فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني
19 يوم مضت
بحوث اسلامية
98 زيارة
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
– الحمد لله رب العالمين – وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيدنا ومولانا محمد المبعوث رحمة للعالمين سيد الأولين والآخرين والمنزه عن كل ما هو مشين، وعلى آله الطيبين الطاهرين أعلام الهدى ومصابيح الدجى وأئمة المسلمين. أما بعد فهذه أسئلة أعددتها للمسلمين الباحثين خاصة منهم أهل السنة الذين يظنون أنهم هم وحدهم المتمسكون بالسنة النبوية الصحيحة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم وعلى آله الطاهرين. بل ويشددون نكيرهم على غيرهم من المسلمين وينبزونهم بالألقاب.
وقد بعثت في شتى البلاد الإسلامية جمعيات جديدة باسم الدفاع عن السنة المحمدية – وباسم أنصار السنة وأنصار الصحابة، وكتبت كتب عديدة لشتم وتكفير الشيعة وأئمتهم والاستهزاء بعلمائهم، وروجت وسائل الإعلام العالمية هذه الأفكار في كل أقطار العالم الإسلامي وغير الإسلامي، وأصبح حديث الناس اليوم هو السنة والشيعة.
وكثيرا ما ألتقي في المناسبات مع بعض الشباب المثقف من المسلمين الصادقين الذين يتساءلون ويسألون عن حقيقة الشيعة وباطلهم، وهم حائرون بين ما يشاهدونه ويعيشونه مع أصدقاء لهم من الشيعة وما
(٥)
يسمعونه ويقرؤونه عنهم ولا يعلمون أين يوجد الحق. وقد تحدثت مع البعض منهم وأهديت لهم كتابي ثم اهتديت والحمد لله أن الأغلبية من هؤلاء وبعد المناقشة والبحث يهتدون لمعرفة الحق فيتبعونه، ولكن هذا يبقى مقصورا على نخبة من الشباب الذين ألتقي بهم صدفة، أما البقية فقد لا يتاح لهم مثل هذا اللقاء فتبقى مشوشة الفكر بين الآراء المتضاربة.
وبالرغم من وجود الأدلة المقنعة والحجج الدامغة في كتاب ثم اهتديت وكتاب مع الصادقين إلا أنهما لا يكفيان لمواجهة تلك الحملات المسعورة والدعايات المكثفة التي تمولها بعض الجهات الشريرة بالبتر ودولار في مختلف وسائل الأعلام.
وبالرغم من كل ذلك سيبقى صوت الحق مدويا وسط الضوضاء المزعجة ويبقى بصيص النور مضيئا الظلام الدامس لأن وعد الله حق ولا بد لوعده من نفاذ قال تعالى:
يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون [الصف: 8].
وقال تعالى مبينا بأن أعمالهم هذه ستبوء بالفشل وتنقلب عليهم: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون [الأنفال: 36].
لأجل ذلك، كان واجبا على العلماء والكتاب والمفكرين أن يوضحوا للناس ما أشكل عليهم ويهدوهم سواء السبيل. قال تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم [البقرة: 160].
فلما لا يتكلم العلماء ويبحثون في هذا الموضوع بجد وإخلاص لوجه الله تعالى، وإذا كان سبحانه قد أنزل البينات والهدى، وإذا كان قد أكمل الدين وأتم النعمة، وإذا كان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قد أدى
(٦)
الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة، فلماذا هذه التفرقة والعداوة والبغضاء والتنابز بالألقاب، وتكفير بعضنا البعض.
وأنا بدوري أقف وقفة صريحة هنا لأقول لكل المسلمين بأن لا خلاص ولا نجاة ولا وحدة ولا سعادة ولا جنة إلا بالرجوع إلى الأصلين الأساسين كتاب الله وعترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا بالركوب في سفينة النجاة وهي مركب أهل البيت عليهم السلام. وليس هذا القول كلاما من اختراعي، إنما هو كلام الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إن المسلمين اليوم أمام اتجاهين اثنين في طريق الوحدة المنشودة.
الأول: هو أن يقبل أهل السنة والجماعة بمذهب أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو ما يأخذ به الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، ويصبح بذلك المذهب الخامس لديهم ويتعاملون مع نصوص الفقهية بالنحو الذي يتعاملون به مع المذاهب الإسلامية الأربعة، فلا ينقصونه ولا ينبزون معتنقيه بشئ ويتركون للطلبة والمثقفين حرية اختياره المذهب الذي يقتنعون به، وضمن نفس السياق فإن على المسلمين – سنة وشيعة – القبول بالمذاهب الإسلامية الأخرى كالأباضية والزيدية.. ورغم أن هذا الاتجاه يمثل حلا يوفر على أمتنا كثيرا من التنافر والتفرقة إلا أنه لا ينهض إلى مستوى المعالجة الحاسمة للمعضل التاريخي الذي تعيشه منذ قرون.
* الاتجاه الثاني: هو أن يتوحد المسلمون كافة على عقيدة واحدة رسمها كتاب الله ورسوله وذلك عن طريق واحد وصراط مستقيم وهو اتباع أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولهذا السبب فالمسلمون كافة سنة وشيعة متفقون على أعلميتهم وتقدمهم في كل شئ من تقوى وورع وزهد وأخلاق وعلم وعمل، ويختلف المسلمون في الصحابة، فليدع المسلمون ما اختلفوا فيه إلى ما اتفقوا عليه، من باب قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. فتجتمع بذلك الأمة وتتوحد على قاعدة أساسية هي مدار كل شئ أسسها صاحب الرسالة في قوله:
تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا،
(٧)
كتاب الله وعترتي أهل بيتي صحيح مسلم.
وإذا كان هذا الحديث صحيحا عند الطرفين بل عند كل المسلمين على اختلاف مذاهبهم، فما بال قسم من المسلمين لا يعمل به؟؟؟ ولو عمل المسلمون كافة بهذا الحديث لنشأت بينهم وحدة إسلامية قوية لا تزعزعها الرياح ولا تهدها العواصف، ولا يبطلها الإعلام ولا يفشلها أعداء الإسلام.
وحسب اعتقادي أن هذا هو الحل الوحيد لخلاص المسلمين ونجاتهم وما سواه باطل وزخرف من القول، والمتتبع للقرآن والسنة النبوية والمطلع على التاريخ والمتدبر فيه بعقله يوافقني بلا شك على هذا.
أما إذا فشل الاتجاه الأول وهو فاشل من أول يوم فارق فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحياة حيث اختلف الصحابة وتسبب ذلك في انقسام الأمة وتمزيقها، وحيث فشلت الأمة عبر قرون في الرجوع إلى الاتجاه الثاني وهو الاعتصام بالكتاب والعترة، لما بثته وسائل الإعلام قديما في العهدين الأموي والعباسي، وحديثا في عصرنا الحاضر من تشويه وتضليل وتكفير لأتباع أهل البيت النبوي – فلم يبق أمامنا حينئذ إلا المواجهة بصراحة وإظهار الحق لكل من يرغب به، متوخين في ذلك أسلوب القرآن الكريم إذ يتحدى فيقول:.. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [البقرة:
111]. والبرهان والحجة لا يفرضان بالقوة ولا بالأموال ولا يطرحان بوسائل الترغيب والترهيب عند الأحرار الذين باعوا أنفسهم لله وحده ولم ولن يرضوا بديلا للحق ولو كلفهم ذلك إزهاق النفوس.
فيا ليت علماء الأمة اليوم يعقدون مؤتمرا ليبحثوا فيه هذه المسائل بقلوب منفتحة وعقول واعية ونفوس صافية، ويخدمون بذلك الأمة الإسلامية ويعملون على لم شتاتها وتضميد جراحاتها وتوحيد صفوفها وجمع كلمتها.
إن هذه الوحدة قادمة لا محالة أحبوا أم كرهوا لأن الله سبحانه رصد لها إماما من ذرية المصطفى سيملئها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. وهذا الإمام هو من العترة الطاهرة وكأن الله سبحانه جلت حكمته يمتحن
(٨)
هذه الأمة طيلة حياتها، حتى إذا قرب أجلها كشف لها عن خطأ اختيارها وأعطاها فرصة للرجوع إلى الحق واتباع النهج الأصيل الذي دعا إليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
وإلى أن يحين ذلك الوقت أقدم كتابي هذا فاسئلوا أهل الذكر وهو جملة من الأسئلة مع الإجابة عليها من خلال مواقف وتعاليم أئمة أهل البيت سلام الله عليهم – عسى أن يستفيد منها المسلمون في كل البلاد الإسلامية ويعملوا على تقريب وجهات النظر للإعداد للوحدة المنشودة.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، أسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل عملي ويجعل فيه الخير والبركة، فما هو إلا لبنة واحدة لبناء رباط الوحدة.
أقول هذا لأن المسلمين اليوم ما زالوا بعيدين عن أبسط حقوق الإنسان والتعامل بالحسنى مع بعضهم البعض.
لمست ذلك بنفسي خلال رحلاتي وزياراتي الكثيرة في البلدان الإسلامية أو البلدان التي فيها مسلمون. وآخرها عهدا في القارة الهندية التي يسكنها أكثر من مائتي مليون مسلم ربعهم شيعة وثلاثة أرباعهم من السنة، وقد سمعت عنهم الكثير ولكن ما شاهدته يبعث فعلا على الدهشة والحيرة والخوف، ولقد تأسفت وبكيت على مصير هذه الأمة،
وكاد اليأس يدب إلى قلبي لولا الرجاء والأمل والإيمان.
وفور رجوعي من الهند أرسلت رسالة مفتوحة إلى العالم الهندي الذي يرجع إليه أهل السنة والجماعة في تلك القارة وهو أبو الحسن الندوي ووعدته بنشرها مع الرد عليها ولكن لم أتلق الرد عليها حتى الآن وإني أنشرها في مقدمة هذا الكتاب كما هي لتكون وثيقة تاريخية تشهد لنا عند الله وعنه الناس بأننا من دعاة الوحدة.
الدكتور محمد التيجاني السماوي
(٩)
2024-11-25