الإحتجاج (ج1) / الصفحات: ١٤١ – ١٦٠
فصل، وقضاء حتم: ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتلانقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ” (١)أيها بني قيلة (٢) أأهضم تراث أبي؟ وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومنتدى (٣)ومجمع تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوةوعندكم السلاح والجنة (٤) توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلاتغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التيانتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت، قاتلتم العرب، وتحملتم الكدوالتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم (*) البهم، لا نبرح أو تبرحون (٥) نأمركمفتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأيام، وخضعت ثغرةالشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج،واستوسق نظام الدين (٦) فأنى حزتم بعد البيان؟ وأسررتم بعد الإعلان؟ ونكصتمبعد الإقدام؟ وأشركتم بعد الإيمان؟ بؤسا لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم،وهموا بإخراج الرسول، وهم بدؤوكم أول مرة، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوهإن كنتم مؤمنين ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض (٧) وأبعدتم من هوأحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة (٨) ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتمما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم (٩) فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا
(*) وفي بعض النسخ ” كالحتم “.
(١) آل عمران: ١٤٤.
(٢) بنو قيله: قبيلتا الأنصار: الأوس والخزرج.
(٣) المنتدى المجلس.
(٤) الجنة بالضم: ما استترت به من السلاح.
(٥) لا نبرح: لا نزال.
(٦) استوسق: اجمتع.
(٧) أخلدتم: ملتم. والخفض: السعة والخصب واللين.
(٨) الدعة: الراحة والسكون.
(٩) الدسع: القئ وتسوغ الشراب شربه بسهولة.
فإن الله لغني حميد. ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التيخامرتكم (١) والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثةالغيظ، وخور القناة (٢) وبثة الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوهادبرة (٣) الظهر نقبة الخف (٤) باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنارالأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلونوسيعلم الذين ظلموا أي مقلب ينقلبون. وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديدفاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون.
فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان. وقال: يا بنت رسول الله لقد كانأبوك بالمؤمنين عطوفا كريما، رؤفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا أليما، وعقاباعظيما، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا إلفك دون الأخلاء (٥)آثر على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبكم إلا سعيد، ولا يبغضكمإلا شقي (٦) بعيد فأنتم عترة رسول الله الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخيرأدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة فيقولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك،
(١) الجذلة: ترك النصر، خامرتكم خالطتكم.
(٢) الخور: الضعف، والقناة الرمح. والمراد من ضعف القناة هنا ضعفالنفس عن الصبر على الشدة.
(٣) فاحتقبوها: أي احملوها على ظهوركم ودبر البعير أصابته الدبرة بالتحريكوهي جراحة تحدث من الرحل.
(٤) نقب خف البعير رق وتثقب.
(٥) الألف: هو الأليف بمعنى المألوف والمراد به هنا الزوج لأنه إلفالزوجة وفي بعض النسخ ” ابن عمك “.
(٦) في ذخائر العقبى: – لمحب الدين الطبري – قال: قال رسول الله ” ص “” لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا منافق شقي ” أخرجه الملا.
والله ما عدوت رأي رسول الله، ولا عملت إلا بإذنه، والرائد لا يكذب أهله، وأنيأشهد الله وكفى به شهيدا، أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ” نحن معاشر الأنبياءلا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوةوما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه ” (١) وقد جعلناما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدونالمردة الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم انفرد به وحدي، ولم استبد بماكان الرأي عندي (٢) وهذه حالي ومالي، هي لك وبين يديك، لا تزوى عنك،
(١) نقل الإمام المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين ” قدس سره ” في كتابهالجليل ” النص والاجتهاد ” عن الأستاذ المصري المعاصر محمود أبو رية ما يلي “” قال “: بقي أمر لا بد أن نقول فيه كلمة صريحة، ذلك هو موقف أبي بكر منفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله ” ص ” وما فعل معها في ميراث أبيها، لأنا إذاسلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي، وأنه قد ثبت أن النبي ” ص ” قدقال: إنه لا يورث. وإنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر، فإن أبا بكر كان يسعه أنيعطي فاطمة رضي الله عنها بعض تركة أبيها ” ص ” كأن يخصها بفدك، وهذا من حقهالذي ليس يعارضه فيه أحد، إذ يجوز للخليفة أن يخص من يشاء بما يشاء.
” قال “: وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعضمتروكات النبي ” ص ” على أن فدكا هذه التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفةعثمان لمروان، هذا كلامه بنصه.
ثم أعقب السيد ” ره ” قائلا:
ونقل ابن أبي الحديد عن بعض السلف كلاما مضمونه العتب على الخليفتين والعجبمنهما في مواقفهما مع الزهراء بعد أبيها ” ص ” قالوا في آخره:
” وقد كان الأجل أن يمنعهما التكرم عما ارتكباه من بنت رسول الله ” ص ” فضلاعن الدين ” فذيله ابن أبي الحديد بقوله:
” هذا الكلام لا جواب عنه ” النص والاجتهاد ص ١٢٣ – ١٢٤
(٢) خطر ببالي وأنا أفكر في قول الخليفة: ” وذلك بإجماع المسلمين لم انفرد به “
=>
ولا ندخر دونك، وأنك وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لاندفع
<=
وقوله في آخر الحديث الذي تفرد بنقله عن النبي ” ص ” ” وما كان لنا من طعمة فلوليالأمر أن يحكم فيه بحكمه ” نعم خطر ببالي وأنا أفكر في هاتين الفقرتين وما إذا كانت فدكمن حق المسلمين حتى يؤخذ رأيهم فيه أم من حقه الخاص حتى يحكم فيه بحكمه كما جاء فيذيل الحديث الذي استنكرته الصديقة الطاهرة ” ع ” واعتبرته كذبا وزورا وافتراء علىالرسول ” ص ” اعتلالا منهم لما أجمعوا على الغدر بذريته كما اعتبرته طعنا في عصمته ” ص “لو صدر ذلك منه. وأسمع ذلك كله في جوابها لأبي بكر: ” سبحان الله، ما كان أبي رسولالله ” ص ” عن كتاب الله صادفا، ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره، ويقفواسوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له منالغوائل في حياته ” ثم إن كان من حقه الخاص فلماذا لم يعطها سيدة النساء وبنت سيدالأنبياء إكراما لمقام أبيها ” ص ” وإذا كان من حق المسلمين لماذا لم يؤخذ رأيهم أولافي إعطائه إياها.
نعم خطر ببالي وأنا أجيل الفكر في هذا وشبهه قول الشريف قتادة بن إدريس منقصيدته العصماء في رثاء سيدة النساء ” ع ” والتي يقول في أولها:
الدار نعمت فيها زمانا * ثم فارقتها فلا أغشاها
إلى أن يقول:
وحباها بالسيدين الجليلين * العظمين منه حين حباها
ولفكري في الصاحبين اللذين * استحسنا ظلمها وما راعياها
منعا بعلها من الحل والعقد * وكان المنيب والأواها
والتي يقول فيها:
إلى أن قال – وهو محل الشاهد منها -:
كان تحت الخضراء بنت نبي * ناطق صادق أمين سواها
بنت من؟ أم من؟ حليلة من؟ *…. من سن ظلمها وأذاها
ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه وآله وقالت:
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
وكل أهل له قربى ومنزلة * عند الإله على الأدنين مقترب
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم (١) * لما مضيت وحالت دونك الترب
تجهمتنا رجال واستخف بنا * لما فقدت وكل الأرض مغتصب
وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريل بالآيات يونسنا * فقد فقدت وكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما مضيت وحالت دونك الكثب (٢)
ثم انكفأت عليها السلام، وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعهاعليه، فلما استقرت بها الدار، قالت: لأمير المؤمنين عليه السلام:
يا بن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمةالأجدل (٣) فخانك ريش الأعزل (٤) هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبيوبلغة (٥) ابني! لقد أجهد (٦) في خصامي، وألفيته ألد في كلامي (٧) حتىحبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافعولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، أضرعت خدك (٨) يوم أضعت حدك
(١) النجوى: السر.
(٢) الكثب – بضمتين -: جمع الكثيب وهو: الرمل.
(٣) قوادم الطير: مقادم ريشه وهي عشرة – والأجدل: الصقر.
(٤) الأعزل من الطير: ما لا يقدر على الطيران.
(٥) يبتزني: يسلبني والبلغة ما يتبلغ به من العيش.
(٦) في بعض النسخ ” أجهر “
(٧) ألفيته: وجدته، والألد: شديد الخصومة.
(٨) ضرع: خضع وذل.
افترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلا، ولا أغنيت طائلا (١) ولاخيار لي، ليتني مت قبل هنيئتي، ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا (٢) ومنكحاميا، ويلاي في كل شارق! ويلاي في كل غارب! مات العمد، ووهن العضد (٣)شكواي إلى أبي! وعدواي (٤) إلى ربي! اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا، وأشدبأسا وتنكيلا.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا ويل لك بل الويل لشانئك (٥) ثم نهنهيعن وجدك (٦) يا ابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت (٧) عن ديني، ولاأخطأت مقدوري (٨) فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلكمأمون، وما أعد لك أضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله.
فقالت: حسبي الله وأمسكت.
وقال سويد بن غفلة: (٩) لما مرضت فاطمة سلام الله عليها، المرضة التي
(١) أي ما فعلت شيئا نافعا، وفي بعض النسخ (ولا أغنيت باطلا): أي كففته
(٢) العذير بمعنى العاذر أي: الله قابل عذري، وعاديا، متجاوزا.
(٣) الوهن: الضعف في العمل أو الأمر أو البدن.
(٤) العدوي: طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك.
(٥) الشانئ: المبغض
(٦) أي كفي: عن حزنك وخففي من غضبك.
(٧) ما كللت ولا ضعفت ولا عييت
(٨) ما تركت ما دخل تحت قدرتي أي لست قادرا على الانتصاف لك لماأوصاني به الرسول ” ص “.
(٩) قال العلامة في الخلاصة: سويد بن غفلة الجعفي قال البرقي: إنه من أولياءأمير المؤمنين عليه السلام. انتهىوفي أسد الغابة ” أدرك الجاهلية كبيرا وأسلم في حياة رسول ” ص ” ولم يره، وأدىصدقته إلى مصدق النبي ” ص ” ثم قدم المدينة فوصل يوم دفن النبي ” ص ” وكان مولدهعام الفيل وسكن الكوفة.. “
=>
توفيت فيها (١) دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقلن لها: كيفأصبحت من علتك يا بنت رسول الله؟ فحمدت الله، وصلت على أبيها، ثم قالت:
أصبحت والله: عائفة لدنيا كن، قالية لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجمتهم (٢)وسئمتهم بعد أن سبرتهم (٣) فقبحا لفلول الحد، واللعب بعد الجد، وقرع الصفاتوصدع القناة، وختل الآراء (٤) وزلل الأهواء، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم:
أن سخط الله عليهم، وفي العذاب هم خالدون. لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وحملتهماوقتها (٥) وشننت عليهم غاراتها (٦) فجدعا، وعقرا وبعدا، للقوم الظالمين.
ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروحالأمين، والطبين بأمور الدنيا (٧) والدين؟! ألا ذلك هو الخسران المبين!
وما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام؟! نقموا والله منه نكير سيفه، وقلة مبالاته
<=
وفي تهذيب ” أدرك الجاهلية وقد قيل إنه صلى مع النبي ” ص ” ولا يصحوقدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله ” ص ” وهذا أصح.. إلى أنقال: قال ابن معين والعجلي: ثقة.. وقال أبو نعيم مات سنة ثمانين وقال أبو عبيدالقاسم بن سلام وغير واحد مات سنة إحدى وثمانين وقال عمرو بن علي وغيره مات سنة ٨٨
(١) قال ابن أبي الحديد في المجلد الرابع من شرحه على النهج ” قال أبو بكروحدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي عن عبد الله بن حماد بن سليمانعن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين ” ع ” قالت لما اشتدبفاطمة بنت رسول الله ” ص ” الوجع وثقلت في علتها دخلت عليها.. الخ
(٢) لفظتهم: رميت بهم وطرحتهم بعد أن عجمتهم: أي بعد أن اختبرتهم وامتحنتهم
(٣) سئمتهم: مللتهم، وسبرتهم: جربتهم واختبرتهم واحدا واحدا.
(٤) ختل الآراء: زيفها وخداعها
(٥) اوقتها: ثقلها
(٦) شننت الغارة عليهم: وجهتها عليهم من كل جهة
(٧) الطبين: الفطن الحاذق العالم بكل شئ.
لحتفه، وشدة وطأته، ونكال (١) وقعته، وتنمره في ذات الله (٢) وتالله لو مالواعن المحجة اللايحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردهم إليها، وحملهم عليهاولسار بهم سيرا سجحا (٣) لا يكلم حشاشه (٤) ولا يكل سائره (٥) ولايمل راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا، صافيا، رويا، تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباهولأصدرهم بطانا، ونصح لهم سرا وإعلانا، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولايحظى منها بنائل، غير ري الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم: الزاهد من الراغبوالصادق من الكاذب، ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات منالسماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون، والذين ظلموا منهؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين! ألا هلم فاسمع؟! وما عشتأراك الدهر عجبا! وإن تعجب فعجب قولهم!.. ليت شعري إلى أي أسناد استندوا؟!
وإلى أي عماد اعتمدوا؟! وبأية عروة تمسكوا؟! وعلى أية ذرية أقدموا واحتنكوا (٦)لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم (٧)والعجز بالكاهل (٨) فرغما لمعاطس (٩) قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ألا إنهمهم المفسدون ولكن لا يشعرون. ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم منلا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون؟! أما لعمري لقد لقحت، فنظرةريثما تنتج، ثم احتلبوا ملاء القعب دما عبيطا (١٠) وزعافا مبيدا، هنالك يخسرالمبطلون، ويعرف البطالون غب (١١) ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم
(١) النكال: ما نكلت به غيرك كائنا ما كان
(٢) تنمر: عبس وغضب
(٣) سجحا: سهلا
(٤) كلمه: جرحه
(٥) يكل: يتعب
(٦) احتنكه: استولى عليه
(٧) الذنابى: ذنب الطائر، وقوادمه: مقادم ريشه
(٨) العجز: مؤخر الشئ، والكاهل: مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق
(٩) المعطس: الأنف
(١٠) القعب: القدح، والدم العبيط: الخالص الطري
(١١) الغب: المعاقبة؟؟
أنفسا، واطمأنوا للفتنة جاشا، وابشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرجشامل، واستبداد من الظالمين: يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا حسرةلكم! وأنى بكم وقد عميت عليكم! أنلزمكموها وأنتم لها كارهون.
قال سويد بن غفلة فأعادت النساء: قولها عليها السلام على رجالهنفجاء إليها: قوم من المهاجرين والأنصار متعذرين، وقالوا: يا سيدة النساء، لوكان أبو الحسن ذكر لنا هذا لأمر قبل أن يبرم العهد، ويحكم العقد، لما عدلناعنه إلى غيره، فقالت عليها السلام: إليكم عني فلا عذر بعد تعذير كم، ولا أمر بعد تقصيركم
احتجاج سلمان الفارسي رضي الله عنه (١) في خطبة خطبها بعد وفاةرسول الله صلى الله عليه وآله على القوم لما تركوا أمير المؤمنين (ع) واختاروا غيره ونبذواالعهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: خطب الناس سلمان الفارسي
(١) أبو عبد الله سلمان الفارسي أو المحمدي ويلقب أيضا بسلمان الخير أصلهمن رامهرمز وقيل من أصفهان من بلدة يقال لها: جى.
كان من أوصياء عيسى عليه السلام، وهذا هو السبب الذي جعل أمير المؤمنينعليه السلام يحضر عنده بالمدائن حين حضرته الوفاة، ويتولى تغسيله بيده الشريفة، إذأن الوصي لا يغسله إلا وصي مثله.
هرب سلمان عليه السلام من فارس لأن أهلها كانوا يعبدون النار وصادف ذلكسفر قافلة إلى الشام فذهب معها، ونزل بحمص وكان يجتمع بالقسس والرهبان ويجادلهمفي الدين برهة من الزمن.
ثم صحب جماعة من التجار وسار معهم قاصدا مكة المكرمة ليحظى بالتشرف بحضرةالنبي الأمي وصحبته، وكان سلمان عليه السلام يعلم أنه سيبعث من هناك لأنه كما مر كان
=>
رحمة الله عليه، بعد أن دفن النبي صلى الله عليه وآله بثلاثة أيام، فقال فيها:
<=
من أوصياء عيسى ” ع “.
واعتدى عليه هؤلاء الذين سار بصحبتهم وأساءوا الصحبة فانتهبوا ما كان عندهوأسروه ثم باعوه من يهودي في المدينة على أنه رق.
وبقي عند ذلك اليهودي إلى أن هاجر النبي ” ص ” إلى المدينة وكان سلمان ” ع “كاتب ذلك اليهودي على أن يدفع له مبلغا من المال ليحرره من الرق، فأعانه رسولالله ” ص ” على ذلك فتحرر.
ولما زحف الجيش بقيادة أبي سفيان – لقتل النبي ” ص ” وأصحابه وهدم المدينةعلى أهلها، في غزوة الأحزاب – أشار سلمان بحفر الخندق، فقال أبو سفيان لما رآههذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها.
وكان إذا قيل له ابن من أنت؟ يقول أنا سلمان بن الإسلام، أنا من بني آدم.
وقد روى عن رسول الله ” ص ” من وجوه أنه قال: لو كان الدين في الثريالناله سلمان، وفي رواية أخرى لناله رجل من فارسوروى عنه ” ص ” أنه قال: ” إن الله يحب من أصحابي أربعة – فذكره منهم “وقال ” ص “: ” ثلاثة تشتاق إليهم الحور العين: على، وسلمان، وعمار “وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ” ص “: ” أنا سابق ولد آدم، وسلمانسابق أهل فارس “.
وعنه أيضا: سمعت رسول الله ” ص ” يقول: ” إن الجنة تشتاق إلى أربعة: علىوسلمان، وعمار، والمقداد “.
ودخل ذات يوم مجلس رسول الله ” ص ” فوجد وجهاء قريش فتخطاهم وجلس فيصدر المجلس، فغلى الدم في عروقهم، وقال له بعضهم: ” من أنت حتى تتخطانا؟ ” وقالله آخر: ” ما حسبك ونسبك؟! “.
قال سلمان أنا ابن الإسلام، كنت عبدا فاعتقني الله بمحمد ” ص ” ووضيعافرفعني بمحمد ” ص ” وفقيرا فأغناني بمحمد ” ص ” فهذا حسبي ونسبي.
فقال رسول الله ” ص “: صدق سلمان، صدق سلمان، من أراد أن ينظر إلى رجلنور الله قلبه بالإيمان، فلينظر إلى سلمان.
=>
ألا يا أيها الناس: اسمعوا عني حديثي، ثم أعقلوه عني، ألا وإني أوتيتعلما كثيرا، فلو حدثتكم بكل ما أعلم من فضايل أمير المؤمنين عليه السلام، لقالت طائفةمنكم: هو مجنون، وقالت طائفة أخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان، ألا إن لكممنايا، تتبعها بلايا، ألا وإن عند علي عليه السلام، علم المنايا، والبلايا، وميراث الوصاياوفصل الخطاب، وأصل الأنساب، على منهاج هارون بن عمران من موسى عليهما السلامإذ يقول له رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت وصيي في أهل بيتي، وخليفتي في أمتي، وأنتمني بمنزلة هارون من موسى، ولكنكم أخذتم سنة بني إسرائيل، فأخطأتم الحقفأنتم تعلمون ولا تعلمون، أما والله لتركبن طبقا عن طبق، حذو النعل بالنعلوالقذة بالقذة أما والذي نفس سلمان بيده: لو وليتموها عليا لأكلتم من
<=
وتنافس المهاجرون والأنصار كل يقول: ” سلمان منا ” فقال رسول الله ” ص “” بل سلمان منا أهل البيت “.
وروى عن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند على ذات يوم فقالوا: يا أميرالمؤمنين ” ع ” حدثنا عن سلمان “.
قال ” ع “: من لكم بمثل لقمان الحكيم، ذلك امرؤ منا أهل البيت أدرك العلم الأولوالعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، بحر لا ينزف.
ولي المدائن في عهد عمر بن الخطاب، وكان يسف الخوص وهو أمير عليها ويبيعهويأكل منه، ويقول: لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي.
وتوفي في المدائن سنة ٣٦، وقيل ٣٧، وقيل بل ٣٣.
ولما حضرته الوفاة بكى فقيل ما يبكيك؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله ” ص “قال: ” ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب ” فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا إلا اكافا؟؟؟
ووطاء ومتاعا، قوم نحوا من عشرين درهما.
راجع صفة الصفوة ج ١ ص ٢١٠ تهذيب التهذيب ج ٤ ص ١٣٧ أسد الغابة ج ٢ص ٣٢٨ تنقيح المقال ج ٢ ص ٤٥ وكتاب نفس الرحمان في أخبار سلمان والمجلد الرابعمن ابن أبي الحديد وكتاب مع علماء النجف الأشرف.
فوقكم، ومن تحت أقدامكم، ولو دعوتم الطير لأجابتكم في جو السماء، ولودعوتم الحيتان من البحار لأتتكم، ولما عال (١) ولي الله، ولا طاش لكم سهم منفرائص الله (٢) ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولكن أبيتم فوليتموها غيرهفأبشروا بالبلايا، واقنطوا من الرخاء، وقد نابذتكم على سواء، فانقطعت العصمةفيما بيني وبينكم من الولاء.
عليكم بآل محمد عليهم السلام، فإنهم القادة إلى الجنة، والدعاة إليها يوم القيامة.
عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فوالله لقد سلمنا عليه بالولايةوإمرة المؤمنين، مرارا جمة (٣) مع نبينا، كل ذلك يأمرنا به، ويؤكده علينافما بال القوم؟ عرفوا فضله فحسدوه، وقد حسد هابيل قابيل فقتله، وكفارا قدارتدت أمة موسى بن عمران، فأمر هذه الأمة كأمر بني إسرائيل، فأين يذهب بكمأيها الناس ويحكم ما لنا وأبو فلان وفلان؟! أجهلتم أم تجاهلتم؟ أم حسدتمأم تحاسدتم؟ والله لترتدن كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف، يشهدالشاهد على الناجي بالهلكة، ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة، ألا وإني أظهرتأمري، وسلمت لنبيي، واتبعت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليا أمير المؤمنين عليه السلاموسيد الوصيين، وقائد الغر المحجلين، وإمام الصديقين، والشهداء والصالحين.
(١) عال: افتقر.
(٢) طاش إليهم: مال عن الهدف.
(٣) جمة: كثيرة
احتجاج لأبي بن كعب (١) على القوم مثل ما احتج به سلمان رضيالله عنه.
عن محمد ويحيى (٢ – ٣) ابني عبد الله بن الحسن عن أبيهما عن جدهما عن علي بنأبي طالب عليه السلام قال، لما خطب أبو بكر قام إليه أبي بن كعب وكان يوم الجمعةأول يوم من شهر رمضان وقال:
(١) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بنمالك بن النجار.
عده الشيخ رحمه الله في رجاله بهذا العنوان من أصحاب رسول الله ” ص ” وقاليكنى أبا المنذر شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي آخى رسول الله ” ص “بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. شهد بدرا والعقبة وبايع لرسول الله ” ص “.
ومثله بحذف اسم آبائه إلى كنيته ما في الخلاصة في قسم المعتمدين وكذا في رجالابن داود، وعن المجالس ما يظهر منه جلالته وإخلاصه لأهل البيت..
وقال العلامة الطباطبائي: إنه من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر تقدمهوجلوسه في مجلس رسول الله ” ص ” قال له، يا أبا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك،ولا تكن أول من عصى رسول الله ” ص ” في وصيته، وأول من صدف عن أمره، وردالحق إلى أهله تسلم، ولا تتمادى في غيك تستندم، وبادر بالإنابة يخف وزنك، ولا تخصصبهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما أنتفيه، وتصير إلى ربك فيسألك عما جئت وما ربك بظلام للعبيد، وعن تقريب بن حجرمتصلا بنسبه المذكور ما لفظه: الأنصاري الخزرجي، أبو المنذر سيد القراء، يكنىأبا الطفيل، أيضا من فضلاء الصحابة، مات في زمن عمر فقال عمر: مات اليوم سيدالمسلمين، شهد العقبة مع السبعين. ج ١ ص ٤٤ من رجال المامقاني.
(٢ – ٣) محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ذو النفسالزكية، ويكنى أبا عبد الله، وقيل أبا القاسم.
ولد سنة (١٠٠) وقتل سنة (١٤٥).
بايعه المنصور مع جماعة من بني هاشم، فلما بويع لبني العباس اختفى محمد وإبراهيم
=>
يا معشر المهاجرين الذين اتبعوا مرضات الله، وأثنى الله عليهم في القرآن
<=
مدة خلافة العباس، فلما ملك المنصور وعلم أنهما على عزم الخروج عليه جد في طلبهما وقبضعلى أبيهما كما مر ذلك في هامش ص ١٣١.
وأتيا أباهما وهو في السجن فقالا له يقتل رجلان من آل محمد خير من أن يقتلثمانية، فقال لهما: إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمينولما عزم محمد على الخروج، وأعد أخاه إبراهيم على الظهور في يوم واحد، وذهب محمدإلى المدينة، وإبراهيم إلى البصرة، فاتفق أن إبراهيم مرض، فخرج أخوه بالمدينة وهومريض بالبصرة، ولما خلص من مرضه وظهر أتاه خبر أخيه أنه قتل وهو على المنبر فقال
ولست كمن يبكي أخاه بعبرة * يعصرها من ماء مقلته عصرا
ولكن أروي النفس مني بغارة * تلهب في قطري كتابتها جمرا
وإنا أناس لا تفيض دموعنا * على هالك منا وإن قصم الظهرا
ولما بلغ المنصور خروج محمد بن عبد الله خلا ببعض أصحابه فقال له، ويحك!
قد ظهر محمد فماذا ترى؟ فقال: وأين ظهر؟ قال، بالمدينة، فقال: غلبت عليه وربالكعبة، وقال: وكيف؟! قال لأنه خرج بحيث لا مال ولا رجال، فعالجه بالحربفأرسل إليه عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس في جيش كثيف، فحاربهممحمد خارج المدينة وتفرق أصحابه عنه حتى بقي وحده فلما أحس بالخذلان دخل داره وأمربالتنور فسجر، ثم عمد إلى الدفتر الذي أثبت فيه أسماء الذين بايعوه فألقاه في التنور فاحترقثم خرج فقاتل حتى قتل بأحجار الزيت ومن هنا لقب بذي النفس الزكية لأنهصدق عليه ما روي عن النبي ” ص ” أنه قال: ” تقتل بأحجار الزيت من ولدي نفسزكية “. راجع عمدة الطالب ص ٨٩، ومقاتل الطالبيين ص ٢٣٢.
ويحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ” ع “.
” صاحب الديلم ” الشهيد، ويكنى أبا الحسن، وأمه قريبة بنت عبد الله.
كان مقدما في أهل بيته، بعيدا مما يعاب على مثله.
وقد روى الحديث وأكثر الرواية عن جعفر بن محمد (ع) وروى عن أبيه وعنأخيه محمد راجع رجال ابن داود ص ١٣٩ مقاتل الطالبيين ص ٣٣٧.
ويا معشر الأنصار الذين تبوؤا الدار والإيمان، وأثنى الله عليهم في القرآن، تناسيتمأم نسيتم، أم بدلتم، أم غيرتم، أم خذلتم، أم عجزتم؟ ألستم تعلمون أن رسولالله صلى الله عليه وآله قام فينا مقاما أقام في عليا فقال: ” من كنت مولاه فهذا مولاه يعني علياومن كنت نبيه فهذا أميره “؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” يا علي أنتمني بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتيغير أنه لا نبي بعدي “؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” أوصيكم بأهلبيتي خيرا فقدموهم ولا تقدموهم، وأمروهم ولا تأمروا عليهم “؟ ألستم تعلمونأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ” أهل بيتي منار الهدى، والدالون على الله “؟ أو لستمتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: ” أنت الهادي لمن ضل “؟ ألستمتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ” علي المحيي لسنتي ” ومعلم أمتي، والقائم بحجتيوخير من أخلف من بعدي، وسيد أهل بيتي، وأحب الناس إلي طاعته كطاعتيعلى أمتي “؟ ألستم تعلمون أنه لم يول على علي أحدا منكم وولاه في كل غيبتهعليكم؟ ألستم تعلمون أنه كان منزلهما في أسفارهما واحدا وارتحالهما واحد؟
ألستم تعلمون أنه قال: ” إذا غبت فخلفت عليكم عليا فقد خلفت فيكم رجلاكنفسي “؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل موته قد جمعنا في بيت ابنتهفاطمة عليها السلام فقال لنا: إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخا من أهلكفأجعله نبيا، واجعل أهله لك ولدا، أطهرهم من الآفات، وأخلصهم من الريبفاتخذ موسى هارون أخا، وولده أئمة لبني إسرائيل من بعده، الذين يحل لهمفي مساجدهم ما يحل لموسى، وأن الله تعالى أوحي إلي أن أتخذ عليا أخا، كماأن موسى اتخذ هارون أخا، واتخذ ولده ولدا، فقد طهرتهم كما طهرت ولدهارون، إلا أني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك ” فهم الأئمة الهادية، أفماتبصرون أفما تفهمون أفما تسمعون؟! ضربت عليكم الشبهات، فكان مثلكمكمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد، حتى خشي أن يهلك، فلقي رجلا هاديافي الطريق، فسأله عن الماء، فقال له: أمامك عينان: إحديهما مالحة، والأخرى
عذبة، فإن أصبت المالحة ضللت، وإن أصبت العذبة هديت ورويت، فهذا مثلكمأيتها الأمة المهملة كما زعمتم، وأيم الله ما أهملتم، لقد نصب لكم علم، يحل لكمالحلال، ويحرم عليكم الحرام، ولو أطعتموه ما اختلفتم، ولا تدابرتم، ولا تقاتلتمولا برئ بعضكم من بعض، فوالله إنكم بعده لناقضون عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنكمعلى عترته لمختلفون، وإن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه، فقد أبعدتم،وتخارستم وزعمتم أن الخلاف رحمة، هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم، يقول اللهتعالى جده (١): ” ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جائتهم البيناتوأولئك لهم عذاب عظيم (٢) ” ثم أخبرنا باختلافكم، فقال سبحانه: ” ولا يزالونمختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم (٣) ” أي: للرحمة وهم آل محمد، سمعترسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا علي أنت وشيعتك على الفطرة، والناس منها براء، فهلاقبلتم من نبيكم كيف وهو خبركم بانتكاصتكم (٤) عن وصيه علي بن أبي طالبوأمينه، ووزيره، وأخيه، ووليه، دونكم أجمعين. وأطهركم قلبا، وأقدمكم سلماوأعظمكم وعيا، من رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاه تراثه، وأوصاه بعداته، فاستخلفه علىأمته، ووضع عنده سره، فهو وليه دونكم أجمعين، وأحق به منكم أكتعين (٥)سيد الوصيين، ووصي خاتم المرسلين، أفضل المتقين، وأطوع الأمة لرب العالمينسلمتم عليه بإمرة المؤمنين، في حياة سيد النبيين، وخاتم المرسلين، فقد أعذر منأنذر، وأدى النصيحة من وعظ وبصر من عمى، فقد سمعتم كما سمعنا، ورأيتمكما رأينا، وشهدتم كما شهدنا.
فقام إليه عبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبلفقالوا يا أبي أصابك خبل؟ أم بك جنة؟ فقال: بل الخبل فيكم، والله كنت عندرسول الله صلى الله عليه وآله يوما فألفيته يكلم رجلا أسمع كلامه ولا أرى شخصه، فقال فيما
(١) جده: عظمته.
(٢) آل عمران ١٠٥.
(٣) هود ١١٨.
(٤) أي برجوعكم القهقري.
(٥) أكتعين: كلكم.
يخاطبه: ما أنصحه لك ولأمتك! وأعلمه بسنتك! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفترىأمتي تنقاد له من بعدي؟ قال: يا محمد يتبعه من أمتك أبرارها، ويخالف عليهم منأمتك فجارها، وكذلك أوصياء النبيين من قبلك، يا محمد إن موسى بن عمران أوصىإلى يوشع بن نون، وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم لله، وأطوعهم له، فأمره اللهعز وجل أن يتخذه وصيا كما اتخذت عليا وصيا، وكما أمرت بذلك، فحسدهبنو إسرائيل، سبط موسى خاصة، فلعنوه، وشتموه، وعنفوه، ووضعوا له، فإن أخذتأمتك سنن بني إسرائيل كذبوا وصيك، وجحدوا إمرته، وابتزوا خلافته وغالطوهفي علمه، فقلت: يا رسول الله من هذا؟ فقال رسول لله صلى الله عليه وآله: ” هذا ملك منملائكة ربي عز وجل، ينبئني أن أمتي تتخلف على وصيي علي بن أبي طالبصلوات الله عليه السلام، وإني أوصيك يا أبي بوصية، إن حفظتها لم تزل بخيريا أبي عليك بعلي، فإنه الهادي المهدي، الناصح لأمتي، المحيي لسنتي، وهوإمامكم بعدي، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه، يا أبي ومن غير أوبدل لقيني ناكثا لبيعتي، عاصيا أمري، جاحدا لنبوتي، لا أشفع له عند ربي،ولا أسقيه من حوضي ” فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا: ” اقعد رحمك اللهيا أبي، فقد أديت ما سمعت الذي معك ووفيت بعهدك “.
احتجاج أمير المؤمنين (ع) على أبي بكر لما كان يعتذر إليه من بيعة الناسله ويظهر الانبساط له.
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام، قال: لما كان من أمر أبي بكروبيعة الناس له وفعلهم بعلي، لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه الانقباضفكبر ذلك على أبي بكر، وأحب لقائه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه مما اجتمعالناس عليه وتقليدهم إياه أمر الأمة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه.
أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوة، فقال: يا أبا الحسن والله ما كان هذا
الأمر عن مواطاة مني ولا رغبة فيما وقعت عليه ولا حرص عليه ولا ثقة بنفسي فيماتحتاج إليه الأمة ولا قوة لي بمال ولا كثرة لعشيرة ولا استيثار به دون غيريفما لك تضمر علي ما لم استحقه منك وتظهر لي الكراهة لما صرت فيه وتنظر إليبعين الشنآن؟
قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فما حملك عليه إذ لم ترغب فيه ولا حرصتعليه ولا أثقت بنفسك في القيام به؟!
قال: فقال أبو بكر: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله: ” إن الله لا يجمعأمتي على ضلال ” ولما رأيت إجماعهم اتبعت قول النبي صلى الله عليه وآله، وأحلت أن يكونإجماعهم على خلاف الهدى من ضلال، فأعطيتهم قود الإجابة، ولو علمت أن أحدايتخلف لامتنعت.
فقال علي عليه السلام: أما ما ذكرت من قول النبي صلى الله عليه وآله ” إن الله لا يجمع أمتيعلى ضلال ” فكنت من الأمة أم لم أكن؟ قال: بلى. قال: وكذلك العصابةالممتنعة عنك: من سلمان، وعمار، وأبي ذر، والمقداد، وابن عبادة، ومن معهمن الأنصار. قال: كل من الأمة قال علي عليه السلام: فكيف تحتج بحديث النبيوأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك؟! وليس للأمة فيهم طعن ولا في صحبة الرسوللصحبته منهم تقصير، قال: ما علمت بتخلفهم إلا بعد إبرام الأمر، وخفتإن قعدت عن الأمر أن يرجع الناس مرتدين عن الدين، وكان ممارستهم إلي إنأجبتهم أهون مؤنة على الدين وإبقاء له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعونكفارا، وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم.
فقال علي عليه السلام: أجل ولكن أخبرني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه؟
فقال أبو بكر: بالنصيحة، والوفاء، ودفع المداهنة، وحسن السيرة،وإظهار العدل، والعلم بالكتاب والسنة، وفصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا، وقلةالرغبة فيها، وانتصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد، ثم سكت.
فقال علي عليه السلام: والسابقة، والقرابة.
فقال أبو بكر: والسابقة والقرابة.
فقال علي عليه السلام: أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيفقال أبو بكر: بل فيك يا أبا الحسن.
قال: فأنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله صلى الله عليه وآله قبل ذكران المسلمين (١)أم أنت؟ قال: بل أنت.
قال عليه السلام: فأنشدك بالله، أنا صاحب الأذان لأهل الموسم والجمع الأعظمللأمة بسورة براءة (٢) أم أنت؟ قال: بل أنت.
(١) في ” ذخائر العقبى “: عن زيد بن أرقم قال:
” كان أول من أسلم علي بن أبي طالب “. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
” على أول من أسلم بعد خديجة “.
وذكر الحجة الأميني في ج ٣ من كتاب الغدير ص ٢١٩ مائة حديث من طرقمختلفة، رواها أئمة الحديث وحفاظه، في أن عليا أول من أسلم.
وروى محب الدين الطبري في ” ذخائر العقبى ” عن عمر بن الخطاب قال: ” كنتأنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة، إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله منكب علي بن أبي طالبفقال: ” يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا، وأنت أول المسلمين إسلاما، وأنت مني بمنزلةهارون من موسى ” وبعد أن نقل عدة روايات في الموضوع أعقبها بقوله:
وقد وردت أحاديث في أن أبا بكر أول من أسلم وهي محمولة على أنه أول منأظهر إسلامه، وعلي (ع) أول من بدر إلى الإسلام. ذخائر العقبى ص ٥٨
(٢) عن أبي سعيد وأبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر علىالحج فلما بلغ ضجنان، سمع بغام ناقة علي، فعرفه فأتاه، فقال: ما شأنك؟ فقال:
خيرا، إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعثني ببرائة.
فلما رجعا، انطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله ما لي؟ قال:
خيرا أنت صاحبي في الغار، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني يعني عليا: أخرجهأبو حاتم.
=>