الشهيد رعد عبد الكۣريمٛ جبرٛ اٛلفهديٛ إني أتمنى من الله سبحانه أن تقطع أوصالي فلا تكون لي جثة ولاقبر.
لا غرابة أن يتمنى مثل هذه الأمنية، بعد أن ذاب شوقا وولها وحبا بسيده ومولاه الحسين الذي راح طعما للسيوف من أجل إقامة دين المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فالاندكاك في ذات الله، والذوبان فيها تجلى كمالا وسموا في نفس هذا الشهيد، الذي سعى سعيا حثيثا لنيل رضا الباري سبحانه وتعالى، ولقد وردت تلك الفقرة في وصيته،
وشاء الله أن يحقق له هذه الأمنية فلا يُعرف له قبر ولاتبقى له جثة، ومن المؤكد أن قذيفة قد سقطت عليه في طريق عودته من العمليات للعلاج فمزقت جسده وحرّرت روحه الطاهرة لترجع إلى ربها راضية مرضية،
ولتفوز بمقعد صدق عند مليك مقتدر.
ولد في بغداد الجديدة عام1963م، في أسرة متواضعة عُرفت بتمسكها بالقيم الإسلامية، ولاسيما الشعائر الحسينية، تربى وترعرع في أحضانها وتغذى حب الإسلام والأئمة الأطهار منذ نعومة أظفاره ثم انتقل مع أسرته للسكن في بغداد — حي الحبيبية.
التحق بإحدى المدارس المتوسطة في بغداد غير أنه لم يستطع إكمال دراسته، فقد كانت سنوات حياته الدراسية سنوات معاناة، فقد عانى ما كان يعانيه كل مؤمن رافض للظلم والاضطهاد في سجن العراق الكبير وحكم العفالقة الأشرار.
مع بداية الثورة الإسلامية في إيران التهب صدره حبا عظيما لها، ولقائدها وكان يقول إن حب الإمام الخميني قد خالط لحمي ودمي، وكان يقول لمن يلومه على ذلك مازحا (إذا أردتم أن تخرجوا حبه من قلبي وجسدي فعليكم أن تبدِّلوا جميع دمي…).
كان يقوم بمساعدة أُسر الشهداء والمعتقلين وبتوزيع المنشورات، وعانى الكثير في سبيل ذلك، واعتقل لهذا السبب وعُرِّض للتعذيب من قبل زبانية البعث، لكنه كان يتحمل ذلك صابرا محتسبا، وهو يعلم أن هذا الطريق هو طريق المصاعب والمشاق خصوصا في بلد يحكمه عفلق وصدام.
بعد إطلاق سراحه أخذ يسعى للخلاص من حكم العفالقة والهجرة إلى الجمهورية الإسلامية، وحقق الله سبحانه له تلك الأمنية في19شعبان 1403ه.ق، وكانت تلك بداية حياة الجهاد في سبيل الله، فالتحق بمجاهدي بدر ضمن الدورة الثالثة بتاريخ23/10/1983م، مواصلا طريق ذات الشوكة مع الفوج الثاني حتى ختم الله حياته في عمليات حاج عمران.
فقد شارك أبوشهاب العسكري في كل العمليات والواجبات التي نفذها المجاهدون في هور الحويزة، ومنها عمليات القدس وعاشوراء، وغيرها من المعارك التي كتبوا تفاصيلها بأحرف من دمائهم الزاڪية وخلدوها بما قدموه من تضحيات، وكانت لشهيدنا المواقف البطولية المشرّفة، فقد سجّل فيها موقفا خالدا يوم عمليات عاشوراء، حينما تولى فيها إمرة الفصيل بعد شهادة أبي الخير، حيث انطلق بزورقه صوب زورق البعثيين فصدمهم وقلبهم وقتل أربعة منهم.
كان حسينيا مخلصا، صفة عرف بها من قبل إخوته المجاهدين، فلطالما شارك بصوته الحنون في إحياء المناسبات الدينية من ولادات ووفيات الأئمة الأطهار عليهمالسلام، وكان وجوده متميزا في كل الاحتفالات التي يقيمها المجاهدون.
كان قدوة في كل شيء، في عملهِ وجهاده، في أخلاقه وإيمانه، في شجاعته وتضحيته، كان يردد دائما (أرجو من الله أن أقطع إربا إربا في سبيل الله، وأرجو أن يكون مصيري مثل مصير الشهيدين أبي مريم وأبي بلال( )، وأتمنى أن أقتل قتلتهم)، وهذا أدل دليل على أنَّ قلبه كان عامرا بحب الله ولقائه.
وقبل عمليات حاج عمران، كان يدعوا الله سبحانه أن يرزقه الشهادة ويتمنى أن يفوز بها، وكان له موقف الأبطال عندما بدأت المعركة يوم1/9/1986م، وحمي الوطيس، وهو ينادي بصوت مدوي مخاطبا المجاهدين… (تقدموا إخوتي تقدموا أيها الأبطال، هاهي الجنة قد فتحت أبوابها وما هي إلا لحظات حتى تعانقوا الحور العين)، وكان ينشد قبل العمليات وأثناء التقدم بهذين البيتين من الشعر:
لا عـذَّب الله أمي أنـها شربـت حـب الوصـي وغـذتـنـيـه بـاللـبّـن
وكان لي والد يهوى أبا حســن فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن
ويتقدم الشهيد بالفصيل الذي كان تحت إمرته، مقتحما مواقع الأعداء، الذين لم تكن مانعتهم حصونهم من الله، فقذف في قلوبهم الرعب، وبقي يقاتل قتال الأبطال المواسين لسيد الشهداء حتى جرح جرحه الأول، وبقي يرفض العودة للعلاج حتى أصيب بآخر، وكان يريد الاستمرار في القتال ويرفض العودة للعلاج على الرغم من جروحه النازفة، ولكن الشهيد أبافدك( ) — آمر سريته — أمر بإخلائه لغرض العلاج، حيث كانت القذائف تحاڪي نزول المطر، وأثناء عودته أصيب بقذيفة الحقد الصليبي فقطعّت أوصاله إربا إربا فلم يعثر منه على شيء فكان كما أراد وتمنى.
سلام عليه وعلى السائرين على نهج الحسين عليه السلام
الشهيد أبوشهاب العسكري في أحد إحتفالات الفوج الثاني بمناسبة عيد الغدير