هذه نبذة مما ورد في حق أحد أزواج النبي المصطفى صلى الله عليه وآله عائشة، وقد أخذتها من الصحاح الستة وغيرها من الكتب المعتبرة عندنا، فجمعتها وأودعتها في هذه الأوراق، وأرجو من الله تعالى أن يجعل مثلها كمثل القرآن الكريم فتكون شفاء ورحمة للمؤمنين وللمؤمنات، وخسارا وغيظا ونكالا للظالمين الذين أبوا العقل والذوق السليم وابتعدوا عن الحق الواضح وضوح الشمس في وضح النهار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إليك أيها القارئ الكريم بعض روايات عائشة زوج الرسول وبعض ما روي عنها، بشئ من التفصيل لكي تتعرف على شخصية هذه المرأة التي لعبت أكبر الأدوار في إبعاد عليا عن الخلافة وحاربته بكل ما أوتيت من قوة ودهاء، ولكي تعرف أيضا بأن آية إذهاب الرجس والتطهير بعيدة عنها بعد السماء عن الأرض، وأن أهل السنة أكثرهم ضحايا الدس والتزوير، وهم أتباع بني أمية من حيث لا يشعرون.
قال تعالى في كتابه العزيز: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
إن هذه الآية الكريمة بمفهومها الخاص والعام دال على العصمة،
الصفحة 23
وقد نزلت في خمسة وهم: محمد صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
إلا أن البعض يزعم أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله، ويستدلون على ذلك بسياق ما قبلها وما بعدها من الآيات. وعلى حسب زعمهم فإن الله أذهب الرجس عن نساء النبي وطهرهن تطهيرا، على أن أزواج النبي (رضي الله عنهن) عرفن مقصود الآية الكريمة، ولذلك لم تدعي واحدة منهن أنها من أهل البيت، وعلى رأسهن أم سلمة وعائشة.
وقد روت كل واحدة منهن أن الآية خاصة برسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
وقد أخرج اعترافهن كل من مسلم والترمذي والحاكم والطبري والسيوطي، والذهبي، وابن الأثير، وغيرهم، على أن العقل وحده يحكم بعدم شمول هذه الآية لزوجات النبي صلى الله عليه وآله، فإذا أخذنا مثالا أم المؤمنين عائشة التي تدعي أنها أحب أزواج النبي صلى الله عليه وآله إليه وأقربهن إليه، حتى أن باقي أزواج النبي صلى الله عليه وآله غرن منها وبعثن للنبي صلى الله عليه وآله ينشدنه العدل في ابنة أبي قحافة، لم يتجرأ أحد من أنصارها ومحبيها، لا من السابقين ولا من اللاحقين، أن يقول بأن عائشة كانت تحت الكساء يوم نزول الآية.
فما أعظم محمد صلى الله عليه وآله في أقواله وأفعاله، وما أعظم حكمته عندما حصر أهل بيته معه تحت الكساء، حتى أن أم سلمة أم المؤمنين زوجة النبي صلى الله عليه وآله أرادت الدخول معهم تحت الكساء وطلبت ذلك من زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكنه منعها من ذلك، وقال: (أنت إلى خير).
وتعني العصمة إذهاب الرجس ويشمل كل الذنوب والمعاصي
الصفحة 24
والرذائل صغيرها وكبيرها، وخصوصا إذا أضيف إليها تطهير من رب العزة والجلالة، وإذا كان المسلمون يتطهرون بالماء والتراب طهارة جسدية لا تتعدى ظاهر الجسم، فأهل البيت طهرهم الله طهارة روحية غسلت العقل والقلب والفؤاد، فلم تترك لوساوس الشيطان ولا لارتكاب المعاصي مكانا. فأصبحت قلوبهم صافية نقية خالصة مخلصة لخالقها وبارئها في كل حركاتها وسكناتها.
ولكل ذلك كان هؤلاء المطهرون مثالا للإنسانية جمعاء في الزهد والتقوى والإخلاص والعلم والحلم والشجاعة والمروءة والعفة والنزاهة والعزوف عن الدنيا والقرب منه جل وعلا.
ولم يسجل التاريخ لواحد منهم معصية أو ذنبا طيلة حياته، فإذا كان الأمر كذلك فلنعد إلى المثال الأول لزوجات النبي صلى الله عليه وآله وهي عائشة، وإذا ما تجردنا للحقيقة بدون تعصب ولا انحياز، فهل من المعقول أن يحكم العقل بأنها مطهرة من الذنوب والمعاصي؟ أم أن الله سبحانه رفع عنها حصانته المنيعة بعد موت زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله؟.
فلننظر معا إلى الواقع، ولنتعرف عليها سيرة وتاريخا، منذ ولادتها حتى وفاتها، راجين من الله العزيز القدير أن يفتح بصائر المؤمنين الموحدين الذين آمنوا برسالة حبيبه محمد على الحق الذي لا شك فيه، تاركين التعصب والنزعة المذهبية جانبا حتى نهتدي وإياهم إلى الصراط المستقيم.
وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.