الرئيسية / الاسلام والحياة / أبناء الرسول صلى الله عليه وأله في كربلاء

أبناء الرسول صلى الله عليه وأله في كربلاء

ثم بحياة الشهيد الممجد والعظيم (أبي عبد الله الحسين بن علي) ومعه عشرات من إخوانه، وأهل بيته وصحبه، في يوم يجعل الولدان شيبا..!!
* * * وهكذا، لم تكن (كربلاء) ملحمة ذات فصل واحدة، بدأ وانتهى يوم العاشر من المحرم..
بل كانت ذات فصول كثيرة، بدأت قبل كربلاء بسنوات طوال…
واستمرت بعد كربلاء دهرا طويلا..!!!
أجل.. لقد بدأت ملحمة كربلاء ومأساتها، يوم تمت خدعة التحكيم، وحين وقع التمرد الرهيب والفتنة في صفوف أتباع الإمام، ثم حين خلا الجو لراية الأمويين داخل الشام، وخارج الشام..!!
ولكأنما كان (الإمام علي) يرى ببصيرته الثاقبة كل ذلك المصير..!!
فذات يوم أثناء مسيره مع جيشه إلى (صفين) بلغ به السير هذه الرقعة من الأرض، فتمهل في سيره ثم وقف يتملى مشهد الفضاء الرهيب، وسالت عبراته من مآقيه، واقترب منه أصحابه صامتين واجمين، لا يدرون ماذا أسال من مقلتي الأسد الدموع..!!
ثم سألهم ويمناه ممتدة صوب تلك الأرض التي تعلقت بها عيناه:
– ما اسم هذا المكان؟
قالوا: كربلاء.
قال: ” هنا محط رحالهم ومهراق دمائهم “..!!
واستأنف سيره مع المقادير..
ترى من كان يعني.. ومن كان ينعى..؟؟ أكان يعني قرة عينه (الحسين) ومن معه مه إخوة له وأبناء..؟؟
(٣٠)
أكان يعني أولئك الأبطال الذين ستشهد هذه الأرض ذاتها استشهادهم الرهيب والمهيب بعد عشرين عاما لا غير من هذه النبوءة الصادقة..؟
ربما..
وربما لم يكن إلهامه ولم تكن بصيرته يومئذ معلقين بواحد بذاته من أهل بيته المباركين.
فهو على أية حال يدرك أن المعركة التي بدأها من أجل الحق لن تنتهي..
ويدرك أنه لن يصبر أحد من بعده لأوائها وضراوتها مثلما سيصبر أبناؤه الذين ورثوا البطولة كابرا عن كابر..!
وحين يحتدم في البصائر النقية ولاؤها لحق مقدس. أو لمبدأ جليل، فإن هذا الاحتدام يتلقى في لحظة إشراق روحي مددا من الرؤية غير منظور، يكشف الغيب ويجذب إلى دائرة الاستشراف أحداث الزمن البعيد..!!
ولعل شيئا كهذا، حدث ذلك اليوم، فرأى الإمام التقي النقي بلاء أبنائه وحفدته، رأى بلاءهم العظيم في سبيل القضية التي حمل لواءها، ورأى (محط رحالهم، ومهراق دمائهم “..!
القضية إذن، كانت كما قلنا، قضية (النبوة) لا (الملك).
النبوة بكل تألقاتها الورعة وموازينها العادلة.. لا الملك الذي يريد نفر من الأمويين أن يردوا به وثنية الجاهلية في أثواب تنكرية..!!
والذين يدرسون معارك (الجمل، وصفين، وكربلاء) خارج هذه الدائرة، لا يأمنون عثار تفكيرهم، وزيغ أحكامهم.
(٣١)
ولقد رأينا كثيرين ممن تحدثوا عن (كربلاء) يحملون (الحسين) مسؤولية مصيره، ومصير الذين خرجوا معه…!!
و (الحسين) رضي الله عنه، يتحمل في شجاعة وغبطة مسؤولية ذلك المصير، ولكن ليس بالمعنى الذي يقصده هؤلاء..
فهم يرون أنه خرج تلبية لدعوة ثوار الكوفة إياه، باعتبار هذه الدعوة فرصة رآها سانحة لاسترداد الخلافة من بيت معاوية إلى بيت الإمام..
وهم يلومونه، أو يكادون، لأنه لم يصغ لنصح الناصحين من عشيرته الأقربين، كي يبقى مكانه في البلد الحرام (مكة) نافضا يديه من مشاكل الموقف الكالح الذي نتج عن استخلاف يزيد..
فهل كان ذلك كذلك.؟؟
أبدا..
وإن الأمر لمختلف جدا..
فالقضية في ضمير (الحسين) لم تكن قضية فرصة سنحت.. ولا هي قضية حق شخصي في الخلافة يبتغي استرداده.. ولا هي من القضايا التي يكون للإنسان الرشيد حق التخلي عنها..!
القضية في ضمير التقي الشجاع، كانت قضية دين.. ويستوي عنده تخليه عن هذه القضية، وتخليه عن هذا الدين..!
صحيح أن (الشكل الخارجي) للقضية تمثل يومها في استخلاف يزيد.. لكن (جوهرها) الصحيح كان واضحا أمام وعي (الحسين) ورشده ونور بصيرته – تماما كما كان واضحا من قبل أمام وعي أبيه الإمام، وأمام رشده وبصيرته..!!
واستخلاف يزيد على هوانه، لا ينفي عن القضية موضوعيتها العميقة، ولا يقلل من تبعة النهوض بها، بل هو يزيد من إلحاح هذه التبعات.
(٣٢)

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...