36) الأمثال العربية – محمد رضا المظفة
والدور القيم الاخر الذي يؤديه علم الغيب يتمثل في تصحيح معطيات الحواس والعقل البشري، أي اننا محتاجون الى علم الغيب في استخدام قنوات معرفة الحقيقة وتوظيف الحواس والعقل، وذلك لكي نستطيع التقويم بشكل صحيح، ونفكر بصورة سليمة، ونتعرف على الحق، إذ يقول الإمام علي عليه السلام:
( أَيَها النّاسُ، سَلُوني قَبلَ أَنْ تَفقدُونِي فَلأنا بِطُرُقِ السَّماءِ أَعلَمُ مِنّي بِطُرُقِ الأرضِ) .
فحين يكون الإمام العالم بالغيب وبالأسرار الكامنة في الكون، الى جانب الانسان ليأخذ بيده ويطلعه على حقائق نظام الوجود، لن يكون هناك أي انحراف أو اعوجاج فكري.
وها هم شيعة العالم اليوم يستفيدون من المصدر الهائل المتمثل في أحاديث أهل البيت عليهم السلام وهي أساس الفقه والتفقه واستنباط أحكام الله، وقد حرمت سائر المذاهب والطوائف من هذه الثروة العظيمة التي يعد »نهج البلاغة« جزءاً منها.
يقول الإمام علي عليه السلام في مواقف أئمة الحق:
لا يُخالِفُونَ الحَقّ َ وَلا يَختَلِفُونَ فِيهِ، وَهُم دَعائِمُ الإسلامِ، وَوَلائجُ الإعتِصامِ، بِهِمْ عَادَ الحَقّ ُ الى نِصابِهِ، وَانزاحَ الباطِلُ عَن مُقامِهِ
لقد أشار الإمام في هذه العبارات الرائعة الى عدة نقاط مهمة هي:
أ – لما كان أئمتنا معصومين، ولا يعانون من عقبات باطنية، فانهم لا يخالفون الحق، والحق معهم وهم مع الحق أبداً.
ب – لما كانوا ينظرون الى الحقائق كما هي، ويقومون بتجربتها وتقويمها بشكل صحيح بمقياس العقل والفكر، لتمتعهم بفطرة سليمة ومتكاملة وبعلم الغيب أيضاً، لذلك لا يشكّون في الحق أبداً وَلا يَختَلِفُونَ فِيهِ.
ج – وبما ان هؤلاء الأئمة معصومون ويعلمون الغيب، فهم أعمدة الاسلام الراسخة والامثال الحقة والرموز الصادقة لأمة الإسلام.
د كل من اتخذ الأئمة المعصومين مقياساً وأساساً لمعرفة الحق واتبع اقوالهم وأفعالهم فقد بلغ الحق، وهنا يعود الحق الى موقعه الأصلي »بِهًم عَادَ الحَقّ ُ الى نِصابِهِ« ويرحل الباطل وينحسر عن المجتمع المتنوّر بنور الولاية العلوية.
6 الوحي والقران الكريم:
من المصادر الأخرى لمعرفة الحق والباطل، القران الكريم الذي يعرض المقاييس الصحيحة لمعرفة الحقائق، وهو مقياس تقاس به معلومات البشر وما يتوصلون اليه، فلو أخطأنا في التفكير وسرنا في الطرق المنحرفة، فالقران الكريم هو الذي يدلنا على الطريق القويم، ويهدينا، ويعلمنا سبل بلوغ الحق، ويعرض علينا الحقائق بصراحة ووضوح، وهو الأصل لمعرفة الحقائق. يقول الإمام عليه السلام بهذا الشأن:
وَعَلَى كِتابِ اللّهِ تُعرضُ الأَمثالُ .
فالقران الكريم يرد بالايجاب المطلوب على كل حاجات الإنسان.
يقول تعالى: وَلا رطبٍ وَلا يابسٍ إلا في كتابٍ مُبين .
نحن نعلم أن المرء ليس قادراً على استنباط كل شي ء من القران الكريم دون الاستعانة بعالم به، وبأحاديث رسول الإسلام الأكرم، وبتفسير الأئمة المعصومين عليهم السلام يقول الإمام عليه السلام:
إنّ الله سُبحانَهُ أَنْزَلَ كِتاباً هادِياً بَيَّنَ فِيهِ الخَيرَ والشَّرَّ فُخُذوا نَهجَ الخيرِ تَهتَدُوا .
ومن الواضح أن عامة الناس عاجزون عن الاستفادة من أي كتاب علمي تخصصي دون الاستعانة بخبير من أهل ذلك العلم، لذا فقد قَرنَ رسول الإسلام الأكرم في حديث الثقلين الشهير القران الكريم بالأئمة المعصومين في قوله صلى الله عليه و آله و سلم:
إني تاركٌ فيكُمُ الثَّقَلَينِ، كِتابَ اللّهِ وَعِترَتي.
وخلاصة القول: لو أن طلاب الحق والحقيقة، نظروا نظرة صحيحة الى حقائق نظام الخلق الحق ثم قاموا بتقويمها تقويماً صحيحاً في ظل الوحي وعلوم أهل البيت عليهم السلام، بالاستعانة بما منحهم الله من قوة الفكر والعقل، واستفادوا أفضل الاستفادة من سبل المعرفة وقنواتها الأخرى، وأزالوا عن طريقهم العقبات الباطنية والخارجية، لتمكنوا من معرفة الحق والحقيقة، ولم يختلفوا فيهما، ولتجنبوا الوقوع في أي خطأ أو زلل ولم تخل نتائج بحوثهم من ثمرة، ولم يضيعوا سنين طوالاً يؤيدون الفرضيات الباطلة، بل لحثوا الخطى على الطريق القويم.
دراسة موانع معرفة الحق والباطل:
لماذا لا يقبل الجميع بالحق؟ قلنا أن الحق والحقائق الثابتة أمور موجودة ويمكن تعرفها، فهل تكفي هذه المعرفة وحدها؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فلماذا لا يقبل الكثيرون بالحق الذي اثبتته الدلائل؟ بل يختلفون فيه ويتنازعون حوله؟
لماذا لا يرضخون للحقيقة؟ بل يدبرون عن الحق، ولا يعملون به مع معرفتهم به؟ ولماذا يبدو الحق مراً وثقيلاً عند كثير من الناس؟
أهناك نقص أو عيب في الحق حتى يقل انصاره أم ينبغي أن نتملس اسباب ادبارهم عنه في عجز الانسان الفكري وتبعيته النفسية؟
ولسوف نلاحظ في هذا البحث أن الحق حق وهو منزه من كل الزوائد والشوائب، وان علينا ان نبحث عن النقص والضعف في الانسان نفسه وفي عجزه.
ان القانون التكاملي ومبادى ء الصحة المسلّم بها لا نقص فيها، لكن الكثير يتمردون على هذا القانون ولا يراعون التعليمات الصحية.
يجب ألاّ نعزو مخالفات الانسان وتهربه من الحقيقة الى ضعف الحق وعجزه.
وإن ما نشاهده اليوم على صعيد المجتمعات البشرية من الإعلام المكثف والواسع جعل الجميع يدركون خطر الادمان على المخدرات، واضرار الكحول، واخطار الفساد الخلقي، فلماذا لا يتخلون عنها؟ فهل يصح القول بأن المفاسد الأخلاقية حق لأن الناس يقبلون عليها.
وهل يصح القول بأن التعليمات الصحية الكاملة والصحيحة باطلة لأن الناس يدبرون عنها؟
من البديهي أن أحقية الحق والباطل لا علاقة لها بميول الناس وسلوكهم.
اذ قال الإمام علي عليه السلام:
أَيها الناسُ! لاَ تَستوحِشُوا في طَرِيقِ الهُدى لقِلَّةِ أَهلِهِ.
8- وقال عليه السلام :
(من لان عوده كثُفت اغصانه)
تكاد هذه الكلمة أن تكون إيماء إلى قوله تعالى وَ اَلْبَلَدُ اَلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ومعنى هذه الكلمة أن من حسن خلقه ولانت كلمته كثر محبوه وأعوانه وأتباعه . ونحوه قوله من لانت كلمته وجبت محبته . وقال تعالى وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ اَلْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وأصل هذه الكلمة مطابق للقواعد الحكمية أعني الشجرة ذات الأغصان حقيقة وذلك لأن النبات كالحيوان في القوى النفسانية أعني الغاذية والمنمية وما يخدم الغاذية من القوى الأربع وهي الجاذبة والماسكة والدافعة والهاضمة فإذا كان اليبس غالبا على شجرة كانت أغصانها أخف وكان عودها أدق وإذا كانت الرطوبة غالبة كانت أغصانها أكثر وعودها أغلظ وذلك لاقتضاء اليبس الذبول واقتضاء الرطوبة الغلظ والعبالة والضخامة أ لا ترى أن الإنسان الذي غلب اليبس على مزاجه لا يزال مهلوسا نحيفا والذي غلبت الرطوبة عليه لا يزال ضخما عبلا.
شاهد أيضاً
مع اية الله العظمى الامام الخامنئي والاحكام الشرعية من وجهة نظره
رؤية الهلال س833: كما تعلمون فإن وضع الهلال في آخر الشهر (أو أوّله) لا يخلو ...