ذلك على طريق علي الذي لا بد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة التيقد عمقوها، وكان ما حوالي المحفور أرض ذات حجارة ودبروا على أنه إذا وقع معدابته في ذلك المكان كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه.
فلما بلغ علي عليه السلام قرب المكان لوى فرسه عنقه وأطاله الله فبلغتجحفلته (١) أذنيه وقال: يا أمير المؤمنين قد حفر لك هيهنا ودبر عليك الحتفوأنت أعلم لا تمر فيه. فقال له علي عليه السلام: جزاك الله من ناصح خيرا كما تدبرتدبيري وإن الله عز وجل لا يخليك من صنعه الجميل، وسار حتى شارف المكانفوقف الفرس خوفا من المرور على المكان، فقال علي عليه السلام: سر بإذن الله سالماسويا عجيبا شأنك بديعا أمرك، فتبادرت الدابة فإن الله عز وجل قد متن الأرض (٢)وصلبها [ ولام (٣) حفرها ] كأنها لم تكن محفورة وجعلها كسائر الأرض،فلما جاوزها علي عليه السلام لوى الفرس عنقه ووضع جحفلته على أذنه ثم قال: ماأكرمك على رب العالمين أجازك على هذا المكان الخاوي (٤). فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: جازاك الله بهذه السلامة عن نصيحتك التي نصحتني بها.
ثم قلب وجه الدابة إلى ما يلي كفلها والقوم معه بعضهم أمامه وبعضهم خلفهوقال، اكشفوا عن هذا المكان فكشفوا فإذا هو خاو لا يسير عليه أحد إلا وقع فيالحفرة، فأظهر القوم الفزع والتعجب مما رأوا منه، فقال علي عليه السلام للقوم: أتدرونمن عمل هذا؟ قالوا: لا ندري. قال عليه السلام: لكن فرسي هذا يدري، يا أيها الفرسكيف هذا ومن دبر هذا؟ فقال الفرس: يا أمير المؤمنين عليه السلام إذا كان الله عز وجليبرم ما يروم جهال القوم نقضه أو كان ينقض ما يروم جهال الخلق إبرامه فالله
(١) الجحفلة لذي الحافر كالشفة للانسان.
(٢) متن الأرض: صلب متنه وقواه.
(٣) لام حفرها: جمع حفرها، كأن الحفيرة ملئت وأرجعت إلى ما كانتعليه قبل ذلك.
(٤) الخاوي: الخالي، القفر
فحضروه وهنوه على سلامة علي من الورطة التي رامها أعداؤه.
ثم قالوا له: يا رسول الله أخبرنا عن علي عليه السلام أهو أفضل أم ملائكة اللهالمقربون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وهل شرفت الملائكة إلا بحبها لمحمد وعليوقبولها لولايتهما، وأنه لا أحد من محبي علي قد نظف قلبه من قذر الغش والدغلونجاسات الذنوب إلا كان أطهر وأفضل من الملائكة، وهل أمر الله الملائكة بالسجودلآدم إلا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم أنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعواعنها إلا – وهم يعنون أنفسهم – أفضل منه في الدين فضلا وأعلم بالله وبدينه علما، فأراد اللهأن يعرفهم أنهم قد أخطأوا في ظنونهم واعتقاداتهم، فخلق آدم وعلمه الأسماء كلهاثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها، فأمر آدم عليه السلام أن ينبأهم بها وعرفهم فضلهفي العلم عليهم، ثم أخرج من صلب آدم ذريته منهم الأنبياء والرسل والخيار منعباد الله أفضلهم محمد ثم آل محمد والخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد وخيار أمة محمدوعرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الأثقالوقاسوا ماهم فيه بعرض يعرض من أعوان الشياطين ومجاهدة النفوس واحتمالأذى ثقل العيال والاجتهاد في طلب الحلال ومعاناة مخاطرة الخوف من الأعداء منلصوص مخوفين ومن سلاطين جورة قاهرين وصعوبة في المسالك في المضائق والمخاوفوالأجراع (١) والجبال والتلاع (٢) لتحصيل أقوات الأنفس والعيال من الطيبالحلال، فعرفهم الله عز وجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا ويتخلصونمنها ويحاربون الشياطين ويهزمونهم ويجاهدون أنفسهم بدفها عن شهواتها ويغلبونهامع ما ركب فيهم من شهوات الفحولة وحب اللباس والطعام والعز والرئاسة والفخروالخيلاء ومقاساة العناء والبلاء من إبليس وعفاريته وخواطرهم وإغوائهم واستهوائهمودفع ما يكابدونه من أليم الصبر على سماعهم الطعن من أعداء الله وسماع الملاهي
(١) الجرعة: رملة مستوية لا تنبت شيئا.
(٢) التلاع: جمع التلعة، وهو ما علا من الأرض وما سفل، وفي بعض النسخ” الطلاع ” وهو جمع الطلع بكسر الطاء: المكان المشرف الذي يطلع منه.
والشتم لأولياء الله، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم والهرب من أعداءدينهم، أو الطلب لمن يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم.
قال الله عز وجل: يا ملائكتي وأنتم من جميع ذلك بمعزل لا شهواتالفحولة تزعجكم ولا شهوة الطعام تحفزكم (٢) ولا خوف من أعداء دينكمودنياكم تنحب (٢) في قلوبكم ولا لإبليس في ملكوت سماواتي وأرضي شغل علىإغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم، يا ملائكتي فمن أطاعني منهم وسلم دينهمن هذه الآفات والنكبات فقد احتمل في جنب محبتي ما لم تحتملوا واكتسب منالقربات إلى ما لم تكتسبوا.
فلما عرف الله ملائكته فضل خيار أمة محمد وشيعة علي وخلفائه عليهم السلامواحتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقينبالفضل عليهم، ثم قال: فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذهالخلائق الأفضلين، ولم يكن سجودهم لآدم إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوهلله عز وجل، وكان بذلك معظما له مبجلا، ولا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد مندون الله ويخضع له خضوعه لله ويعظم بالسجود له كتعظيمه لله، ولو أمرت أحداأن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا أنيسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله ومحض وداد خير خلق الله علي بعدمحمد رسول الله واحتمل المكاره والبلايا في التصريح بإظهار حقوق الله ولم ينكرعلى حقا أرقبه عليه (٣) قد كان جهله أو غفله.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله عصى الله إبليس فهلك لما كان معصيته بالكبر علىآدم، وعصى آدم الله بأكل الشجرة فسلم ولم يهلك لما لم يقارن بمعصيته التكبر
(١) الحفز: الدفع من الخلف، والحفز بالرمح: الطعن به.
(٢) النحب: السير السريع، وفي بعض النسخ ” تنخب ” ومعناه تجبن قلوبكموتجعلكم بلا فؤاد، يقال ” رجل نخب ” أي الجبان الذي لا فؤاد له.
(٣) أرقبه عليه: انتظره منه.
على محمد وآله الطيبين، وذلك إن الله تعالى قال له: يا آدم عصاني فيك إبليسوتكبر عليك فهلك ولو تواضع لك بأمري وعظم عز جلالي لأفلح كل الفلاح كماأفلحت، وأنت عصيتني بأكل الشجرة وعظمتني بالتواضع لمحمد وآل محمد فتفلح كل الفلاحوتزول عنك وصمة الزلة فادعني بمحمد وآله الطيبين لذلك، فدعا بهم فأفلح كلالفلاح لما تمسك بعروتنا أهل البيت.
ثم إن رسول صلى الله عليه وآله أمر بالرحيل في أول نصف الليل الأخير، وأمر مناديهفنادى: ألا لا يسبقن رسول الله صلى الله عليه وآله أحد إلى العقبة ولا يطأها حتىيجاوزها رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة فينظر من يمربها ويخبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان رسول الله أمره أن يتشبه بحجر، فقال حذيفةيا رسول الله إني أتبين الشر في وجوه القوم من رؤساء عسكرك، وإني أخاف إن قعدت فيأصل الجبل وجاء منهم من أخاف أن يتقدمك إلى هناك للتدبير عليك يحس بيويكشف عني فيعرفني ويعرف موضعي من نصيحتك فيتهمني ويخافني فيقتلني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنك إذا بلغت أصل العقبة فاقصد أكبر صخرة هناكإلى جانب أصل العقبة وقل لها: إن رسول الله يأمرك أن تنفرجي لي حتى أدخلجوفك ثم يأمرك أن تثقبي فيك ثقبة أبصر منها المارين وتدخل علي منها الروحلئلا أكون من الهالكين، فإنها تصير إلى ما تقول لها بإذن الله رب العالمين.
فأدى حذيفة الرسالة ودخل جوف الصخرة وجاء الأربعة والعشرون علىجمالهم وبين أيديهم رجالتهم يقول بعضهم لبعض: من رأيتموه هنا كائنا من كانفاقتلوه لأن لا يخبروا محمدا أنهم قد رأونا هيهنا فينكص محمد ولا يصعد هذه العقبةإلا نهارا فيبطل تدبيرنا عليه، وسمعها حذيفة واستقصوا فلم يجدوا أحدا، وكانالله قد ستر حذيفة بالحجر عنهم، فتفرقوا فبعضهم صعد على الجبل وعدل عنالطريق المسلوك، وبعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين وشمال وهم يقولونالآن ترون حين محمد كيف أغراه بأن يمنع الناس عن صعود العقبة حتى يقطعها هولنخلوا به هيهنا فنمضي فيه تدبيرنا وأصحابه عنه بمعزل، وكل ذلك يوصله الله تعالى
من قريب أو بعيد إلى أذن حذيفة ويعيه حذيفة، فلما تمكن القوم على الجبل حيثأرادوا كلمت الصخرة حذيفة وقالت له: انطلق الآن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرهبما رأيت وبما سمعت. قال حذيفة: كيف أخرج عنك وإن رآني القوم قتلونيمخافة على أنفسهم من نميمتي عليهم؟ قالت الصخرة: إن الذي مكنك من جوفيوأوصل إليك الروح من الثقبة التي أحدثها في هو الذي يوصلك إلى نبي الله وينقذكمن أعداء الله.
فنهض حذيفة ليخرج فانفرجت الصخرة بقدرة الله تعالى، فحوله الله طائرافطار في الهواء محلقا حتى انقض بين يدي رسول الله، ثم أعيد على صورته فأخبررسول الله صلى الله عليه وآله بما رأى وسمع، فقال رسول الله: أو عرفتهم بوجوههم؟ فقال:
يا رسول الله كانوا متلثمين وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم، فلما فتشوا المواضعفلم يجدوا أحدا أحدروا اللثام فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم وأسمائهم فلانوفلان وفلان حتى عد أربعة وعشرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا حذيفة إذا كانالله يثبت محمدا لم يقدر هؤلاء ولا الخلق أجمعون أن يزيلوه، إن الله تعالى بالغ فيمحمد أمره ولو كره الكافرون.
ثم قال: يا حذيفة فانهض بنا أنت وسلمان وعمار وتوكلوا على الله، فإذاجزنا الثنية الصعبة فأذنوا للناس أن يتبعونا، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على ناقتهوحذيفة وسلمان أحدهما آخذ بخطام ناقته يقودها والآخر خلفها يسوقها، وعمارإلى جانبها، والقوم على جمالهم ورجالتهم منبثون حوالي الثنية على تلك العقبات، وقدجعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسولالله صلى الله عليه وآله ويقع به في المهوى الذي يهول الناظر إليه من بعده، فلما قربت الدبابمن ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله أذن الله لها فارتفعت ارتفاعا عظيما فجاوزت ناقة رسولالله صلى الله عليه وآله ثم سقطت في جانب المهوى ولم يبق منها شئ إلا صار كذلك وناقةرسول الله كأنها لا تحس بشئ من تلك القعقعات التي كانت للدباب.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمار: اصعد إلى الجبل فاضرب بعصاك هذه وجوه
رواحلهم فارم بها، ففعل ذلك عمار فنفرت بهم رواحلهم وسقط بعضهم فانكسرعضده ومنهم من انكسرت رجله ومنهم من انكسر جنبه واشتدت لذلك أوجاعهم،فلما انجبرت واندملت بقيت عليهم آثار الكسر إلى أن ماتوا، ولذلك قال رسولالله صلى الله عليه وآله في حذيفة وأمير المؤمنين عليه السلام: ” إنهما أعلم الناس بالمنافقين ” لقعودهفي أصل الجبل ومشاهدته من مر سابقا لرسول الله صلى الله عليه وآله.
وكفى الله رسوله أمر من قصد له، وعاد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة سالمافكسى الله الذل والعار من كان قعد عنه، وألبس الخزي من كان دبر عليه وعلىعلي ما دفع الله عنه عليه السلام.
احتجاج النبي (ص) يوم الغدير على الخلق كلهم وفي غيره من الأيامبولاية علي بن أبي طالب (ع) ومن بعده من ولده من الأئمة المعصومين صلواتالله عليهم أجمعين.
حدثني السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي ابن أبي حرب الحسيني المرعشيرضي الله عنه (١) قال أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفرمحمد بن الحسن الطوسي (٢) رضي الله عنه، قال أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبوجعفر (٣) قدس الله روحه، قال أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى
(١) مضت ترجمته في هذا الكتاب ص ٦.
(٢) الشيخ أبو على الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي، كان عالما فاضلا فقيها محدثاجليلا ثقة، له كتاب الأمالي وشرح النهاية، قرأ على والده جميع تصانيفه وإليه ينتهيأكثر الإجازات عن الشيخ الطوسي تنقيح المقال ١ – ٣٦
(٣) شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ولد في شهر رمضان سنة٣٨٥ وقدم العراق سنة ٤٠٨ وبقي في بغداد مدة ثم هاجر إلى النجف الأشرف وبقيفيها حتى وفاته سنة ٤٠٦، كان جهبذة من جهابذة الإسلام وعظيما من عظماء أمةمحمد ” ص “، صنف في علوم عصره فكانت مصنفاته هي الأم والمراجع، ولم يجرؤ
=>
التلعكبري (١)، قال أخبرنا أبو علي محمد بن همام، (٢) قال أخبرنا عليالسوري (٣)، قال أخبرنا أبو محمد العلوي (٤) من ولد الأفطس – وكان من عبادالله الصالحين – قال حدثنا محمد بن موسى الهمداني (٥)، قال حدثنا محمد بن خالدالطيالسي (٦)، قال حدثنا سيف بن عميرة (٧) وصالح بن عقبة (٨) جميعا
<=
على الافتاء بعده أحد من علماء الشيعة إلى سنين متمادية لقوته في الفقه واضطلاعه فيالعلوم الإسلامية والكنى والألباب ٢ / ٣٥٧ – ٣٥٩.
(١) أبو محمد هارون بن موسى الشيباني ثقة جليل القدر عظيم المنزلة واسعالرواية عديم النظير وجه أصحابنا معتمد عليه لا يطعن عليه في شئ توفي سنة ٣٨٥.
الكنى والألقاب ٢ / ١٠٨
(٢) أبو على محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الإسكافي شيخ أصحابناومتقدمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث، ولد يوم الاثنين ٦ ذي الحجة سنة ٢٥٨وتوفي يوم الخميس ١٩ جمادى الثانية سنة ٣٣٦ رجال النجاشي ص ٢٩٤.
(٣) لم نقف على ترجمة له – فليراجع
(٤) يحيى المكنى أبا محمد العلوي من بني زبارة علوي سيد متكلم فقيه من أهلنيشابور له كتب كثيرة، منها كتاب في المسح على الرجلين في إبطال القياس وكتابفي التوحيد. رجال النجاشي ص ٣٤٥.
(٥) محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني السمان، ضعفه القميون بالغلوله كتاب ما روي في أيام الأسبوع وكتاب الرد على الغلاة. رجال النجاشي ص ٢٦٠وأقول: كيف يقال في محمد هذا إنه غال مع العلم أن من مؤلفاته كتاب الرد على الغلاة – فلاحظ
(٦) أبو عبد الله محمد بن خالد الطيالسي التميمي كان يسكن بالكوفة في صحراءجرم، له كتاب نوادر، مات ليلة الأربعاء ٢٧ جمادى الثانية سنة ٢٥٩ وهو ابن ٩٧سنة. تنقيح المقال ٣ / ١١٤
(٧) سيف بن عميرة النخعي عربي ثقة كوفي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما السلام له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا. رجال النجاشي ص ١٤٣.
(٨) صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول الله صلى اللهعليه وآله، قيل إنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام، له كتاب يرويه جماعة منتهى
=>
عن قيس بن سمعان (١) عن علقمة بن محمد الحضرمي (٢) عن أبي جعفر محمدابن علي عليه السلام أنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة وقد بلغ جميع الشرايعقومه غير الحج والولاية، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا محمد إن الله جل اسمهيقرئك السلام ويقول لك: إني لم أقبض نبيا من أنبيائي ولا رسولا من رسلي إلابعد إكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقي عليك من ذاك فريضتان مما تحتاجأن تبلغهما قومك: فريضة الحج، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فإني لمأخل أرضي من حجة ولن أخليها أبدا، فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومكالحج وتحج ويحج معك من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر والأطرافوالأعراب وتعلمهم من معالم حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهموتوقفهم من ذلك علي مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع.
فنادي منادي رسول الله صلى الله عليه وآله في الناس: ألا إن رسول الله يريد الحج وأنيعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك على ماأوقفكم عليه من غيره، فخرج صلى الله عليه وآله وخرج معه الناس واصغوا إليه لينظروا مايصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله من أهل المدينة وأهلالأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسىالسبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا العجل والسامري، وكذلكأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة لعلي بالخلافة على عدد أصحاب موسى فنكثوا البيعةواتبعوا العجل والسامري سنة بسنة ومثلا بمثل، واتصلت التلبية ما بين مكةوالمدينة (٣)
<=
المقال ص ١٦٣.
(١) لم تقف على ترجمته.
(٢) علقمة بن محمد الحضرمي هو أخو عبد الله بن محمد الحضرمي. رجالالكشي ص ٣٥٤.
(٣) ذكر العلامة الحجة الثبت الأميني في كتابه القيم ” الغدير ” حديث الغديربتفاصيله في الجزء الأول، وعد الراوين لحديث الغدير، فكانوا من الصحابة ١١٠
=>
فلما وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام عن الله عز وجل فقال: يا محمد إن اللهعز وجل يقرئك السلام ويقول لك: إنه قد دنى أجلك ومدتك وأنا مستقدمك علىما لا بد منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك وقدم وصيتك واعمد إلى ما عندك منالعلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آياتالأنبياء، فسلمه إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بنأبي طالب عليه السلام، فأقمه للناس علما وجدد عهده وميثاقه وبيعته، وذكرهم ماأخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم وعهدي الذي عهدت إليهم من ولايةوليي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب عليه السلام، فإني لم أقبضنبيا من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني وحجتي وإتمام نعمتي بولاية أوليائيومعاداة أعدائي، وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتباعوليي وطاعته، وذلك أني لا أترك أرضي بغير ولي ولا قيم ليكون حجة لي علىخلقي، فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلامدينا بولاية وليي ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي عبدي ووصي نبي والخليفة من بعدهوحجتي البالغة على خلقي، مقرون طاعته بطاعة محمد نبيي ومقرون طاعته مع طاعةمحمد بطاعتي، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، جعلته علما بيني وبينخلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك بيعته كان مشركاومن لقيني بولايته دخل الجنة، ومن لقيني بعداوته دخل النار، فأقم يا محمد علياعلما وخذ عليهم البيعة وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه، فإني قابضكإلي ومستقدمك علي.
فخشى رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعواإلى جاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي من العداوة والبغضاء
<=
شخصا، ومن التابعين ٨٤ شخصا، ومن الرواة من العلماء ابتداءا من القرن الثانيحتى القرن الرابع عشر ٣٦٠ شخصا، وذكر من المؤلفين في حديث الغدير خصيصا ٢٦شخصا، انظر الجزء الأول من الكتاب ص ١٤ – ١٥٧.
وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمةمن الناس عن الله جل اسمه، فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف (١)، فأتاهجبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا علما للناسيهتدون به، ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذي أراد حتى بلغ كراعالغميم (٢) بين مكة والمدينة، فأتاه جبرئيل وأمره بالذي أتاه فيه من قبل اللهولم يأته بالعصمة، فقال: جبرئيل إني أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلواقولي في علي عليه السلام [ فسأل جبرئيل كما سأل بنزول آية العصمة فأخره ذلك ]فرحل فلما بلغ غدير خم (٣) قبل الجحفة (٤) بثلاثة أميال أتاه جبرئيل عليه السلامعلى خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال: يا محمدإن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك ” يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك منربك ” في علي ” وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ” (٥).
وكان أوائلهم قريب من الجحفة، فأمر بأن يرد من تقدم منهم ويحبس تأخر
(١) الخيف هو المنحدر من غلظ الجبل قد ارتفع عن مسيل أتاه فليس شرفاولا حضيضا، وخيف منى هو الموضع الذي ينسب إليه مسجد الخيف. مراصدالإطلاع ١ / ٤٩٥.
(٢) كراع الغميم: موضع بالحجاز بين مكة والمدينة أمام عسفان بثمانية أميالوهذا الكراع جبل أسود في طرف الجرة يمتد إليه. مراصد الإطلاع ٣ – ١١٥٣.
(٣) غدير: ما غودر من ماء المطر في مستنقع صغير أو كبير غير أنه لا يبقى فيالقيظ. وخم: قيل رجل، وقيل غيظة، وقيل موضع تصب فيه عين، وقيل بئر قريبمن المبثب حفرها مرة بن كعب، نسب إلى ذلك غدير خم، وهو بين مكة والمدينة، قيلعلى ثلاثة أميال من الجحفة، وقيل على ميل، وهناك مسجد للنبي مراصد الإطلاع١ – ٤٨٢، ٢ – ٩٨٥.
(٤) الجحفة: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة على أربع مراحل.
وكان اسمها مهيعة وسميت الجحفة لأن السيل جحفها، وبينها وبين البحر ستة أميالمراصد الإطلاع ١ – ٣١٥.
(٥) المائدة: ٦٧.
عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا علماء للناس ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي وأخبرهبأن الله عز وجل قد عصمه من الناس، فأمر رسول الله عندما جاءته العصمة منادياينادي في الناس بالصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر وتنحى عنيمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير أمره بذلك جبرئيل عن الله عز وجل، وكانفي الموضع سلمات (١) فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقم ما تحتهن (٢) وينصب لهحجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلكالمكان لا يزالون، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فوق تلك الأحجار ثم حمد الله تعالىوأثنى عليه فقال:
الحمد لله الذي علا في توحده، ودنا في تفرده، وجل في سلطانه، وعظم فيأركانه، وأحاط بكل شئ علما وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانهمجيدا لم يزل محمودا لا يزال، بارئ المسموكات (٣) وداحي المدحوات وجبارالأرضين والسماوات، قدوس سبوح رب الملائكة والروح، متفضل على جميع منبرأه متطول على جميع من أنشأه، يلحظ كل عين والعيون لا تراه، كريم حليمذو أناة، قد وسع كل شئ رحمته ومن عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه ولايبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر، ولم تخف عليهالمكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شئ والغلبة على كلشئ والقوة في كل شئ والقدرة على كل شئ وليس مثله شئ، وهو منشئ الشئحين لا شئ، دائم قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، جل عن أن تدركهالأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معاينة، ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل عز وجل على نفسه.
وأشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشى الأبد نوره، والذي ينفذ
(١) سلمات: أشجار.
(٢) أي يكنس ما تحتهن.
(٣) السمك السقف، أو من أعلى البيت إلى أسفله، والغاية من كل شئ،والمقصود هنا السماوات وما فيها.
أمره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير، صور ما أبدععلى غير مثال وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا احتيال، أنشأهافكانت وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا إله إلا هو المتقن الصنعة الحسن الصنيعة العدلالذي لا يجور والإكرم الذي ترجع إليه الأمور.
وأشهد أنه الذي تواضع كل شئ لقدرته وخضع كل شئ لهيبته ملكالأملاك ومفلك الأفلاك ومسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، يكورالليل على النهار (١) ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاسم كل جبار عنيدومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد ولا ند، أحد صمد لم يلد ولم يولدولم يكن له كفوا أحد، إله واحد ورب ماجد يشاء فيمضي ويريد فيقضي ويعلمفيحصي ويميت ويحيي ويفقر ويغني ويضحك ويبكي ويمنع ويعطي، له الملك ولهالحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير، يولج الليل في النهار ويولج النهار فيالليل لا إله إلا هو العزيز الغفار، مجيب الدعاء ومجزل العطاء، محصي الأنفاس وربالجنة والناس، لا يشكل عليه شئ ولا يضجره صراخ المستصرخين ولا يبرمه إلحاحالملحين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين ومولى العالمين، الذي استحق من كلمن خلق أن يشكره ويحمده. أحمده على السراء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمنبه وبملائكته وكتبه ورسله، أسمع أمره وأطيع وأبادر إلى كل ما يرضاه واستسلملقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته، لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولايخاف جوره، وأقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية وأؤدي ما أوحيإلى حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة (٢) لا يدفعها عني أحد وإن عظمتحيلته لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته
(١) كور الشئ: أدارته. ضم بعضه إلى بعض ككور العمامة، ويكور الليلعلى النهار ويكور النهار على الليل: إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليلوالنهار وازدياد هما.
(٢) القارعة: الداهية والنكبة المهلكة.
وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحي إلي: بسمالله الرحمن الرحيم ” يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ” في علي [ يعنيفي الخلافة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ] ” وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمكمن الناس “.
(معاشر الناس) ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلى، وأنا مبين لكمسبب نزول هذه الآية: إن جبرئيل عليه السلام هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلامربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبيطالب عليه السلام أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارونمن موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهو وليكم من بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله تباركوتعالى على بذلك آية من كتابه ” إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذينيقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ” (١) وعلي بن أبي طالب عليه السلامأقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال.
وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلةالمتقين وكثرة المنافقين وإدغال (٢) الآثمين وختل (٣) المستهزئين بالإسلامالذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونههينا وهو عند الله عظيم، وكثرة إذا هم لي في غير مرة حتى سموني إذنا (٤).
وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجلفي ذلك قرآنا ” ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن ” على الذينيزعمون أنه أذن ” خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ” الآية (٥).
ولو شئت أن أسمي بأسمائهم لسميت وأن أومى إليهم بأعيانهم لأومأت وأن
(١) المائدة: ٥٥.
(٢) الأدغال: الخالفة والخيانة، وأدغل في الأمر: أدخل فيه ما يفسده.
(٣) الختل: الخديعة.
(٤) الأذن بضمتين: الرجل المستمع لما يقال له.
(٥) التوبة: ٦١.
أدل عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى اللهمني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي، ثم تلى صلى الله عليه وآله ” يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك منربك ” في على ” وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس “.
فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته علىالمهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلىالأعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كلموحد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره، ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمنمن صدقه، فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.
(معاشر الناس) إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعواوانقادوا لأمر ربكم، فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم ثم من دونه محمد صلى الله عليه وآلهوليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر ربكم، ثمالإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله ولاحرام إلا ما حرمه الله، عرفني الحلال والحرام وأنا أفضيت بما علمني ربي من كتابهوحلاله وحرامه إليه.
(معاشر الناس) ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقدأحصيته في إمام المتقين، وما من علم إلا علمته عليا، وهو الإمام المبين.
(معاشر الناس) لا تضلوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستكبروا [ ولا تستنكفواخ ل ] من ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنهولا تأخذه في الله لومة لائم. ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله، وهو الذي فدىرسوله بنفسه وهو الذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسوله منالرجال غيره.
(معاشر الناس) فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.
(معاشر الناس) إنه إمام من الله ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، ولنيغفر الله له، حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه وأن يعذبه عذابا
شديدا نكرا أبد الآباد ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودهاالناس والحجارة أعدت للكافرين.
(أيها الناس) بي والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين، وأنا خاتمالأنبياء والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين،فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شئ من قولي هذافقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك فله النار.
(معاشر الناس) حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي وإحسانا منه إلي، ولاإله إلا هو، له الحمد مني أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال.
(معاشر الناس) فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى، بناأنزل الله الرزق وبقي الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد على قولي هذا ولميوافقه، ألا إن جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول: ” من عادى عليا ولميتوله فعليه لعنتي وغضبي ” فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله أن تخالفوهفتزل قدم بعد ثبوتها إن الله خبير بما تعملون.
(معاشر الناس) إنه جنب الله الذي ذكر في كتابه فقال تعالى: ” إن تقولنفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ” (١).
(معاشر الناس) تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولاتتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أناآخذ بيده ومصعده إلى – وشائل بعضده – ومعلمكم إن من كنت مولاه فهذا عليمولاه، وهو علي بن أبي طالب عليه السلام أخي ووصيي، وموالاته من الله عز وجلأنزلها على.
(معاشر الناس) إن عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، والقرآنالثقل الأكبر، فكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له لن يفترقا حتى يردا علىالحوض، هم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت
(١) الزمر: ٥٦.
ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت عن اللهعز وجل، ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا ولا تحل إمرة المؤمنين بعديلأحد غيره.
ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان منذ أول ما صعد رسول الله صلى الله عليه وآله شالعليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال:
(معاشر الناس) هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على أمتيوعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي إليه والعامل بما يرضاه والمحارب لأعدائهوالموالي على طاعته والناهي عن معصيته خليفة رسول الله وأمير المؤمنين والإمامالهادي وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، أقول ما يبدل القول لديبأمر ربي، أقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره واغضبعلى من جحد حقه، اللهم إنك أنزلت علي أن الإمامة بعدي لعلي وليك عند تبيانيذلك ونصبي أيام بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم بنعمتك ورضيت لهمالإسلام دينا، فقلت: ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرةمن الخاسرين ” (١) اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا أني قد بلغت.
(معاشر الناس) إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم بهوبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عز وجلفأولئك الذين حبطت أعمالهم وفي النار فيها خالدون، لا يخفف عنهم العذابولاهم ينظرون.
(معاشر الناس) هذا علي أنصركم لي وأحقكم بي وأقربكم إلي وأعزكمعلي، والله عز وجل وأنا عنه راضيان، وما نزلت آية رضى إلا فيه، وما خاطبالله الذين آمنوا إلا بدأ به، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه، ولا شهد بالجنةفي هل أتى على الإنسان إلا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.
(معاشر الناس) هو ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله، وهو التقي
(١) آل عمران ٨٥.
النقي الهادي المهدي، نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي وبنوه خير الأوصياء.
(معاشر الناس) ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي.
(معاشر الناس) إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوهفتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم، فإن آدم أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة وهوصفوة الله عز وجل وكيف بكم وأنتم أنتم ومنكم أعداء الله، ألا إنه لا يبغض علياإلا شقي ولا يتوالى عليا إلا تقي ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، وفي علي واللهنزلت سورة العصر ” بسم الله الرحمن الرحيم. والعصر إن الإنسان لفي خسر “إلى آخرها.
(معاشر الناس) قد استشهدت الله وبلغتكم رسالتي، وما على الرسول إلاالبلاغ المبين.
(معاشر الناس) اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
(معاشر الناس) آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه من قبل أننطمس وجوها فنردها على أدبارها.
(معاشر الناس) النور من الله عز وجل في مسلوك ثم في على ثم في النسل منهإلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا، لأن الله عز وجل قدجعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين منجميع العالمين.
(معاشر الناس) أنذركم أني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل أفإن متأو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزيالله الشاكرين، ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولديمن صلبه.
(معاشر الناس) لا تمنوا على الله إسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم بعذابمن عنده إنه لبالمرصاد.
بعدي ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون إلى الحق وبه يعدلون، ثم قرأ ” الحمد للهرب العالمين ” إلى آخرها وقال: في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت وإياهم خصت،أولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ألا إن حزب الله هم الغالبون،ألا إن أعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق والحادون وهم العادون وإخوان الشياطينالذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ألا إن أولياءهم الذين ذكرهمالله في كتابه فقال عز وجل ” لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون منحاد (١) الله ورسوله ” (٢) إلى آخر الآية، ألا إن أولياءهم الذين وصفهم اللهعز وجل فقال: ” الذين آمنوا ولم يلبسوا (٣) إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمنوهم مهتدون ” (٤) ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل فقال الذين يدخلونالجنة آمنين تتلقاهم الملائكة بالتسليم إن طبتم فادخلوها خالدين (٥)، ألا إنأولياءهم الذين قال لهم الله عز وجل: يدخلون الجنة بغير حساب (٦)، ألا إنأعداءهم يصلون سعيرا (٧)، ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهيتفور ولها زفير (٨)، ألا إن أعداءهم الذين قال الله فيهم: ” كلما دخلت أمة
(١) حاده بتضعيف الدال: خالفه ولم يطع أمره.
(٢) المجادلة: ٢٢.
(٣) أي يستروا إيمانهم بظلم، فإن اللبس في الأصل بمعنى الستر.
(٤) الأنعام ٨٢
(٥) هذا المضمون مأخوذ من قوله تعالى: ” وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنةزمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين “الزمر ٧٣
(٦) مأخوذ من قوله تعالى: ” فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب “غافر: ٤٠
(٧) مأخوذ من قوله تعالى: ” فسوف يدعو ثبورا، ويصلى سعيرا ” الانشقاق: ١٢
(٨) إشارة إلى قوله تعالى: ” إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا “الفرقان: ١٢