الوقت – مر ما يقرب من أسبوعين على استشهاد الرئيس الإيراني والوفد المرافق له في حادث تحطم المروحية، ولا تزال رسائل التعزية من كبار المسؤولين في دول المنطقة إلى حكومة وشعب إيران مستمرةً.
ورغم أن مسؤولين في الحكومة السورية كانوا حاضرين في تشييع الشهداء في طهران، إلا أن رئيس هذا البلد، بشار الأسد، فضّل القدوم شخصياً إلى إيران والإعراب عن تعازيه الصادقة، حيث سافر الرئيس بشار الأسد إلى طهران يوم الخميس الماضي والتقى وتحدث مع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية.
وفي هذا الصدد، اعتبر المرشد الأعلى للثورة في إيران سماحة السيد آیة الله الخامنئي في لقائه مع الأسد والوفد المرافق له، أن المقاومة هي الهوية المميزة لسوريا، وقال: إن مكانة سوريا الخاصة في المنطقة مميزة أيضاً بسبب هذه الهوية، ويجب الحفاظ على الهوية وهذه السمة المهمة.
وقيّم سماحة السيد خامنئي تعزيز العلاقات بين إيران وسوريا بالمهم من حيث كون البلدين أساسين في محور المقاومة، وقال: إن الهوية السورية المميزة وهي المقاومة تشكلت في عهد الرئيس السابق المرحوم حافظ الأسد ومع تأسيس “جبهة المقاومة والصمود”، وهذه الهوية ساعدت دائماً على الوحدة الوطنية السورية.
وشدد على ضرورة الحفاظ على هذه الهوية، مشيراً إلى أن “الغربيين وأدواتهم في المنطقة كانوا يعتزمون إسقاط النظام السياسي لهذا البلد، وإخراج سوريا من معادلات المنطقة بالحرب التي شنوها عليها، لكنهم لم ينجحوا، والآن أيضاً يعتزمون إخراج سوريا من المعادلات الإقليمية بأساليب أخرى، بما في ذلك الوعود التي لن يحققوها أبداً”.
وأشاد قائد الثورة في إيران بموقف بشار الأسد الثابت، وأكد أن على الجميع أن يرى الامتياز الخاص للحكومة السورية، أي المقاومة، وأشار السيد خامنئي إلى الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها أمريكا وأوروبا على إيران وسوريا، وقال: يجب أن نتغلب على هذه الظروف من خلال زيادة التعاون وانتظامه.
وأشار إلى استعداد الشهيد رئيسي لزيادة التعاون بين إيران وسوريا في مختلف المجالات، وأكد أن السيد مخبر، الذي يتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية، يواصل النهج نفسه، ونأمل أن تسير الأمور كلها على أفضل وجه.
كما انتقد سماحة السيد خامنئي مواقف وتقاعس بعض دول المنطقة فيما يتعلق بقضية غزة، وأشار إلى اجتماع القادة العرب الأخير في المنامة، وأضاف: في هذا الاجتماع حصل الكثير من التقاعس تجاه فلسطين وغزة، ولكن بعض البلدان أيضاً تصرفت بشكل جيد.
وأكد سماحة السيد خامنئي أن نظرة الجمهورية الإسلامية للمستقبل إيجابية ومشرقة، وقال: نأمل أن نتمكن جميعاً من أداء واجبنا، والوصول إلى هذا المستقبل المشرق.
وفي هذا اللقاء، أعرب الرئيس السوري عن تعازيه لقائد الثورة وحكومة وشعب إيران، وقال للسيد خامنئي: إن العلاقات بين إيران وسوريا هي علاقة استراتيجية تتقدم بتوجيهات سماحتكم، وکان على رأس تنفيذ هذه التوجيهات السيد رئيسي والسيد أميرعبد اللهيان.
وأشار الرئيس السوري إلى شخصية الشهيد رئيسي المتواضعة والحكيمة والأخلاقية، ووصفه بأنه مثال واضح لمواقف وشعارات الثورة الإسلامية في إيران، وأضاف: لقد كان للسيد رئيسي تأثير مهم على دور الجمهورية الإسلامية في المنطقة والقضية الفلسطينية في السنوات الثلاث الماضية، فضلاً عن تعميق العلاقات بين إيران وسوريا.
كما أشار الأسد إلى قضية المقاومة في المنطقة، وقال: بعد أكثر من 50 عاماً تقدم خط المقاومة في المنطقة، وأصبح الآن نهجاً دينياً وسياسياً.
وشدد الرئيس السوري على أن موقفنا كان دائماً أن أي تراجع أمام الغرب يؤدي إلى تقدمهم، وأكد: “لقد أعلنت قبل سنوات قليلة أن تكلفة المقاومة أقل من تكلفة التسوية، وهذه القضية الآن واضحة تماماً للشعب السوري، والأحداث الأخيرة في غزة وانتصارات المقاومة أثبتت أيضاً هذه القضية لشعوب المنطقة، وأظهرت أن المقاومة مبدأ.
ووجّه بشار الأسد الشكر والتقدير لقائد الثورة في إيران على دوره البارز والمهم في دعم المقاومة في المنطقة، ودعم سورية في كل المجالات.
وبعد تصريحات بشار الأسد، قال قائد الثورة في إيران: كلامكم كان فيه نقاط مهمة، ولكن نقطة واحدة كانت الأهم بالنسبة لي، وهي القضية التي شددت عليها وقلت: “كلما تراجعنا أكثر، يتقدم الطرف الآخر”، ليس هناك شك في هذه القضية، وقد كان هذا شعارنا ومعتقدنا منذ أكثر من 40 عامًا.
ترسيخ أسس العلاقات بين طهران ودمشق
رغم أن إيران وسوريا تربطهما علاقات قوية ومتينة منذ فترة طويلة، وأصبحت هذه العلاقات متشابكةً للغاية في العقد الأخير، إلا أن زيارة بشار الأسد إلى طهران تكتسب أهميةً كبيرةً في وقت أصبحت فيه المنطقة غير مستقرة بسبب سياسات الاحتلال الصهيوني وأنصاره الغربيين.
وتأتي هذه الزيارة في سياق الضغوط الإقليمية على سوريا، للتقليل من تعاون هذا البلد مع أطراف محور المقاومة في تطورات ما بعد طوفان الأقصى، لكن المواقف المعلنة والعملية للرئيس السوري أثبتت أن دمشق لا تزال تحتفظ بعلاقاتها الواسعة مع إيران والمقاومة، ولا يمكن لأحقاد الأجانب أن تخلق اضطراباً في هذه العلاقات المستقرة.
وكما أكد بشار الأسد فإن التسوية مع الدول المعادية للمقاومة لها تكاليف كبيرة، وهذا يدل على أن الحكومة السورية، خلافاً لادعاءات بعض المحللين والإعلاميين، لم تظهر أي ضعف أمام أعداء الشعب السوري، ولم تدفع الضغوط السياسية دمشق إلى إدارة ظهرها للجمهورية الإسلامية.
وحتى في الاجتماع الأخير للجامعة العربية، الذي تضمن بيانه الختامي بنوداً مناهضةً لإيران (حول ملكية الجزر الثلاث)، واعتقد البعض أن بشار الأسد وقّع عليها، لكن تبين لاحقاً أن الرئيس السوري كان قد أبدى تحفظاته حول هذا الأمر.
ومع أن مثل هذه التصريحات، من وجهة نظر الجمهورية الإسلامية، لا يمكن أن تهز العلاقات عميقة الجذور بين طهران ودمشق، ولکن كان هذا من صنع وسائل الإعلام الأجنبية، لتظهر أن بشار الأسد ليس حليفاً لإيران كما كان من قبل، ويسير على طريق الانحراف عن محور المقاومة، لكن زيارة الأسد لطهران أثبتت کذب هذه الإشاعات.
فلم تنس سورية حكومةً وشعباً أبداً خدمات الجمهورية الإسلامية خلال الأزمة الداخلية التي عاشها هذا البلد، ودائماً ما يذكرون إيران كدولة شقيقة وحليفة ساعدت كثيراً في صدّ فتنة الإرهابيين، والترحيب الواسع والحميم الذي أبداه الشعب السوري للشهيد رئيسي العام الماضي، أثبت أن الشعب السوري ممتن لإيران، وأن العلاقات بين البلدين على أعلى مستوى.
في الأشهر الأخيرة، وفي خضم حرب غزة، حاولت بعض وسائل الإعلام وصف المواقف السلبية للحكومة السورية تجاه جرائم الکيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، بأنها نوع من الانحراف عن محور المقاومة، لكن تصريحات بشار الأسد الصريحة في طهران، أثبتت أن دمشق جزء لا يتجزأ من محور المقاومة.
وعلى عكس فكرة أمريكا و”إسرائيل” اللتين ظنتا أنه ببدء الحرب في غزة سيضعف موقف المقاومة في المنطقة، لكننا الآن نرى أنه مع استمرار إبادة الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلی، تزايدت شعبية محور المقاومة لدى الرأي العام العالمي، وجهود مواجهته لن يكون لها نتائج أبداً.
إن حرب غزة وحدت فصائل المقاومة في المنطقة من اليمن إلى العراق ولبنان أكثر من ذي قبل، و”وحدة الساحات” ووجهت ضربةً قويةً للجبهة العبرية الغربية، وبالتالي فإن الحكومة السورية لن تترك هذا الحلف أبداً، لأن التجربة أثبتت أن الغربيين والعرب لن يساعدوا سوريا حكومةً وشعباً، ووعودهم الفارغة لن تعالج مشاكل السوريين.
ومن ناحية أخرى، أظهرت إيران أنها تقف إلى جانب سوريا دون أي توقعات سياسية واقتصادية، ولا تتبع أي نهج فرضي وغير تشاركي في العلاقات مع حلفائها، ولهذا السبب، فإن العلاقات بين البلدين ستمضي قدماً بقوة في إطار التحالف الاستراتيجي.