لم تزح الحكومات المتعاقبة بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق كل تركته الثقيلة التي كبلت الحركة واعاقت التقدم على الرغم من النجاحات السياسية والاقتصادية التي تحققت في غضون السنوات الـ (11) الماضية،
فقد ورثت حكومة العبادي في آخر المطاف الجزء الكبير من تركة الماضي الثقيلة فضلا عن تركة الحكومات السابقة، وهي حكومة لن تغفل حجم وثقل المسؤولية التي القيت عليها بعد أن اعلنت عن نفسها بصفة حكومة الوحدة الوطنية التي تفترض ان تسند وتعاضد من قبل مختلف المكونات السياسية المشاركة في العملية السياسية ومن المجتمع المحلي والاقليمي والدولي.
وحدث ماحدث، واخذت الحكومة في خطواتها الاولى تسير وفق برنامج حكومي اعد سلفا بالتشاور مع الشركاء وكان من بين تلك المحاور محاربة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية الحديثة،
وهو الوجه الآخر للارهاب الذي فتك بالعراقيين في السنوات الماضية ولا يزال يفتك بهم، حيث تداول الاعلام في السنوات الماضية اشكالا وانواعا وطرقا متعددة من الفساد الاداري والمالي الذي شهدته حركة بعض مسؤولي الدولة العراقية،
فهنالك ملفات فساد كثيرة على مسؤولين في الدولة ذهبت الى القضاء من اجل انتظار اصدار قرار عادل ينصف المال العام ويحافظ عليه، مع ظهور عدد من المسؤولين رفيعي المستوى يمارسون القتل والارهاب والسرقة وغسيل الاموال، ويدعمون سرا العديد من المجموعات الارهابية التي تحفظ لهم مشاريعهم الفاسدة.
لذلك نادت قطاعات واسعة من المجتمع بمبدأ التغيير وعدم تجريب المجرب الفاسد، وهو المطلب الشعبي الذي ساندته وأيدته المرجعية الدينية العليا واصرت عليه وذلك للتخفيف من وصول مافيات الفساد مرة اخرى الى المواقع التنفيذية في الدولة، واتاحة حيز من حرية الحركة للحكومة الجديدة للعمل باتجاه تقديم الامن والخدمات للمواطن العراقي وتحقيق حالة استنهاض للبلاد بما يزيح عن كاهل الشعب الكثير من الهموم والاشكالات التي اتعبته في السنوات الماضية.
وقد حدد البرنامج الحكومي اربعة محاور يتم من خلال تطبيقها الحد من تفشي الفساد في مؤسسات الدولة وهذه المحاور هي ” انجاز الستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد – 2114-2117- بالاشتراك مع الاجهزة المعنية،
والتأكيد على مبدأ الوقاية من خلال إعادة النظر بالاجراءات والانظمة المتبعة واستخدام التقنيات المتطورة في العمليات الادارية والمالية واعتماد مبدأ النافذة الواحدة لانجاز المعاملات وانجاز مشروع الحكومة الالكترونية، ودعم استقلالية ومهنية الاجهزة المعنية بمكافحة الفساد واجهزة انفاذ القوانين، وكذلك تفعيل مبدأ المحاسبة والمساءلة على المستويات كافة”.
هذه المحددات التي ذكرت في البرنامج الحكومي فضلا عن وجود الرقيب الوطني الذي هو ضمير المواطن الحي الحارس للمصلحة الوطنية، سوف يؤدي الى غلق الابواب والنوافذ في وجه الفاسدين والمفسدين، لكن هذا الامر لا يمكن له ان يكون واضحا في ليلة وضحاها ولن يختفي الفساد في لحظة او بقرار من رئيس الحكومة وانما سوف يجد له الوانا وثيابا متعددة يلبسها متى ماشاء ذلك لتحقيق مآربه.
ان الخطوات التي يعتزم اتخاذها رئيس الوزراء تكمن في مراقبة عمل وأداء الوزراء كل في وزارته في فترة زمنية حددت بمائة يوم، ليتم من خلالها تقييم عمل تلك الوزارات والاخفاقات والنجاحات التي تحققت في هذه الايام المائة من عمر الوزارة ولا شك ان هذه الرقابة على الاداء الحكومي ستسهم بمتابعة ورصد خطوات وخطط عمل الاجهزة الامنية وقوات الجيش والاسناد الشعبي في تحقيق الامن والامان للمواطنين ودحر العصابات الارهابية التي تريد ان تفشل العملية السياسية في العراق.
هذه الستراتيجية الجديدة في متابعة عمل الاجهزة التنفيذية، جاءت بعد ان اعلن رئيس الوزراء حملته لمكافحة الفساد والتجاوزات في مؤسسات الدولة، والتاكيد على وجود تركة ثقيلة من الترهل والفساد والفوضى الادارية والتي تستلزم اتخاذ خطوات جدية لمعالجتها بغية اعادة البلد الى وضعه الصحيح وبناء مؤسسات الدولة وفق ضوابط علمية وعملية.
هذه الرؤى التي تقدمها الحكومة في مواجهة ومحاربة والقضاء على الفساد.. الآفة الخطيرة التي تفتك بجسد المجتمع العراقي وتدمر نسيجه الاجتماعي وتعيق خطوات تقدمه وازدهاره، تحتاج – اي هذه الرؤى – الى اسناد وطني من افراد المجتمع عامة لكي تنجح تلك الحملة والثورة الادارية لاجتثاث جذور الفساد الساند للارهاب.