الرئيسية / من / طرائف الحكم / محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي

محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي

ويرجو التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إذا أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي منها الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، إن أصابه بلاء دعا مضطرا، وإن ناله رخاء أعرض مغترا، يقصر إذا عمل، ويبالغ إذا سئل، يصف العبرة ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يزدجر، فهو بالقول مدل، ومن العمل مقل، يناقش فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى، يرى المغنم مغرما، والمغرم مغنما، يخشى الموت، ولا يبادر الفوت، يستعظم عن معصية غيره ما يستقله من معاصي هواه، ويستكثر من طاعته ما يستحقره من طاعة سواه، فهو على الناس طاعن، ولنفسه مداهن، يهوى دارا أولها عناء، وآخرها فناء، في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها افتتن، ومن افتقر فيها حزن، من سعى إليها فاتته، ومن قعد عنها أتته، من أبصر بها بصرته، ومن أبصر إليها أعمته.
فقال عليه السلام: دنياك مثل الشمس تدني إليك الضوء لكن وعرة المسلك، إذا أبصرت إلى نورها تعش وإن تبصر به تدرك.
يا نفس:
إنما الكرم التنزه عن المساوي، والورع التطهر عن المعاصي.
واعلمي: أن آفة العقل الهوى، وآفة النفس الوله بالدنيا، وآفة الطاعة العصيان، وآفة النعم الكفران، وآفة الأعمال عجز العمال، وآفة الآمال حضور الآجال، والبصير من سمع ففكر، ونظر وأبصر، وانتفع بالعبر، والسعيد من خاف العقاب فآمن، ورجا الثواب فأحسن.

(٦٦)

يا نفس:
إذا كان البقاء لا يوجد فالنعيم زائل، وإذا كان القدر لا يرد فالاحتراس باطل.
واعلمي: أنه بالعفاف تزكو (1) الأعمال، وبالصدقة تفسخ الآجال، وبالطاعة يكون الإقبال، وأن الله إذا أحب عبدا بغض (2) إليه المال، وقصر منه الآمال، وإذا أراد بعبد شرا حبب إليه المآل، وبسط منه الآمال.
يا نفس:
إنك ستؤاخذين بقولك فلا تقولي إلا خيرا، وتجازين بفعلك فلا تفعلي إلا برا، وأنه بقدر اللذة يكون التغصيص، وبقدر السرور يكون التنغيص، وبالطاعة تحصل المثوبة لا بالكسل، وبالعمل تحصل الجنة لا بالأمل، وبالأعمال الصالحات ترفع الدرجات، وبالتوبة تمحص السيئات، وبادري العمل عمرا ناكسا، ومرضا حابسا وموتا خالسا.
(1) في أ: تركن.
(2) في ب: أبغض.
(٦٧)

يا نفس:
حب الرئاسة رأس المحن، وحب المال سبب الفتن، وحب الدنيا يوهن الدين، ويفسد اليقين، وحق يضر خير من باطل يسر، وخير الأعمال ما قضى اللوازم واكتسب شكرا وخير الأموال ما أعان على المكاره واسترق حرا (1)، وخير الناس من إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا ظلم غفر، وإذا أحسن استبشر، وإذا أساء استغفر.
يا نفس:
حاصل المعاصي التلف، وحاصل الأماني الأسف، وحاصل التواضع الشرف، ودرك الخيرات، ونيل السعادات، بلزوم الطاعات، والأعمال الزاكيات.
واعلمي: أن دوام الفكر والحذر يؤمن من الزلل والعثر، وأن دوام الاعتبار يؤدي إلى الاستبصار، ويثمر الازدجار، وأن ذهاب البصر خير من عمى البصيرة، وذهاب النظر خير من النظر إلى ما يوجب الجريرة.
يا نفس:
رحم الله امرءا قصر الأمل، وبادر الأجل، واغتنم المهل، وأحسن العمل.
ورحم الله امرءا ألجم نفسه عن معاصي الله بلجامها، وقادها إلى طاعة
(1) في أ: جدا.
(٦٨)

الله بزمامها.
فردي من طول أملك في قصر أجلك، ولا تغرنك صحة نفسك، وسلامة أمسك، وأن مدة العمر قليلة، وسلامة الجسم مستحيلة.
شعر:
كل حياة إلى ممات * وكل ذي جدة تحول كيف بقاء الفروع يوما * وقد ذوت دونها الأصول يا نفس:
زهدك في الدنيا ينجيك، ورغبتك فيها ترديك، وسبب الشقاء حب الدنيا، وسبب فساد العقل الهوى، وسبب صلاح النفس الورع، وسبب فسادها الطمع.
واعلمي: أن شر الناس: الطويل الأمل، السيئ العمل، الذي ينصر الظلوم، ويعين على المظلوم، وشر الناس من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره.
يا نفس:
شتان بين عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وبين عمل تذهب مؤنته وتبقى مثوبته.
واعلمي: أن شيمة العقلاء قلة الشهوة والغفلة (1)، وسجية الأتقياء اغتنام المهلة والتزود للرحلة، فشقي أمواج الفتن بسفن النجاة، وشوقي نفسك إلى نعيم الجنات، تحبين الموت وتمقتين الحياة.
(1) أي: وقلة الغفلة، وفي ب: والعفة.
(٦٩)

يا نفس:
طوبى لمن راقب ربه، وخاف ذنبه، وشغل بالفكر قلبه، وطوبى لمن أطاعت نفسه ناصحا يهديه، وتجنبت غاويا يرديه (1)، قصر همته على ما يعنيه، وجعل كل جده لما ينجيه، وطوبى لمن بادر أجله، وأخلص عمله، وقصر أمله، واغتنم مهله، وطوبى لمن كذب مناه وأخرب دنياه لعمارة أخراه، وملك هواه ولم يملكه، وعصى أمر نفسه فلم تهلكه، وطوبى لمن تحلى بالعفاف، ورضي بالكفاف، وتجنب الإسراف، وندم على زلته، واستدرك فارط عثرته، وطوبى لمن بادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه، والعمل الصالح قبل أن تنقطع أسبابه.
يا نفس:
طلب الجمع بين الدنيا والآخرة من خداع النفس، وطالب الخير بعمل الشر فاسد العقل والحس، وطالب الدنيا بالدين معاقب مذموم وضلالة (2)، وطالب المراتب والدرجات بغير عمل جهالة، وطلب الجنة بلا عمل حمق، وطلب الثناء بغير استحقاق خرق (3) وطالب الآخرة يدرك منها أمله، ويأتيه من الدنيا ما قدر له، وطالب الدنيا تفوته الآخرة، ولا يدرك من الدنيا إلا الصفقة الخاسرة.
(1) في أ: وطوبى لمن أطاع ناصحا يهديه وتجنب غاويا يرديه.
(2) في أ: ذو ضلالة.
(3) في أ: الخرق بالضم: خلاف الرفق، ورجل خرق أي أحمق، قاله المطرزي.
(٧٠)

شاهد أيضاً

على خطى الحسين (عليه السلام) د. أحمد راسم النفيس

استشهد الإمام الحسن (عليه السلام) في ربيع الأول عام تسعة وأربعين، وحمل الإمام الحسين (عليه ...