الرئيسية / بحوث اسلامية / الروض الفسيح في بيان الفوارق بين المهديّ و المسيح

الروض الفسيح في بيان الفوارق بين المهديّ و المسيح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي نصب لكلّ عصرٍ إمامَ هدىً، فلـم يدع أمر الخلق إليهم سُدىً، ووعد الصالحين من عباده أن يورثهم الثرى، بعدما مُلئت أطباقها ظلماً وجوراً، وصلّى الله وسلّم على سيّد المرسلين، وقائد الغرّ المحجّلين، محمّـد وعلى آله أُولي التقى والطاعة، لا سيّما المنتظر الموعود به قبل قيام الساعة.

وبعد:
فإنّ كثيراً ممّن يدّعي اتّباع السُنّة وملازمة الجماعة، قد دلع لسانه بإرجاف المؤمنين ورميهم بكلّ شناعة، منكراً عليهم اعتقادهم خروج المهديّ المنتظر الموعود به في آخر الزمان، عند انفراط الاَمر، وكثرة الهرج والمرج، وامتلاء الدنيا ظلماً وجوراً، وضربَ بالاَحاديث الصحيحة، والسنن الصريحة عرض الجدار، فويل لهم ممّا عملوا، وويل لهم ممّا يصنعون.

[2]

وقد ازداد هذا الاَمر شدّةً عند جماعة من المنتمين إلى العلم ـ وهم خلوٌّ منه ـ حتّى تولّى كِبْرَ ذلك مشايخ سوءٍ(1) فضحهم الله على رؤوس الاَشهاد، وأخزاهم في الدنيا قبل المعاد.

وربّما تشبّث المنكِرون لاَمر المهديّ عليه الصلاة والسلام بما رواه ابن ماجة والحاكم عن أنس: «لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم».
وهذا من فرط جهلهم وضلالهم، إذ قد بلغ الفرق بينهما في الاشتهار مبلغ الشمس في رائعة النهار.

ولمّا كانت هذه الفتنة يستفحل أمرها زماناً، وتخمد نار ضلالتها أحياناً، رأيت أن أجمع في ذلك رسالة تكون وازعةً للجاهلين، ورادعةً للضالّين عن إنكار ما علم ثبوته بالتواتر، والخوض في ما لا يبلغه فكرهم القاصر، عسى الله أن يقطع بذلك دابرهم، ويكشف عن أهل الحقّ شرّهم، إنّه على ما يشاء قدير، وبالاِجابة جدير.
ورتّبتها على ثلاثة أبواب وخاتمة.

* * *

____________

ه(1) كابن خلدون وأضرابه من المتقدّمين، ومحمّـد رشيد رضا، ومحمّـد فريد وجدي، ومحمّـد عبـد الله السمّان، وعبـد الله بن زيد المحمود رئيس المحاكم الشرعية بقَطَر، فإنّه كتب ـ بعد وقوع حادثة الحرم المكّي الشريف غرّة محرّم الحرام سنة 1400 هـ على يد جهيمان بن سيف العتيبي وأنصاره ـ رسالةً في إنكار المهدي سمّاها «لا مهديّ يُنْتَظر بعد الرسول خير البشر» وقد استوفى الكلام في الردّ عليه الشيخ عبـد المحسن بن حمد العبّاد.
وأمثال هؤلاء الّذين يدّعون العلم بالسُنّة، كثيرون في كلّ صقع ومكان، فيقتحمون في ما ليس من شأنهم، فيخبطون خبط عمياء، في ليلة ظلماء، فيفضحون أنفسهـم، ويضلّون أقوامـاً آخرين، ولو سكتوا لكان خيراً لهـم وأقوم، والله الهادي إلى سواء السبيل.

[3]

الباب الاَوّل

في الكلام عن حديث: «لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم»

وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الاَوّل

في ذكر مخرِّجيه والتعريف بحال رواته
فنقول وبالله تعالى التوفيق:
أخرج ابن ماجة في سننه، قال: حدّثنا يونس بن عبـد الاَعلى، حدّثنا محمّـد بن إدريس الشافعيّ، حدّثني محمّـد بن خالد الجَنَدي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يزداد الاَمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس، ولا المهديّ إلاّ عيسى بن مريم(1).
وفي رواية الحاكم: «ولا الدين» بدل «ولا الدنيا» ولا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم(2)..
قال الحاكم في المستدرك: فذكرتُ ما انتهى إليَّ من علّة هذا الحديث تعجّباً لا محتجّاً به في المستدرك على الشيخين(3).

____________

ه(1) سنن ابن ماجة 2|1340 ـ 1341 ح 4039.
ه(2) المستدرك على الصحيحين 4|441 ح 8363.
ه(3) المستدرك على الصحيحين 4|442 ضمن ح 8363.

[4]

وقد أخرجه ابن مندة في فوائده، والقضاعي في مسند الشهاب(1)، وأبو يوسف الميانجي من طريق ابن خزيمة وابن أبي حاتم وزكريّا الساجي بطريقهم عن يونس بن عبـد الاَعلى(2).
والكلام عليه يقع تارةً في متن الحديث، وأُخرى في إسناده.
أمّا متنه:
فإنّه ورد من غير طريق محمّـد بن خالد الجَنَدي، مجرّداً عن هذه الزيادة المنكَرة، فقد أخرجه الطبراني والحاكم في المستدرك(3)، كلاهما من طريق مبارك بن سحيـم، حدّثنا عبـد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالـك، قـال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لـن يزداد الزمان إلاّ شدّة، ولا يزداد الناس إلاّ شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس»(4).
وهذا اللفظ لم تذكر فيه تلك الزيادة المنكَرة الباطلة التي يدركها كلّ عاقل بالبداهة، فدلّ على أنّها من صنيع الجَنَدي(5).
قال الاِمام المحدّث أبو الفيض أحمد بن محمّـد بن الصدّيق الحسنيّ

____________

ه(1) مسند الشهاب 2|68 ح 198.
ه(2) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي 7 عند أهل السُنّة 2|376 ـ: 584.
ه(3) انظر: المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 19|357 ح 835، المستدرك على الصحيحين 4|442.
ه(4) ورواه ابن السمعاني ـ كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 441 ـ بلفظ: «لا يزداد الاَُمراء إلاّ شدّة»، وهو تصحيف ظاهر.
ه(5) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي 7 عند أهل السُنّة 2|376 ـ: 584.

[5]

الغُماريّ المغربيّ في كتابيه إبراز الوهم المكنون و فتح الوهّاب(1): وتلك عادته، فقد زاد أيضاً زيادةً باطلةً في حديثٍ صحيحٍ متّفق عليه، وذلك ممّا يدلّ على القطع بكذبه، فقد ذكر ابن عبـد البرّ في ترجمة يزيد بن عبد الهاد من التمهيد: أنّ محمّـد بن خالد الجَنَديّ هذا روى عن المثنّى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه مرفوعاً: تُعمل الرحال إلى أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الاَقصى، ومسجد الجَنَد.
قال ابن عبـد البرّ ـ عقب ذكر الحديث ـ: محمّـد بن خالد متروك، والحديث لا يثبت.
قال المحقّق الغُماري: يعني بهذه الزيادة التي زادها هذا الدجّال (محمّـد بن خالد الجَنَدي) من إعمال الرحلة إلى مسجد بلده الجَنَد.
وأمّا إسناده:
* ففيه: يونس بن عبـد الاَعلى الصَدَفي.
وقد طعن الناس فيه مع كونه من رجال مسلم وابن ماجة والنسائي بسبب تفرّده بهذا الحديث عن الشافعي.
فأورده الذهبيّ في الضعفاء وقال: وثّقه أبو حاتم وغيره ونعتوه بالحفظ إلاّ أنّه تفرّد عن الشافعي بذاك الحديث «لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم» وهو منكر جدّاً(2).

____________

ه(1) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|378 ـ: 586، فتح الوهّاب بتخريج أحاديث الشهاب 2|109.
ه(2) ميزان الاعتدال 7|317 ح 9917.

[6]

وقال أيضاً في تذكرة الحفّاظ ـ بعد نقل توثيقه ـ: قلت: له حديث منكر عن الشافعيّ(1)، ثمّ ساقه بإسناده.
وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب(2): قال مسلمة بن قاسـم: كـان حافظاً، وقد أنـكروا عليه تفرّده بروايته عن الشـافعيّ حديث «لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم» أخرجه ابن ماجة عنه(3)، وكذا الذهبيّ يدّعي أنّ يونس دلّسه(4).
وذكر الحلواني في رسائله الخمس عن بعضهم: أنّه رأى الشافعي في المنام وهو يقول: كذب عليَّ يونس بن عبد الاَعلى، ليس هذا من حديثي(5).

* وفي إسناده أيضاً: محمّـد بن خالد الجَنَدي، وقد رموه بنكارة الحديث وضعفه.
قال الحافظ شمس الدين الذهبيّ بترجمته في ميزان الاعتدال: قال الاَزدي: منكر الحديث(6). انتهى.
وقال الحاكم وأبو حاتم وأبو الحسين الآبري وابن الصلاح في أماليه والحافظ في التقريب: مجهول(7).

____________

ه(1) تذكرة الحفّاظ 2|527.
ه(2) تهذيب التهذيب 6|278.
ه(3) سنن ابن ماجة 2|1340 ـ 1341 ح 4039.
ه(4) سير أعلام النبلاء 12|351.
ه(5) ذكـره في رسـائله الخمـس المسـمّاة: منظومة القطـر الشهدي في أوصاف المهـدي عليه السلام ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2|118 ـ: 45.
ه(6) ميزان الاعتدال 3|535.
ه(7) تقريب التهذيب 2|157 رقم 6.

[7]

وقال ابن عبـد البرّ: متروك.
وقال ابن تيميّة: لا يحتجّ به.
وحكى الاِمام الحافظ الكنجي في البيان عن الشافعي أنّه قال: كان فيه تساهل في الحديث.
قال: وقد ذكر الشافعيّ في كتاب الرسالة ـ وكتابه أصل ـ قال: اتّفقوا على أنّ الحديث لا يقبل إذا كان الراوي معروفاً بالتساهل في روايته(1). انتهى.
فظهر بذلك أنّ ما ذكره الحافظ عماد الدين ابن كثير في النهاية(2)من كونه شيخ الشافعي، وأنّه ليس بمجهولٍ ـ كما زعم الحاكم ـ بل قد حُكي عن ابن معين أنّه ثقة؛ ليس بشيء، لاَنّهم قد ردّوا على ابن معين توثيقه، ولم يقبلوه منه.
قال الآبري: وإنْ وثّقه يحيى فهو غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلـم والنقـل، وقد اختلفوا في إسناد حديثـه هذا ـ كما ذكره المحقّق ابن الصدّيق في الردّ على ابن خلدون ـ.
ومن المعلوم المقرّر في محلّه أنّ الجرح مقدّم على التعديل، ومَن جرحه قد ذكر سبب جرحه ـ وهو مخالفته وانفراده بما عارض القطعي، مع جهالته ـ، ولم يأتِ ابن معين ـ مع انفراده بتوثيقه ـ بما يثبت عدالته، ولا بما يرفع جهالته، فقول من جرحه مقدّم على جميع الاَقوال ـ كما أفاده المحقّق المذكور ـ.

____________

ه(1) البيان في أخبار صاحب الزمان: 28 ـ 29.
ه(2) البداية والنهاية 1|32.

[8]

هذا، مع شهادة الاَئمّة بجهالته وسقوطه ونكارة حديثه، بل جزم في إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون بأنّه: كذّاب وضّاع.
قلت:
وناهيك بكلام هذا الاِمام المتتبّع الخرّيت المتضلّع في معرفة الاَحاديث وطرقها قولاً فصلاً وحُكْماً جزماً، والله يؤتي الحكمة من يشاء.
* وفي إسناده أيضاً: أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي، مولاهم.
قال ابن عبـد البرّ في التمهيد: أبان بن صالح ضعيف.
وقال ابن حزم في المحلّى: أبان ليس بالمشهور ـ كما بترجمته في تهذيب التهذيب ـ.
وقال العظيم آبادي في عون المعبود: متروك الحديث(1).
قلت:
وسيأتي في كلام الحافظ الذهبي بيان الانقطاع بين يونس بن عبـدالاَعلى وبين الشافعيّ، وكذا بين أبان بن صالح وبين الحسن.
على أنّه اختلف عليه ـ أعني الجَنَدي ـ في حديث الترجمة، فتارةً

____________

ه(1) عون المعبود شرح سنن أبي داود 11|362.

[9]

جعله عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس كما تقدّم.
وتارةً جعله عن أبان بن أبي عيّاش، عن الحسن مرسلاً.
قال الحاكم(1)
: قال صامت بن معاذ: عدلتُ إلى الجَنَد ـ مسيرة يومين من صنعاء ـ فدخلت على محدّث لهم فطلبت هذا الحديث فوجدته عنده، عن محمّـد بن خالد الجَنَدي، عن أبان بن أبي عيّاش، عن الحسن، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، مثله.
قال البيهقي: فرجع الحديث إلى محمّـد بن خالد الجَنَدي ـ وهو مجهـول ـ، عـن أبان بن أبي عيّاش ـ وهو متروك ـ، عـن الحسن، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ؛ وهو منقطع.
قال: والاَحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصحّ ألبتّة(2).
فانكشف ووهى ـ كما قال الذهبيّ في الميزان(3) بعد حكايته هذه العلّة عن البيهقيّ ـ.
قلت:
وفي إسـناده أبـان بـن أبي عيّاش، وهـو ضـعيف متروك لا يحتجّ به ـ كما بترجمته في تهذيب التهذيب(4) ـ.

____________

ه(1) المستدرك على الصحيحين 4|441.
ه(2) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|937 ـ: 578.
ه(3) ميزان الاعتدال 3|535.
ه(4) تهذيب التهذيب 1|65 ـ 67.

[10]

قال الفلاّس وابن سعد: متروك الحديث.
وقال البخاريّ: كان شعبة سيّيَ الرأي فيه.
وقال أحمد بن حنبل: متروك الحديث، ترك الناس حديثه منذ دهر.
وقال أيضاً: لا يُكتب عنه، قيل: كان له هوىً؟ قال: كان منكر الحديث.
وكذا قال وكيع.
وقال ابن معين: ليس حديثه بشيءٍ؛ وقال مرّة: ضعيف؛ وقال مرّة: متروك الحديث.
وكذا قال النسائي والدارقطني وأبو حاتم.
وقال النسائي أيضاً: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.
وقال أبو عوانة: لا أستحلّ أن أروي عنه شيئاً.
وقال ابن حبّان: لعلّه حدّث عن أنس بأكثر من ألفٍ وخمسمائة حديثٍ، ما لكثير شيءٍ منها أصل.
وقال شعبة: ردائي وخماري فـي المـساكين صـدقة إن لم يكن ابن أبي عيّاش يكذب في الحديث.
وقال أيضاً: لاََنْ يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان.
وفي تلخيص المستدرك(1): عن الحاكم قال: حدّثني به ـ يعني حديث (لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم) ـ عبـد الرحمن بن يزداد المزكّي ببخارى من أصله، ثنا عبـد الرحمن بن أحمد الرشديني بمصر، ثنا المفضّل الجَنَدي، ثنا صامت بن معاذ، ثنا يحيى بن السكن، ثنا محمّـد بن خالد

____________

ه(1) تلخيص المستدرك 4|441.

[11]

الجَنَدي، فذكره.
قال الذهبي: يحيى بن السكن ضعّفه صالح جزرة وقال: ليس بقوي الحديث(1).
وكذا ضعّفه الدارقطني(2).
والله الموفّق والمستعان.

* * *

____________

ه(1) ميزان الاعتدال 7|183 رقم 9533.
ه(2) لسان الميزان 1|29.

شاهد أيضاً

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)- ج01 / الصفحات: ٣٤١ – ٣٦٠   ونقول: ...