ما مصلحة اليمن الذي خرج من حرب عمرها 9 سنوات ولما تنتهِ بعد بالدخول في هذه المواجهة المفتوحة على كل الاحتمالات، وفي مواجهة مباشرة مع أميركا و”إسرائيل”؟
على نحو لافت، تتصاعد عمليات القوات المسلحة اليمنية باتجاه عمق كيان العدو الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يعكس قراراً سياسياً حازماً وحاسماً اتخذته القيادة اليمنية من منطلق أخلاقي إنساني وديني وسياسي بأنه لا يمكن الاستفراد بغزة، ولا يمكن الاكتفاء بالتفرج على ما يجري من إبادة جماعية لسكان غزة.
في الفترة القليلة الماضية، سجلت القوات المسلحة اليمنية 7 عمليات معلنة، 6 منها باتجاه أهداف متنوعة وحساسة في عمق كيان العدو الإسرائيلي، والسابعة تمثلت بإسقاط طائرة درون أميركية من نوع “MQ9” من قبل الدفاعات الجوية اليمنية أثناء تنفيذها مهام عدائية وتجسسية لمصلحة كيان العدو الإسرائيلي لـ”معرفة ما إذا كان الجيش اليمني يخطط لأي عمليات باتجاه إسرائيل”، كما جاء في وسائل إعلامية أميركية.
العملية السابعة تركزت على مدينة أم الرشراش “إيلات” جنوب فلسطين المحتلة. لقد أجبر العدو الإسرائيلي تحت ضغط الفيديوهات التي تسربت عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أن يعترف، ولو بشكل متأخر، مع محاولة التقليل من أهمية العملية ووقعها العسكري والنفسي على الجيش الإسرائيلي والمستوطنين على حد سواء.
ما يؤكد ذلك هو حالة الإرباك التي عكستها الروايات الصهيونية، تارة بفرضيات أن الانفجار ناجم عن خلل فني، وتارة بـ”الاشتباه بحدث أمني” يجري التحقيق فيه، وتارة باحتمال طائرة مسيرة من نوع “صماد 3” من اليمن.
حالة الإرباك امتدت إلى الجانب التقني، ونقصد منظومات الدفاع الجوية المتطورة التي عجزت عن استشعار الصواريخ الآتية من اليمن، بدليل أن صفارات الإنذار لم تدوِ على غير العادة. ومن ناحية أخرى، البوارج البحرية الأميركية ومنظومات الدفاع في السعودية وغيرها لم تستشعر هي الأخرى، ووصلت نيران اليمن إلى “إيلات” بشكل لا غبار عليه.
وصول الصواريخ والمسيرات اليمنية إلى أم الرشراش يعني من الناحية الاستراتيجية عدة أمور نستطيع أن نلخصها في الآتي:
– أبرز رسالة تتمثل في أنّ “إيلات” التي نقل العدو مستوطنيه إليها ليست آمنة، شأنها شأن المستوطنات في جنوب فلسطين المحتلة وشمالها. وعلى المستوى العام، لم يعد هناك مكان آمن في عمق الكيان. وقد بات في حالة انكشاف استراتيجي أمام محور الصواريخ والمسيرات.
– تعرض “إيلات” بما تملكه من أهمية اقتصادية وجيوسياسية بوجود منشآت حيوية واقتصادية فيها لعمليات من هذا النوع سيشكل هزة إضافية لاقتصاد مهزوز أصلاً، كما أن غياب البيئة الآمنة سيشكل عامل طرد لرؤوس المال والاستثمارات.
– هذه العمليات ستدخل المنشآت الإسرائيلية داخل “إيلات” في حالة شلل. وقد بدأ ذلك بتوقف العملية الدراسية بقرار أمني عسكري وسياسي.
– ضرب موسم السياحة في “إيلات”.
– هذا التطور يثير مخاوف الإسرائيليين أكثر، ويؤكد عدم وجود مكان آمن لهم من الجنوب إلى الشمال، من “إيلات” إلى المطلة مروراً بالوسط.
الرسالة الأكثر أهمية التي تضاعف القلق الأمني والعسكري لدى قيادات كيان العدو أن من وصل إلى “إيلات” قادر على الوصول إلى ديمونا، وإلى حيفا، وإلى أي نقطة وأي هدف في عمق الكيان.
وفي اعتقادنا، إن المفاجآت الكبرى لما تأتِ بعد. وقد نكون أمام مفاجآت كبيرة في الفترة المقبلة ما لم يتوقف العدوان على غزة، والموقف الرسمي اليمني واضح ومعلن بأن العمليات مستمرة ما استمرّ العدوان على غزة.
سيناريوهات ما بعد الضربة الاستراتيجية
هناك من يستبعد فرضية الرد الإسرائيلي في هذا التوقيت، بحكم أن العدو لا يزال يفتش بين ركام غزة عن قوة ردعه التي تهشمت وسقطت أكثر من أي وقت مضى يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وبالتالي فإنه يعطي الأولوية للعدوان على غزة.
وسبق أن صرّح أحد المسؤولين الصهاينة بأن “الحوثيين يتحدوننا، ولكن تركيزنا حالياً على غزة”، بمعنى أن العدو يخشى توسيع دائرة الصراع وتعدد الجبهات والساحات، وهذا ما لم يتحقق، فكلما أوغل في الدم والجرائم في غزة، وجدنا أن دائرة النار والرد تتسع.
الفرضية الثانية أن العدو، في حال أقدم على أي حماقة باتجاه اليمن، يكون قد ارتكب أكبر خطأ في تاريخه، لأن اليمنيين ربما ينتظرون تلك اللحظة ويتمنونها لفتح الحساب بشكل أكبر وأوسع، وقد يكون البحر ميداناً أساسياً من ميادين الحساب المفتوح مع “إسرائيل”.
وقد بدأت تجليات هذا السيناريو مع أول محاولة أميركية عبر إرسالها طائرة “MQ9” بهدف الرصد والتجسس، وربما تنفيذ عمل عسكري أو أمني، فكان الرد سريعاً بإسقاط تلك الطائرة (تبلغ قيمتها 32 مليون دولار)، وبما عكس جاهزية يمنية عالية لمواجهة أي سيناريو محتمل.
وفي حال استخدمت أميركا بارجاتها وقطعها العسكرية الموجودة في البحر لتهديد اليمن، فقد تكون تلك البوارج هدفاً أيضاً، بمعنى أنَّ اليمن، كما كل المحور، جاهز لكل الخيارات وكل السيناريوهات، وكلما توسعت المعركة توسعت دائرة التهديد للمصالح والقواعد والحضور الأميركي في المنطقة، وهذا بكل تأكيد سينعكس على حلفائها، بما فيهم “إسرائيل”.
السؤال الذي قد يطرحه البعض: ما مصلحة اليمن الذي خرج من حرب عمرها 9 سنوات ولما تنتهِ بعد بالدخول في هذه المواجهة المفتوحة على كل الاحتمالات، وفي مواجهة مباشرة مع أميركا و”إسرائيل”؟
قد يكون مبرراً لليمن بالحسابات السياسية والمادية أن يعفي نفسه من المسؤولية، بذريعة أنه منشغل بوضعه ومشكلاته في ظل العدوان والحصار القائمين… لكنه لم يفعل ولم يتنصل، بل قفز بدفع شعبي تمثل بمسيرات مليونية لحمل لواء فلسطين، ليس لخطف الأضواء، إنما من منطلق تحمل المسؤولية التاريخية والدينية والأخلاقية والإنسانية، فكان حاضراً مع فلسطين بالمال والسلاح، وحاضراً لأن يكون معها بالدم وفي الميدان لولا الصعوبات الجغرافية وبعد المسافة، فجاءت الطائرات والمسيرات من اليمن إلى فلسطين المحتلة لتطوي كل الصعوبات والمسافات، وتسجل موقفاً مسانداً لغزة المظلومة والمتروكة، ولتؤكد إلى جانب محور المقاومة أن “إيلات” ليست آمنة، وأن فلسطين المحتلة ليست آمنة.
أقرأ ايضا:
#إِنّ_إِسْرائيلَ_تَجْنِي_فِي_جُنُونْ
#الشيعة_و_فلسطين
#النصر_النهائي_سيكون_للشعب_الفلسطيني
#أنّ_إسرائيل_هي_بحق_أوهن_من_بيت_العنكبوت
ترويج الهدنة لشراء الوقت للعملية البرية وتنفيذها رهن بالفشل
الاحتلال الاستيطاني لفلسطين: طوفان الأقصى ليس من فراغ
مسؤول يمني كبير يكشف الأسلحة المستخدمة بقصف ‘إسرائيل’
المنهج الجديد في تربية الطفل