الرئيسية / الاسلام والحياة / شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١

شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١

القول في نسب الرضي أبي الحسن رحمه الله وذكر طرف من خصائصه ومناقبه هو أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن موسى بن جعفر الصادق عليه السلام. مولده سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.
وكان أبوه النقيب أبو أحمد جليل القدر، عظيم المنزلة في دولة بني العباس ودولة بني بويه، ولقب بالطاهر ذي المناقب، وخاطبه بهاء الدولة أبو نصر بن بويه بالطاهر الأوحد، وولي نقابة الطالبيين خمس دفعات، ومات وهو متقلدها بعد أن حالفته الأمراض، وذهب بصره، وتوفي عن سبع وتسعين سنة، فإن مولده كان في سنة أربع وثلاثمائة، وتوفي سنة أربعمائة. وقد ذكر ابنه الرضى أبو الحسن كمية عمره في قصيدته التي رثاه بها، وأولها:
وسمتك حالية الربيع المرهم * وسقتك ساقية الغمام المرزم (1) سبع وتسعون اهتبلن لك العدا * حتى مضوا وغبرت غير مذمم لم يلحقوا فيها بشأوك بعد ما * أملوا فعاقهم اعتراض الأزلم (2) إلا بقايا من غبارك أصبحت * غصصا وأقذاء لعين أو فم إن يتبعوا عقبيك في طلب العلا * فالذئب يعسل في طريق الضيغم (3) ودفن النقيب أبو أحمد أولا في داره، ثم نقل منها إلى مشهد الحسين عليه السلام.
وهو الذي كان السفير بين الخلفاء وبين الملوك من بنى بويه والامراء من بني حمدان وغيرهم. وكان مبارك الغرة ميمون النقيبة، مهيبا نبيلا، ما شرع في إصلاح أمر فاسد
(1) ديوانه، لوحة 153 (2) الأزلم: الدهر.
(3) عسل الذئب: مضى مسرعا واضطرب في عدوه.
(٣١)

إلا وصلح على يديه، وانتظم بحسن سفارته، وبركة همته، وحسن تدبيره ووساطته.
ولاستعظام عضد الدولة أمره، وامتلاء صدره وعينه به حين قدم العراق ما (1) قبض عليه وحمله إلى القلعة بفارس، فلم يزل بها إلى أن مات عضد الدولة، فأطلقه شرف الدولة أبو الفوارس شير ذيل بن عضد الدولة، واستصحبه في جملته حيث قدم إلى بغداد، وملك الحضرة، ولما توفي عضد الدولة ببغداد كان عمر الرضي أبي الحسن أربع عشرة سنة، فكتب إلى أبيه وهو معتقل بالقلعة بشيراز:
أبلغا عنى الحسين ألوكا * أن ذا الطود بعد عهدك ساخا (2) والشهاب الذي اصطليت لظاه * عكست ضوءه الخطوب فباخا (3) والفنيق الذي تذرع طول الأرض * خوى به الردى وأناخا (4) إن يرد مورد القذى وهو راض * فبما يكرع الزلال النقاخا (5) والعقاب الشغواء أهبطها النيق وقد أرعت النجوم صماخا (6) أعجلتها المنون عنا ولكن * خلفت في ديارنا أفراخا وعلي ذاك فالزمان بهم عاد * غلاما من بعد ما كان شاخا وأم الرضي أبي الحسن فاطمة بنت الحسين (بن أحمد) (7) بن الحسن الناصر الأصم صاحب الديلم، وهو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. شيخ الطالبيين وعالمهم وزاهدهم، وأديبهم وشاعرهم،
(1) ما هنا بمعنى المصدر.
(2) لوحة 182.
(3) بأخ: سكن وفتر.
(4) الفنيق في الأصل: الفحل المكرم لا يؤذي لكرامته على أهله ولا يركب.
(5) النقاخ: البارد العذب الصافي.
(6) الشغواء من وصف العقاب، قيل لها ذلك لفضل في منقارها الأعلى على الأسفل. والنيق: حرف من حروف الجبل.
(7) تكملة من أ.
(٣٢)

ملك بلاد الديلم والجبل، ويلقب بالناصر للحق، جرت له حروب عظيمة مع السامانية، وتوفي بطبرستان سنة أربع وثلاثمائة، وسنة تسع وسبعون سنة، وانتصب في منصبه الحسن ابن القاسم بن الحسين الحسني، ويلقب بالداعي إلى الحق.
وهي أم أخيه أبى القاسم علي المرتضى أيضا.
وحفظ الرضي رحمه الله القرآن بعد أن جاوز ثلاثين سنة في مدة يسيرة، وعرف من الفقه والفرائض طرفا قويا. وكان رحمه الله عالما أديبا، وشاعرا مفلقا، فصيح النظم، ضخم الألفاظ، قادرا على القريض، متصرفا في فنونه، إن قصد الرقة في النسيب أتى بالعجب العجاب، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح (1) أتى بما لا يشق فيه غباره، وإن قصد في المراثي جاء سابقا والشعراء منقطع أنفاسها على أثره. وكان مع هذا مترسلا ذا كتابة قوية، وكان عفيفا شريف النفس، عالي الهمة، ملتزما (2) بالدين وقوانينه، ولم يقبل من أحد صلة ولا جائزة، حتى أنه رد صلات أبيه، وناهيك بذلك شرف نفس، وشدة ظلف (3). فاما بنو بويه فإنهم اجتهدوا على قبوله صلاتهم فلم يقبل.
وكان يرضى بالاكرام وصيانة الجانب وإعزاز الاتباع والأصحاب، وكان الطائع (4) أكثر ميلا إليه من القادر (5)، وكان هو أشد حبا وأكثر ولاء للطائع منه للقادر، وهو القائل للقادر في قصيدته التي مدحه بها، منها:
(1) ب: ” في المدح وغيره “.
(2) ب: ” مستلزما “، وما أثبته عن أ.
(3) الظلف، من ظلف نفسه عن الشئ بظلفها ظلفا: منعها وحبسها.
(4) هو أبو بكر عبد الكريم الطائع لأمر الله، بويع بالخلافة له سنة 363، ثم خلع، وقبض عليه الديلم سنة 381، وبويع لأخيه القادر، فحمل إليه الطائع، وبقي عنده إلى أن توفي سنة 393. الفخري 254، وابن الأثير حوادث سنة 381.
(5) هو أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر، المعروف بالقادر، بويع له بالخلافة بعد خلع أخيه، وتوفي سنة 422. الفخري 254.
(٣٣)

شاهد أيضاً

الادميرال تنكسيري: بنينا قطعة بحرية لإطلاق الصواريخ تبلغ سرعتها 116 عقدة

قال قائد القوة البحرية في حرس الثورة الإسلامية الايرانية الأدميرال “علي رضا تنكسيري” ، انه ...