الإحتجاج (ج1) / الصفحات: ١٠١ – ١٢٠
ذلك حتى وجئ (١) عنقه، فقال: يا أبا بكر إلى من تسند أمرك إذا نزل بكما لا تعرفه، وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه، وما عذرك في تقدمك على منهو أعلم منك وأقرب إلى رسول الله وأعلم بتأويل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ومنقدمه النبي صلى الله عليه وآله في حياته وأوصاكم به عند وفاته، فنبذتم قوله وتناسيتم وصيتهوأخلفتم الوعد ونقضتم العهد وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحتراية أسامة بن زيد حذرا من مثل ما أتيتموه وتنبيها للأمة على عظيم ما احترمتموهومن مخالفة أمره فعن قليل يصفو لك الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبركوحملت معك ما كسبت يداك، فلو راجعت الحق من قريب وتلافيت نفسك وتبتإلى الله من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتكويسلمك ذوو نصرتك، فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا، فلم يردعكذلك عما أنت متشبث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلده ولاحظ للدينولا المسلمين في قيامك به، فالله الله في نفسك، فقد أعذر من أنذر ولا تكن كمنأدبر واستكبر.
ثم قام أبو ذر الغفاري فقال: يا معشر قريش أصبتم قباحة وتركتم قرابة،والله ليرتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين، ولو جعلتم الأمر في أهلبيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان، والله لقد صارت لمن غلب، ولتطمحن إليها عينمن ليس من أهلها، وليسفكن في طلبها دماء كثيرة – فكان كما قال أبو ذر – ثمقال: لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ” الأمر بعدي لعلي ثم لابنيالحسن والحسين ثم للطاهرين من ذريتي ” فأطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد بهإليكم، فأطعتم الدنيا الفانية ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شابها ولا يزولنعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزائل، فكذلكالأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على أعقابها (٢) وغيرت وبدلت
(١) وجئ عنقه: لوي وضرب.
(٢) نكصت على أعقابها: رجعت إلى القهقري.
واختلفت، فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وعما قليل تذوقونوبال أمركم وتجزون بما قدمت أيديكم. وما الله بظلام للعبيد.
ثم قام المقداد بن الأسود فقال: يا أبا بكر ارجع عن ظلمك، وتب إلى ربكوالزم بيتك، وابك على خطيئتك، وسلم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك، فقدعلمت ما عقده رسول الله صلى الله عليه وآله في عنقك من بيعته، وألزمك من النفوذ تحت رايةأسامة بن زيد وهو مولاه، ونبه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليهبضمه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنان والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل اللهفيه على نبيه صلى الله عليه وآله ” إن شانئك هو الأبتر ” (١) فلا اختلاف بين أهل العلم أنهانزلت في عمرو، وهو كان أميرا عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي أنفذهرسول الله صلى الله عليه وآله في غزاة ذات السلاسل، وأن عمرا قلد كما حرس عسكره، فأينالحرس إلى الخلافة، اتق الله وبادر بالاستقالة قبل فوتها، فإن ذلك أسلم لك فيحياتك وبعد وفاتك، ولا تركن إلى دنياك ولا تغرنك قريش وغيرها، فعن قليلتضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك، وقد علمت وتيقنت أن عليابن أبي طالب عليه السلام هو صاحب الأمر بعد رسول الله، فسلمه إليه بما جعله الله لهفإنه أتم لسترك واخف لوزرك، فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي وإلى اللهترجع الأمور.
ثم قام إليه بريدة الأسلمي فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا لقي الحقمن الباطل، يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت وخدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لكالأباطيل، أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله من تسمية علي عليه السلام بإمرةالمؤمنين والنبي صلى الله عليه وآله بين أظهرنا، وقوله له في عدة أوقات ” هذا علي أمير المؤمنينوقاتل القاسطين “، اتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها وانقذها مما يهلكهاواردد الأمر إلى من هو أحق به منك، ولا تتماد في اغتصابه، وراجع وأنت
(١) الكوثر: ٣
تستطيع أن تراجع، فقد محضتك النصح ودللتك على طريق النجاة، فلا تكوننظهيرا للمجرين.
ثم قام عمار بن ياسر فقال: يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين إن كنتمعلمتم وإلا فاعلموا أن أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدينوآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلىأهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكموتختلفون فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم، فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذاالأمر منكم، وعلي [ أقرب منكم إلى نبيكم وهو ] من بينهم وليكم بعهد الله ورسولهوفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي صلى الله عليه وآله أبوابكم التي كانتإلى المسجد كلها غير بابه، وإيثاره إياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليهمنكم، وقوله صلى الله عليه وآله ” أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها “وإنكم جميعا مضطرون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عنكل أحد منكم إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه، فما بالكمتحيدون عنه وتبتزون عليا حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة بئس للظالمينبدلا، أعطوه ما جعله الله له ولا تتولوا عنه مدبرين، ولا ترتدوا على أعقابكمفتنقلبوا خاسرين.
ثم قام أبي بن كعب فقال: يا أبا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك، ولاتكن أول من عصى رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيه وصفيه وصدف عن أمره، أردد الحقإلى أهله تسلم، ولا تتماد في غيك فتندم، وبادر الإنابة يخف وزرك، ولا تخصصبهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما أنتفيه وتصير إلى ربك، فيسألك عما جنيت وما ربك بظلام للعبيد.
ثم قام خزيمة بن ثابت فقال: أيها الناس ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآلهقبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قالوا: بلى. قال: فأشهد أني سمعترسول الله صلى الله عليه وآله يقول ” أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين
يقتدى بهم ” وقد قلت ما علمت، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
ثم قام أبو الهشيم بن التيهان فقال: وأنا أشهد على نبينا صلى الله عليه وآله أنه أقام عليا- يعني في يوم غدير خم – فقالت الأنصار: ما أقامه للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامهإلا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول الله صلى الله عليه وآله مولاه، وكثر الخوض في ذلكفبعثنا رجالا منا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه عن ذلك فقال: قولوا لهم علي وليالمؤمنين بعدي وأنصح الناس لأمتي، وقد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ومنشاء فليكفر، إن يوم الفصل كان ميقاتا.
ثم قام سهل بن حنيف فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي محمد وآله ثم قال:
يا معاشر قريش إشهدوا علي أني أشهد على رسول الله وقد رأيته في هذا المكان- يعني الروضة – وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول: أيها الناسهذا على إمامكم من بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي ديني ومنجزوعدي وأول من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن اتبعه ونصره، والويل لمنتخلف عنه وخذله.
وقام معه أخوه عثمان بن حنيف وقال: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أهلبيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي، فقام إليه رجلفقال: يا رسول الله وأي أهل بيتك؟ فقال، علي والطاهرون من ولده. وقد بين صلى الله عليه وآلهفلا تكن يا أبا بكر أول كافر به، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكموأنتم تعلمون.
ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال، اتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم،وارددوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم، فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقامبعد مقام لنبينا صلى الله عليه وآله ومجلس بعد مجلس يقول: ” أهل بيتي أئمتكم بعدي ” ويؤمىإلى علي ويقول ” هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله منصور من نصره “فتوبوا إلى الله من ظلمكم إياه إن الله تواب رحيم، ولا تتولوا عنه مدبرين ولاتتولوا عنه معرضين.
قال الصادق عليه السلام: فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جوابا، ثمقال: وليتكم ولست بخيركم أقيلوني أقيلوني، فقال له عمر بن الخطاب: انزلعنها يا لكع (١) إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام؟ واللهلقد هممت أن أخلعك واجعلها في سالم مولي أبي حذيفة.
قال: فنزل ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجدرسول الله صلى الله عليه وآله، فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجلفقال لهم: ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم؟ وجاءهم سالم مولى أبي حذيفةومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع إليهم رجلرجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بنالخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال عمر: والله يا أصحاب علي لئنذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه.
فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال، يا بن صهاك الحبشية أبأسيافكمتهددوننا أم بجمعكم تفزعوننا، والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم وأنا لأكثر منكموإن كنا قليلين لأن حجة الله فينا، والله لولا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعةإمامي أولى بي لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري.
فقام أمير المؤمنين: اجلس يا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لكسعيك، فجلس وقام إليه سلمان الفارسي فقال، الله أكبر الله أكبر سمعت رسولالله صلى الله عليه وآله بهاتين الأذنين وإلا صمتا يقول ” بينا أخي وابن عمي جالس في مسجديمع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتلمن معه، فلست أشك إلا وأنكم هم ” فهم به عمر بن الخطاب فوثب إليه أميرالمؤمنين عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال: يا بن صهاك الحبشيةلولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم لأريتك أينا أضعف ناصرا وأقل عددا.
ثم التفت إلى أصحابه فقال: انصرفوا رحمكم الله، فوالله لا دخلت المسجد إلا
(١) للكع اللئيم والعبد والأحمق.
كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه ” فاذهب أنت وربك فقاتلاإنا هيهنا قاعدون ” (١) والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله أو لقضية أقضيهافإنه لا يجوز بحجة أقامها رسول الله صلى الله عليه وآله أن يترك الناس في حيرة.
وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: ثم إن عمر احتزم بأزاره وجعل يطوفبالمدينة وينادي: ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة، فينثال (٢) الناسيبايعون، فعرف أن جماعة في بيوت مستترون، فكان يقصدهم في جمع كثيرويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلىمنزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار وقال: والذي نفسعمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه. فقيل له: إن فاطمة بنت رسول الله وولدرسول الله وآثار رسول الله صلى الله عليه وآله فيه، وأنكر الناس ذلك من قوله، فلما عرفإنكارهم قال: ما بالكم أتروني فعلت ذلك إنما أردت التهويل، فراسلهم على أنليس إلى خروجي حيلة لأني في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنياعنه، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أدع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن.
قال وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت:
لا عهد لي بقوم أسوء محضرا منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله جنازة بين أيدينا وقطعتمأمركم فيما بينكم ولم تؤمرونا ولم تروا لنا حقا، كأنكم لم تعلموا ما قال يومغدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنكمقطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة.
وفي رواية سليم بن قيس الهلالي (٣) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه
(١) المائدة: ٢٤.
(٢) انثال الناس: انصبوا واجتمعوا.
(٣) أبو صادق سليم بن قيس الهلالي، كان من أصحاب علي عليه السلام، وكانهاربا من الحجاج لأنه طلبه ليقتله فجلا إلى أبان بن عياش، فآواه فلما حضرته الوفاةقال لأبان ” إن لك علي حقا وقد حضرتني الوفاة يا بن أخي إنه كان من أمر رسولالله كيت وكيت ” وأعطاه كتابا وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور ورواه عنه
=>
قال: أتيت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد كان أوصى أن لا يغسلهغير علي عليه السلام، وأخبر أنه لا يريد أن يقلب منه عضوا إلا قلب له، وقد قال أميرالمؤمنين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله: من يعينني على غسلك يا رسول الله؟ قال جبرئيل.
فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلامفتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرهاثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون، حتى لميبق من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه، وقلت لعلي عليه السلام حين يغسل رسولالله صلى الله عليه وآله: إن القوم فعلوا كذا وكذا وإن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وآلهوما يرضى الناس أن يبايعوا له بيد واحدة إنهم ليبايعون بيديه جميعا يمينا وشمالا.
فقال علي عليه السلام: يا سلمان فهل تدري من أول من يبايعه على منبر رسولالله صلى الله عليه وآله؟ فقلت: لا إلا أني قد رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار،وكان أول من بايعه بشير بن سعد ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم عمر بن الخطاب ثمسالم مولى أبي حذيفة [ ومعاذ بن جبل ].
قال: لست أسألك عن هذا، ولكن تدري من أول من بايعه حين صعد منبررسول الله صلى الله عليه وآله؟ قلت: لا ولكني رأيت شيخا كبيرا متوكئا على عصاه بين عينيهسجادة شديد التشمير وهو يبكي ويقول: الحمد لله الذي لم يمتني ولم يخرجني منالدنيا حتى رأيتك في هذا المكان أبسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعه ثم نزلفخرج من المسجد.
فقال لي علي عليه السلام: يا سلمان وهل تدري من هو؟ قلت: لا ولكني ساءتنيمقالته كأنه شامت بموت رسول الله صلى الله عليه وآله، قال علي إن ذلك إبليس لعنه الله،أخبرني رسول الله أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى الله عليه وآله إيايبغدير خم بأمر الله تعالى، فأخبرهم أن يبلغ الشاهد الغائب، فأتاه أبالسة ومردةأصحابه فقالوا: إن هذه أمة مرحومة معصومة وما لنا ولا لك عليهم من سبيل، قد
<=
أبان بن عياش: الفهرست للطوسي ٨١.
علموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيهم، فانطلق إبليس كئيبا حزينا، فاخبرني رسولالله صلى الله عليه وآله أن لو قد قبض إن الناس سيبايعون أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد أنتخاصمهم بحقك وحجتك، ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبريإبليس في صورة شيخ كبير مستبشر يقول كذا وكذا، ثم تجتمع شياطينه وأبالستهفيخر ويكسع (١) ثم يقول كذا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتمونيصنعت بهم حين تركوا أمر من أمرهم الله بطاعته وأمرهم رسوله.
فقال سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيهالحسن والحسين، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلاأتى منزله وذكر حقه ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له من جميعهم إلا أربعةوأربعون رجلا، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم وقد بايعوهعلى الموت، فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة. قلت لسلمان: من الأربعة؟
قال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام. ثم أتاهم من الليلة الثانية فناشدهم اللهفقالوا: نصحبك بكرة، فما منهم أحد وفى غيرنا، ثم الليلة الثالثة فما وفى أحدغيرنا، فلما رأى علي عليه السلام عذرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفهويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كله فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعثإليه أبو بكر أن اخرج فبايع، فبعث إليه أني مشغول فقد آليت بيمين أن لا أرتديبرداء إلا للصلوات حتى أؤلف القرآن وأجمعه، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلىالناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى عليه السلام بأعلى صوته:
أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتىجمعته كله في هذا الثوب، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتهاكلها في هذا الثواب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى عليه وآلهوعلمني تأويلها.
فقالوا: لا حاجة لنا به عندنا مثله. ثم دخل بيته فقال عمر لأبي بكر: أرسل
(١) يكسع: يضرب دبره بيده أو بصدر قدمه.
إلى علي فليبايع فإنا لسنا في شئ حتى يبايع ولو قد بايع أمناه وغائلته. فأرسلأبو بكر رسولا أن أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، فأتاه الرسول فأخبره بذلك، فقالعلي عليه السلام: ما أسرع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه وآله، إنه ليعلم ويعلم الذين حولهأن الله ورسوله لم يستخلفا غيري، فذهب الرسول فأخبره بما قاله فقال: اذهب فقلأجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بذلك فقال علي عليه السلام: سبحان الله واللهما طال العهد بالنبي مني وإنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، وقد أمرهرسول الله صلى الله عليه وآله سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين، فاستفهمه هو وصاحبهعمر من بين السبعة فقالا: أمر من الله ورسوله؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم حقامن الله ورسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعدهالله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.
قال: فانطلق الرسول إلى أبي بكر فأخبره بما قال، فكفوا عنه يومئذ، فلماكان الليل حمل فاطمة عليها السلام على حمار ثم دعاها إلى نصرته فما استجاب له رجل غيرناأربعة، فإنا حلقنا رؤسنا وبذلنا نفوسنا ونصرتناوكان علي بن أبي طالب عليه السلام لما رأى خذلان الناس له وتركهم نصرته واجتماعكلمة الناس مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته، فقال عمر لأبي بكر:
ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاءالأربعة معه. وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا،والآخر أفظهما وأغلظهما وأخشنهما وأجفاهما. فقال: من نرسل إليه؟ فقال عمر:
أرسل إليه قنفذا – وكان رجلا فظا غليظا جافيا من الطلقاء أحد بني تيم – فأرسلهوأرسل معه أعوانا، فانطلق فاستأذن فأبي علي عليه السلام أن يأذن له، فرجع أصحابقنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا. فقالعمر: هو إن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلامأحرج عليكم (١) أن تدخلوا بيتي بغير إذن، فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة
(١) التحرج: التضيق وعدم الإذن والالجاء.
قالت كذا وكذا فحرجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها، فغضب عمر وقال:
ما لنا وللنساء. ثم أمر أناسا حوله فحملوا حطبا وحمل معهم فجعلوه حول منزلهوفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا عليه السلام: والله لتخرجنولتبايعن خليفة رسول الله أو لأضرمن عليك بيتك نارا، ثم رجع فقعد إلى أبي بكروهو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته. ثم قال لقنفذ: أنخرج وإلا فاقتحم عليه، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم نارا.
فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر علي إلى سيفه ليأخذهفسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فظبطوه وألقوا في عنقه حبلا أسود،وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنقذ بالسوط على عضدها،فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج (١) من ضرب قنفذ إياها، فأرسلأبو بكر إلى قنفذ اضربها فالجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعا من جنبهاوألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدةصلوات الله عليها.
ثم انطلقوا بعلي عليه السلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر وعمر قائمبالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم والمغيرة بن شعبةوأسيد بن حصين وبشير بن سعد وسائر الناس قعود حول أبي بكر عليهم السلاحوهو يقول: أما والله لو وقع سيفي بيدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلي، هذا جزاءمني وبالله لا ألوم نفسي في جهد ولو كنت في أربعين رجلا لفرقت جماعتكم، فلعنالله قوما بايعوني ثم خذلوني، فانتهره عمر فقال: بايع. فقال: وإن لم أفعل؟
قال: إذا نقتلك ذلا وضعارا. قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال أبو بكر: أما عبد الله فنعم [ كلنا عبيد الله ] وأما أخو رسوله فلا نقر لك به.
قال عليه السلام: أتجحدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بين نفسه وبيني، فأعادوا عليه ذلكثلاث مرات ثم أقبل علي عليه السلام فقال:
(١) الدملوج: حلي يلبس في المعصم.
يا معاشر المهاجرين والأنصار أنشدكم بالله أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يومغدير خم كذا وكذا، وفي غزاة تبوك كذا وكذا، فلم يدع شيئا قاله فيه عليه السلامعلانية للعامة إلا ذكره؟ فقالوا: اللهم نعم. فلما خاف أبو بكر أن ينصروه ويمنعوهبادرهم فقال: كل ما قتله قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآلهيقول بعد هذا: إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا،وإن الله لم يكن لجيمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة.
فقال علي عليه السلام: أما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله شهد هذا معك؟ قالعمر: صدق خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله قد سمعنا منه هذا كما قال، وقال أبو عبيدة وسالم مولىأبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال لهم: لشد ما وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة:
إن قتل الله محمدا أو أماته أن تزووا هذا الأمر عنا أهل البيت. فقال أبو بكر: وماعلمك بذلك اطلعناك عليها؟ قال علي يا زبير ويا سلمان وأنت يا مقداد أذكركمبالله وبالاسلام أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك إن فلانا وفلانا حتى عد هؤلاءالخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا؟ قالوا: اللهم نعمقد سمعناه يقول ذلك لك، فقلت له بأبي أنت وأمي يا نبي الله فما تأمرني أن أفعلإذا كان ذلك؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن لم تجدأعوانا فبايعهم واحقن دمك.
فقال علي عليه السلام: أما والله لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني ووفوالجاهدتكم في الله ولله، لا أما والله لا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة.
ثم نادى قبل أن يبايع: ” يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ” (١)ثم تناول يد أبي بكر فبايعه، فقيل للزبير بايع الآن، فأبى فوثب عليه عمر وخالدابن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرضحتى كسر، فقال الزبير وعمر على صدوه: يا بن صهاك أما والله لو أن سيفي في
(١) الأعراف: ١٥.
يدي لحدت عني، ثم بايع.
قال: سلمان: ثم أخذوني فوجأوا عنقي حتى تركوها مثل السلعة (١) ثمفتلوا يدي، فبايعت مكرها، ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما من الأمةأحد بايع مكرها غير علي وأربعتنا.
ولم يكن أحد منا أشد قولا من الزبير، فلما بايع قال: يا بن صهاك أما واللهلولا هؤلاء الطلقاء الذين أعانوك ما كنت لتقدم علي ومعي السيف لما قد علمت منجبنك ولؤمك، ولكنك وجدت من تقوى بهم وتصول بهم، فغضب عمر فقال، أتذكرصهاك؟ فقال الزبير: ومن صهاك وما يمنعني من ذلك، وإنما كانت صهاك أمةحبشية لجدي عبد المطلب فزنا بها نفيل فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب لهبعد ما ولدته، فإنه لعبد جدي فولد زنى، فأصلح بينهما أبو بكر وكف كلمنهما عن صاحبه.
فقال سليم: فقلت يا سلمان بايعت أبا بكر ولم تقل شيئا؟ قال: قد قلت بعدما بايعت: تبا لكم سائر الدهر، أو تدرون ماذا صنعتم بأناسكم، أصبتم وأخطأتم:
أصبتم سنة الأولين، وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها. فقاللي عمر: أما إذا بايع صاحبك وبايعت فقل ما بدا لك وليقل ما بدا له.
قال: قلت فإني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن عليك وعلىصاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم. وقال: قل ماشئت أليس قد بايع ولم يقر الله عينك بأن يليها صاحبك. قال، قلت فإني أشهد أنيقرأت في بعض كتب الله المنزلة آية باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم.
قال: قل ما شئت أليس قد عزلها الله عن أهل البيت الذين قد اتخذتموهم أربابا.
قال: قلت فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وقد سألته عن هذه الآية” فيومئذ لا يعذب عذابه أحد. ولا يوثق وثاقه أحد ” (٢) فقال: إنك أنت هو.
(١) السلعة: خراج كهيئة الغدة.
(٢) الفجر: ٢٥ – ٢٦.
أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة نمرود، والذي حاجإبراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغير أسنتهم، أما أحدهمافهود اليهود والآخر نصر النصارى (١)، وإبليس سادسهم، والدجال في الآخرين،وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة الذين تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا أخي والتظاهرعليك بعدي هذا وهذا وهذا حتى عدهم وسماهم.
قال سلمان: فقلنا صدقت نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عثمان:
يا أبا الحسن أما عندك وعند أصحابك هؤلاء في حديث؟ فقال: بلى قد سمعترسول الله صلى الله عليه وآله يلعنك ثم لم يستغفر الله لك مذ لعنك فغضب عثمان فقال، ما ليولك أما تدعني على حالي على عهد رسول الله ولا بعده. فقال الزبير: نعم فأرغمالله أنفك. فقال عثمان، فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الزبير يقتلمرتدا عن الإسلام، قال سلمان: فقال لي علي عليه السلام فيما بيني وبينه صدق عثمان،وذلك أنه يبايعني بعد قتل عثمان ثم ينكث بيعتي فيقتل مرتدا عن الإسلام.
قال سليم: ثم أقبل علي سلمان فقال، إن القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآلهإلا من عصمه الله بآل محمد، إن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسىومن تبعه وبمنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في سنة هارون وعتيق في سنة السامري،وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ” لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو القذة بالقذةوحذو النعل بالنعل شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع “.
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال، لما استخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزلهخرجت فاطمة صلوات الله عليها خلفه فما بقيت امرأة هاشمية إلا خرجت معها حتىانتهت قريبا من القبر فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمدا أبي صلى الله عليه وآلهبالحق إن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله صلى الله عليه وآله على رأسيولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح بأكرم على الله من أبي ولا الناقة بأكرم
(١) يعني أحدهما غير دين موسى وحرف كتابه بعده، والآخر غير دين عيسىوحرف كتابه بعده.
مني ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي. قال سلمان رضي الله عنه: كنت قريبامنها، فرأيت والله أساس حيطان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله تقلعت من أسفلها حتى لوأراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها فقلت: يا سيدتي ومولاتي إن اللهتبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعتالغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا.
وروي عن الباقر عليه السلام أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر: اكتب إلى أسامةابن زيد يقدم عليك، فإن في قدومه قطع الشنيعة عنا. فكتب أبو بكر إليه:
” من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أسامة بن زيد. – أما بعد فانظر إذاأتاك كتابي فاقبل إلي أنت ومن معك، فإن المسلمين قد اجتمعوا علي وولوني أمرهمفلا تتخلفن فتعصي ويأتيك مني ما تكره والسلام “.
قال: فكتب أسامة إليه جواب كتابه ” من أسامة بن زيد عامل رسول الله صلى الله عليه وآلهعلى غزوة الشام. أما بعد فقد أتاني منك كتاب ينقض أوله آخره، ذكرت فيأوله أنك خليفة رسول الله، وذكرت في آخره أن المسلمين قد اجتمعوا عليك فولوكأمرهم ورضوك، فاعلم أني ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين فلا والله مارضيناك ولا وليناك أمرنا، وانظر أن تدفع الحق إلى أهله وتخليهم وإياه فإنهمأحق به منك، فقد علمت ما كان من قول رسول الله صلى الله عليه وآله في علي يوم الغدير، فماطال العهد فتنسى، انظر مركزك ولا تخالف فتعصي الله ورسوله وتعصي من استخلفهرسول الله صلى الله عليه وآله عليك وعلى صاحبك، ولم يعزلني حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآلهوأنك وصاحبك رجعتما وعصيتما فأقمتما في المدينة بغير إذن “.
فأراد أبو بكر أن يخلعها من عنقه قال: فقال له عمر لا تفعل قميص قمصكالله لا تخلعه فتندم ولكن ألح عليه بالكتب والرسائل ومر فلانا وفلانا أن يكتبواإلى أسامة أن لا يفرق جماعة المسلمين وأن يدخل معهم فيما صنعوا.
قال: فكتب إليه أبو بكر وكتب إليه الناس من المنافقين ” أن ارض بمااجتمعنا عليه وإياك أن تشتمل المسلمين فتنة من قبلك فإنهم حديثو عهد بالكفر “.
قال: فلما وردت الكتب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة،فلما رأى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقالله: ما هذا؟ قال له علي: هذا ما ترى. قال له أسامة: فهل بايعته؟ فقال: نعميا أسامة. فقال: طائعا أو كارها؟ فقال: لا بل كارها. قال: فانطلق أسامة فدخلعلى أبي بكر وقال له، السلام عليك يا خليفة المسلمين. قال، فرد عليه أبو بكروقال، السلام عليك أيها الأمير.
وروي أن أبا قحافة كان بالطائف لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وبويع لأبي بكر،فكتب ابنه إليه كتابا عنوانه ” من خليفة رسول الله إلى أبي قحافة. أما بعد فإنالناس قد تراضوا بي، فإني اليوم خليفة الله، فلو قدمت علينا كان أقر لعينك “قال: فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول: ما منعكم من علي؟ قال:
هو حدث السن وقد أكثر القتل في قريش وغيرها وأبو بكر أسن منه. قال أبوقحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر، لقد ظلموا عليا حقهوقد بايع له النبي صلى الله عليه وآله وأمرنا ببيعته.
ثم كتب إليه ” من أبي قحافة إلى ابنه أبي بكر. أما بعد فقد أتاني كتابكفوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضا، مرة تقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ومرةتقول خليفة الله ومرة تقول تراضى بي الناس، وهو أمر ملتبس فلا تدخلن في أمريصعب عليك الخروج منه غدا ويكون عقباك منه إلى النار والندامة وملامة النفساللوامة لدى الحساب بيوم القيامة، فإن للأمور مداخل ومخارج وأنت تعرف منهو أولى بها منك، فراقب الله كأنك تراه ولا تدعن صاحبها، فإن تركها اليومأخف عليك وأسلم لك “.
وعن عامر الشعبي عن عروة بن الزبير بن العوام قال، لما قال المنافقون إنأبا بكر تقدم عليا وهو يقول أنا أولى بالمكان منه قام أبو بكر خطيبا فقال: صبراعلى من ليس يؤول إلى دين ولا يحتجب برعاية ولا يرعوي لولاية، أظهر الإيمانذلة وأسر النفاق غلة، هؤلاء عصبة الشيطان وجمع الطغيان يزعمون أني أقول إني
أفضل من علي، وكيف أقول ذلك وما لي سابقته ولا قرابته ولا خصوصيته، وحدالله وأنا ملحده وعبده علي قبل أن أعبده ووالى الرسول وأنا عدوه، وسبقني بساعاتلو انقطعت لم ألحق شأوه ولم أقطع غباره، وأن علي بن أبي طالب فاز والله منالله بمحبة ومن الرسول بقرابة ومن الإيمان برتبة، لو جهد الأولون والآخرونإلا النبيين لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه، بذل في الله مهجته ولابن عمه مودتهكاشف الكرب ودامغ الريب وقاطع السبب إلا سبب الرشاد وقامع الشرك ومظهر ماتحت سويداء حبة النفاق، محنة لهذا العالم، لحق قبل أن يلاحق وبرز قبل أنيسابق، جمع العلم والحلم والفهم فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا لا يدخر منهامثقال ذرة إلا أنفقه في بابه، فمن ذا يؤمل أن ينال درجته وقد جعله الله ورسولهللمؤمنين وليا وللنبي وصيا وللخلافة راعيا وبالإمامة قائما، أفيغتر الجاهل بمقامقمته إذ أقامني وأطعته إذ أمرني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ” الحق مع علي وعليمع الحق، من أطاع عليا رشد ومن عصى عليا فسد، ومن أحبه سعد ومن أبغضهشقي ” والله لو لم يحب ابن أبي طالب إلا لأجل أنه لم يواقع الله محرما ولا عبد مندونه صنما ولحاجة الناس إليه بعد نبيهم لكان في ذلك ما يجب، فكيف لأسبابأقلها موجب وأهونها مرغب، للرحم الماسة بالرسول والعلم بالدقيق والجليلوالرضا بالصبر الجميل والمواساة في الكثير والقليل، وخلال لا يبلغ عدها ولايدرك مجدها ود المتمنون أن لو كانوا تراب أقدام ابن أبي طالب، أليس هو صاحبلواء الحمد والساقي يوم الورود وجامع كل كرم وعالم كل علم والوسيلة إلى اللهوإلى رسوله.
وعن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن أبي رافع قال، إني لعند أبي بكر إذطلع علي والعباس يتدافعان ويختصمان في ميراث النبي صلى الله عليه وآله، فقال أبو بكر: يكفيكمالقصير الطويل – يعني بالقصير عليا وبالطويل العباس – فقال العباس: أنا عم النبي صلى الله عليه وآلهووارثه، وقد حال علي بيني وبين تركته.
فقال أبو بكر: فأين كنت يا عباس حين جمع النبي صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب
وأنت أحدهم فقال ” أيكم يوازرني ويكون وصيي وخليفتي في أهلي ينجز عدتيويقضي ديني ” فأحجمتم عنها إلا علي، فقال النبي صلى الله عليه وآله أنت كذلك؟
فقال العباس: فما أقعدك في مجلسك هذا تقدمته وتأمرت عليه؟ قال أبوبكر: أعذروني يا بني عبد المطلب.
وروى رافع بن أبي رافع الطائي عن أبي بكر وقد صحبه في سفر قال، قلتله: يا أبا بكر علمني شيئا ينفعني الله به. قال: قد كنت فاعلا ولو لم يسألني لاتشرك بالله شيئا، واقم الصلاة، وآت الزكاة، وصم شهر رمضان، وحج البيت واعتمر، ولاتأمرن على اثنين من المسلمين. قال: قلت له أما ما أمرتني به من الإيمان والصلاةوالزكاة والصوم والحج والعمرة فأنا أفعله، وأما الإمارة فإني رأيت الناس لا يصيبونهذا الشرف وهذا الغنى والعز والمنزلة عند رسول الله إلا بها. قال: إنك استنصحتنيفأجهدت نفسي لك.
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله واستخلف أبو بكر جئته وقلت له: يا أبا بكرألم تنهني أن أتأمر على اثنين؟ قال بلى. قلت: فما بالك تأمرت على أمة محمد صلى الله عليه وآلهقال اختلف الناس وخفت عليهم الضلالة ودعوني فلم أجد من ذلك بدا.
وروى أن أبا بكر وعمر بعثا إلى خالد بن الوليد فواعداه وفارقاه على قتلعلي عليه السلام وضمن ذلك لهما، فسمعت ذلك الخبر أسماء بنت عميس امرأة أبي بكرفي خدرها، فأرسلت خادمة لها، وقالت ترددي في دار علي وقولي له ” الملأ يأتمرونبك ليقتلوك ” (١) ففعلت الجارية وسمعها علي عليه السلام، فقال رحمها الله قوليلمولاتك فمن يقتل الناكثين والمارقين والقاسطين؟
ووقعت المواعدة لصلاة الفجر إذ كان أخفى، واختيرت للسدفة (٢) والشبهة[ فإنهم كانوا يغسلون (٣) بالصلاة حتى لا تعرف المرأة من الرجل ] ولكن الله
(١) القصص: ٢٠.
(٢) السدفة: ظلمة فيها ضوء من أول النهار وآخره.
(٣) الغلس: ظلمة آخر الليل، يغلسون بالصلاة: يصلون في الغلس
بالغ أمره، وكان أبو بكر قال لخالد بن الوليد: إذا انصرفت من صلاة الفجرفاضرب عنق علي. فصلى إلى جنبه لأجل ذلك وأبو بكر في الصلاة يفكر في العواقبفندم فجلس في صلاته حتى كادت الشمس تطلع يتعقب الآراء ويخاف الفتنة ولايأمن على نفسه. فقال قبل أن يسلم في صلاته: يا خالد لا تفعل ما أمرتك به – ثلاثا -وفي رواية أخرى لا يفعلن خالد ما أمر به، فالتفت علي عليه السلام فإذا خالد مشتملعلى السيف إلى جانبه فقال: يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال: بقتلك يا أمير المؤمنينقال: أو كنت فاعلا؟ فقال، أي والله لولا أنه نهاني لوضعته في أكثرك (١) شعرافقال له علي عليه السلام: كذبت لا أم لك من يفعله أضيق حلقة است منك، أما والذيفلق الحبة وبرئ النسمة لولا ما سبق به القضاء لعلمت أي الفريقين شر مكاناواضعف جندا.
وفي رواية أخرى لأبي ذر رحمه الله أن أمير المؤمنين عليه السلام أخذ خالدابأصبعيه السبابة والوسطى في ذلك الوقت، فعصره عصرا فصاح خالد صيحة منكرة،ففزع الناس وهمتهم أنفسهم وأحدث خالد في ثيابه وجعل يضرب برجليه الأرضولا يتكلم. فقال أبو بكر لعمر: هذه مشورتك المنكوسة، كأني كنت أنظر إلىهذا وأحمد الله على سلامتنا، وكلما دنى أحد ليخلصه من يده لحظة تنحى عنه رعبافبعث أبو بكر وعمر إلى العباس فجاء وتشفع إليه وأقسم عليه فقال: بحق هذا القبرومن فيه وبحق ولديه وأمهما إلا تركته، ففعل ذلك وقبل العباس بين عينيه.
(١) يريد الرأس لأنه أكثر الأعضاء. شعرا.
احتجاج أمير المؤمنين (ع) على أبي بكر وعمر لما منعا فاطمة الزهراء (ع)فدك بالكتاب والسنة.
عن حماد بن عثمان (١) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما بويع أبو بكر واستقامله الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك (٢) من أخرج وكيل
(١) قال العلامة الحلي في خلاصته: حماد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاريمولاهم كوفي وكان يسكن عرزم فذهب إليها وأخوة عبد الله ثقتان رويا عن أبي عبد اللهعليه السلام وروي حماد عن أبي الحسن الرضا (ع) ومات حماد بالكوفة رحمه الله سنةتسعين ومائة ذكرهما أبو العباس في كتابه. وسبقه بذكر حماد بن عثمان الناب مولى غنيوعده من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام.
وعده الشيخ في رجاله تارة من أصحاب الصادق (ع) وأخرى من أصحابالكاظم (ع) وثالثة من أصحاب الرضا (ع) وسماه ذو الناب ولم يتعرض لذكر حمادالفزاري. ولعله إنما لم يتعرض لذكره لاعتقاده باتحادهما فقد اعتقد ذلك بعض أصحابالرجال واستدلوا على ما ذهبوا إليه باتحاد سنة الوفاة واتحاد عشيرتيهما. ونقل المامقانيبتفصيل أقوال الرجاليين فيهما وقال في تنقيح المقال أقول: ” الأظهر اتحاد الرجلينفإن غنيا حي من غطفان، وفزارة أبو قبيلة من غطفان ” انتهى.
أقول: وهذا لا يكفي بل إن دليل التعدد ظاهر والاختلاف بينهما واضح بينلاختلاف اسم الجد والأخوة فحماد ذو الناب هو: حماد بن عثمان بن زياد، والفزاريهو: حماد بن عثمان بن عمرو بن خالد والأول أخواه حسين وجعفر، والثاني أخوه عبد اللهوعليه فيكون المراد هنا حمادا الفزاري لأنه يروي عن الصادق (ع) وذو الناب يرويعن الكاظم والرضا فقط كما في الخلاصة.
راجع رجال الطوسي، رجال الكشي، رجال المامقاني، الخلاصة للعلامة. فهرستالشيخ الطوسي، أعيان الشيعة، قاموس الرجال.
(٢) ” فدك “: قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة وهيأرض يهودية، كان يسكنها طائفة من اليهود حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعبفي قلوب أهليها فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله على النصف من فدك، وروى أنه صالحهم
=>