سبق، وهو أن أيدينا، أقدامنا، عيوننا، آذاننا، ألسنتنا، جلودنا، لحمنا، عظامنا، كلها سوف تشهد علينا يوم القيامة.
وكذلك ينبغي أن نعلم أن هذه الدنيا دنيا المادة، وباطن هذه الدنيا هي الآخرة، هذه الدنيا عرض والآخرة باطنها الحقيقي. ووجهة نظر القرآن ان عالم الآخرة هو عالم الحياة، يقول القرآن الكريم:
(وان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) (8).
فليتنا نعرف أن عالم الآخرة هو عالم الحياة، حيث تنطق فيه جميع الأشياء، الأفعى والعقرب تتكلم في جهنم، فتوبخ وتعاقب ولهيب جهنم يتكلم، يلوم ويعاقب، الفاكهة والقصر والسرير والماء ونعم الجنة تتكلم مع الإنسان، تسليه وتسره.
لذا في يوم القيامة إضافة إلى شعور روحه فإن جميع أعضائه وجوارحه تشعر وتسمع وتتكلم.
والآيات كثيرة في هذا المورد منها:
(حتى إذا ما جاؤوها شهد عليه سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) (9).
أعوذ بالله من ذلك اليوم الفاضح! يقول: يأتون في صفوف الحشر، تشهد عليهم أعينهم بنظرات السوء أو مشاهدة الفلم الفلاني من الفديو في الساعة الفلانية في اليوم الفلاني.
آذانهم تشهد عليهم فتقول: اغتبتم، كذبتم، أسأتم، نلتم من الغير بألسنتكم، وثرثرتم.
جلودهم تشهد، عليهم فتقول: ألم تلمس يدك وجسمك امرأة من غير المحارم؟
وبالنتيجة الجلد والأذن والعظم تشهد على الإنسان فيذعر السيد من ذلك وتذعر السيدة منه كذلك، فيلتمسون ويقولون (لم شهدتم علينا).
القرآن الكريم يستعرض عتابهم لآذانهم وأعينهم وألسنتهم بخطابهم لجلودهم (قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا) لماذا تشهدون ضدنا. فيكررون جواب الأرض (قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ) أنا عندي شعور في الدنيا ولكن لم يسمح لي بالكلام، لم يسمح لي بالشهادة، أما الآن فإن الله أمرني بالنطق وادلاء الشهادة.
تخبرنا هذه الآية الشريفة، بأن أعضاءنا
(١١)
وجوارحنا تعترف وتشهد علينا.
ذلك الذي وقف يتعبد، فإن تلك الساق تشهد لصالحه يوم القيامة، إلهي لقد تعبت في الدنيا من استناده علي في عبادته ومناجاته في جوف الليل حيث كان يدعو ويصلي نافلة الليل.
وتلك اليد التي ساعدت الفقراء والضعفاء تقول يوم القيامة إلهي إنه بواسطتي ساعد الفقراء والضعفاء، وكذلك اللسان الذي يلهج بالذكر والاذن التي تستمع إلى القرآن والأذن التي تستمع إلى خطب المنبر تقر بذلك للإنسان يوم القيامة.
أما العين التي استمتعت بأفلام الفديو والأذن التي استمتعت العزف والغناء والموسيقى واللسان الذي انشغل بالغيبة ستشهد كلها على الإنسان يوم القيامة.
القدم التي تحركت نحو الذنب، اليد التي سرقت والعياذ بالله أو التي طففت في البيع، أو لطمت وجه أحد ما هذه اليد تشهد ضد الإنسان يوم القيامة.
وكما يشير القرآن فإن هذا الإنسان اللجوج والنابي أحيانا عندما تشهد عليه الأرض والزمان والملائكة ونبي الله والأئمة الطاهرون (ع) ينكر ذلك فإذا أنكر توقف لسانه عن الكلام.
(اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) (10).
يعني أن هذا الإنسان الجاحد إذا أصر على اللجاجة يقفل لسانه ولكن أعضائه وجوارحه تشهد عليه.
يقول القرآن الكريم في موضع آخر:
(ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (11).
يعني أيها الإنسان احترس عن نشر الشائعة ولا تظنن بالآخرين سوءا وانتبه لأقوالك وتحرك عن علم واتبع العلم وليس شيئا آخر، ثم القرآن بعد ذلك يلفت الانتباه إلى:
(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا).
ظاهرك وباطنك يشهد عليك يوم القيامة، من هذه الآية الشريفة نفهم أنه بالإضافة إلى شهادة اللحم والجلد والعظم وأعضاء الإنسان على الإنسان، فقلب الإنسان وروح الإنسان وماهية الإنسان تشهد عليه يوم القيامة.
هذا الموضوع له جهة بحث عرفانية دقيقة أيضا، لكنها ليست مورد بحثنا الحاضر.
(١٢)