الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٣٨١ – ٤٠٠

وروى أحمد أن الرسول قال: ” إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم، وتلين له أبشاركم، وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به… قال السيد رشيد إن إسناده جيد ” (١).وانطلاقا من هذين الأساسين، ظهرت طائفة ” الكذابون الصالحون ” أو الذين يكذبون من أجل البني لا عليه!!!

قال خالد بن يزيد سمعت محمد بن سعيد الدمشقي يقول: ” إذا كان كلام حسن لم أر بأسا من أن أجعل له إسنادا ” (٢).

وأخرج في الحلية عن ابن مهدي عن أبي لهيعة أنه قال: ” سمعت شيخا من الخوارج يقول: “… فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرنا له حديثا “.

وإذا سألهم سائل كيف تكذبون على رسول الله؟: قالوا: نحن نكذب له لا عليه، إن الكذب على من تعمده!! قال مسلم يجري على لسانهم ولا يتعمدون الكذب. قال ابن حجر: وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث الترغيب والترهيب وقالوا نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته!!

قال عبد الله النهاوندي: قلت لغلام أحمد: من أين لك هذه الأحاديث التي تحدث بها في الرقائق؟ فقال وضعناه لنرقق بها قلوب العامة!! قال ابن الجوزي عن غلام أحمد أنه كان يتزهد ويهجر الشهوات، وغلقت أسواق بغداد يوم موته وأخرج البخاري في التاريخ الأوسط عن عمر بن صبيح بن عمران التميمي أنه قال: أنا وضعت خطبة النبي، وأخرج الحاكم بسنده إلى أبي عمار أنه قيل لأبي عصمة: من أين لك عن عكرمة بن عباس في فضائل القرآن سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبه!!

 

 

(١) تفسير المنار ص ٢٢٨ ج ٩، وأضواء على السنة المحمدية ص ١٣٧.(٢) شرح صحيح مسلم للنووي ج ١ ص ٣٢.

 

٣٨١
روي عن سيف بن عمر التميمي أنه قال: كنت عند سعد بن طريف فجاء ابنه من الكتاب يبكي فقال له ما لك؟ قال ضربني المعلم! قال لأخزينهم اليوم: حدثنا عكرمة عن ابن عباس مرفوعا قال: ” مصلحو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المساكين ” (١).وقد يكون الوضع بالإدراج، أي إضافة زيادة للحديث ليست منه وعندما فتح باب التدوين والكتابة دون العلماء ذلك كله في ما دونوا من سنة رسول الله، حيث وجدوا هذه المكذوبات مسندة!!

 

واليهود ساهموا بكتابة وتدوين سنة الرسول!!

كان لليهود الذين أسلموا أو تظاهروا بالإسلام، وللثقافة اليهودية وجود بارز ومؤثر في المجتمع الإسلامي، ويكفي أن تعلم بأن كعب الأحبار، كان مستشار الخليفة الثاني وملاذه وموضع سره، وأنه كان يسأله حتى عن مستقبل الأمة الإسلامية (٢) وكان يوحي له أنه موجود في التوراة (٣) وكان الخليفة يسأله الموعظة ويستفتيه في بعض آيات القرآن، مع أن كعب هذا ليس صحابيا (٤)، وكان عمر يسأل كعبا حتى عن شفاعة النبي يوم القيامة (٥)، وكان يلتزم بما يقول به كعب، فلما أراد عمر أن يزور العراق نهاه كعب عن ذلك فانتهى (٦) وكان لكعب تلاميذ وأتباع ومريدون ونفوذ هائل في دولة الخلافة، أتاح له أن يتحدث بحرية، وحث الناس ضمنا على اعتبار حديثه، ونسوق بعض أقوال كعب على سبيل المثال.

 

 

(١) نقلنا الجزء الأعظم من هذه الفقرة من كتاب أضواء على السنة المحمدية ص ١٣٧ – ١٣٨.(٢) مسند أحمد ج ١ ص ٤٢، ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٣٩، وتاريخ المدينة لابن شيبة ج ٣ ص ٨٩١.

(٣) تاريخ الطبري ج ١ ص ٣٢٣.

(٤) الدر المنثور للسيوطي، ج ٦ ص ٢٥٧.

(٥) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٥.

(٦) كنز العمال ج ١٤ ص ١٤٨، وراجع تدوين القرآن ص ٤٣٠ وما فوق.

 

٣٨٢
قال كعب ” يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم يراهما من عبدهما ” (١).وروى البزار في ما بعد عن أبي هريرة أن النبي قد قال: ” الشمس والقمر ثوران في النار يوم القيامة ” (٢).

قال كعب الأحبار إن لله ديكا عنقه تحت العرش وبراثنه في أسفل الأرض فإذا صاح صاحت الديكة فيقول ” سبحان القدوس الملك الرحمن لا إله غيره “.

وفي ما بعد قال أبو هريرة إن النبي قد قال: إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك رجلاه في الأرض وعنقه مثبتة تحت العرش وهو يقول: ” سبحانك ما أعظم شأنك “!!

قال كعب الأحبار: ” أربعة أنهار الجنة وخصها الله عز وجل في الدنيا، فالنيل نهر العسل في الجنة، والفرات نهر الخمر في الجنة، وسيحان نهر الماء في الجنة وجيحان نهر اللبن في الجنة “.

وفي ما بعد قال أبو هريرة: أن رسول الله قد قال: ” النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنة “!!

وقال كعب: ” إن الله قد خلق السموات والأرض وما بينهما في سبعة أيام، التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد… الخ (٣).

وفي ما بعد قال أبو هريرة أخذ رسول الله بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت والجبال يوم الأحد…

قال البخاري وابن كثير أن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب

 

(١) أضواء على السنة المحمدية وحياة الحيوان ص ٢٢٢.(٢) أضواء على السنة المحمدية ص ٢٠٧.

(٣) ص ٢٢٠ نهاية الأرب للنووي، وأضواء على السنة المحمدية ص ٢٠٨.

 

٣٨٣
الأحبار، لأنه يخالف القرآن، الذي نص بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام لا في سبعة كما ادعى كعب الأحبار وقال أبو هريرة.قال أبو هريرة إن رسول الله قد قال: ” إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، اقرأوا إن شئتم (وظل ممدود) (١).

ولما أتم أبو هريرة رواية الحديث أسرع كعب الأحبار وقال صدق والذي أنزل التوراة على موسى، والفرقان على محمد لو أن رجلا ركب حقه أو جزعه ثم دار بأعلى تلك الشجرة، ما بلغها حتى يسقط هرما!!! “.

والخلاصة أن علماء الحديث عندما شرعوا بتدوين وكتابة سنة الرسول وجدوا ” منجما ” إسرائيليا يحتوي عشرات الآلاف من الأحاديث المنسوبة للرسول والمسندة إسنادا جيدا، والمدعومة من كعب الأحبار جليس الخلفاء وصفيهم فكتبوها، كما هي.

 

والنصارى ساهموا أيضا بكتابة وتدوين سنة الرسول!!!

وكان لتميم الدارمي، راهب أهل عصره نفوذه الخاص في دولة الخلافة، وله أتباعه وتلاميذه ومريدوه، وكان يحدث بروايات وقصص عن الحساسة والرجال وإبليس وملك الموت والجنة والنار فملأ الأرض بهذه الروايات (٢) لما فعل زميلاه من قبل كعب ووهب ولما بدأ علماء المسلمين بكتابة ورواية سنة الرسول، وجد هذا ” المنجم ” المسيحي فكتبوه كله مع ما كتبوا من سنة الرسول.

 

 

(١) راجع أضواء على السنة المحمدية ص ٢٠٧ وما فوق.(٢) أضواء على السنة المحمدية ص ١٨٢.

 

٣٨٤

الفصل الثالث
بحار من المرويات وملايين من النصوص المنسوبة لسنة رسول الله!!

كانت الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله والتي جمعها العلماء ودونوها في كتبهم تعد بمئات الآلاف، بل بالملايين، روي عن البخاري أنه قال: ” أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، وروي عنه أنه قال: ” خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث “، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: ” صح من الحديث سبعمائة ألف وكسر، وأنه قال هذا الفتى – يعني أبا زرعة – يحفظ سبعمائة ألف حديث، وكان يحفظ مائة وأربعين ألفا في التفسير… ” (١) فهؤلاء ثلاثة من العلماء لديهم ما يقرب من مليوني حديث!! الله وحده كان يعلم كم لدى كان علماء دولة الخلفاء من حديث!!!

كان العلماء في قرارة أنفسهم موقنين بأنه من المستحيل عقلا أن يصدر هذا الكم الهائل من الأحاديث عن رسول الله، بل كانوا موقنين أن الجزء الأعظم من هذا الكم الهائل غير صحيح ومكذوب على رسول الله،

 

(١) أضواء على السنة المحمدية ص ٢٩٩. 

٣٨٥
ولكن رواه مسلمون!! وهنالك احتمال أن يكون صحيحا كله أو بعضه ثم إن الأمانة تقضي أن يكتبوا ما يرويه المسلمون عن رسول الله، كان دورهم مقتصرا على كتابة وتدوين ما يروى من سنة الرسول، حسب زعم الرواة!!كان لبعض العلماء موازينهم الخاصة للصحة التي يزنون بها الأحاديث التي يكتبونها، ومع هذا كانوا يحفظون أو يحتفظون بالأحاديث التي يعتقدون أنها غير صحيحة.

وكان البعض من العلماء يحذفون من هذه المرويات ما يرونه مناسبا، مثال على ذلك فقد روى نصر بن مزاحم في كتابه ” صفين “، والمسعودي في كتابه ” مروج الذهب ” النص الكامل لرسالة محمد بن أبي بكر لمعاوية التي أبرزت بعض فضائل الإمام علي، وجانبا من تاريخ معاوية المظلم، وبعض إساءات الخلفاء للإمام علي، إلا أن الطبري قد حذف الجزء الأعظم من مضامين هذه الرسالة، معللا ذلك بأن العامة لا تحتمل سماع ما حذفه، وجاء من بعده ابن كثير فذكر رسالة محمد بن أبي بكر، ولم يشر إلى كلمة مما ورد فيها واكتفى بالقول بأن ” فيه غلظة ” (١) وأحيانا كانوا يبدلون كلمة بكلمة، فالطبري وابن الأثير أبدلا كلمتي ” وصيي وخليفتي الواردتين في حديث رسول الله بقولهما ” كذا وكذا ” (٢).

بعد أن جمع العلماء هذا الكم الهائل من الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله ودونوها في كتب خاصة، أنصب هدفهم على معرفة الصحيح من غير الصحيح، وما صدر عن الرسول بالفعل، وما تقوله الرواة عليه!! كانت هذه هي المشكلة الكبرى التي واجهت العلماء خاصة، والمسلمين عامة، وما زالت تواجههم إلى اليوم لأن الموازين التي وضعها العلماء كانت ثمرة معارف واجتهادات شخصية، تأثرت حتما بميول العلماء وثقافاتهم وتربيتهم

 

(١) البداية والنهاية لابن الأثير ج ٧ ص ٣١٢.(٢) معالم المدرستين ج ١ ص ٢٤٦.

 

٣٨٦
السياسية، فكان الوزن بتلك الموازين غير دقيق، فكم من حديث موصوف بالصحة في أصح الصحاح حسب تلك الموازين وهو صحيح البخاري، ومع هذا باطل من جميع الوجوه ومتعارض مع الحكم من القرآن ومع العقل ومع المنطق!! وقد سقنا في البحوث السابقة أمثلة متعددة على ذلك. 

الموازين والمقاييس التي اعتمدها العلماء لتمييز ما قاله الرسول عما تقوله الرواة عليه

أوجد علماء دولة الخلافة مجموعة من الموازين أو المعابير أو المقاييس ليميزوا بواسطتها الحديث الصادر عن الرسول فعلا من الحديث الذي تقوله الرواة عليه، وما أوجده العلماء منها لم يرد لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله، إنما هي موازين من صنع العلماء أنفسهم ومن ” اختراعهم الخاص ” وبالرغم من الجهود المضنية والمشكورة التي بذلها العلماء إلا أن النتيجة التي حصلوا عليها، كانت دون المأمول، لأن المشكلة نفسها أكبر من العلماء، ولا طاقة لهم على حلها، بدليل أن المشكلة ما زالت قائمة حتى يومنا هذا!! ولا يقوى على حلها غير أهل بيت النبوة، واللجوء لأهل بيت النبوة، سيكشف فضائح، وينسف معتقدات، ويدمر كل البنى الغريبة، ويعيد كل شئ إلى موقعه الشرعي، وهذا يعني عملية هدم وإعادة البناء، لذلك آثر العلماء الدعة، لاقتناعهم بأن المطلوب منهم بذل عناية لا تحقيق غاية، وسنستعرض بكل الإيجاز للقواعد الأساسية التي قامت عليها موازين العلماء ومقاييسهم لتمييز ما قاله الرسول عن ما تقوله القوم عليه:

 

الصحابة:

لقد أجمع العلماء على أن كل حديث ينسب للرسول يجب أن يرويه عنه أحد من الصحابة، فأي حديث لا يروي عن صحابة فهو باطل وغير صحيح ولا ينظر إليه. ويقصدون بالصحابة كل من لقى رسول الله وهو

٣٨٧
مؤمن به أو متظاهر بالإيمان به ومات على ذلك ويشمل كل من شاهد الرسول أو لم يشاهده لعارض كالعمى، أو شاهده الرسول، من جالسوا الرسول أو لم يجالسوه، بل ويشمل الأطفال الذين رآهم رسول الله أو رأوه، ولا فرق بين السابقين بالإيمان أو المتأخرين عنه، ولا فرق بين أعداء الله ورسوله السابقين الذين حاربوا الله ورسوله بكل وسائل الحرب حتى أحيط بهم فأسلموا وبين أولياء الله المخلصين الذين وضعوا أنفسهم تحت تصرف الرسول في كل المواقف، ولا فرق أيضا بين العالم، وبين غير العالم، فكلهم صحابة، وكلهم عدول، وكلهم في الجنة، حسب ما اتفق عليه علماء دولة الخلافة!! فأبو سفيان، ومعاوية، كعلي وجعفر صحابة عدول!! وعبد الله بن أبي سرح كعمار بن ياسر، والمغيرة بن شعبة كأبي ذر فإن قال أي واحد من الصحابة عموما إن رسول الله قد قال كذا وكذا، فمعنى ذلك أن الصحابي صادق، وأن الرسول بالفعل قد قال كذا وكذا، وأجمع علماء دولة الخلافة بأنه لا يحق لأي مسلم قط أن يجرح عدالة أي صحابي، لأن الصحابة فوق الجرح والتعديل، فقد عدلهم الله، وضمن لهم الجنة!!! حتى وإن أخطأ الصحابي فهو مأجور، لأنه بحكم المجتهد، ومن المستحيل برأي علماء دولة الخلافة أن يتعمد الصحابي الخطأ!!! فالخطأ هو الذي هجم على الصحابي والصحابي برئ منه، ولنفترض أن الصحابة اختلفوا، فسار فريق منه نحو الجنوب وآخر نحو الشمال، وثالث نحو الشرق، ورابع نحو الغرب، فكلهم على صواب، وكلهم مأجورون ولا حرج على الأمة لو انقسمت تبعا لهم إلى أربعة أقسام، والتحق كل قسم من الأمة بالقسم الذي يريد من الصحابة!! ولنفترض وقد وقع هذا أن الصحابة قد اشتبكوا جميعا بحرب أهلية دامية، فهذا ليس جرما بنظر علماء دولة الخلافة، لأن هذا الاصطدام ثمرة اجتهاد، والمتصادمون كلهم مأجورون، فالقاتل مأجور والمقتول مأجور أيضا والفرق أن من يكن منهم على الحق له أجر واحد، ومن يكن منهم على الباطل له أجران!!! لقد قرر العلماء بأن

٣٨٨
الله قد غفر للصحابة ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر وعلى المسلمين أن يصادقوا على هذا القرار، ومن لا يصادق عليه فليس بمسلم، ولا ينبغي أن يدقق في مقابر المسلمين ” (١) لقد أكد القرآن الكريم وجود فئة من أهل المدينة ومن حولها مردت على النفاق، هذه لقيت رسول الله وهي متظاهرة بالإسلام، وماتت على ذلك، جالست الرسول وسمعت منه، وغزت معه، وصلت وتصدقت وزكت، فهم صحابة، لأنه لم يعرف المسلمون منهم غير عاثر الحظ ” عبد الله بن أبي ” أما البقية فكانوا مندسين بين الناس فأين تبخرت هذه الفئة، لقد مات الرسول وهم على النفاق، هل كانوا ينتظرون موت الرسول حتى يصلحوا أنفسهم في يوم وليلة!!! وكيف يكون المنافق عادلا!!!هنالك فئات انتهكت حرمة القوانين الإلهية، فسرقت، أو زنت، أو شربت الخمر، أو قتلت، أو رمت المحصنات، وأقام الرسول الحدود عليهم، فكيف يكون السارق والقاتل والزاني وشارب الخمر ورامي المحصنات من العدول!!!

لقد توعد الله المنافقين بالدرك الأسفل من النار، والمنافقون ليسوا أشباحا إنما هم كائنات حية كانت عيش في الوسط الإسلامي وتقوم بكل شعائر الإسلام وتكتم نفاقها، لقد تناسى العلماء الوعيد الإلهي بإدخال المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وتجاهلوا كافة الآيات المحكمات التي فضحت المنافقين، وتجاهلوا وجود المنافقين، والمرتزقة من الأعراب، وأصحاب التاريخ الأسود بمعاداة الله ورسوله، وتجاهلوا الذين لعنهم رسول الله، والذين أقام عليه الحدود لارتكاب جرائم ثم حكموا دفعة واحدة بأن كل مواطني دولة الرسول عدول ومعصومون ومن أهل الجنة،

 

(١) إذا أردت التوسع في نظرية عدالة الصحابة فارجع إلى كتابنا نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام. 

٣٨٩
وأن الرواية عن رسول الله مقبولة من كل واحد منهم!!! وهكذا وقعوا في مطب جديد وخلقوا لأنفسهم ولسنة رسول الله مشكلة جديدة، ووضعوا أنفسهم في حالة صدام دائم مع العقل، ومع مبادئ الدين الحنيف، وحتى الروايات الصادرة عن رسول الله والتي حكموا هم أنفسهم بصحتها!!!.وما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد على أن العلماء قد جعلوا الرواية عن الصحابي شرط لازم من شروط صحة الحديث المنسوب إلى رسول الله، فيجب أن يسند الحديث إلى صحابي – بالمفهوم الواسع للصحبة – يقول الصحابي: سمعت رسول الله يقول:… فإن لم يقل الصحابي ذلك فالحديث باطل شكلا وليس مرويا عن رسول الله!!!

ولا بد من التذكير بأنه عندما بدأت عملية كتابة وتدوين ورواية سنة الرسول كان الصحابة جميعا في ذمة الله، وكذلك الأكثرية الساحقة من التابعين!!!

ولا بد من التذكير بأن الرواة قد ” أوجدوا أو خلقوا ” صحابة لا وجود لهم في الواقع، فأحيانا يسمي الراوي أسماء لصحابة لا وجود لهم إلا في خياله، ويسند رواياته الكاذبة لهم، ومعنى ذلك أن الرواي يختلق أسماء صحابة، ويختلق، المتن ويختلق أسماء العدد اللازم من الأسناد، وبناء على هذه الروايات كان العلماء يدخلون هذه الأسماء المختلقة لصحابة وهميين في قائمة الصحابة الفعليين، وسيف التميمي أبرز الأمثلة على ذلك (١).

لقد أراد العلماء حل مشكة الحديث عندما تبنوا نظرية عدالة كل الصحابة، فأوجدوا ٧٠ ألف مشكلة كل مشكلة لا تقل تعقيدا عن مشكلة الحديث!!! والكارثة حقا أن العلماء اعتبروا آراءهم الشخصية، ومعتقداتهم الخاصة بمثابة الأحكام الدينية، وألزموا المسلمين باتباعها متحصنين وراء

 

(١) راجع مرتضى العسكري في ١٥٠ صحابي مختلق. 

٣٩٠
نظرية عدالة كل الصحابة، ومتسلحين بحبهم لصحابة رسول الله!! فأوجدوا مئات الألوف من المراجع. 

كل واحد من الصحابة مرجع قائم بذاته، وله سنته الواجبة الرعاية!!

كان كتاب الله وسنة رسوله هما المرجع القانوني الأوحد للمسلمين، وكان الرسول الأعظم هو المرجع البشري الأوحد للناس، بعد موت الرسول أدخلت سنة الخلفاء الراشدين مع كتاب الله وسنة رسوله، وهكذا صار المرجع القانوني للمسلمين ثلاثيا ” كتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين كما وثقنا، وقف الخلفاء الراشدون الثلاثة كمراجع بشرية إلى جانب الرسول!! فأصبح للمسلمين أربعة مراجع بشرية، وبإدخال الإمام علي مؤخرا إلى قائمة الخلفاء الراشدين صاروا خمسة!!!

بعد مائة عام ونيف، صار كل واحد من الصحابة مرجع قائم بذاته، وله سنته الخاصة به، والصحابة يعدون بعشرات الألوف فمعنى ذلك أنه قد صار للمسلمين عشرات الألوف من المراجع وعشرات الألوف من أصحاب السنن!! ولا حرج على أي مسلم لو أخذ دينه من أي واحد من هذه المراجع، أو سار خلف أي واحد منها، أو اتبع سنة أي واحد منها!! كانت السنة تعني قول الرسول وفعله وتقريره، وأصبحت السنة تعني أيضا قول كل صحابي وفعله وتقريره!!

وأصبحت آراء الصحابة في الحوادث المصدر الثالث من مصادر التشريع:

١ – القرآن ٢ – السنة ٣ – رأي الصحابي

٣٩١
والمذاهب الثلاثة الأحناف والمالكية والحنابلة أكثر تعصبا لآراء الصحابة من الشوافع.ومع أن أبا حنيفة كان متحمسا للقياس ويراه أفضل المصادر بعد القرآن إلا أنه كان يقدم رأي الصحابي عليه إذا تعارض في مورد من الموارد، وقد جاء عن أبي حنيفة! إن لم أجد في كتاب ولا في سنة رسوله أخذت بقول أصحابه فإن اختلفت آراؤهم في حكم الواقعة، آخذ بقول من شئت وأدع من شئت ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم من التابعين ” (١).

وجاء في أعلام الموقعين لابن القيم: إن أصول الأحكام عند الإمام أحمد خمسة:

١ – النص

٢ – فتوى الصحابي

وأن الحنابلة والأحناف قد ذهبوا إلى تخصيص كتاب الله بعمل الصحابي، لأن الصحابي العالم لا يترك العمل بعموم الكتاب إلا لدليل، فيكون عمله على خلاف عموم الكتاب دليلا على التخصيص وقوله بمثابة عمله ” (٢).

 

صفات الرواة

بعد أن حدد العلماء المرجع الموثوق الذي تؤخذ منه سنة رسول الله ” وهم الصحابة ” اشترطوا أن يتصف الراوي عنهم بصفتين وهما العدالة والضبط، والعدالة بالأصل متوفرة بكل المسلمين، إلا إذا رفعت عنه نتيجة سلوك شائن، أو تصرف خاطئ أما الضبط فيعني أن الراوي قليل الأخطاء

 

(١) أبي حنيفة لأبي زهرة ص ٣٠٤، والإمام زيد ص ٤١٨، وآراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي.(٢) المدخل إلى أصول الفقه للدواليبي ص ٢١٧، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ١١٩ – ١٢٠.

 

٣٩٢
والأغلاط، والضبط والعدالة درجات دنيا ووسطى وعليا، والعلماء يقدرونها حسب الظروف، فإذا جمع الراوي بين العدالة والضبط فهو ثقة وأهل لرواية أحاديث رسول الله عن الصحابة!! والمدهش أن الصحابة يوم وضعت هذه الموازين كانوا كلهم أمواتا!!!كان العلماء يهتمون بالإسناد، فإذا صح الإسناد اهتموا بالحديث وإن لم يصح الإسناد، فقد الحديث قيمته، وقال بعضهم: الصحيح ما صح إسناده، وغير الصحيح ما لم يصح إسناده، والحديث يجب أن يكون متصل الإسناد من أوله إلى آخره.

 

متنه وصياغته

ثم تطرق العلماء إلى صياغة الحديث، فقالوا يجب أن تخلو صياغة الحديث من أي شذوذ أو علة وأن يسلم لفظه من الركاكة، ومعناه من المخالفة لآية قرآنية أو خبر متواتر.

 

التسليم بعدم دقة هذه الموازين والمقاييس

قالوا إن من علامات وضع الحديث إن صح سنده أن يكون مخالفا لنص القرآن القطعي وفي ما هو في معناه من كل قطعي شرعي كبعض أصول العقائد أو الأعمال المجمع عليها المعلومة من الدين بالضرورة بحيث يتعذر الجمع بينهما، كحديث أبي هريرة في خلق السموات والأرض في سبعة أيام، فالحديث مروي عن صحابي من العدول، وإسناده صحيح من أوله إلى آخره، ورجاله ثقات، ومع هذا قد يكون موضوعا لأنه يتعارض مع آية قرآنية، أو ما هو ثابت من الذين بالضرورة، وسلموا أيضا أن الموضوع من حيث الرواية قد يكون صحيحا في الواقع، وأن الصحيح السند قد يكون موضوعا في الواقع، وإنما علينا أن نأخذ بالظواهر مع مراعاة القواعد.

 

٣٩٣

وتمخضت هذه الموازين تقسيمات للأحاديث الموزونة منها

١ – الحديث المتواتر: وهو ما أخبرت به جماعة يمتنع عقلا اتفاق أفرادها على الكذب، وهو صحيح قطعا، ويجب الأخذ به من غير توقف، والأحاديث اللفظية المتواترة في السنة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.

٢ – خبر الآحاد: وهو الذي لم يبلغ حد التواتر، ويفيد الظن، ويؤخذ به في العبادات والمعاملات، ولا يؤخذ به في العقائد، وقالوا إن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قطعا، ولو كانت مخرجة في البخاري ومسلم، وإنما يفيد العلم فيها بناء على ” أن الأمة مأمورة بالأخذ بكل خبر يغلب الظن على صدقه “.

 

وتبعا لدرجات العدالة والضبط ولآلية الإسناد ولنوعية النص يكون الحديث

صحيحا، أو حسنا، أو ضعيفا، أو مصحفا، أو محرفا، أو مغلوبا، أو مضطربا، أو معروفا، أو غريبا، أو شاذا…

وقد يكون الحديث صحيحا عند عالم، وباطلا عند آخر، وحسنا عند ثالث وضعيفا عند رابع.

 

حكمهم على كتب الحديث التي عملت بهذه الموازين

قال الشافعي: أصح الكتب بعد كتاب الله موطأ مالك، ونقل السيوطي بأن الموطأ هو الأصل الأول والبخاري هو الأصل الثاني.

وقال الدهلوي: إن الطبقة الأولى من كتب الحديث منحصرة في ثلاثة كتب:

 

٣٩٤
١ – موطأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم.٢ – كتب لم تبلغ الموطأ والصحيحين ولكنها تتلوها سنن أبي داود والترمذي والنسائي.

٣ – مسانيد صنفت قبل البخاري ومسلم وفي زمانهما وبعدهما جمعت بين الصحيحين والحسن والضعيف والمعروف والغريب والشاذ والمنكر والخطأ والصواب (١).

 

أصح الصحاح حسب هذه الموازين والمقاييس

إن أصح كتب الحديث برأي القوم هو صحيح البخاري، مع أن البخاري قد أقر علنا، بأنه لم ينقل الحديث باللفظ إنما كان ينقله بالمعنى، وأنه كان يسمع الحديث في بلاد، ويكتبه في بلاد ثانية! (٢) قال الدكتور أحمد أمين: إن بعض الرجال الذين روى عنهم البخاري غير ثقات، وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين وفي الواقع هذه مشكلة فالوقوف على أسرار الرجال محال… ولكن ماذا يصنع بمستور الحال (٣) وقال رشيد رضا عن صحيح البخاري ومسلم… إنه يوجد في غيرهما من دواوين السنة أحاديث أصح من بعض ما فيهما (٤).

وقال أيضا ما كلف الله مسلما أن يقرأ صحيح البخاري ويؤمن بكل ما فيه (٥).

 

 

(١) أضواء على السنة المحمدية ص ٢٦٠ وما فوق باختصار.(٢) مقدمة فتح الباري ص ٤، وهدى الساري ج ٢ ص ٢٠١ وص ٩٤ وص ١١ وج ١ ص ١٨٦ من فتح الباري، وأضواء على السنة المحمدية ص ٣٠٠.

(٣) ضمن الإسلام ج ٢ ص ١١٧ – ١١٨ وص ٣٠٣ من الأضواء.

(٤) المنار ج ٢٩ ص ١٠٤ و ١٠٥، والأضواء ص ٣٠٥.

(٥) المراجع السابقة، والأضواء ص ٣٠٥.

 

٣٩٥
ثم إن البخاري ومسلم قد ذكرا أحاديث في صحيحيهما، أسانيدها صحيحة ورجالها ثقات حسب رأيهما، ومع هذا فإنها تخالف نصوصا محكمة في القرآن الكريم وتخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة!!، فقد ذكر البخاري ومسلم في صحيحيهما أحاديث تتعلق بسلوك الرسول منها على سبيل المثال الحديث الذي يصور الرسول بصورة الرجل الذي يفقد السيطرة على أعصابه فيسب بعض الناس ويشتمهم ويلعنهم ويؤذيهم بغير سبب ولا خطأ صدر منهم!! فالشخص العادي من الناس يترفع عن فعل هذا فكيف بصفوة بني الإنسان، وكيف يوحد البخاري ومسلم بين هذا الحديث وأمثاله وبين قوله تعالى عن الرسول الكريم (وإنك لعلى خلق عظيم) فهل من الخلق العظيم أن يسبب الرسول ويشتم ويلعن ويؤذي بعض الناس بدون ذنب ولا سبب! لقد سقنا في البحوث السابقة عدة نماذج من طراز هذا الحيث!!لكن البخاري ومسلم يعلمان بأن رسول الله قد لعن الكثير من الخلفاء، ومن كبار أعوانهم، ليكون هذا اللعن بمثابة ميسم يعرفهم المسلمون به، فعز على البخاري ومسلم أن يتولى منصب الخلافة رجال لعنهم الله على لسان رسوله، لذلك فضلا أن يتحمل رسول الله المسؤولية، وأن تبرأ ساحة الخلفاء!! وكان بإمكان البخاري ومسلم أن يفعلا ما فعل الطبري، فبدلا من أن يروي الطبري الحديث على الوجه التالي ” إن الرسول قد قال لعلي بن أبي طالب: أنت أخي وخليفتي ووصيي فيهم ” رواه كما يلي ” قال الرسول لعلي: أنت أخي وكذا وكذا… ” وكان بإمكانهما أن يعتذرا بما اعتذر به الطبري عندما أعرض عن رسالة محمد ابن أبي بكر وبرر ذلك بقوله: فيها أمور لا تحتمل العامة سماعها!! فلو اعتذر البخاري ومسلم بعذر مشابه، لكن أقرب للمنطق من تصوير الرسول بتلك الصور التي لا تليق بجنابه الأقدس، ولا بمكانته السامية الرفيعة!!

 

٣٩٦

الفصل الرابع
تقييم الموازين والمقاييس التي أوجدها علماء دولة الخلافة لفرز ما قاله الرسول عما تقوله الرواة عليه

الجهود العظيمة والمضنية التي بذلها علماء دولة الخلفاء في رواية وجمع وكتابة سنة الرسول، والمحاولات الصادقة التي قاموا بها لتمييز ما قاله الرسول فعلا عما تقوله الرواة عليه تستحق كل الشكر والعرفان بغض النظر عن النتائج المتواضعة التي أسفرت عنها تلك الجهود والمحاولات!

١ – والعمل العظيم الذي قاموا به، أقل بكثير مما كان مأمولا منهم، وواجبا عليهم! لأن العلماء هم أعمدة المجتمع، والحكام الفعليون للناس، وهم الأبعد نظرا والذين يتحملون مسؤولية خاصة. لقد منعت دولة الخلافة كتابة ورواية سنة رسول الله، وأحرقت المكتوب منها، ودام المنع مائة عام ونيف، فهل روى التاريخ لنا أن وفدا من العلماء، قد قابل أي خليفة من خلفاء بني أمية وشرح له المخاطر التي تترتب على الاستمرار بمنع كتابة ورواية أحاديث رسول الله؟!! كانت هذه الخطوة أبسط واجبات العلماء، وأقل مظاهر ممارستهم لمسؤولياتهم الخاصة!! لم يرو التاريخ شيئا عن مثل هذا الوفد!! نحن لا نطالب بأن يمتنع العلماء عن موالاة الخليفة القائم، بل طالبنا بأن ينصحوه ويبينوا له الدرب باعتبار أن الدين هو النصيحة!! لقد كان

٣٩٧
علماء دولة الخلافة فصيلا من الجيش، يأمره الخليفة فيطيع، وينهاه فينتهي!!إن قرار السماح بكتابة قرار حكومي من كل الوجوه اتخذه الخليفة بمحض اختياره ونال شرفه وحده وتابع الخلفاء تنفيذه، ولا بد لعلماء دولة الخلافة فيه ولا فضل لهم عليه، بل الثابت أنهم قد قاوموه في البداية، ومضت مدة ثلاثين عاما قبل أن يعقلوه بحجة تعارضه مع سنة الخلفاء الراشدين، ولما أصر الخلفاء على قرارهم نفذه علماء دولة الخلافة وهم كارهون، لا قناعة بوجاهته، ولكن خوفا من سلطان الدولة!! وتلك أمور تسجل على علماء دولة الخلافة لا لهم.

٢ – لقد كلف العلماء أنفسهم بما لا قبل لهم به، ولا طاقة لهم عليهم: فطوال مائة عام ونيف دولة عظمى تقف بكل قوتها ونفوذها ومواردها ضد كتابة ورواية سنة الرسول، وفي الوقت نفسه تضع وتطبق سننا واجتهادات بديلة لسنة الرسول، ولما قرر عمر بن عبد العزيز السماح بكتابة ورواية سنة الرسول، كانت السنن والاجتهادات البديلة تشكل منظومة حقوقية كاملة، ونافذة المفعول، أو كانت هذه السنن والاجتهادات بمثابة القانون الوحيد النافذ في المجتمع كله، كان دور سنة الرسول مقتصرا على العبادات، أو على بعض الأمور التي لا تتعارض مع السنن الوضعية والاجتهادات التي قبلت بها الأغلبية الساحقة من المسلمين طوعا أو كرها، ثم اعتادت عليها، فمن يتوقع من هذه الأغلبية أن تتنازل عن قوانينها النافذة!! ومن يتوقع منها أن تقر وتعترف بأنها قد تركت النص وأخذت بالاجتهاد، وأنها قد تركت سنة رسول الله وأخذت بسنة الخلفاء!! وهذا يستدعي إضفاء الشرعية الإسلامية أية شرعية ولو على السنن والاجتهادات التي حلت محل سنة الرسول!! وهذا يستدعي أن توحد الأغلبية جهودها، وأن تعيق إظهار سنة الرسول التي ستدينها. لقد كانت الأغلبية الساحقة من المجتمع ضد فكرة تدوين السنة وروايتها، لأنها قد اعتادت طوال مائة عام

٣٩٨
على مبدأ عدم كتابة وتدوين سنة الرسول!!! لذلك فإن للأغلبية مصلحة بإجهاض أو إفشال فكرة تدوين ورواية سنة الرسول، ولها مصلحة بخلط الأوراق، بحيث لا يعرف على وجه اليقين ما هي سنة الرسول وما هي سنة الخلفاء!! ولها مصلحة بأن لا يعرف على وجه اليقين أين هي مواقع التعارض والتصادم والتناقض بين سنة الرسول وسنن الخلفاء!!ثم إن العلماء أنفسهم كان لهم تفكير الأكثرية، وثقافة الأكثرية، وكانوا يعتبرون أنفسهم والأكثرية صفا واحدا أو فريقا واحدا، لأنهم قد أشربوا القناعات نفسها!! فعملية فرز ما قاله الرسول، عما تقولته الأكثرية أو الرواة عليه بهذا المناخ وعلى أيدي أولئك العلماء كانت عملية مستحيلة، لأنها ضد الطبيعة.

٣ – إن علماء دولة الخلافة كانوا يعلمون علم اليقين بأن رسول الله قد قال ” لقد تركت فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقد أنبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا، فانظروا كيف تخلفوني فيهما! وحتى بعد عمليات الفرز أكد مسلم في صحيحه حتمية صدور حديث الثقلين عن رسول الله، ثم إن القرآن الكريم قد ذكر أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وذكر آية المودة في القربى، وكيف ينسى علماء دولة الخلافة قيمة آل محمد، وقد أمرهم الله أن يصلوا على محمد وآله في كل صلاة.

لنفترض أن علماء دولة الخلافة حياديين وموضوعيين، فطالما أنهم يواجهون مشكلة كبرى بهذا التعقيد، ولهم الرغبة الصادقة بحلها، فما الذي يمنعهم من الاستعانة بأهل الخبرة وبالقادرين على المساهمة بالحل!! فهل ذكر لنا التاريخ أن مجموعة أو وفدا من العلماء قد ذهب لمقابلة عميد آل محمد وسأله كيف نميز ما قاله الرسول عما تقوله الرواة عليه!!! في كل وقت من الأوقات كان لآل محمد عميد أو إمام يعترف المسلمون به كشيخ لآل محمد، فهل قابل علماء دولة الخلافة الإمام الباقر، أو الصادق، أو

٣٩٩
الكاظم، فالثلاثة أحفاد النبي، والثلاثة عمداء لأهل بيت النبوة – كل في زمانه – والدولة والرعية يعترفون بأنهم أحفاد النبي، وعمدا أو شيوخ آل محمد!! فماذا يغير العلماء، لو وجهوا لأي واحد منهم السؤال الآنف الذكر!! ألا يستطيع وفد العلماء أن يقول لعميد أهل البيت: عندك سنة الرسول مكتوبة، فدعنا نحضر لك ما كتبناه، لتميز لنا منه ما قاله الرسول، مما تقوله الناس عليه!!إن التاريخ لم يذكر لنا مثل هذا الوفد، ولم يذكر لنا أن مثل هذا السؤال قد طرح أصلا!!! إذا لم يلجأ لأحد ثقلي الإسلام لحل هذه المشكلة الخطيرة فمتى يلجؤون!!! ما هي العداوة بين علماء دولة الخلافة وبين عمداء أهل بيت النبوة!!! وما هو المانع من اللجوء إليهم، ومن سؤالهم!!! إن الإنسان يلجأ لعدوه في أمور أقل خطورة من ذلك، فلو كان أحدهم مريضا، واكتشف أن العلاج لا يتوفر إلا في صيدلية نصراني، أو يهودي، أو مجوسي… الخ فما هو وجه الغلط إن أخذ العلاج من تلك الصيدلية!!!

لقد سمع العلماء ممن هم أقل مرتبة من أهل بيت النبوة، لقد سألوا كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وتميم الدارمي وغيرهم وهم لا يصلحون خداما لأهل بيت النبوة ولعمدائهم فما هو الغلط في رجوع علماء دولة الخلافة لآل محمد وسؤالهم!!!

ولكن ثقيل على نفوس علماء دولة الخلافة أن يسألوا عميد أهل بيت النبوة، أو أن يلجؤوا إلى أهل البيت، أو أن يعترفوا بمنزلة أهل بيت النبوة عند الله ورسوله أو بدورهم المميز في المسلمين بعد وفاة رسول الله، لأن ذلك يخالف سنة الخلفاء، وما تعارفت عليه الأغلبية الساحقة من الأمة طوال مائة عام ونيف، ويتعارض مع ثقافة التاريخ التي تربى عليها العلماء والأغلبية، وأشربتها قلوبهم، لقد تعود علماء دولة الخلافة على طاعة الخلفاء، والالتزام التام بتوجههم العام، وقلوب الخلفاء مسكونة بالحساسية

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...