الإحتجاج (ج1) / الصفحات: ٢٦١ – ٢٨٠
قيل: ” الطيار في الجنة وذو الجناحين ” (١) ولولا ما نهى الله عن تزكية المرأنفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعينفدع عنك من مالت به الرمية (٢) فأنا صنايع ربنا، والناس بعد صنايع لنا (٣)لم يمنعنا قديم عزنا، ولا عادى طولنا (٤) على قومك أن خلطناكم بأنفسنا،
(١) هو جعفر بن أبي طالب ” ع ” وقد مر ذكره في هامش ص ١٧٢ منهذا الكتاب.
(٢) الرمية: الصيد وهو مثل يضرب لمن اعوج غرضه فمال عن الاستقامة لطلبهوالمراد هنا بمن مالت به الرمية الأول والثاني.
(٣) قال العلامة المجلسي في ج ٨ ص ٥٣٦ من بحار الأنوار:
قوله عليه السلام: ” فأنا صنايع ربنا ” هذا كلام مشتمل على أسرار عجيبة منغرائب شأنهم التي تعجز عنها العقول، ولنتكلم على ما يمكننا إظهاره والخوض فيه فنقولصنيعة الملك: من يصطنعه ويرفع قدره، ومنه قوله تعالى: ” اصطنعتك لنفسي “أي اخترتك وأخذتك صنيعتي، لتنصرف عن إرادتي ومحبتي.
فالمعنى: أنه ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالى أنعم علينا، فليسبيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنايعنا فنحن الوسائط بينهم وبين الله سبحانه.
ويحتمل أن يريد بالناس بعض الناس أي المختار من الناس، نصطنعه ونرفع قدره.
وفي ج ٣ من شرح النهج لابن أبي الحديد ص ٤٥١ قال:
هذا كلام عظيم عال على الكلام، ومعناه عال على المعاني، وصنيعة الملك من يصطنعهالملك ويرفع قدره، يقول: ليس لأحد من البشر علينا نعمة بل الله تعالى هو الذي أنعمعلينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا فنحن الواسطة بينهم وبينالله تعالى، وهذا مقام جليل ظاهره ما سمعت وباطنه أنهم عبيد الله، وأن الناسعبيدهم.
وقال محمد بن عبده في ص ٣٦ من ج ٣: من نهج البلاغةآل النبي: أسراء إحسان الله عليهم والناس أسراء فضلهم بعد ذلك.
(٤) الطول: الفضل. قال العلامة المجلسي في ص ٥٣٦ من ج ٨ من بحار الأنوار
=>
فنكحنا وأنكحنا، فعل الأكفاء، ولستم هناك وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبيومنكم المكذب (١) ومنا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف (٢) ومنا سيدا شبابأهل الجنة ومنكم صبية النار (٣) ومنا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب (٤)في كثير مما لنا عليكم فإسلامنا ما قد سمع، وجاهليتكم لا تدفع (٥) وكتابالله يجمع لنا ما شذ عنا، وهو قوله تعالى: ” وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضفي كتاب الله ” وقوله تعالى: ” إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبيوالذين آمنوا والله ولي المؤمنين ” فنحن مرة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة.
ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلى الله عليه وآله فلجوا عليهم
<=
” أقول: قد ظهر لك مما سبق أن بني أمية لم يكن لهم نسب صحيح ليشاركوا في الحسبآباءه عليه السلام مع أن قديم عزهم لم ينحصر في النسب بل أنوارهم ” ع ” أول المخلوقاتومن بدو خلق أنوارهم إلى خلق أجسادهم وظهور آثارهم كانوا معروفين بالعز والشرفوالكمالات، في الأرضين والسماوات، يخبر بفضلهم كل سلف خلفا، ورفع الله ذكرهمفي كل أمة عزا وشرفا.
(١) المكذب: أبو سفيان كان المكذب لرسول الله وعدوه المجلب عليه وقيل المرادبه أبو جهل.
(٢) أسد الله حمزة. وأسد الأحلاف قيل هو: أسد بن عبد العزى، وقيلعتبة بن ربيعة، وقيل أبو سفيان لأنه حزب الأحزاب، وحالفهم على قتال النبي ” ص “في غزوة الخندق.
(٣) وصبية النار: إشارة إلى الكلمة التي قالها النبي ” ص ” لعقبة بن أبي معيطحين قتله يوم بدر وقال – كالمستعطف له صلى لله عليه وآله -: ” من للصبية يا محمد “قال: ” النار “.
(٤) حمالة الحطب: أم جميل بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب.
(٥) لا تدفع أي: لا تنكر وفي بعض النسخ ” وجاهليتنا ” وحينئذ يكون المعنىشرفنا وفضلنا في الجاهلية لا ينكره أحد.
فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم (١).
وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت، وعلى كلهم بغيت، فإن يكن ذلككذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك.
وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمر اللهلقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة (٢)في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه، ولا مرتابا في يقينه، وهذه حجتيإلى غيرك قصدها، ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها.
ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منهفأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتلته، أم من بذل له نصرته فاستقعده واستكفه؟
أم من استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه حتى أتى عليه قدره؟ كلا والله لقدعلم الله المعوقين منكم والقائلين لأخوانهم هلم إلينا، ولا يأتون البأس إلا قليلا، وماكنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا، فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتيله، فرب ملوم لا ذنب له، وقد يستفيد الظنة المتنصح، وما أردت إلا الإصلاح مااستطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وذكرت أنه ليس لي ولا لأصحابي عندك إلا السيف، ولقد أضحكت بعداستعبار، متى ألفيت بنو عبد المطلب عن الأعداء ناكلين (٣) وبالسيوف مخوفينفألبث قليلا يلحق الهيجاء (٤) حمل، فسيطلبك من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد
(١) وذلك إن المهاجرين احتجوا يوم السقيفة بأنهم شجرة الرسول ففلجوا- أي: ظفروا بهم – وظفر المهاجرين بهذه الحجة ظفر لأمير المؤمنين على معاوية وإلافالأنصار على حقهم من دعوى الخلافة وفي كلا الحالين ليس لمعاوية فيها من نصيب.
(٢) الغضاضة: النقص.
(٣) ناكلين: متأخرين.
(٤) لبث: – بتشديد الباء -: فعل أمر من ” ليث ” إذا استزاد لبثه – أي:
مكثه، والهيجاء: الحرب، وحمل – بالتحريك -: هو حمل بن بدر، رجل من قشير
=>
وأنا مرقل (١) نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان،شديد زحامهم، ساطع قتامهم (٢) متسربلين سرابيل الموت (٣) أحب اللقاء إليهملقاء ربهم، وقد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية، قد عرفت مواقع نصالها (٤)في أخيك، وخالك، وجدك (٥) وأهلك، وما هي من الظالمين ببعيدوكتب أيضا عليه السلام (٦) – إلى معاوية -:
أما بعد فإنا كنا نحن وأنت على ما ذكرت من الألفة والجماعة، ففرقبيننا وبينكم بالأمس إنا آمنا وكفرتم، واليوم إنا استقمنا وفتنتم، وما أسلم مسلمكمإلا كرها (٧) وبعد أن كان أنف الإسلام كله لرسول الله حزبا (٨).
وذكرت إني قتلت طلحة والزبير، وشردت بعايشة، ونزلت بين المصرين (٩)وذلك أمر غبت عنه، فلا الجناية عليك، ولا العذر فيه إليك، وذكرت أنك زائريفي المهاجرين والأنصار، وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك (١٠) فإن كان فيك
<=
أغير على إبله في الجاهلية فاستنقذها وقال: –
فصار مثلا يضرب للتهديد بالحرب.
(١) مرقل: مسرع والجحفل: الجيش العظيم.
(٢) الساطع، المنتشر. والقتام – بالفتح -: الغبار.
(٣) السربال: اللباس أي: لابسين لباس الموت كأنهم في أكفانهم.
(٤) النصال: السهام.
(٥) أخوه: حنظلة، وخاله: الوليد بن عتبة، وجده: عتبة بن ربيعة وهو جده لأمه
(٦) تجد هذا الكتاب في ص ١٣٤ من ج ٣ من نهج البلاغة.
(٧) وذلك إن أبا سفيان لم يسلم حتى قبل فتح مكة وإنما دخل الإسلام خوف القتل
(٨) أنف الإسلام: إشراف العرب الذين دخلوا فيه قبل الفتح.
(٩) المصران: الكوفة والبصرة.
(١٠) أخوه: عمرو بن أبي سفيان، أسر يوم بدر.
عجل فاسترفه (١) فإني إن أزرك فذلك جدير أن يكون الله عز وجل إنما بعثنيللنقمة منك، وإن تزرني فكما قال أخو بني أسد.
وعندي السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد (٢)،وإنك والله ما علمت الأغلف القلب المقارب (٣) للعقل، والأولى أن يقال لك:
إنك رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك، لأنك نشدت غير ضالتك (٤)ورعيت غير سائمتك (٥) وطلبت أمرا لست من أهله، ولا في معدنه، فما أبعدقولك من فعلك! وقريب ما اشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة وتمنيالباطل، على الجحود بمحمد صلى الله عليه وآله، فصرعوا بمصارعهم حيث عملت لم يدفعواعظيما، ولم يمنعوا حريما، بوقع سيوف ما خلا منها الوغى، فلم يماشها الهوينا (٦)وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس (٧) ثم حاكم القوم إليأحملك وإياهم على كتاب الله.
(١) أي استح ولا تستعجل وفي بعض النسخ ” فاسترقه ” بالقاف فيكونالمعنى فاخفه ولا تظهره.
(٢) أعضضته: جعلته يعضه والمراد ضربته به وهؤلاء قتلهم أمير المؤمنين ” ع “يوم بدر.
(٣) أي: أنت الذي أعرفه، والأغلف القلب: الذي لا يدرك كأن قلبه فيغلاف لا تنفذ إليه المعاني، ومقارب العقل ناقصه ضعيفه، كأنه يكاد يكون عاقلا وليس به
(٤) الضالة: ما فقدته من مال وغيره، ونشدت طلبت، وهذا مثل يضرب لمنيطلب حقا ليس له.
(٥) السائمة: الماشية من الحيوان.
(٦) الوغى: الحرب. أي إن تلك السيوف باقية لم تخل منها الحروب ولمترافقها المساهلة.
(٧) أي البيعة له عليه السلام.
وأما تلك التي تريد (١) فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال،والسلام لأهله.
وكتب عليه السلام إلى معاوية وفي كتاب آخر (٢).
فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة (٣)، معتضييع الحقايق، واطراح الوثايق، التي هي لله طلبة، وعلى عباده حجة، فأماإكثارك الحجاج في عثمان وقتلته، فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لكوخذلته حيث كان النصر له والسلام.
وروى أبو عبيدة (٤) قال: كتب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام إن ليفضائل كثيرة، كان أبي سيدا في الجاهلية، وصرت ملكا في الإسلام، وأنا صهررسول الله صلى الله عليه وآله، وخال المؤمنين، وكاتب الوحي.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أبالفضائل يبغي علي ابن آكلة الأكباد؟ (٥)أكتب إليه يا غلام:
(١) أي الذي تريده من إبقائك واليا في الشام.
(٢) تجد هذا الكتاب في ج ٣ من نهج البلاغة ص ٦٩.
(٣) وفي نسخة: ” والحيرة المتعبة “
(٤) أبو عبيدة معمر – كجعفر – البصري النحوي اللغوي كان متبحرا في علماللغة وأيام العرب وأخبارها ويحكى أنه يقول ما التقى فرسان في جاهلية وإسلام إلا عرفتهماوعرفت فارسهما، وهو أول من صنف غريب الحديث.
وفي مروج الذهب وفي سنة ٢١١ مات أبو عبيدة العمري معمر بن المثنى كان يرىرأي الخوارج، وبلغ نحوا من مئة سنة ولم يحضر جنازته أحد من الناس بالمصلى حتىاكترى لها من يحملها، وله مصنفات حسان في أيام العرب وغيرها منها كتاب المثالب الخعن الكنى والألقاب ج ١ ص ١٤
(٥) آكلة الأكباد هند أم معاوية وهي التي أخرجت كبد حمزة وجعلت تلوكهاكما مر ص ١٩٤.
وجعفر الذي يمسي ويضحى * يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكني وعرسي * مسوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها * فأيكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي
وصليت الصلاة وكنت طفلا * مقرا بالنبي في بطن أمي
وأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم
فويل ثم ويل ثم ويل * لمن يلقى الإله غدا بظلمي (١)
أنا الرجل الذي لا تنكروه * ليوم كريهة أو يوم سلم
فقال معاوية: اخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبيطالب عليه السلام.
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: لما قتل عمار بن ياسر (٢) ارتعدت
(١) وفي بعض النسخ: ” لمن يرد القيامة وهو خصمي “.
(٢) عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة المذحجي ثم العنسي، أبو اليقظانحليف بني مخزوم ” وأمه سمية وهي أول من استشهد في سبيل الله طعنها أبو جهل فيقلبها فاستشهدت. وهو وأبوه وأمه من السابقين الأولين إلى الإسلام.
كان من المستضعفين، وعذب في الله عذابا شديدا. أحرقه المشركون بالنار فكانرسول الله ” ص ” يمر به ويمر يده على رأسه ويقول: ” يا نار كوني بردا وسلاما علىعمار، كما كنت على إبراهيم ” ع ” “.
عن عثمان بن عفان قال: أقبلت أنا ورسول الله ” ص ” أخذ بيدي نتماشى في البطحاءحتى أتينا على أبي عمار وعمار وأمه وهم يعذبون، فقال ياسر: ” الدهر هكذا! “.
فقال له النبي ” ص “: ” اصبر اللهم اغفر لآل ياسر، قال وقد فعلت “. وروي أن رسول” ص ” مر بعمار وأهله وهم يعذبون في الله فقال: ” ابشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة “.
قال الطبرسي في قوله تعالى: ” إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ” إنها نزلت فيجماعة أكرهوا وهم عمار وياسر أبوه وامه سمية وصهيب وبلال وخباب عذبوا وقتل
=>
فرائص خلق كثير، وقالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” عمار تقتله الفئة الباغية “
<=
أبو عمار وأمه فأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه، ثم أخبر بذلك رسول الله ” ص “فقال قوم: ” كفر عمار ” فقال ” ص “: ” كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمهواختلط الإيمان بلحمه ودمه “.
وجاء عمار إلى رسول الله ” ص ” وهو يبكي فقال ” ص “: ” ما وراك؟ ” قاليا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، فجعل رسول الله ” ص “يمسح عينيه ويقول: ” إن عادوا لك فعد لهم فنزلت الآية.
وشهد بدرا ولم يشهدها ابن مؤمنين غيره وشهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله ” ص “وقال له رسول الله ” ص “: ” أبشر يا أبا اليقظان فإنك أخو علي في ديانته ومنأفاضل أهل ولايته ومن المقتولين في محبته تقتلك الفئة الباغية وآخر زادك من الدنياضياح من لبن “.
وعن على ” ع ” قال: جاء عمار يستأذن على النبي ” ص ” فقال: ” ائذنوا له مرحبابالطيب المطيب “. وقال علي عليه السلام فيه: ذاك امرأ حرم الله لحمه ودمه على الناروأن تمس شيئا منهما.
وكان رحمه الله من كبار الفقهاء، وكان طويل الصمت طويل الحزن والكآبة،وكان عامة كلامه عائذا بالله من فتنة.
وقال له رسول الله ” ص “: يا عمار ستكون بعدي فتنة فإذا كان كذلك فاتبععليا ” ع ” وحزبه فإنه مع الحق والحق معه، يا عمار إنك ستقاتل مع علي صنفين الناكثينوالقاسطين ثم تقتلك ” الفئة الباغية ” قلت يا رسول الله أليس ذلك على رضا الله ورضاكقال: نعم على رضا الله ورضاي، ويكون آخر زادك شربة من لبن تشربه، فلما كانيوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين ” ع ” فقال له يا أخا رسول الله ” ص “أتأذن لي في القتال؟ قال: مهلا رحمك الله، فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام، فأجابهبمثله، فأعاده ثالثا فبكى أمير المؤمنين ” ع ” فنظر إليه عمار فقال: يا أمير المؤمنين إنهاليوم الذي وصف لي رسول الله ” ص “؟ فنزل أمير المؤمنين عن بغلته وعانق عماراوودعه، ثم قال: يا أبا اليقظان جزاك الله عن الله وعن نبيك خيرا فنعم الأخ كنتونعم الصاحب كنت، ثم بكى وبكى عمار ثم برز إلى القتال فقاتل حتى قتل رحمه الله
=>
فدخل عمرو على معاوية وقال يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا، قال: لماذاقال: قتل عمار فقال: قتل عمار فماذا؟ قال: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” تقتلهالفئة الباغية ” فقال معاوية: دحضت في قولك أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي بن أبيطالب عليه السلام لما ألقاه بين رماحنا، فاتصل ذلك بعلي بن أبي طالب عليه السلام قال: فإذارسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي قتل حمزة لما ألقاه بين رماح المشركين.
وكتب عليه السلام (١) إلى عمرو بن العاص في أثناء كتاب:
فإنك جعلت دينك تبعا لدنيا امرء ظاهر غيه، مهتوك ستره، يشين الكريمبمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، فاتبعت أثره، وطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام (٢)يلوذ إلى مخالبه، وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته، فأذهبت دنياك وآخرتكولو أخذت بالحق أدركت ما طلبت، فإن يمكني الله منك ومن ابن أبي سفيانأخبرتكما بما قدمتما (٣) فإن نعجز أو تبقيا فما أمامكما شر لكما والسلام.
وقال عليه السلام – في عمرو جوابا عما قال فيه -: عجبا لابن النابغة (٤) يزعم
<=
فأتاه أمير المؤمنين ” ع ” وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون إن امرءا لم يدخل عليه مصيبةمن قتل عمار فما هو في الإسلام من شئ ثم صلى عليه ثم قال:
أراك بصيرا بالذين أحبهم * كأنك تمضي نحوهم بدليل
وفي خبر أنه أتي يومئذ بلبن فضحك ثم قال: قال لي رسول الله ” ص “: آخرشراب تشربه من الدنيا مذقة من لبن حتى تموت وقال: والله لو ضربونا حتى بلغوناسعفات هجر لعلمت أننا على الحق وأنهم على الباطل. ثم قتل رضي الله عنه قتله أبوالعادية ” لع ” واحتز رأسه أبو الجوى السكسكي وكان عمره (ره) يوم قتل (٩٤) سنةراجع صفة الصفوة ج ١ ص ١٧٥ أسد الغابة ج ٤ ص ٤٣ سفينة البحار ج ٢ ص ٢٧٥
(١) تجد هذا الكتاب في ج ٣ من نهج البلاغة ص ٧١.
(٢) الضرغام: الأسد.
(٣) وفي بعض النسخ: ” أجزكما “.
(٤) نبغ الشئ: ظهر وإنما سميت أم عمرو: (النابغة) لشهرتها بالفجوروتظاهرها به.
لأهل الشام أن في دعابة (١) وأني امرء تلعابة (٢) أعانس (٣) وأمارس (٤)لقد قال باطلا ونطق آثما، أما وشر القول الكذب، إنه يقول فيكذب ويعد فيخلفويسأل فيحلف، ويسأل فينجل ويخون العهد، ويقطع الإل (٥) فإذا كان عندالحرب فأي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف ما أخذها، فإذا كان ذلك كانأكبر مكيدته أن يمنح القوم أسته (٦) أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموتوإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة، وإنه لم يبايع معاوية حتى شرط له أنيؤتيه على البيعة آية (٧) ويرضخ له على ترك الدين رضيخة (٨).
وكتب محمد بن أبي بكر (٩) إلى معاوية احتجاجا عليه
من محمد بن أبي بكر، إلى الغاوي معاوية بن صخر، سلام الله على أهلطاعة الله ممن هو أهل دين الله وأهل ولاية الله.
(١) الدعابة – بالضم -: المزاح.
(٢) تلعابة – بالكسر -: أي كثير اللعب
(٣) العفاس – بالكسر – اللعب. وفي بعض النسخ (أعارس) من أعرسالرجل إذا دخل بامرأته.
(٤) الممارسة: المزاولة والملاعبة.
(٥) الإل: – بالكسر – العهد والقرابة
(٦) الأست: العجز أو حلقة الدبر، أشار عليه السلام إلى ما ذكر أربابالسير وصار مضربا للأمثال من كشفه سوئته شاخرا برجليه حين لقيه أمير المؤمنينعليه السلام في بعض أيام صفين، وقد اختلطت السيوف، واشتد نار الحرب فانصرفعنه أمير المؤمنين (ع).
(٧) أي العطية.
(٨) الرضخ: العطاء القليل
(٩) محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة. وأمه أسماء بنت عميس مر لها ذكر فيهامش ص ١٢٥ ولد بالبيداء في حجة الوداع.
روي أن أبا بكر خرج في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله في غزاة فرأت أسماء بنت
=>
أما بعد فإن الله بجلاله وسلطانه خلق خلقا بلا عبث منه، ولا ضعف به، في
<=
عميس وهي تحته كان أبا بكر متخضب بالحناء رأسه ولحيته، وعليه ثياب بيض، فجاءتإلى عائشة فأخبرتها، فبكت عائشة وقالت: إن صدقت رؤياك فقد قتل أبو بكر إن خضابهالدم وأن ثيابه أكفانه، فدخل النبي صلى الله عليه وآله وهي كذلك فقال: ما أبكاها؟ فذكرواالرؤيا. فقال: ليس كما عبرت عائشة ولكن يرجع أبو بكر، فتحمل منه أسماء بغلامتسميه محمدا يجعله الله تعالى غيظا على الكافرين والمنافقين.
قال ابن أبي الحديد: ونشوه في حجر أمير المؤمنين عليه السلام وأنه لم يكن يعرفأبا غير على، حتى قال أمير المؤمنين عليه السلام: محمد ابني من صلب أبي بكر، وكانيكنى (أبا القاسم) وكان من نساك قريش، وكان ممن أعان في يوم الدار، ومن ولده(القاسم بن محمد) فقيه أهل الحجاز وفاضلها، ومن ولد القاسم (عبد الرحمن) من فضلاءقريش ويكنى (أبا محمد) ومن ولد القاسم أيضا أم فروة تزوجها الإمام الباقر أبو جعفرمحمد بن علي (ع).
وكان من حواري أمير المؤمنين عليه السلام، وخواصه واحد المحامدة التي تأبىأن يعصى الله.
وروي عن حمزة بن محمد الطيار قال: ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله (ع)فقال أبو عبد الله (ع): رحمه الله وصلى عليه، قال لأمير المؤمنين (ع) – يوما منالأيام -: أبسط يدك أبايعك، فقال: أو ما فعلت؟ قال: بلى، فبسط يده فقال:
أشهد أنك إمام مفترض طاعتك وأن أبي في النار. فقال أبو عبد الله عليه السلام: كانالنجابة من أمه أسماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل أبيه. وعن زرارة بن أعينعن أبي جعفر (ع): أن محمد بن أبي بكر بايع عليا عليه السلام على البراءة من أبيه.
وعن شعيب عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: ما من أهل بيت إلا ومنهمنجيب من أنفسهم، وانجب النجباء من أهل (بيت سوء) محمد بن أبي بكر.
وينسب إليه قوله:
إنما أنقذني منك الذي * أنقذ الدر من الماء الملح
يا بني الزهراء أنتم عدتي * وبكم في الحشر ميزاني رجح
=>
فأجابه معاوية هذا إلى الزارئ (١) على أبيه محمد بن أبي بكر، سلام علىأهل طاعة الله، أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانهمع كلام ألفته ورصفته (٢) لرأيك فيه، وذكرت حق علي وقديم سوابقه وقرابتهمن رسول الله صلى الله عليه وآله ونصرته ومواساته إياه في كل خوف وهول، وتفضيلك علياوعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك، فالحمد لله الذي صرف ذلك عنك وجعله لغيركوقد كنا وأبوك معنا في زمن نبينا صلى الله عليه وآله نرى حق علي عليه السلام لازما لنا، وسبقه مبرزاعلينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده وأتم له ما وعده، قبضه الله إليه، وكان أبوكوفاروقه أول من ابتزه (٣) وخالفه على ذلك، واتفقا ثم دعواه على أنفسهما،فأبطأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم، فبايع وسلم لأمرهما، لا يشركانهفي أمرهما، ولا يطلعانه على سرهما، حتى قضى الله من أمرهما ما قضى، ثم قامبعدهما ثالثهما يهدي بهداهما، ويسير بسيرتهما، فعبته أنت وأصحابك حتى طمعفيه الأقاصي من أهل المعاصي حتى بلغتما منه مناكما، وكان أبوك مهد مهادهفإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يك جورا فأبوك سنه، ونحن شركائهوبهداه اقتدينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا ولسلمنا له، ولكنارأينا أباك فعل ذلك فأخذنا بمثاله، فعب أباك أو دعه، والسلام على من تاب وأناب.
إحتجاجه (ع) على الخوارج (*) لما حملوه على التحكم ثم أنكروا عليهذلك ونقموا عليه أشياء فأجابهم (ع) عن ذلك بالحجة وبين لهم أن الخطأ منقبلهم بل وإليهم يعود.
(١) زرى عليه عمله: عابه عليه.
(٢) رصف الحجارة: ضم بعضها إلى بعض.
(٣) ابتز منه الشئ: استلبه قهرا.
(*) قال الشهرستاني – في الملل والنحل -:
الخوارج: كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيا
=>
روي أن رجلا من أصحابه قام إليه فقال: إنك نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنابها، فما ندري أي الأمرين أرشد، فصفق عليه السلام إحدى يديه على الأخرى ثم قال:
هذا جزاء من ترك العقدة (١)، أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم بهحملتكم على المكروه الذي جعل الله فيه خيرا كثيرا (٢) فإن استقمتم هديتكموإن اعوججتم قومتكم، وإن أبيتم تداركتكم (٣) لكانت الوثقى، ولكن بمنوإلى من (٤) أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي؟! كناقش الشوكة بالشوكة،
<=
سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعينبإحسان، والأئمة في كل زمان. ” قال ” اعلم: أن أول من خرج على أمير المؤمنين علىابن أبي طالب (ع) جماعة ممن كان معه في حرب صفين، وأشدهم خروجا عليه ومروقامن الدين (الأشعث بن قيس) و (مسعود بن فدكي التميمي) و (زيد بن حصين الطائي)حين قالوا: (القوم يدعوننا إلى كتاب الله وأنت تدعونا إلى السيف) حتى قال: أناأعلم بما في كتاب الله انفروا إلى بقية الأحزاب انفروا إلى من يقول: كذب اللهورسوله وأنتم تقولون: صدق الله ورسوله قالوا: لترجعن الأشتر عن قتال المسلمين وإلالنفعلن بك كما فعلنا بعثمان فاضطر إلى رد الأشتر بعد أن هزم الجمع وولوا مدبرين، ومابقي منهم إلا شرذمة قليلة فيهم حشاشة قوة، فامتثل الأشتر أمره، وكان من أمر الحكمينأن الخوارج حملوه على التحكم أولا، وكان يريد أن يبعث عبد الله بن عباس فما رضيالخوارج بذلك وقالوا: هو منك، فحملوه على بعث أبي موسى الأشعري – على أنيحكما بكتاب الله تعالى – فجرى الأمر على خلاف ما رضي به فلما لم يرض بذلك خرجتالخوارج عليه وقالوا: لم حكمت الرجال؟ ولا حكم إلا الله.
(١) العقدة: الرأي والحزم أي هذا جزاؤكم حين تركتم الرأي الحازم الذيأمرتكم به فوقعتم في الحيرة والشك من جراء عنادكم واتباعكم أهوائكم.
(٢) المكروه: الحرب إشارة إلى قوله تعالى: (فعسى أن تكرهوا شيئاويجعل الله فيه خيرا كثيرا)
(٣) يريد (ع) بالاعوجاج: العصيان وبالتقويم الإرشاد فإن أبيتم ولم تسمعواالنصيحة تداركتكم بالاستنجاد بغيركم وأخذتكم بالقوة والقهر.
(٤) هذا هو الطريق ولكن ممن استعين في هذا الأمر، وإلى من أرجع.
وهو يعلم أن ضلعها معها (١). اللهم قد ملت أطباء الداء الدوي (٢) وكلتالنزعة بأشطان الركى (٣).
فقال عليه السلام (٤) وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومةبعد كلام طويل:
ألم تقولوا – عند رفعهم المصاحف حيلة، وغيلة، (٥) ومكرا، وخديعة -:
إخواننا، وأهل دعوتنا. استقالونا، واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه، فالرأيالقبول منهم، والتنفيس عنهم، (٦) فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان، وباطنه عدوانوأوله رحمة، وآخره ندامة، فأقيموا على شأنكم، والزموا طريقتكم، وعضواعلى الجهاد بنواجذكم (٧) ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق (٨)، إن أجيب أضل وإنترك ذل، فلقد كنا مع رسول الله وإن القتل ليدور بين الآباء والأبناء، والإخوانوالقرابات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيمانا، ومضيا على الحق، وتسليماللأمر، وصبرا على مضض الجراح (٩) ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام
(١) نقش الشوكة إذا استخرجها من جسمه ومنه سمي (المناقش) الذي ينقض به.
والضلع – بالتحريك – الميل والطبع -يريد (ع) أن طباع بعضهم تشبه طباع بعضهم الآخر وميولهم متماثلة كما تميلالشوكة لمثلها وهذا مثل للعرب: (لا تنقش الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها) أي إذااستخرجت الشوكة بمثلها فسوف تنكسر في رجلك كما انكسرت الأولى.
(٢) الداء الدوى: الشديد.
(٣) النزعة: جمع نازع وهو: الذي يستقي الماء، والشطن هو: الحبل، والركىجمع ركية وهي: البئر.
(٤) تجد هذا الكلام له عليه السلام في نهج البلاغة ج ٢ ص ٢.
(٥) الغيلة بالكسر – الخديعة.
(٦) نفس عنه: فرج عنه.
(٧) النواجذ من الأسنان – بالذال المعجمة -: الضواحك وهي: التي تبدوا عند الضحك
(٨) النعيق: صوت الراعي بغنمه يريد (ع) لا تتبعوا كل داع إلى ضلالة.
(٩) المضض: وجع المصيبة.
على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج (١) والشبهة والتأويل، فإذا طعمنا فيخصلة يلم الله بها شعثنا، ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها وأمسكنا عما سواهاوقال عليه السلام – في التحكيم (٢) -:
إنا لم نحكم الرجال (٣) وإنما حكمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خطمسطور بين الدفتين، لا ينطق بلسان ولا بد له من ترجمان وإنما ينطق عنه الرجالولما أن دعانا القوم إلى أن يحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتابالله عز وجل وقد قال الله سبحانه: ” وإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسولإن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر (٤) ” فرده إلى الله أن نحكم بكتابه، وردهإلى الرسول أن نأخذ بسنته، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحق الناس بهوإذا حكم بسنة رسوله فنحن أولادهم به (٥)، وأما قولكم لم جعلت بينك وبينهمأجلا في التحكيم؟ فإنما فعلت ذلك ليتبين الجاهل (٦) ويتثبت العالم (٧) ولعل اللهأن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمة ولا تؤخذ بإكظامها (٨) فتعجل عن تبين
(١) الزيغ: الميل عن الحق.
(٢) تجد هذا الكلام في ج ٢ ص ٧ من نهج البلاغة.
(٣) هذا رد على قولهم – بعد أن حملوه على التحكيم -: ” لم حكمت الرجال لاحكم إلا لله ” فردهم ” ع ” بهذا القول لأن القوم إنما دعوه لتحكيم القرآن، لا لتحكيمالرجلين وحيث إن القرآن صامت يحتاج إلى ترجمان اضطر ” ع ” إلى تحكيم الرجال والقرآنفي الواقع هو الحكم وقد اشترط على الحكمين أن يحكما بكتاب الله وسنة رسوله، فلما خالفاالشرط بطل تحكيمهما ولم يلزمه اتباع قولهما.
(٤) الآية ٥٩ – النساء. -حين دعاه القوم لتحكيم القرآن لم يكن ” ع ” ليتخلف حتى ينطبق عليه قوله تعالى(وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم وهم معرضون).
(٥) أي: أحق بكتاب الله وأولى برسوله صلى الله عليه وآله.
(٦) أي ليظهر له وجه الحق.
(٧) أي يطمئن قلبه بدفع الشبهة.
(٨) الأكظام جمع كظم – بالتحريك – وهو: مخرج النفس من الحلق.
الحق وتنقاد لأول الغي (١)؟
وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام أرسل عبد الله بن العباس إلى الخوارج وكانبمرأى منهم ومسمع قالوا له في الجواب:
إنا نقمنا يا بن عباس على صاحبك خصالا كلها مكفرة، موبقة، تدعوا إلى النارأما ” أولها ” فإنه محي اسمه من إمرة المؤمنين (٢) ثم كتب بينه وبين معاويةفإذا لم يكن أمير المؤمنين ونحن المؤمنون لسنا نرضى بأن يكون أميرنا.
وأما ” الثانية ” فإنه شك في نفسه حين قال للحكمين: ” انظروا فإن كانمعاوية أحق بها فاثبتاه، وإن كنت أولى بها فاثبتاني ” فإذا هو شك في نفسه ولميدر أهو المحق أم معاوية، فنحن فيه أشد شكا.
و ” الثالثة ” إنه جعل الحكم إلى غيره وقد كان عندنا أحكم الناس.
و ” الرابعة ” إنه حكم الرجال في دين الله ولم يكن ذلك إليه.
و ” الخامسة “: إنه قسم بيننا الكراع والسلاح يوم البصرة ومنعنا النساء والذريةو ” السادسة ” إنه كان وصيا فضيع الوصية.
قال ابن عباس: قد سمعت يا أمير المؤمنين مقالة القوم، وأنت أحق بجوابهمفقال: نعم.
ثم قال: يا بن عباس قل لهم ألستم ترضون بحكم الله وحكم رسوله؟
قالوا: نعم.
(١) أي حين عرضت لهم الشبهة من رفع المصاحف.
(٢) حين أمر أمير المؤمنين (ع) كاتبه أن يكتب: (إن هذا ما تقاضى عليهأمير المؤمنين (ع) علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان) قال عمرو بن العاص(اكتب اسمه واسم أبيه ولا تسميه بإمرة المؤمنين فإنما هو أمير هؤلاء وليس هو بأميرنا)ولما أصروا على ذلك قال أمير المؤمنين: الله أكبر سنة بسنة ومثل بمثل وذكر قولالنبي صلى الله عليه وآله له يوم الحديبية: لك مثلها ثم أمر فكتبوا. ” هذا ما تقاضى عليه علي بن أبيطالب بن عبد المطلب..
قال: ابدأ على ما بدأتم به (١) في بدئ الأمر.
ثم قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله الوحي، والقضايا، والشروط، والأمانيوم صالح أبا سفيان، وسهيل بن عمرو فكتبت:
هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله أبا سفيان صخر بن حرب، وسهيل بن عمروفقال سهيل: لا نعرف الرحمن الرحيم، ولا نقر أنك رسول الله، ولكنانحسب ذلك شرفا لك أن تقدم اسمك على أسمائنا وإن كنا أسن منك وأبي أسنمن أبيك.
فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اكتب – مكان بسم الله الرحمن الرحيم -:
” باسمك اللهم ” فمحوت ذلك وكتبت: ” باسمك اللهم ” ومحوت ” رسول الله “وكتبت ” محمد بن عبد الله ” فقال لي ” إنك تدعى إلى مثلها فتجيب وأنت مكره (٢) “وهكذا كتبت بيني وبين معاوية وعمرو بن العاص: ” هذا ما اصطلح عليهأمير المؤمنين ومعاوية وعمرو بن العاص ” فقالا: لقد ظلمناك بأن أقررنا بأنكأمير المؤمنين وقاتلناك، ولكن اكتب: علي بن أبي طالب ” فمحوت كما محيرسول الله صلى الله عليه وآله، فإن أبيتم ذلك فقد جحدتم، فقالوا: هذه لك خرجت منها.
قال: وأما قولكم ” إني شككت في نفسي حيث قلت للحكمين: انظرا فإنكان معاوية أحق بها مني فاثبتاه ” فإن ذلك لم يكن شكا مني، ولكن أنصفتفي القول، قال الله تعالى: ” وأنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين (٣) “
(١) أي ابدأ في الرد على إشكالاتكم مما بدأتم به في عرضها حسب التسلسل، أوأبدأ معكم بتحكيم القرآن كما بدأتم في أول الأمر.
(٢) جاء في قصة الحديبية أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
” يا علي إنك أبيت أن تمحو اسمي من النبوة والذي بعثني بالحق نبيا لتجيبنأبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد “.
(٣) ٢٤ – سبأ.
ولم يكن ذلك شكا وقد علم الله أن نبيه على الحق، قالوا: وهذه لك.
قال: وأما قولكم: ” إني جعلت الحكم إلى غيري وقد كنت عندكم أحكمالناس ” فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله قد جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة وقد كانمن أحكم الناس وقد قال الله تعالى: ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (١) “فتأسيت برسول الله صل الله عليه وآله، قالوا: وهذه لك بحجتنا.
قال: وأما قولكم: ” إني حكمت في دين الله الرجال ” فما حكمت الرجالوإنما حكمت كلام ربي، الذي جعله الله حكما بين أهله، وقد حكم الله الرجالفي طائر فقال: ” ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذواعدل منكم (٢) ” فدماء المسلمين أعظم من دم طائر قالوا: وهذه لك بحجتنا.
قال: وأما قولكم: ” إني قسمت يوم البصرة لما ظفرني الله بأصحاب الجملالكراع والسلاح ومنعتكم النساء والذرية ” فإني مننت على أهل البصرة كما منرسول الله على أهل مكة، فإن عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم، ولم نأخذ صغيرا بكبيرفأيكم كان يأخذ عائشة في سهمه؟ قالوا: وهذه لك بحجتنا.
قال: وأما قولكم: ” إني كنت وصيا فضيعت الوصية فأنتم كفرتم وقدمتمعلي، وأزلتم الأمر عني، وليس على الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم، إنما يبعث اللهالأنبياء عليهم السلام فيدعون إلى أنفسهم، وأما الوصي فمدلول عليه مستغن عن الدعاء إلىنفسه، وذلك لمن آمن بالله ورسوله، ولقد قال الله جل ذكره: ” ولله على الناسحج البيت من استطاع إليه سبيلا (٣) ” فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت ليكفربتركهم إياه، ولكن كانوا يكفرون بتركهم، لأن الله تعالى قد نصبه لهم علماوكذلك نصبني علما حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” يا علي أنت مني بمنزلة هارونمن موسى وأنت مني بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي ” فقالوا: وهذه لك بحجتنا.
(١) الأحزاب – ٢١.
(٢) المائدة – ٩٥.
(٣) آل عمران – ٩٧.
فاذعنوا فرجع بعضهم وبقي منهم أربعة آلاف لم يرجعوا ممن كانوا قعدواعنه فقاتلهم وقتلهم.
إحتجاجه (ع) في الاعتذار من قعوده عن قتال من تأمر عليه من الأولينوقيامه إلى قتال من بغي عليه من الناكثين والقاسطين والمارقين.
روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا في بعض مجالسه بعد رجوعه مننهروان (١) فجرى الكلام حتى قيل له: لم لا حاربت أبا بكر وعمر كما حاربتطلحة والزبير ومعاوية؟
فقال علي عليه السلام إني كنت لم أزل مظلوما مستأثرا على حقي (٢) فقام إليهالأشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين لم لم تضرب بسيفك، ولم تطلب بحقك؟
فقال: يا أشعث قد قلت قولا فاسمع الجواب وعه، واستشعر الحجة، إن لي أسوةبستة من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.
أولهم نوح حيث قال: ” رب إني مغلوب فانتصر (٣) ” فإن قال قائل: إنهقال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلا فالوصي أعذر.
وثانيهم لوط حيث قال: ” لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد (٤) “فإن قال قائل: إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلا فالوصي أعذر.
وثالثهم إبراهيم خليل الله حيث قال: ” واعتزلكم وما تدعون من دون الله (٥) “
(١) النهروان: وهي ثلاث نهروانات، أعلى وأوسط وأسفل، وهو: كورةواسعة أسفل من بغداد من شرقي تامرا، منحدرا إلى واسط، فيها عدة بلاد متوسطةمنها اسكاف وجرجرايا، والصافية، وديرقنى وغير ذلك.
مراصد الإطلاع ج ٣ ص ١٤٠٧
(٢) استأثر بالشئ على الغير: استبد به وخص به نفسه.
(٣) القمر: – ١٠
(٤) هود: – ٨٠
(٥) مريم: – ٤٨