس واقع الحال، فقال لعمر الذي صاح بالنسوة قائلا: ” إنكن صويحبات يوسف… ” قال الرسول: ” إنهن خير منكم ” (١)، ” ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه قوموا عني، لا ينبغي عندي تنازع ” (٢) وهكذا نجح عمر وحزبه بالحيلولة بين الرسول وبين ما أراد كتابته، لأن عمر كان يخشى أن يكتب الرسول أمرا غير مناسب!!! كما أفصح عن ذلك بعد وفاة النبي!! إذا كان عمر يتعامل مع سنة الرسول مثل هذا التعامل في ذلك الوقت العصيب!! ويرفض أن يأذن للرسول بكتابة كتاب وصفه الرسول بأنه تأمين ضد الضلالة!!! فما عساه أن يقبل من سنة الرسول بعد موته!!٦ – إن عمر لم يكن بعيدا عن المرسوم الذي أصدره الخليفة الأول والذي أمر فيه المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله!! لأنه كان شريكه في أمره، وولي عهده، كذلك فإن عمر لم يكن بعيدا عن قيام الخليفة بإحراق ما سمعه بنفسه من رسول الله وما كتب بيده من سنة رسول الله!!.

 

 

= أثنا مرض الرسول “.(١) المصدر السابق.

(٢) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج ٧ ص ٩، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج ٥ ص ٧٥، وصحيح مسلم بشرح النووي ج ١١ ص ٩٥، ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٥٦ ح ٢٩٩٢، وشرح النهج ج ٦ ص ٥١، وصحيح البخاري ج ٤ ص ٣١، ومسند أحمد ج ١ و ٢ وج ٣ ص ٢٨٦، وصحيح مسلم ج ٢ ص ١٦ وج ١١ ص ٩٤ – ٩٥، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٥٥، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٣، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٠، وصحيح البخاري ج ١ ص ٣٧ وج ٥ ص ١٣٧ وج ٢ ص ١٣٢ وج ٤ ص ٦٥ – ٦٦، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٦٢، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص ٢١، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص ٢٨٦ وما فوق.

 

٢٧٩
هذه ملامح من موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول قبل أن يتولى الخلافة، ونلقي الآن الضوء على موقفه من سنة الرسول بعد أن تولى الخلافة. 

شاهد أيضاً

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ کتاب الشمس الساطعة منهج‌ المرحوم‌ القاضي‌ قدّس‌ ...