كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين الحسيني الطهراني قدّس سرّه
7 أكتوبر,2024
زاد الاخرة
61 زيارة
الله تعإلی ظاهر في آيات الآفاق والانفس، لكنّ الناس يشكّون في لقائه
وأعجب من هذه التتمة هي الآية التي تليها:
أَلآ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلآ إِنَّهُ و بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ.
فما السبب في كون هذه الآية أعجب وأغرب؟ السبب في ذلك هو أنّ الله سبحانه يقول: إنّ الناس ليشكّون في لقاء الله ربّهم في حين أ نّه موجود في الآفاق والانفس، وإنّ واقع الآفاق والانفس هو الله الذي برز من خلال الآيات والعلامات، وتجلّي فيها بوضوح. فلمّا كان الله سبحانه موجوداً في الآفاق والانفس ومشهوداً في كلّ جزء منها، ولمّا كان الله أوّل شيء ينظر إليه الناس من خلال رؤيتهم لايّ شيء حولهم ولكلّ نفس من نفوسهم، فلِمَ، والحال كذلك، يشكُّ الناس بوجود الله ويرتابون في أمره ولقائه، مع وضوح تلك الآيات وجلاء تلك الصور والعلامات؟!
ثمّ يقول سبحانه «إِنَّهُ و بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ»، وهذا لا يعني الإحاطة العِلميّة الحضوريّة أو الحصوليّة، بل إنّ ما يعنيه هو الإحاطة الوجوديّة وإحاطة المَعيّة التي يتجلّي فيها أوّلاً عبر وجوده مع كلّ آية وأيّة علامه في الآفاق والانفس وإحاطته بها، ثمّ تعيُّن تلك الآية وتشخُّصها ثانياً وبالعَرض والمجاز.
الله أوّلاً ومن ثَمّ باقي الموجودات. هو السابق وما دونه مسبوق مغلوب. هو القائم وما دونه إنّما هو يتقوّم به. هو الظاهر وبه تظهر الاشياء وتتجلّي.
الله نور وما دونه فهو مُنوَّرٌ بنوره. ولو كانت الاشياء قادرة علی إظهار الله، لاستَبدلتْ مكانها بمكانه، ولاصبحت هي الإله، ولاصبح الله هو المخلوق، ولاصبحت الاشياء في سلسلة أعلی مراتب العلل، ولكان الله هو المعلول. لا يمكن للّه أن يتّكل علی غيره، لا في أصل الخِلقة ولا في الظهـور والآيتيّة. لـذا، فتعبيـر هو الحقّ يعني أ نّه هو الموجـود الاصـيل عبر جميع مراتب الوجود، من أصل الوجود ومن الظهور خلال مراتب الوجود.
وحيث علمنا أنّ الله سبحانه هو أصل النور ومبدأ الظهور وأصالة التحقُّق والوجود في الآفاق وفي الانفس، لذا وجب أن نعلم: كيف يتسنّي للإنسان معرفة هكذا ربّ؟! فلو أراد الوصول إليه عن طريق معرفة غيره، لم يصحّ ذلك، لانّ ما دون الله متعلِّق ظهوره بالله سبحانه، إذ الله هو المانح لظهوره فظهر كما يظهر، فكيف يكون بالإمكان إذن الوصول إلی الله، مع علمنا بأنّ الذي نروم معرفة الله عن طريقه إنّما هو ظاهر بظهور الله المُظهِر لذلك الشيء؟!
إمكان معرفة الله تعإلی بالله، لا بسواه
إنّ المصباح المضيء في مسجد مضيء في نفسه وذاته، وأمّا بقيّة الاشياء المضيئة في ذلك المسجد، فهي مضيئة بنور ذلك المصباح، لا بنورها هي بالذات. فنور المصباح ينتشر في ظُلمة المسجد، والاشياء الموجودة في غياهب ذلك المكان تُضيءُ وتُنير بضياء المصباح ونوره. فَلِكَيْ نري ذلك المصباح ونتعرّف عليه، يتوجّب علينا رؤيته هو بذاته وليس نوره الساقط علی الاشياء. لا يمكننا بحال من الاحوال رؤية المصباح نفسه من خلال نوره الساقط علی الارض والمنعكِس عن هذا الشيء أو ذاك. يجب رؤية المصباح بنفسه، لا بالاشياء المظلمة المعتمة والمُنارَة بنوره والمستضيئة بضيائه.
إنّ لهذه المسألة شأناً من الشؤون، إذ يجب معرفة الله عن طريق الله لا غير الله ممّن أساس وجوده وخِلقته وتسويته وحقيقته وظهوره مأخوذ من الله ومبنيّ علی وجوده.
وهنا تبرز مسألة أُخري إلی حيّز الوجود، وهي أ نّه كيف يمكن معرفة الله بواسطة الله نفسه سبحانه؟ وما العمل بشأن كلّ تلك الاخبار الدالّة علی استحالة معرفة الإنسان للّه تعإلی أو الوقوف علی كُنه ذاته المقدّسة؟
لا سبيل إلی معرفة الله إلاّ عن طريق آثار الله الدالّة عليه. ومع ذلك فإنّ تلك المعرفة لا يمكن أن تكون تفصيليّة، بل إجماليّة. الحقُّ أنّ الارض والسماء والخُضرة والماء والموجودات من الذرّة حتّي المجرّة، مروراً بالبرغوث والبقّة حتّي الفيل، أقول كلّ تلك المخلوقات هي مشاهد تدلّ علی وجود الله سبحانه. هي آيات وعلامات تدلّ كلّ واحدة منها علی وجود الله، كلٌّ حسب سعته الوجوديّة. القرآن نفسه يدعونا إلی تتبُّع تلك الآثار والرجوع إليها كأصدق بيّنة علی وجود الله.
ومن هنا تتجلّي مصداقيّة الحِكمة القائلة تَفَكَّرُوا فِي آلاَءِ اللَهِ؛ وَلاَ تَتَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَهِ.[3]
ومن جهة أُخري علمنا أ نّه لا يمكن معرفة الله سبحانه عن طريق الموجودات، إذ كما قلنا لا يمكن معرفة الله إلاّ عن طريق الله نفسه. وقد وردت روايات كثيرة في هذا الباب في أنّ الإنسان باستطاعته معرفة الله بذاته.
كانَ أمير المُؤمنين عليه السلام يخطب يوماً فسأله أحد الحاضرين قائلاً: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ! هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟!
فأجاب عليه السلام: كَيْفَ أَعْبُدُ رَبَّاً لَمْ أَرَهُ؟!
ثمّ أوضح عليه السلام ذلك بقوله:
لاَ تَرَاهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الاَبْصَارِ؛ وَلَكِنْ تَرَاهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ.
ولدينا من الآيات القرآنيّة الشريفة ما يناهز العشرين آية أو أكثر وكلّها تدلّ علی أنّ الناس سينالون شرف لقاء الله في يوم ما، دون ريب.
وبين هذه المجموعة من الاخبار وتلك وقع العلماء في أشدّ حيرة من أمرهم، قائلين: كيف يمكن حلّ مثل هذه المعضلة؟!
فنهج البعض منهجاً يقول بأنّ الاخبار التي دلّت علی عدم إمكانيّة رؤية الله عزّوجلّ وإدراكه ومعرفته كلّها صحيحة؛ فإنّه لا سبيل لبني آدم إلی معرفة الله بأيّ شكل من الاشكال، سواء كانت تلك المعرفة إجماليّة أم تفصيليّة. فأين الخالق من المخلوق؟ أَيْنَ التُّرابُ وَرَبُّ الاَرْبابِ!؟
أبيات الشبستريّ الرفيعة في عدم إمكان معرفة الله بغير الله عزّوجلّ
سأل أمير حسين الهَرَويّ، عارف خراسان الكبير سنة 717 للهجرة العالِمَ المعروف في شَبَستَر آنئذٍ وهو الشيخ محمود الشبستريّ، قائلاً:
كدامين فكر، ما را شرط راه است؟ چرا گه طاعت و گاهي گناه است؟ [4]
فأجابه الشيخ قائلاً:
در آلا فكر كردن شرط راهست ولي در ذات حقّ محض گناه است
بود در ذات حقّ انديشه باطل محال محض دان تحصيل حاصل
چو آيات است روشن گشته از ذات نگردد ذات او روشن ز آيات
همه عالم ز نور اوست پيدا كجا او گردد از عالم هويدا [5]
نگنجد نور ذات اندر مظاهر كه سبحات جلالش هست قاهر
رها كن عقل را با عشق ميباش كه تاب خور ندارد چشم خفّاش
درآن موضع كه نور حقّ دليل است چه جاي گفتگوي جبرئيل است
فرشته گرچه دارد قرب درگاه نگنجد در مقام لِي مَعَ اللَه
چو نور او ملك را پر بسوزد خرد را جمله پا و سر بسوزد
بود نور خرد در ذات انور بسان چشم سر در چشمه خور
چو مُبصَر با بصر نزديك گردد بصر از درك او تاريك گردد
سياهي گر ببيني نور ذات است به تاريكي درون آب حيات است [6]
سيه جز قابض نور بصر نيست نظر بگذار كاين جاي نظر نيست
چه نسبت خاك را با عالم پاك كه ادراك است عجز از درك ادراك
سيه روئي ز ممكن در دو عالم جدا هرگز نشد و اللهُ أعلم
سوادُ الوجه في الدّارَين درويش سواد اعظم آمد بي كم و بيش
چه ميگويم كه هست اين نكته باريك شب روشن ميان روز تاريك [7]
اعتقاد العلماء عائد إلی طائفتين من أخبار رؤية الله تعإلی
فلو قضي الإنسان سنيّ حياته بالجهدِ والاجتهاد والتفكُّر والاسترشاد، لما وصل إلی نتيجة ترضيه أو حِلٍّ يُغنيه، ودليل ذلك الاخبار المرويّة هنا. وأمّا الاخبار القائلة بأنّ الإنسان يري الله وتحصل لديه المعرفة به، فيجب حملها علی المعني المجازيّ. أيّ أنّ مَعني رؤية الإنسان للّه تعإلی هو أن يري نِعَمَهُ ومخلوقاته العينيّة وملائكته ورضوانه ومنازل الجنّة والحُور والقصور في الجنّة، ليس إلاّ.
في حين يعتقد البعض الآخر أنّ بالإمكان رؤية الله عزّوجلّ، ويؤوِّلون الروايات القائلة بعدم القدرة علی رؤية الله سبحانه علی أ نّها تريد بذلك عدم إمكانيّة رؤيته تعإلی بالعين الإنسانيّة الموجودة في رأس الإنسان، ولم تقل بعدم إمكانيّة ذلك بعين القلب؛ وتريد بذلك عدم إمكانيّة رؤيته تعإلی بالباصرة ولم تُصرّح أنّ ذلك غير ممكن بالبصيرة، وعلی هذا فتلك الاخبار مفهومة القصد.
إنّ الإنسان يري الله بحقائق الإيمان، وهذا ممّا تدلّ عليه الآيات القرآنيّة، بل الحقّ أ نّها تُصَرِّح بذلك دون لبس ولا مجال للاعتقاد بكونها مجازيّة. ولِمَ يتكلّم الله بالمجاز؟ هل أُغلِقَتْ طرق الصراحة والحقيقة أمامه حتّي يذكر في أكثر من عشرين مكاناً في القرآن الكريم لقاءه والتأكيد علی ذلك؟ وهل هدفه من كلّ تلك الآيات هو التقاء أنواع مختلفة من التفاح والكُمّثري والعنب والرُّطَب والحوُر العين والغلمان جَنَّـ’تٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنْهَـ’رُّ؟!
إذن، والحال هذه، علينا أن نُؤوِّلَ الاخبار التي تؤكّد علی عدم إمكانيّة رؤية الله عزّوجلّ علی أ نّها نتيجة لدرجات المعرفة غير التامّة، مقارنة بإمكانيّة رؤيته تعإلی، بل إمكانيّة حدوث ذلك وتحقُّقه في الخارج. تلك المعرفة أو المعارف الجزئيّة التي تحدث للناس كالمعرفة الحاصلة بالذات والحقيقة عن طريق شبح أو صورة حسب تصوّرهم، فيريدون بذلك التوصّل إلی كيفيّة وكمّيّة الله عزّوجلّ وشكله وصفاته، حيث يجعلون كلّ ذلك بمثابة آية للّه ذي الآية.
إنّنا نجد أنفسنا مضطرّين لبيان مقدّمة هنا إذا شئنا الفصل بين هاتين المجموعتين، مستعينين بحول الله وقوّته. ومع كون هذه المقدّمة بمثابة قانون علميّ وقاعدة حِكَميّة وفلسفيّة، إلاّ أ نّنا سنسعي جاهدين في بيانها بصورة مبسّطة حتّي يكون بالإمكان فهمها:
حتّي يكون بإمكان أيّ موجود الحصول علی معرفة كافية وعِلم شامل عن موجود آخر، يتوجّب وجود شيء من ذلك الموجود (الثاني) في هذا الموجود (الاوّل). إنّنا نري الكثير من الموجودات في العالَم من حولنا، منها الإنسان، والحيوان علی مختلف صوره وأشكاله وآثاره وخواصّه، فالبقر والغنم والإبل والطير والبطّ، كلّ هذه تختلف عن بعضها البعض.
وهناك الشجر والحجر والماء. وهي كلّها موجودات كثيرة مختلفة، والكثرة تستلزم ذلك الاختلاف والتنوع الموجود فيما بينها.
فالشجرة كيان منفصل عن الحيوان، لا نّها تختلف وتتميّز عنه، وإلاّ لكانَ الاثنان شيئاً واحداً. وزيد غير عمرو، والوالد ليس بالولد. فلو كانا متشابهين تماماً في جميع الجهات لما كانا اثنين بل كانا واحداً. وهذه المقدّمة مفهومة ولا تحتاج إلی نقاش.
والآن، وبعد أن علمنا أنّ في هذا العالَم وهذه الدنيا كلّ تلك الكثرات، كيف يمكن لشيء ما أن يتوصّل إلی معرفة شيء آخر والعلم به؟! فمثلاً، كيف يعلم الخروف بوجود بقرة ها هنا، ويتوصّل الجَمَل إلی العلم بأنّ الحصان حيوان لا عداوة له معه؟ ويفهم الثعلب أنّ الاسد عدوّ لدود له، ويدرك الخروف أيضاً أنّ الذئب عدوّه وقاتله، وهكذا الحال مع جميع أصناف الحيوانات؟
إنّ الإنسان يعرف الكثير من الموجودات، فهو يعرف الشجرة والحيوان والافراد من أنواع جنسه، مع أنّ تلك الاشياء منفصلة عن الإنسان مختلفة عنه في كثير من النواحي، وهو أمر بديهيّ ومعروف، إلاّ أنّ الإنسان يعلم بها ويتعرّف عليها بهذه البساطة. فكيف تسنّي له ذلك؟
لقد توصّل الحكماء الافاضل إلی إنشاء قانون مفاده:
2024-10-07