الرئيسية / زاد الاخرة / كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين‌ الحسيني الطهراني قدّس سرّه

كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين‌ الحسيني الطهراني قدّس سرّه

إمكان‌ معرفة‌ الله‌ التامّة‌ ولقائه‌ الحقيقي‌ّ من‌ قبل‌ المقرّبين‌ إلی‌ ساحته‌
إنّ الذين‌ يقولون‌: «لا يمكن‌ للإنسان‌ الوصول‌ إلی‌ معرفة‌ الله‌ سبحانه‌ ولقائه‌، وهو عاجز عن‌ الوصول‌ إلی‌ ذلك‌ المقام‌ المنيع‌ وتلك‌ الذروة‌ الرفيعة‌ ولا حتّي‌ إيجاد السبيل‌ إلی‌ ذلك‌، فإنّ هذه‌ المقولة‌ ستصحّ ما دام‌ بقي‌ من‌ وجوده‌ وكيانه‌ شي‌ء يذكر، فهذا الوجود هو مخلوق‌، والمخلوق‌ هو ما امتلك‌ حالة‌ التعيّن‌، فلا يمكنه‌، والحال‌ هذه‌، إيجاد سبيل‌ ليصل‌ به‌ إلی‌ الخالق‌ الذي‌ يفتقد التعيّن‌ واللامتناهي‌. ليس‌ بمقدور الإنسان‌ معرفة‌ الله‌ بوساطة‌ الفكر والتفكير ولا حتّي‌ بطريق‌ الإدراك‌، ذلك‌ أنّ الفكر والتفكير محدودان‌ بينما الله‌ سبحانه‌ لا حدّ له‌. فكلّما حاول‌ الإنسان‌ جهده‌ الإحاطة‌ بالله‌ بالتفكّر والقدرة‌ العقليّة‌ كان‌ ذلك‌ له‌ محالاً، ذلك‌ لانّ صورة‌ تفكيره‌، وهو ذهنه‌، هي‌ صورة‌ تخيّليّة‌ من‌ صُنعِه‌ وصنيعته‌ هو، فأين‌ ذلك‌ من‌ الله‌ عزّوجلّ؟

لذا، فإنّ الاخبار الدالّة‌ علی‌ أنّ الإنسان‌ عاجز عن‌ معرفة‌ الله‌ تستند كلّها بالاساس‌ إلی‌ هذا المعني‌. وأمّا الاخبار القائلة‌ بإمكانيّة‌ تشّرف‌ الإنسان‌ بلقاء ربّه‌ وحصوله‌ علی‌ معرفة‌ تامّة‌ به‌، فهي‌ لا تستدلّ بإمكانيّة‌ هذا الوصول‌ وذلك‌ اللقاء عن‌ طريق‌ الفكر والتفكير، بل‌ عن‌ طريق‌ الوجدان‌ والإحساس‌ في‌ القلب‌. أي‌ّ كأ نّهم‌ يقولـون‌: اجتز حاجـز الفكر وتخـطَّ حدود العقل‌، ثمّ اخلع‌ عنك‌ النَّفْسَ وترفّع‌ عن‌ القلب‌ كذلك‌، ثمّ صِلْ إلی‌ مرحلة‌ لا تري‌ فيها وجوداً لذرّة‌ من‌ كيانك‌ ولا تجد فيها ما كان‌ منك‌ فيما سبق‌، وحينئذٍ، تلاشَ!

فلا وجود هناك‌ لفكر أو عقلٍ أو نفس‌ أو روح‌ أو وجود بالمرّة‌. فليس‌ هناك‌ مجال‌ لالتئام‌ الفكرة‌ أو تَجَسُّد الشعور أو الإدراك‌. ليس‌ هناك‌ من‌ موجود يُذكَر. هناك‌، حيث‌ يوجد الله‌ وحسب‌! والله‌ يعرف‌ نفسه‌ ويعلم‌ ما فيها. في‌ تلك‌ اللحظة‌ فقط‌ يستطيع‌ الإنسان‌ أن‌ يعرف‌ الله‌، تلك‌ اللحظة‌ التي‌ لم‌ يعد فيها ذلك‌ الإنسان‌ إنساناً، لم‌ يعد يدرك‌ معني‌ لوجوده‌ مقابل‌ ذات‌ الله‌ عزّوجلّ. فمتي‌ برزتْ ذرّة‌ من‌ الوجود لم‌ يعد لنور الله‌ وجود في‌ مقابل‌ ذلك‌.

فهذا العالَم‌ هو عالم‌ المقرَّبين‌ الذي‌ تجرّد من‌ كلّ شي‌ء، ولا مُقام‌ لاي‌ّ شي‌ء آخر بينهم‌، أي‌ أ نّه‌ لا وجود لهم‌. فهم‌ لا يملكون‌ وجوداً، لكنهم‌ أحياء بحياة‌ الله‌، وفي‌ الوقت‌ نفسه‌ فهم‌ موتي‌ من‌ حياتهم‌. وهم‌ لا يملكون‌ شيئاً يتباهون‌ فيه‌ أمام‌ وجود الله‌. هناك‌ يوجد الله‌، والله‌ فحسب‌. هؤلاء قد اجتازوا مراتب‌ الكثرات‌، وعبروا حدود التعيّنات‌، وخلعوا عن‌ أنفسهم‌ الحُجُب‌ وأزالوا عنها الستار، وهم‌ بالتإلی‌ قد جاوزوا حُجُب‌ الظُّلمات‌ وحُجُب‌ النور.

لقاء النبي‌ّ للّه‌ تعإلی‌ ليلة‌ المعراج‌، وإيحاء الله‌ إليه‌
ولقد اجتاز الرسول‌ الاعظم‌ كلاّ من‌ كثرات‌ عالَم‌ الطبع‌ وعالَم‌ البرزخ‌ وعالَم‌ العقل‌ ـ كلاّ حسب‌ ما يناسبه‌، هذا من‌ جهة‌، ومن‌ جهة‌ أُخري‌ فقد اجتاز منزلة‌ نفس‌ الملك‌ ـ التي‌ تمتلك‌ التعيّن‌ والحدّ كذلك‌ حتّي‌ وصل‌ إلی‌ مقام‌ «قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي‌’» حيث‌ لا يوجد شي‌ء سوي‌ الله‌ وحده‌!

… وَهُوَ بِالاْفُقِ الاْعْلَي‌’ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي‌’ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ (ذراعين‌) أَوْ أَدْنَي‌’ * فَأَوْحَي‌’´ إِلَي‌’ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَي‌’ * مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي‌’´ * أَفَتُمَـ’رُونَهُ و عَلَي‌’ مَا يَرَي‌’ * وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَي‌’ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَي‌’ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي‌’´ * إِذْ يَغْشَي‌ السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي‌’ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي‌’ * لَقَدْ رَأَي‌’ مِنْ ءَايَـ’تِ رَبِّهِ الْكُبْرَي‌’ * أَفَرَءَيْتُمُ اللَـ’تَ وَالْعُزَّي‌’ * وَمَنَو’ةَ الثَّالِثَةَ الاْخْرَي‌’´ (التي‌ هي‌ نماذج‌ مؤنّثة‌ من‌ الملائكة‌ السماويّين‌ وواسطة‌ لنزول‌ فيض‌ الله‌ تعإلی‌ إلی‌ الارض‌) * أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَي‌’ * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَي‌’´ (أن‌ يكون‌ للّه‌ قويً انفعاليّة‌ ويكون‌ لكم‌ قوي‌ فعليّة‌) * إِنْ هِيَ إِلآ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآوُكُم‌ مَّآ أَنزَلَ اللَهُ بِهَا مِن‌ سُلْطَـ’نٍ إِن‌ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَي‌ الاْنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم‌ مِّن‌ رَّبِّهِمُ الْهُدَي‌’ (القرآن‌ والرسالة‌). [11]

لقد كان‌ المراد من‌ «شَديدُ القُوي‌» هو الله‌ صاحب‌ المقام‌ الاقدس‌، كما في‌ قوله‌ تعإلی‌: إِنَّ اللَهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ. [12]

وأمّا القول‌ بأنّ المراد من‌ ذلك‌ هو جبرائيل‌ فمستفاد من‌ الآية‌ المباركة‌: ذِي‌ قُوَّةٍ عِندَ ذِي‌ الْعَرْشِ مَكِينٍ[13]، وعلی‌ هذا الاساس‌ فالمقصود بـ «شَديدُ القُوي‌» هو جبرائيل‌، وأنّ الضمائر المذكورة‌ في‌ الآيات‌: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَي‌’ * وَهُوَ بِالاْفُقِ الاْعْلَي‌’ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي‌’ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي‌’، كلّها تعود إليه‌ أيضاً. وكذا الحال‌ مع‌ ضمير المفعول‌ في‌ الآية‌ الشريفة‌ وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَي‌ حيث‌ يعود إلی‌ المَلاك‌ جبرئيل‌.
وأمّا الضمير في‌ فَأَوْحَي‌’´ إِلَي‌’´ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَي‌’ فيعود بالتأكيد إلی‌ الله‌ عزّوجلّ، والمراد بـ مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي‌’´ فهو رؤية‌ فؤاد رسول‌ الله‌ حقيقة‌ الوحي‌ مشافهة‌ ورؤية‌ ولقاء الله‌ سبحانه‌ كذلك‌.

وأيّاً كان‌ القول‌ فإنّ ممّا لا شكّ فيه‌ أنّ هذه‌ الآيات‌ تدلّ كلّها علی‌ أ نّها أُوحيَت‌ من‌ قبل‌ الباري‌ عزّوجلّ إلی‌ رسوله‌ الكريم‌، وأنّ صيغتها بهذا الشكل‌ إنّما هي‌ دليل‌ علی‌ أ نّها أُوحيت‌ بطريق‌ المشافهة‌ الذي‌ يتطلّب‌ الحضور والالتقاء حتماً.

كلّ ما في‌ الامر، أنّ الالقاب‌ والصفات‌ الخاصّة‌ بجبرئيل‌ المذكورة‌ في‌ الحالة‌ الاُولي‌ قد زُحزِحَتْ ووُضِعَت‌ جانباً في‌ الحالة‌ التالية‌، ليأتي‌ دَوْر تلقين‌ الوحي‌ والتدلّي‌ والدُّنوّ من‌ مَقام‌ العزّة‌ والحقّ تعإلی‌، ورؤية‌ ذلك‌ الجلال‌ الإلهي‌ّ، فإنّ الدنوّ والاقتراب‌ والرؤية‌ في‌ الحالة‌ الجديدة‌ كلّها تعود إلی‌ الله‌ عزّوجلّ حيث‌ عاين‌ رسول‌ الله‌ كلّ ذلك‌ ليلة‌ عُرِج‌ به‌ إلی‌ العلی‌، ورأي‌ الله‌ وزاره‌ بقلبه‌ وبصيرته‌ في‌ تلك‌ الليلة‌ المباركة‌.

ولقد وردت‌ أبحاث‌ مفصّلة‌ في‌ التفاسير المختلفة‌ حول‌ لقاء وزيارة‌ ليلة‌ المعراج‌.
فسماحة‌ أُستاذنا الاكرم‌ ال علامه آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ تربته‌ المنيفة‌ يقول‌: «وما أوردناه‌ من‌ الآيات‌ هي‌ الفصل‌ الاوّل‌ من‌ فصول‌ السورة‌ الثلاثة‌ وهي‌ الآيات‌ اللاتي‌ تصدق‌ الوحي‌ إلی‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وتصفه‌، لكن‌ هناك‌ روايات‌ مستفيضة‌ عن‌ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ ناصّة‌ علی‌ أنّ المراد بالآيات‌ ليس‌ بيان‌ صفة‌ كلّ وحي‌، بل‌ بيان‌ وحي‌ المشافهة‌ الذي‌ أوحاه‌ الله‌ سبحانه‌ إلی‌ نبيّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ليلة‌ المعراج‌.

فالآيات‌ متضمّنة‌ لقصّة‌ المعراج‌ وظاهر الآيات‌ لا يخلو من‌ تأييد لهذه‌ الروايات‌ وهو المستفاد أيضاً من‌ أقوال‌ بعض‌ الصحابة‌ كابن‌ عبّاس‌ وأنس‌ وسعيد الخدري‌ّ وغيرهم‌ علی‌ ما روي‌ عنهم‌ وعلی‌ ذلك‌ جري‌ كلام‌ المفسّرين‌ وإن‌ اشتدّ الخلاف‌ بينهم‌ في‌ تفسير مفرداتها وجملها» [14]

وعلی‌ هامش‌ الآية‌ الشريفة‌ مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي‌’´ يقول‌ ال علامه قدّس‌ الله‌ روحه‌:
«وليس‌ في‌ الآية‌ ما يدلّ علی‌ أنّ متعلّق‌ الرؤية‌ هو الله‌ سبحانه‌ وأ نّه‌ لمرئي‌ له‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، بل‌ المرئي‌ّ هو الاُفق‌ الاعلی‌ والدنوّ والتدلّي‌ وأ نّه‌ أُوحي‌ إليه‌، فهذه‌ هي‌ المذكورة‌ في‌ الآيات‌ السابقة‌ وهي‌ آيات‌ له‌ تعإلی‌، ويؤيّد ذلك‌ ما ذكره‌ تعإلی‌ في‌ النزلة‌ الاُخري‌ من‌ قوله‌:

مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي‌’ * لَقَدْ رَأَي‌’ مِنْ ءَايَـ’تِ رَبِّهِ الْكُبْرَي‌’.

آيات‌ سورة‌ النجم‌ دالّة‌ علی‌ رؤية‌ النبي‌ّ للّه‌ تعإلی‌ في‌ المعراج‌
علی‌ أ نّها لو دلّت‌ علی‌ تعلّق‌ الرؤية‌ به‌ تعإلی‌ لم‌ يكن‌ به‌ بأس‌ فإنّها رؤية‌ القلب‌ ورؤية‌ القلب‌ غير رؤية‌ البصر الحسّيّة‌ التي‌ تتعلّق‌ بالاجسام‌ ويستحيل‌ تعلّقها به‌ تعإلی‌ وقد قدّمنا كلاماً في‌ رؤية‌ القلب‌ في‌ تفسير سورة‌ الاعراف‌، الآية‌ 143». [15] وقال‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌ في‌ تعليقه‌ علی‌ الآية‌ الشريفة‌ وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْ لَةً أُخْرَي‌’:
«وقد قالوا: إنّ ضمير الفاعل‌ المستكن‌ في‌ قوله‌ رَءَاهُ للنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، وضمير المفعول‌ لجبرئيل‌، وعلی‌ هذا فالنزلة‌ نزول‌ جبرئيل‌ ليعرج‌ به‌ إلی‌ السماوات‌، وقوله‌:
عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَي‌’ ظرف‌ للرؤية‌ لا للنزلة‌، والمراد برؤيته‌ رؤيته‌ وهو في‌ صورته‌ الاصليّة‌.

والمعني‌: أ نّه‌ نزل‌ عليه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ نزلة‌ أُخري‌ وعُرِج‌ به‌ إلی‌ السماوات‌ وتراءي‌ له‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ عند سدرة‌ المنتهي‌ وهو في‌ صورته‌ الاصليّة‌.
وقد ظهر ممّا تقدّم‌ صحّة‌ إرجاع‌ ضمير المفعول‌ إليه‌ تعإلی‌ والمراد بالرؤية‌ رؤية‌ القلب‌ والمراد بـ: نَزْ لَةً أُخْرَي‌’ نزلة‌ النبي‌ّ عند سدرة‌ المنتهي‌ في‌ عروجه‌ إلی‌ السماوات‌، فالمفاد أ نّه‌ نزل‌ نزلة‌ أُخري‌ أثناء معراجه‌ عند سدرة‌ المنتهي‌ فرآه‌ بقلبه‌ كما رآه‌ في‌ النزلة‌ الاُولي‌». [16]

وتعليقاً علی‌ الآية‌ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي‌’ قال‌ قدّس‌ الله‌ سرّه‌:
«الزَّيْغُ الميل‌ عن‌ الاستقامة‌، و الطغيان‌ تجاوز الحدّ في‌ العمل‌، و زَيْغُ البَصَرِ إدراكه‌ المبصر علی‌ غير ما هو عليه‌، و طغيانه‌ إدراكه‌ ما لا حقيقة‌ له‌، والمراد بالبصر بصر النبي‌ّ.

والمعني‌: أ نّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ لم‌ يبصر ما أبصره‌ علی‌ غير صفته‌ الحقيقيّة‌ ولا أبصر ما لا حقيقة‌ له‌، بل‌ أبصر غير خاطي‌ في‌ إبصاره‌.
والمراد ب الإبصار رؤيته‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بقلبه‌ لا بجارحة‌ العين‌، فإنّ المراد بهذا الإبصار ما يعنيه‌ بقوله‌: وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَي‌’ المشير إلی‌ مماثلة‌ هذه‌ الرؤية‌ لرؤية‌ النزلة‌ الاُولي‌ التي‌ يشير إليها بقوله‌: مَا كَذَبَ الْفُوَادُ مَا رَأَي‌’´ * أَفَتُمَـ’رُونَهُ و عَلَي‌’ مَا يَرَي‌’. فافهم‌ ولا تغفل‌».

وعلّق‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌ علی‌ الآية‌ الشريفة‌ لَقَدْ رَأَي‌’ مِنْ ءَايَـ’تِ رَبِّهِ الْكُبْرَي‌’ بقوله‌:
مِنْ للتبعيض‌، والمعني‌: أقسم‌ لقد شاهد بعض‌ الآيات‌ الكبري‌ لربّه‌، وبذلك‌ تمّ مشاهدة‌ ربّه‌ بقلبه‌، فإنّ مشاهدته‌ تعإلی‌ بالقلب‌ إنّما هي‌ بمشاهدة‌ آياته‌ بما هي‌ آياته‌، فإنّ الآية‌ بما هي‌ آية‌ لا تحكي‌ إلاّ ذا الآية‌ ولا تحكي‌ عن‌ نفسه‌ شيئاً وإلاّ لم‌ تكن‌ من‌ تلك‌ الجهة‌ آية‌.

وأمّا مشاهدة‌ ذاته‌ المتعالية‌ من‌ غير توسّط‌ آية‌ وتخلّل‌ حجاب‌ فمن‌ المستحيل‌ ذلك‌، قال‌ تعإلی‌:
وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا. (الآية‌ 110، من‌ السورة‌ 20: طه‌). [17]

 

شاهد أيضاً

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام

شعره الرائق: أضاء بك الأفق المشرق * ودان لمنطقك المنطق وكنت ولا آدم كائنا * ...